الجاني الشرير.. كسر الصورة النمطية للرجل في أدب المرأة

السبت 2021/05/01
غرافيكس "الجديد"

الرواية بنت الواقع، ومرآته، ولوحته التذكارية. تفتح نوافذ مشاهدة ومعايشة لما يحدث، وتتنقل بين شخصيات متنوعة الانتماءات والطبقات والثقافات، ليُصبح السارد أداة إضاءة لعتمة البشر الذين بالضرورة يختلفون عنه. من هُنا كان سرد الكاتبات العرب لحكايات أبطالها من الرجال تحديا لافتا، إذ كان عليهن التخلي عن قناعاتهن الذاتية، ومشاعرهن الإيجابية والسلبية تجاه الرجل، لتقديم كتابة مقاربة للواقع. فالروائي الحق هو ذلك المُنخلع عن ذاته، المتخلص من آرائه، والمنفصل عن رؤاه وكينونته وانتمائه القومي والعقائدي حال الكتابة. هو المتحرر من كُل قيد، والمنطلق بلا حدود، والمُقبل على الفن دون اعتبار لأيّ إشارات مرور.

في روايات كثير من الكاتبات العرب لم يكن الأمر يسيرا، فالكتابة بلسان الرجل وبإحساسه وتصوره تتطلب جهدا وإبحارا واطّلاعا وتحررا يجعل الأمر نفسه محل صراع نفسي دائم لدى كل كاتبة. وناقشت “الجديد” تجارب كاتبات كثيرات كتبن عن الرجل وباسمه وعلى لسانه في محاولات لتقديمه بعيدا عن مواقفهن الذاتية، انتصارا للقيمة الفنية، وتحيزا للجمال الإبداعي.

تباين نصي

هناك اتفاق عام على تباين نصوص النساء عن الرجال، فالتنوع الجيني خاصة في العالم العربي يظهر بجلاء في الكتابة. وترى الأديبة المصرية سلوى بكر أن التمايز واضح وصريح بين الرجل والمرأة في الإبداع السردي، بسبب اختلاف التجربة الإنسانية في المجتمعات العربية والإسلامية.

وقالت لـ”الجديد”، إن التجربة لدينا مختلفة على أساس مجتمعي، فالمرأة معنية بوظائف الحياة وعلى رأسها الحمل والإنجاب والرجل منوط بصناعة العالم، وهو وضع قديم تاريخي والعالم الحديث بدأ في التخلص منه الآن شيئا فشيئا، لذا فإننا نقابل في بعض الأماكن امرأة تقود طائرة أو شاحنة، مثلما نجد وزيرة للحربية أو رئيسة لجهاز أمني.

مازال الأمر مختلفا لدينا حسب تصورها، فإبداع الرجل يختلف بشكل واضح عن إبداع المرأة ومن الصعب تماثلهما. وتتابع قائلة “إننا نجد الرجل عندما يقدم امرأة ما في عمل أدبي فإنه يركز على جمالها ويصف جسدها ومفاتنها، أما المرأة فقد تحكي عن لطف امرأة أو أناقتها أو أسلوب حديثها وقدرتها على التأثير فيمن هم أمامها”.

وأضافت “إنني أستغرب بشدة من بعض الأديبات اللاتي تكتبن بصوت مغاير وتستعرن عين الرجل في الكتابة، لا أعتقد أن ذلك موضوعي، لا بد عندما نقرأ نصا نشعر بصدقه”.

على جانب آخر، هناك من ترين أن الكتابة بصوت الرجل ليست ضعفا، وإنما تعبّر عن اتساع وجداني وقدرة على التخييل، وفي هذا النمط من المفترض على الكاتبات التخلص من تفضيل هذا النوع تماما.

كسر النمطية

أكدت القاصة والناقدة الأدبية أماني فؤاد، أستاذ النقد الأدبي بأكاديمية الفنون بالقاهرة، لـ”الجديد”، أن فكرة الإفلات من الصورة النمطية للرجل الشرقي لدى الكاتبات تحمل مستويات متعددة لصورة الرجُل في سرد المرأة. فالطابق الأساس يجسِّد ما تعايشه المرأة في الواقع من وجود للرجُل في المجتمعات العربية، وهي عادةً لم تزل صورة نمطية يظهر فيها الرجُل مهيمنا، يريد أن يُعلن تحكُّمه وسيادته، التي لم يزل يؤرقه للغاية لو سُحبت منه بعض تجلياتها مع تطور شخصية المرأة ومكتسباتها، أما الطوابق العليا فتتضمن صورة مُثلى للرجُل؛ تُخلَّق ورقيًّا مما تأمُله وتصبو إليه المرأة من نموذج للرجُل الأمثل، الذي يخاتل أفقها الذهني والعاطفي.

