الغرق‭ ‬في‭ ‬اللعبة

السبت 2016/10/01

‮يتحدث‭ ‬الصويم‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬‭(‬منشورات‭ ‬مسكيلياني،‭ ‬تونس‭ ‬2016‭)‬‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬مأساويّ‭ ‬ينحر‭ ‬أبناءه،‭ ‬يحكي‭ ‬عن‭ ‬مشكلة‭ ‬متفاقمة‭ ‬لا‭ ‬تستدلّ‭ ‬إلى‭ ‬أيّ‭ ‬طريق‭ ‬للخلاص،‭ ‬عن‭ ‬بؤس‭ ‬الاستغلال‭ ‬والمتاجرة‭ ‬بالبشر،‭ ‬عن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬والاستمرار،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الخوف‭ ‬نفسه،‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬الحرّيّة‭ ‬ومن‭ ‬التخبّط‭ ‬في‭ ‬بحيرة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬درب‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬الضياع‭ ‬المُكئب‭.‬

يحكي‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السودانيّين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬وخرائط‭ ‬تحرّكهم‭ ‬وتواصلهم‭ ‬وعملهم‭ ‬ومعاناتهم‭ ‬وسيرهم‭ ‬وسط‭ ‬حقول‭ ‬ألغام‭ ‬محيطة‭ ‬بهم،‭ ‬وكيف‭ ‬يرضخون‭ ‬لابتزازات‭ ‬الكفلاء‭ ‬تارة‭ ‬ويتمرّدون‭ ‬عليها‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬بوسائلهم‭ ‬الخاصّة،‭ ‬يتحايلون‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعلى‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تكبّلهم‭ ‬ليقنعوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬أنّهم‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مؤقّتة‭ ‬وأنّهم‭ ‬سيجدون‭ ‬درباً‭ ‬للخلاص،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنّ‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أنّها‭ ‬مؤقّتة‭ ‬تبدأ‭ ‬بالاستطالة،‭ ‬وتتّخذ‭ ‬أشكالاً‭ ‬أكثر‭ ‬قهراً‭ ‬وإيذاء‭.‬

قصر‭ ‬المؤامرت

“فضل‭ ‬الله”‭ ‬سائق‭ ‬عربة‭ ‬الأموات‭ ‬ينقل‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الجثث‭ ‬إلى‭ ‬المقبرة،‭ ‬تشاء‭ ‬المصادفات‭ ‬أن‭ ‬يتأخّر‭ ‬عن‭ ‬موعده،‭ ‬وينشأ‭ ‬لديه‭ ‬فضول‭ ‬بالتعرّف‭ ‬إلى‭ ‬وجوه‭ ‬الموتى‭ ‬الذين‭ ‬ينقلهم‭ ‬بعربته‭ ‬إلى‭ ‬مثواهم‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬مقبرة‭ ‬الغرباء،‭ ‬وتكون‭ ‬الصدمة‭ ‬في‭ ‬اكتشافه‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬جثّة‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تحتفظ‭ ‬بخيط‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬تتنفّس‭ ‬في‭ ‬صقيع‭ ‬البرّاد،‭ ‬فيستعين‭ ‬بصديقه‭ ‬السودانيّ‭ ‬الدكتور‭ ‬“مكّي‭ ‬الفكّي”‭ ‬الذي‭ ‬يهبّ‭ ‬لمساعدته‭ ‬ومعاينة‭ ‬الجثّة‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬لخادمة‭ ‬إثيوبيّة،‭ ‬وتطبيبها‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مساعدته‭ ‬الفلبينية‭ ‬“آن”‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬حبّ‭ ‬معها‭.‬

يتمكّن‭ ‬الطبيب‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬الإثيوبيّة‭ ‬“روز‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬مأساتها‭ ‬الكبرى‭ ‬بدورها،‭ ‬فهي‭ ‬الخادمة‭ ‬المخالفة‭ ‬التي‭ ‬تعرّضت‭ ‬لابتزاز‭ ‬تجّار‭ ‬البشر‭ ‬وسمسارة‭ ‬الخدم،‭ ‬وتعرّضت‭ ‬للاغتصاب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بتشغيلها‭ ‬عنده،‭ ‬شوّه‭ ‬جسدها،‭ ‬قطع‭ ‬حلمة‭ ‬صدرها،‭ ‬وهي‭ ‬بدورها‭ ‬انتقمت‭ ‬منه‭ ‬بطريقتها‭ ‬الخاصة‭ ‬وأفقدته‭ ‬فحولته‭ ‬المرضيّة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يباهي‭ ‬بها‭.‬

