التعبير‭ ‬المسرحي‭ ‬مشاكس‭ ‬منذ‭ ‬القدم

الجمعة 2016/07/01
لوحة: عبدالله محمد الطيب

التعبيرية المسرحيّة،‭ ‬تعبيرة‭ ‬مشاكسة‭ ‬منذ‭ ‬القدم،‭ ‬منذ‭ ‬ظهور‭ ‬الممثل‭ ‬اليوناني‭ ‬«تسبيس»‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭.‬

هي‭ ‬تعبيرة‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬دائم‭ ‬وتحدّ‭ ‬مستميت‭ ‬لكل‭ ‬أصناف‭ ‬الثوابت،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الثوابت‭ ‬كهنوتية،‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعيّة‭.‬

وعبر‭ ‬السيرورة‭ ‬التاريخيّة‭ ‬للمدونة‭ ‬المسرحيّة‭ ‬الإنسانيّة،‭ ‬كان‭ ‬الممثل‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لهذا‭ ‬التمشي‭ ‬والضمير‭ ‬الذي‭ ‬هندس‭ ‬زراعة‭ ‬الوعي‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬المحرومة‭ ‬عبر‭ ‬الأزمنة،‭ ‬لذلك‭ ‬تنقّل‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬وتعرّض‭ ‬لمختلف‭ ‬المخاطر‭ ‬وشتّى‭ ‬المضايقات،‭ ‬لكنّه‭ ‬أصرّ‭ ‬على‭ ‬التعريف‭ ‬بفنه،‭ ‬وحرّض‭ ‬بأساليب‭ ‬فنيّة‭ ‬متعدّدة‭ ‬على‭ ‬التمرد،‭ ‬وانتهاك‭ ‬الثوابت،‭ ‬وفسح‭ ‬مختلف‭ ‬العلل‭ ‬السياسيّة‭ ‬والاجتماعيّة،‭ ‬وكان‭ ‬ديدنه‭ ‬الأوحد‭: ‬لا‭ ‬مهادنة‭ ‬مع‭ ‬الظلم‭ ‬والطغيان‭ ‬والجبروت‭ ‬والفساد،‭ ‬وشتى‭ ‬الأمراض‭ ‬الاجتماعيّة‭. ‬فالممثل‭ ‬حقق‭ ‬منذ‭ ‬البدء‭ ‬ذاك‭ ‬التواصل‭ ‬الدياليكتيكي‭ ‬بين‭ ‬تراكمات‭ ‬الماضي‭ ‬ومتطلبات‭ ‬الحاضر‭ ‬دون‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الابتذال‭.‬

ويتداخل‭ ‬عند‭ ‬الممثل‭ ‬الحامل‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع‭ ‬الإنساني‭ ‬صوتان‭: ‬صوت‭ ‬الخطاب‭ ‬المسرحي‭ ‬وهو‭ ‬يجدّد‭ ‬أسئلته‭ ‬الإبداعيّة‭ ‬ذفي‭ ‬مساءلة‭ ‬الماضي‭ ‬وتأويله‭-‬‭ ‬وصوت‭ ‬الخطاب‭ ‬النقدي‭ ‬لتجربته‭ ‬ليجدّد‭ ‬أسلحته‭ ‬المعرفيّة‭. ‬إنّه‭ ‬التمشي‭ ‬المثالي‭ ‬للممثل‭ ‬الصادق‭.‬

في‭ ‬تجربتي‭ ‬المسرحيّة‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬قرابة‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬يعدّ‭ ‬الممثل‭ ‬بالنّسبة‭ ‬إليّ‭ ‬العنصر‭ ‬الوحيد‭ ‬الحي‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي،‭ ‬فهذا‭ ‬التفرّد‭ ‬لدى‭ ‬الممثل‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬المتواصل‭ ‬عل‭ ‬اكتشاف‭ ‬مدارات‭ ‬جديدة‭ ‬ويبدأ‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬التجاوز‭ ‬بعد‭ ‬النقد‭ ‬ثمّ‭ ‬الإضافة‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭. ‬فالممثل‭ ‬يقوم‭ ‬بعمليّة‭ ‬سحريّة،‭ ‬تلك‭ ‬العمليّة‭ ‬التي‭ ‬أسالت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحبر‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا‭ ‬وعبر‭ ‬مختلف‭ ‬المقاربات‭ ‬المسرحيّة‭.‬