وأوضحت هناك طوابق أخرى ترصد للتحولات التي طرأت على شخصية الرجُل، فالمرأة التي تعي العالَم من حولها وتؤمن بقدراتها، عادة ما تبحث عن الرجُل الشريك، لا المتحكم العنيد، تبحث عن الإنسان الذي يؤمن بها وبحقوقها، يحبها وتشعر معه بصفات الرجولة؛ حيث الاحتواء والفهم والأمان والمساندة، كما تقدِّم هي له هذا كثيرا.

وأشارت إلى أنه من الملاحَظ أن هذا النموذج من الرجال لم يعد له وجود إلا نادرا، فقد حدَثَتْ تحولات شديدة في بنية وتكوين نماذج الرجال، فالفردية والأنانية والرغبة في كل شيء، وثقافة الاستهلاك، والصعوبات الاقتصادية التي تسود العالَم على المستوى العام، بالإضافة إلى القهر السياسي والحروب في الجانب الإقليمي العربي في بعض دوله، كما أن تدليل بعض الأُسَر للأبناء الذكور في مجتمعاتنا الشرقية؛ أوجد نماذج من الرجال لم تعد المرأة تراها تملأ العين أو تدعو للاحترام، أو يمكن الاعتماد عليها كثيرا.

نموذج اللابطل

لوحة أسامة دياب
لوحة أسامة دياب

 تعترف أماني فؤاد قائلة “في سردي للقصة القصيرة لم أُفلِتْ من كل هذه النماذج التي تحدَّثتُ عنها وذكرتها، فكل هذه النماذج متجاورة في المجتمع أمامي، وكل امرأة جسَّدت شخصية رئيسة في نصوصي؛ واجهتْ نموذجًا من هؤلاء الرجال، وأدركت مع الوقت أن كلنا آخَر بالنسبة إلى بعضنا البعض، فالرجُل بالنسبة للمرأة آخَر، كما أن المرأة بالنسبة إلى الرجُل آخَر.”

وتحدثت في إحدى دراساتها النقدية عما أسمتُه “اللابطل” في السرد الحديث، ورأت أن الرجُل الفارس البطل الذي حلمتْ به المرأة من الصعب للغاية أن يوجد في مجتمعاتنا العربية، والتي تواجه أنواعًا متعددة من الانكسارات، لذا فإن المرأة التي صادفت هذا النموذج في الحياة هي امرأة محظوظة.

 وعادةً ما تخرُج أماني فؤاد عن قيْد الواقع وجموده في النماذج المقدَّمة للرجال والنساء في قصصها القصيرة بوضْعها في طقس فانتازي أو غرائبي؛ وهو ما يتيح لنصوصها أن تَلِجَ مناطق مفارِقة للواقع.

وقالت “إننا لا ندرك الأشخاص الموجودة في الواقع كما هي عليه في الحقيقة، وإنما كما تتراءى لنا من خلال منظورنا العقلي والوجداني وطبيعتنا، من ثم فنحن نضفي ظلالا من لدُنَّا، ونتوقع صفات وسمات لَدَى الأشخاص الماثلين أمامنا، قد تكون ليست فيها، وأحسب أنني افترض الخير والنقاء في الآخرين، ومن ثم تقع المفارقات، وتصبح موجِعة أكثر مما ينبغي، ويقول الفلاسفة إن ما نطلق عليه واقعا ليس واقعا على الأرجح، لكنها النظرة المثالية للوجود”.

ويحدد مدى بُعد المسافة بين الصورة والواقع صواب أو خطأ الرؤية، حيث يسود الوهم حين تكبر المسافة بين الصورة الذهنية للشخص وحقيقته الواقعية، فالكل، نساء ورجالا، يعيشون أوهاما عن الآخرين، غير أن أوهام النساء أكبرُ، لأنهن أقلُّ خبرة بتعقيدات الحياة.

ورأت أماني فؤاد، أن مأساة بعض الرجال، تتمثل في أنهم كلما شعروا بقوة وتأثير حضور المرأة، وقدرتها على التعبير عن ذاتها، وباستطاعتها أن تحدد ما تريده وترتضيه؛ كلما ضاقوا وفضَّلوا هذا الكائنَ السابق، الذي روَّضوه.