يعتاد‭ ‬“فضل‭ ‬الله”‭ ‬على‭ ‬“روز‮»‬‭ ‬في‭ ‬بيته،‭ ‬يتعلق‭ ‬بها،‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬لا‭ ‬يتخيّل‭ ‬معها‭ ‬رحيلها،‭ ‬وحين‭ ‬يحاول‭ ‬مساعدتها‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬يغيّر‭ ‬رأيه‭ ‬ويطلب‭ ‬منها‭ ‬الزواج،‭ ‬ويتأمّل‭ ‬بطريقة‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬المزري‭ ‬الذي‭ ‬يجده‭ ‬نفسه‭ ‬و”روز‮»‬‭ ‬عالقين‭ ‬فيه،‭ ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬مدخلاً‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬مخارج‭ ‬من‭ ‬متاهة‭ ‬الرعب‭ ‬والضياع‭ ‬القاهرة‭.‬

في‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬هناك‭ ‬“الصادق‭ ‬سليمان”‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬عائد‭ ‬لأحد‭ ‬الشيوخ،‭ ‬اسمه‭ ‬“أبو‭ ‬طلال”،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬ادّعى‭ ‬المشيخة‭ ‬بعد‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬أميريّ،‭ ‬تعلّم‭ ‬فيه‭ ‬فنون‭ ‬الابتزاز‭ ‬وأعمالاً‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬القانون،‭ ‬يمارس‭ ‬شهواته‭ ‬الغرائبيّة‭ ‬المتطرّفة،‭ ‬يوقف‭ ‬قصره‭ ‬لكيد‭ ‬المؤامرات،‭ ‬يعدّ‭ ‬ولائم‭ ‬فحش‭ ‬وفجور،‭ ‬يدعو‭ ‬إليها‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭ ‬وممّن‭ ‬يودّ‭ ‬الإيقاع‭ ‬بهم‭ ‬وابتزازهم،‭ ‬يصمّم‭ ‬قصره‭ ‬كأنّه‭ ‬يصمّم‭ ‬مستعمرة‭ ‬عقاب‭ ‬لعمّاله،‭ ‬هناك‭ ‬سجن‭ ‬قاس‭ ‬في‭ ‬دهاليزه‭ ‬وأقبيته‭ ‬يعاقب‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬يخالف‭ ‬أوامره،‭ ‬يسلبهم‭ ‬راحتهم‭ ‬وأموالهم‭ ‬وحتّى‭ ‬حياتهم‭.‬

هناك‭ ‬كذلك‭ ‬السوداني‭ ‬“أكرم”‭ ‬العامل‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬إعلاميّ‭ ‬لدى‭ ‬أحد‭ ‬المتاجرين‭ ‬بالدين،‭ ‬يرصد‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬يغرق‭ ‬فيه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬دعاة،‭ ‬وكيف‭ ‬أنّهم‭ ‬يدفعون‭ ‬الشباب‭ ‬للتطرّف‭ ‬والقيام‭ ‬بأعمال‭ ‬إرهابيّة،‭ ‬ويحشون‭ ‬أدمغتهم‭ ‬بشعارات‭ ‬برّاقة‭ ‬وأوهام‭ ‬فردوسيّة،‭ ‬بحيث‭ ‬يجعلونهم‭ ‬يستعذبون‭ ‬الانتحار‭ ‬ابتغاء‭ ‬نعيم‭ ‬متخيّل،‭ ‬يكون‭ ‬“أبو‭ ‬البراء‭ ‬السودانيّ”‭ ‬مثالاً‭ ‬للشابّ‭ ‬المغرّر‭ ‬به،‭ ‬المدفوع‭ ‬إلى‭ ‬احتراف‭ ‬كراهية‭ ‬الذات‭ ‬والآخر‭.‬

تحضر‭ ‬شخصيّات‭ ‬أخرى‭ ‬تكمل‭ ‬مشهد‭ ‬الدمار‭ ‬والرعب‭ ‬والجنون،‭ ‬هناك‭ ‬حارس‭ ‬المقبرة‭ ‬اليمني،‭ ‬وهناك‭ ‬شخوص‭ ‬من‭ ‬جنسيّات‭ ‬مختلفة‭ ‬يرزحون‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬البؤس‭ ‬ذاك،‭ ‬يتحرّكون‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬العتمة‭ ‬المفروضة‭ ‬عليهم،‭ ‬يهربون‭ ‬من‭ ‬زمنهم‭ ‬ومكانهم،‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وعن‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وكأنّهم‭ ‬ارتضوا‭ ‬بقاءهم‭ ‬مخالفين‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬كفلاء‭ ‬ظالمين،‭ ‬فتراهم‭ ‬ينتقمون‭ ‬من‭ ‬واقعهم‭ ‬بطريقة‭ ‬شرسة،‭ ‬يمعنون‭ ‬في‭ ‬الفساد‭ ‬والإفساد‭.‬