فالممثل‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬لمختلف‭ ‬المجدّدين‭ ‬المسرحيين،‭ ‬فهو‭ ‬يعدّ‭ ‬المرتكز‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬العمليّة‭ ‬المسرحيّة‭ ‬ودونه‭ ‬ينتفي‭ ‬الفعل‭ ‬المسرحي،‭ ‬وهو‭ ‬الحلقة‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬المتفرج‭ ‬بالركح‭ ‬وبكل‭ ‬مكوّنات‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي‭.‬

المسرح‭ ‬يعلّمك‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬إنسانيّة‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولكي‭ ‬تعيد‭ ‬الممثل‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬الحقيقي‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬المسرح،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬منه‭ ‬إنسانا‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬ذاته‭ ‬بفنّه‭ ‬وبالتالي‭ ‬بمهنته‭ ‬فالفن‭ ‬دون‭ ‬مهنة‭ ‬هو‭ ‬شبح‭ ‬يصعب‭ ‬المسك‭ ‬به،‭ ‬والمهنة‭ ‬دون‭ ‬فن‭ ‬آلة‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬الفراغ،‭ ‬لذا‭ ‬وجب‭ ‬حماية‭ ‬الممثل‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬اجان‭ ‬كوبرب‭.‬

إنّ‭ ‬ثقافة‭ ‬الممثل‭ ‬مرتبطة‭ ‬أساسا‭ ‬بهضم‭ ‬المناهج‭ ‬المسرحيّة‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬محك‭ ‬التجربة‭ ‬والفعل‭ ‬المسرحي‭ ‬والتقدم‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬فضاءات‭ ‬أرحب‭.‬

إنّ‭ ‬قائمة‭ ‬التجارب‭ ‬المسرحيّة‭ ‬التي‭ ‬بحثت‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬تجربتي‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬الممثل‭ ‬ومنهجيته‭ ‬وإبداعه‭ ‬طويلة‭ ‬ولا‭ ‬يتسع‭ ‬لها‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭.‬

فالسؤال‭ ‬الملحّ‭ ‬هنا،‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬محدّد‭ ‬جغرافيا‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬فكريا،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬مدى‭ ‬استيعاب‭ ‬الممثل‭ ‬التونسي‭ ‬لثقافة‭ ‬الممثل‭ ‬في‭ ‬أشكالها‭ ‬ومفاهيمها‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬والجماليّة‭. ‬كما‭ ‬يتمثل‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬سؤال‭ ‬آخر‭ ‬ضمني‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬خصوصيّة‭ ‬للممثّل‭ ‬التونسي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬البلاد،‭ ‬والتي‭ ‬نسفت‭ ‬كل‭ ‬المكتسبات‭ ‬الماضية‭ ‬وانطلقت‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬مقيت‭. ‬كما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬خصوصيّة‭ ‬ثقافة‭ ‬الممثل‭ ‬الإنكليزي،‭ ‬أو‭ ‬الياباني‭ ‬أو‭ ‬الألماني؟

وهل‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬هاجس‭ ‬حقيقي‭ ‬لدى‭ ‬الممثل‭ ‬التونسي‭ ‬لاكتساب‭ ‬ثقافة‭ ‬تجعله‭ ‬يتجاوز‭ ‬وظيفته‭ ‬اللادائمة‭ ‬إلى‭ ‬وظيفة‭ ‬أعمق‭ ‬وأشمل‭ ‬بحيث‭ ‬تتجذّر‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬المدلول‭ ‬الإبداعي‭ ‬للعمل‭ ‬المسرحي؟

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.