وتظل كتابة المرأة عن الرجُل وحوله في مجتمعاتنا العربية، يحوطها الكثير من التحفظات، وتخضع لكونها واقعة دائما في منطقة شائكة، منطقة يحددها كثير من المحاذير المجتمعية، فلم يزل ما يُقبَل من الرجُل لا يُقبَل عادةً من المرأة، حيث يربط القارئ مباشرة بين الشخوص التي تكتب عنها المرأة وتجربتها الشخصية، ويبحثون عنها داخل النَّص، ولذا أتصور أن كتابة المرأة للسرد لا تحظى بنفس هامش الحرية التي يحظى بها الرجُل، ولذا تجتهد بعض الكاتبات في إيجاد تقنيات فنية تجعلها تُلمِّح، وتُكَنِّي، وتُرمِّز لكثير مما تريد أن تبوح به.

تنويع شخصيات

تعتقد بعض الكاتبات أن تميزهن في الكتابة يستدعي القدرة على تبديل وتغيير السمات الحاكمة لكل شخصية لديها، مع تنويع صور الرجال لديها، حيث قالت الروائية المصرية ضُحى عاصي، والتي دخلت روايتها الأحدث “غيوم فرنسية” في قائمة ساويرس للرواية هذا العام، أن قلم الكاتب يُعبّر عن خبرته ورؤيته للعالم، وبالتالي، فالكتابة عن الرجل جزء من وعى الكاتبة وخبراتها والعكس، فاذا كانت الكاتبة تعيش في مجتمع يرى الرجل يقدم الرجل بصورة معينة، فغالبا ستكون الكتابة انطلاقا من هذا التصور، سواء بالقبول أو الرفض. من هنا ظهرت كتابات نسائية كثيره في حقبة ما تتحدث عن هذه الأزمة الناتجة عن وضع نمطى فرضته التقاليد وثقافه المجتمع.

كما تتغير هذه الصورة وتتبدل باختلاف الزمن والمكان والمكون الثقافي، وتتسع الرؤية كلما استطاعت الكاتبة التخلص من ضغط الموروث والتحليق بالشخصيات لمسافات  أبعد من التجربة الذاتية أو الخبرة المجتمعية أو الرؤية التي يغلب عليها ثقافة التعميم.

ولفتت ضُحى عاصي لـ”الجديد”، إلى أنها تستطيع أن تتخيل أن قلم المرأة المبدعة يخرج من هذه الأطر النمطية كلما استطاعت التحقق وامتلاك شخصية مستقلة، فوقتها تبدع الكاتبة وتستطيع أن تكتب شخصياتها بحيادية وموضوعية وبصورة بعيدة تماما عن التنميط.

وبالنسبة لتجربتها في الكتابة عن الرجل، تشير إلى أنها في رواية “القاهرة 104” والتي كانت البطولة فيها لنساء يعانين من الإحباط في الحب فقد حاولت التخلص من الاتهام التقليدي الموجّه من النساء للرجال، وركزت على فتح الرؤية لرؤية يبدو الرجل فيها بعيدا عن رؤية نساء الرواية كمتخلي أو مستهتر أو جاني.

أما الروائية الشابة دعاء البادي، والتي فازت روايتها “زهرة الأندلس” بجائزة الطيب صالح للرواية في 2019، فترى أن الكتابة النسوية عموما تقدم المرأة في صورة نمطية مكررة، فإما هي مغلوبة على أمرها  أمام واقعها أو متحدية له بشكل فج.

وأكدت لـ”الجديد”، أن هذه النمطية تغلب أيضا على صورة الرجل الذي يوضع كثيرا في خانة الشرير أو على أحسن تقدير اللامبالي الذي صنع ألم المرأة. من هنا تُسمي معظم ما يقدم من الكاتبات بأدب البكائيات وليس أدب الكاتبات العربيات.

وأشارت البادي إلى محاولاتها للفكاك من تلك النمطية في الكتابة، من خلال التخلص من فخ التمييز بين الرجل والمرأة في الكتابة، حيث يساعدها في  ذلك طبيعة الموضوعات التي تطرحها  وهي غالبا ما تسعى لإبراز المعاناة الإنسانية دون تمييز على مستوى الجندر أو النوع الاجتماعي، وتبذل جهدا في محاولة الاقتراب من عالم الرجل والتحدث بلسانه، وقد وصل الأمر بها أنها كررت استخدام تكنيك الصوت كلغة سرد للتوحد مع تفكير البطل.