مستنقع‭ ‬المتاجرة

يرسم‭ ‬الصويم‭ ‬ضحايا‭ ‬يتحرّكون‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الخوف‭ ‬والقمع‭ ‬والقهر‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬اجتماعيّ‭ ‬ظالم‭ ‬وفي‭ ‬ظلّ‭ ‬تراتبيّات‭ ‬مقرفة،‭ ‬بحيث‭ ‬يشعر‭ ‬أحدهم‭ ‬بالتفوّق‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬بعبوديّته،‭ ‬وكأنّ‭ ‬مقياس‭ ‬القيم‭ ‬انقلب‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬يكون‭ ‬مدّعو‭ ‬الفضيلة‭ ‬وحرّاسها‭ ‬الوهميّون‭ ‬أعداء‭ ‬الحياة،‭ ‬يبيحون‭ ‬لأنفسهم‭ ‬المحظورات‭ ‬ولا‭ ‬يعدمون‭ ‬استحداث‭ ‬فتاوى‭ ‬تشرعن‭ ‬لهم‭ ‬جرائمهم‭ ‬بحقّ‭ ‬غيرهم،‭ ‬مثلاً‭ ‬حارس‭ ‬المشفى‭ ‬يتحرّش‭ ‬بالممرّضة‭ ‬الفلبينية‭ ‬“آن”‭ ‬ويكمن‭ ‬لها‭ ‬وللدكتور‭ ‬“مكي”‭ ‬ليوقع‭ ‬بهما،‭ ‬يحاول‭ ‬ابتزازها‭ ‬لكنّه‭ ‬يفشل،‭ ‬فيختار‭ ‬درباً‭ ‬آخر‭ ‬للانتقام،‭ ‬بذريعة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬المجتمع‭ ‬وتعاليم‭ ‬الدين‭.‬

تتصاعد‭ ‬الأحداث‭ ‬بوتيرة‭ ‬عنيفة،‭ ‬يتنقّل‭ ‬الأبطال‭ ‬من‭ ‬مأساة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬يسترقون‭ ‬لحظات‭ ‬متعة‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬النيران‭ ‬التي‭ ‬تحاصرهم،‭ ‬يتمرّدون‭ ‬على‭ ‬قيودهم،‭ ‬يقرّرون‭ ‬خوض‭ ‬مغامرتهم‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬حرّيّتهم‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬قصور‭ ‬هي‭ ‬أشبه‭ ‬بقبور‭ ‬لهم،‭ ‬يحاولون‭ ‬شراء‭ ‬أملهم‭ ‬بحياة‭ ‬قادمة‭ ‬والتخلّص‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬العبوديّة‭ ‬المضنية،‭ ‬يخطّطون‭ ‬لغدهم‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬آخر‭ ‬وعالم‭ ‬مختلف‭.‬

المفارقة‭ ‬المريرة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬عربة‭ ‬الأموات‭ ‬تصبح‭ ‬وسيلة‭ ‬للحياة،‭ ‬إذ‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لنقل‭ ‬الشخصيّات‭ ‬الساعيّة‭ ‬إلى‭ ‬حرّيّتها‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الحدود،‭ ‬يتمّ‭ ‬تزوير‭ ‬أوراق‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬موتهم،‭ ‬وأنّ‭ ‬العربة‭ ‬تنقلهم‭ ‬إلى‭ ‬مسقط‭ ‬رأسهم‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬السعوديّة‭ ‬اليمنيّة،‭ ‬ليهربوا‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬السودان،‭ ‬يكون‭ ‬التدرّب‭ ‬على‭ ‬التكفّن‭ ‬والتماوت‭ ‬وتحمّل‭ ‬برد‭ ‬العربة‭ ‬وخوض‭ ‬تجربة‭ ‬الموت‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭.‬