وتفضل أن يكون أبطال نصوصها من الرجال لأنهم بطبيعة الحال يتمتعون بحرية كبير داخل المجتمع، ما يمنحنها بالتبعية حرية كبيرة في طرح القضايا على تنوعها ومرونة في الحكي، “لو أنني أطلقت قلمي بناء على تصوراتي عن الرجل فقطعا سأفقد الحيادية ما ينعكس سلبا على القضية التي أطرحها داخل النص وحتما سيشعر القارئ بذلك وأفقد ثقته بالضرورة، إلى جانب أنني أفقد القراء من الرجال فأنا على طول الخط سأكون مهاجمة لهم”.

وتلجأ بعض الكاتبات إلى تنويع سمات شخوصها من الرجال للإفلات من اتهامهن بالتمييز الجيني فنراه مرة شخصا عنيدا وحادا ومتخما بالشرور، ونراه في حين آخر طيبا وشهما ونبيلا. وعن ذلك تقول الأديبة المصرية صفاء النجار، لـ”الجديد”، إنها عندما تكتب لا تنطلق من محددات متعمدة لرسم الشخصيات المفترضة، لكنها تترك القلم ليعيد تشكيل كل شخصية رسمها ذهنها تدريجيا، ما يعني أن كل شخصية تتشكل وتتحدد سماتها من خلال تفاعلها مع المحيط بها.

وتتذكر أن أول قصة كتبتها كان بطلها موظفا يعاني من تعارض موعد انصرافه للعمل مع موعد قطاره اليومي، ويحتاج لربع ساعة إذن انصراف مبكرا كي يلحق بالقطار ولا يضطر لانتظار القطار التالي. وفي هذه القصة لم تصف الرجل وإنما كانت متعاطفة معه إنسانيا في مواجهة رئيسه في العمل، القاسي والمتشدد.

وفي نظر النجار، لكل عمل طبيعته الخاصة التي تفرض على الكاتب/الكاتبة نمطا معينا يتجاوز كثيرا فكرة الجينية، لكن من المنطقي أن يغلب على الراوي الصوت الأنثوي لأنه أصدق في تصورها للتعبير عن كاتبة.

وفي تصور البعض، تطورت صورة الرجل في الكتابات النسائية وتراوحت مع التطور الجاري في المجتمعات العربية فيما يخص وضع المرأة وتفاعل المجتمع مع قضية تحررها.

تبدل الصورة المبكرة

لوحة أسامة دياب
لوحة أسامة دياب

أكدت الروائية زينب عفيفي، والتي قدمت روايات عديدة معنية بالعلاقة بين الرجل والمرأة مثل “أهداني حبا”، و”شمس تشرق مرتين” إلى أن الصورة المبكرة للرجل في تجارب الكاتبات ظلت لسنوات طويلة منحصرة في ذلك الشخص القوي المتسلط، والمتسيد في النساء.

ولفتت لـ”الجديد” إلى أن الكاتبة لطيفة الزيات حاولت مبكرا تقديم صور متعددة ومتنوعة للرجل تتناسب مع النظرة الماضوية تجاهها فتجده يظهر مرة باحثا عن امرأة منعدمة الشخصية ليستمتع بعلاقات غير شرعية مع أخريات، ونجده مرات قليلة مؤمن بالفعل بحرية المرأة وحقها في المساواة الحقوقية.

تعترف زينب عفيفي بأنها تأثرت كثيرا في بعض أعمالها الروائية بما تطمح إليه كامرأة فيما يجب أن يكون عليه الرجل، فقدمت في روايتها “شمس تشرق مرتين” الرجل الذي تطمئن له، والذي تحتمي فيه دون قهر أو استعباد، لذا فإن لقاء بطلة الرواية بحبيبها الأول خلال أحداث ثورة يناير 2011 كان بمثابة شروق جديد للشمس.

كذلك الأمر في رواية “أهداني حبا”، حيث قدمت الكاتبة شخصية الرجل الوطني المحب لبلاده والذي تعلقت بمبادئه وأفكاره قبل أي شيء، لكنه يموت قبل أن ترتبط به بطلة الرواية، وتظل تبحث عن مبادئه التي أحبتها فيه من خلال رجال أخرين، لكنها لا تكاد تجده باعتباره عملة نادرة في مجتمع الرجال.

أما في روايتها “أحلم وأنا بجوارك” فإننا نجد صورة الرجل الثعلب الذي يتمكن من طرح صورة مغايرة لحقيقته، يوقع بها النساء في حبه، بينما تختلف حقيقته تماما عمّا يظهر للآخرين.

صور عديدة

في رأي القاصة المصرية سعاد سليمان، فإن التدفق الإبداعي والتنوع الواضح في مجال السرد العربي ساهم في كسر النمطية المعتادة لصورة الرجل، فلم تعد هناك صورة محددة، وإنما صور متباينة ومتغيرة من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر، قائلة في تصريحات خاصة لـ”الجديد” إن تلك الصورة التي كانت سائدة في الكتابات المبكرة لفارس الأحلام لم تعد موجودة لأن طبيعة الزمن تغيرت وأصبحت الرومانسية مجرد طرح خيالي.