يرمز‭ ‬الصويم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصية‭ ‬الغراب‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬التطيّر‭ ‬والشؤم،‭ ‬وهو‭ ‬إذ‭ ‬يستحضر‭ ‬الغراب‭ ‬كشخصيّة‭ ‬موازية‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬يستعين‭ ‬برمز‭ ‬تراثيّ‭ ‬وواقعيّ،‭ ‬فالغراب‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬نذير‭ ‬الشؤم‭ ‬ورسول‭ ‬المآسي‭ ‬والشرور،‭ ‬يتحوّل‭ ‬تارة‭ ‬إلى‭ ‬صديق‭ ‬صدوق‭ ‬للشخصيّات‭ ‬في‭ ‬عتمتها‭ ‬ووحشتها،‭ ‬وتارة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬ناصح،‭ ‬وربّما‭ ‬إلى‭ ‬مستنطق‭ ‬لدواخلها‭ ‬وكاشف‭ ‬لأسرارها‭ ‬الدفينة‭ ‬وأحاديثها‭ ‬التي‭ ‬تسرّ‭ ‬بها‭ ‬لنفسها،‭ ‬أو‭ ‬تخشى‭ ‬من‭ ‬البوح‭ ‬بها‭ ‬حتى‭ ‬لنفسها‭.‬

تتشابه‭ ‬أجواء‭ ‬قصر‭ ‬الشيخ‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬الصويم‭ ‬مع‭ ‬أجواء‭ ‬رواية‭ ‬“ترمي‭ ‬بشرر‭..‬”‭ ‬للسعوديّ‭ ‬عبده‭ ‬خال،‭ ‬وبخاصّة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬إحياء‭ ‬حفلات‭ ‬الفحش‭ ‬والمجون‭ ‬والشذوذ‭ ‬فيها،‭ ‬ولعبة‭ ‬الإيقاع‭ ‬بالخصوم‭ ‬والإثابة‭ ‬والمعاقبة،‭ ‬والانتقام‭ ‬التالي،‭ ‬وكأنّ‭ ‬القصور‭ ‬تتشابه‭ ‬في‭ ‬ظلمها‭ ‬أو‭ ‬تعتيمها‭ ‬على‭ ‬عمّالها‭ ‬وتبقيهم‭ ‬أسرى‭ ‬ورهائن‭ ‬بطريقة‭ ‬محدّثة‭.‬

تكون‭ ‬رحلة‭ ‬شخصيّات‭ ‬الصويم‭ ‬صورة‭ ‬محدّثة‭ ‬لرحلة‭ ‬“رجال‭ ‬في‭ ‬الشمس‮»‬‭ ‬للفلسطينيّ‭ ‬غسّان‭ ‬كنفاني‭ ‬‭(‬1936‭-‬1972‭)‬،‭ ‬ومأساة‭ ‬اجتياز‭ ‬الحدود‭ ‬أملاً‭ ‬بحياة‭ ‬أخرى،‭ ‬لكن‭ ‬الصويم‭ ‬يبقي‭ ‬شخصيّاته‭ ‬نزيلة‭ ‬العربة،‭ ‬ولا‭ ‬يحدّد‭ ‬لهم‭ ‬أيّ‭ ‬نهاية،‭ ‬يضع‭ ‬نهاية‭ ‬للأحداث‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬أوجها،‭ ‬وكأنّه‭ ‬يبقي‭ ‬الباب‭ ‬موارباً‭ ‬أمام‭ ‬جزء‭ ‬تالٍ‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تخيّل‭ ‬مصائر‭ ‬أبطالها‭ ‬الذين‭ ‬يرتحلون‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الاتّجاهات‭ ‬باحثين‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬وغدهم‭ ‬ودروبهم‭ ‬الخاصّة‭.‬

يمكن‭ ‬توصيف‭ ‬“عربة‭ ‬الأموات”‭ ‬بأنّها‭ ‬رواية‭ ‬غضب‭ ‬ونقمة‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬ظالم‭ ‬قاهر،‭ ‬وعلى‭ ‬نظام‭ ‬الكفالة‭ ‬الذي‭ ‬يستغلّه‭ ‬بعضهم‭ ‬لجعله‭ ‬وسيلة‭ ‬لعبوديّة‭ ‬تتنافى‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬حيث‭ ‬البشر‭ ‬أرقام‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬المتاجرة،‭ ‬يتمّ‭ ‬استرخاصهم‭ ‬وبيعهم‭ ‬وشراؤهم،‭ ‬واسترقاقهم‭ ‬بطريقة‭ ‬شنيعة،‭ ‬لتبدّد‭ ‬آمالهم‭ ‬بالثراء‭ ‬والمستقبل‭ ‬الرغيد،‭ ‬وتتحوّل‭ ‬إلى‭ ‬مساعٍ‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القيود‭ ‬والحظوة‭ ‬بحرّيتهم‭ ‬المنشودة‭ ‬بعد‭ ‬امتهان‭ ‬وإذلال‭ ‬وتقييد‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.