لقد أوجدت الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتباينة نماذج عديدة لرجال لا يتشابهون على حد قولها. لذا فإن الكتابة اختلفت وصار لكل كاتبة صورة متخيلة للرجل ربما تعبر عن زوجها أو ابنها أو شقيقها وهي بكل تأكيد صورة غير نمطية.

وذكرت سعاد سليمان أن الزمن لعب دورا مهما في كسر أحلام النساء برجل يقبل ممارسة دوره كحام قوي الشخصية ومتعاون ومؤمن بحقوق المرأة في الوقت ذاته، وهي صورة مستحيلة تتناقض مع الواقع ليس في المجتمعات العربية وحدها، وإنما في العالم كله.

هناك مَن يعتقد أن كتابات المرأة تحررت من كافة القوالب السابقة كنتيجة طبيعية لتطور المجتمع. وترى الكاتبة مريم عبدالعزيز لـ”الجديد” أن كتابات المرأة العربية عموما تحررت من إشكاليات القولبة. وبدت صورة الرجل غير نمطية، متغيرة، تتلون حسب الأحداث وطبقا لطبيعة البيئة التي تدور أحداث العمل الأدبي فيها.

وتعتقد عبدالعزيز أن ما تغير بالفعل هو نظرة المرأة لنفسها باعتبارها البطلة التي يجب أن تدور الحكاية حولها، فلم يعد من المقبول في مجتمعات تزداد فيها نسب الأسر التي تعيلها سيدات، مع انسحاب وتراجع لدور الرجل واتكاله عليها أن يظل هو محور الحكاية وبطلها. وبرزت في بعض الأعمال موضوعات مثل الختان والتحرش والاغتصاب هذه القضايا التي تخص المرأة وجسدها. مثل هذه القضايا، فرضت ذاتها على بعض أعمالها مثل مجموعتها القصصية المعنونة “من مقام راحة الأرواح”.

ويبدو الرجل في الأدب ليس بمعزل عن الرجل في الحياة، فهو ليس بطلا ولا كائنا أسطوريا بل هو كائن عادي مثقل بالهزائم، وربما منسحق تحت ضغط  ظروف سياسية واقتصادية صعبة وتنعكس هذه الهزيمة بالطبع على علاقته بالمرأة في الأدب وفي الحياة، وإن كان الخذلان والهزيمة سمة كثير من هذه الشخصيات.

وتابعت قائلة “إنني لا أقصد هنا إيجاد مبررات لأحد، لكنها الهزيمة النفسية، هي الدافع الذي يحرك سلوك الرجل داخل النص الأدبي.”

الخيال يرسم كما يشاء

قالت الكاتبة سمر نور الحائزة على جائزة ساويرس في القصة القصيرة لسنة2017، فرع كبار الكتاب، إن كل كاتبة تدرك ضرورة التفرقة بين آرائها  ومواقفها الشخصية ونظرتها إلى الرجل، وبين العمل الإبداعي المعتمد على الخيال والذي يقدم شخصيات متغيرة من الواقع بعضها حسن وبعضها الآخر غير ذلك.

وأضافت لـ”الجديد” أن صورة الرجل لديها هي ذاتها صورة المرأة ، قد تبدو حينا شخصية شريرة متسلطة، وحينا آخر مهادنة وطيبة، وتتصور أن لكل إنسان ـ ذكر أو أنثى ـ مشاعر تخص الجنسين تعيش داخله، وتظهر حينا واخفت أحيانا، بما يعني أن هناك جانبا أنثويا داخل كل رجل يعبر عن مشاعر العاطفة والرقة، والشيء نفسه بالنسبة إلى جانب خشن داخل كل أنثى يعبّر عن الصلابة والحدة، ما يمنح الكاتبة قدرة ما على استقراء شخوصها من الرجال بسهولة ويسر.

ولا توجد مشكلة في التعبير عن مشاعر رجل ما أو رسم شخصيته، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى من يقدم فلاحا أو قاتلا أو لصا، فليس من الضرورة أن يكون كذلك، ففي اعتقادها أن الخيال هو أصل الإبداع، وتعبير النساء عن الرجال، أو تعبير الرجال عن النساء أمر طبيعي ومنطقي عند سرد أي حكاية سواء قصة قصيرة أو رواية، فالخيال يرسم كما يشاء، فلا قوانين مسبقة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.