حدث‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يحدث

السبت 2016/10/01
لوحة: برهان كركوتلي

I

تهيمن على‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬“الجديد”‭ ‬المقالات‭ ‬النقدية؛‭ ‬الفكرية‭ ‬والأدبية‭. ‬وتشغل‭ ‬مسألة‭ ‬الفلسفة‭ ‬وغيابها‭ ‬وانفلات‭ ‬الفكر‭ ‬التديني‭ ‬ومخياله‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬عقال،‭ ‬في‭ ‬تفاعل‭ ‬عنفي،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يرافق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬مستجدة‭ ‬في‭ ‬الممارسات‭ ‬الثقافية‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬ظلال‭ ‬الحطام‭ ‬والدم‭ ‬المتدفق‭ ‬والمهراق‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬الحريق‭ ‬العربي‭ ‬وعلى‭ ‬طول‭ ‬رقعة‭ ‬الجغرافيا‭ ‬المنتفضة‭ ‬وعرضها‭.‬

ولسوف‭ ‬نلحظ‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬خطابات‭ ‬مفكرين‭ ‬ومثقفين‭ ‬عربٍ‭ ‬معتبرين‭ ‬ولهم‭ ‬إرث‭ ‬وتاريخ‭ ‬مؤسس‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينسحب‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬النقدي‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الخطابات‭. ‬إنه‭ ‬قلق‭ ‬فكري‭ ‬متجدد،‭ ‬قراءات‭ ‬قلقة‭ ‬في‭ ‬الوقائع‭. ‬بحث‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬وبحث‭ ‬في‭ ‬الظواهر‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الكوى‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للضوء‭ ‬أن‭ ‬ينفذ‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬عتمة‭ ‬الحاضر‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دأبت‭ ‬“الجديد”‭ ‬على‭ ‬الدعوة‭ ‬إليه‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬الحاجة‭ ‬الماسة‭ ‬إلى‭ ‬الانتقال‭ ‬المجتمعي‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الصوت‭ ‬الواحد‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الأصوات‭ ‬المتعددة،‭ ‬ومن‭ ‬ثقافة‭ ‬الفكرة‭ ‬المهيمنة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬الاختلاف‭ ‬المتطلّعة‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬جدران‭ ‬التقوقع‭ ‬والانغلاق‭ ‬والتحيز‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬وهي‭ ‬السمات‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬التفكير‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬دولة‭ ‬الاستبداد،‭ ‬وشغلت‭ ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬حلقات‭ ‬النقاش‭ ‬الفكري‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬النخب‭ ‬الفكرية‭ ‬المطالبة‭ ‬بالتغيير‭.‬

II

أتمّ‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬أليمة‭ ‬من‭ ‬التمرّد‭ ‬الدامي‭ ‬والمتخبّط‭ ‬على‭ ‬سائد‭ ‬احتلته‭ ‬أشباح‭ ‬الماضي‭ ‬ونخرت‭ ‬جسده‭ ‬أمراض‭ ‬حملتها‭ ‬له‭ ‬الأزمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬المتفاقمة،‭ ‬وعصفت‭ ‬به‭ ‬أوهام‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬القومية‭ ‬والدينية،‭ ‬فتناهبت‭ ‬مصائره‭ ‬الجماعية‭ ‬قوّتان‭ ‬لم‭ ‬تتوقفا‭ ‬أبداً‭ ‬عن‭ ‬محاولات‭ ‬إخضاعه،‭ ‬هما‭ ‬منظومة‭ ‬التدين‭ ‬في‭ ‬طبعات‭ ‬شتى‭ ‬ومنظومة‭ ‬الاستبداد‭ ‬التي‭ ‬أسرت‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬قرن‭ ‬كامل‭ ‬في‭ ‬حظائر‭ ‬“الخطاب‭ ‬القومي”‭ ‬مفتتحة‭ ‬في‭ ‬“الأمة”‭ ‬المتخيلة‭ ‬عهد‭ ‬المتاهة‭ ‬في‭ ‬شعاب‭ ‬خبل‭ ‬أيديولوجي‭ ‬لم‭ ‬يتوقّف‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬الفرد‭ ‬والجماعة‭ ‬في‭ ‬تناقض‭ ‬يومي‭ ‬مع‭ ‬حقائق‭ ‬العصر‭ ‬والإنسان،‭ ‬تحت‭ ‬سماء‭ ‬عربية‭ ‬حبلى‭ ‬بغيوم‭ ‬كاذبة‭ ‬لم‭ ‬تمطر‭ ‬يوماً‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الحاكم‭ ‬المستبد‭ ‬وخطاباته‭ ‬المراوغة‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬“القطيع‮»‬‭.‬

إما‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬كان‭ ‬مبكراً‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬متأخر‭ ‬كثيراً‭. ‬وفي‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬“فوات‭ ‬تاريخي”‭. ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬للعرب‭ ‬الحالمين‭ ‬بالحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬لهم‭ ‬ولنسلهم؛‭ ‬العرب‭ ‬المنتفضين‭ ‬على‭ ‬ظلام‭ ‬الماضي‭ ‬وخفافيشه،‭ ‬لأجل‭ ‬أن‭ ‬يتخلّص‭ ‬نسلهم‭ ‬الجديد‭ ‬ممّا‭ ‬لم‭ ‬يتمكّنوا‭ ‬هم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬أن‭ ‬يتخلّصوا‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الخطابات‭ ‬الزائفة‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أنماط‭ ‬حكم‭ ‬بوليسية‭ ‬بائدة‭ ‬حوّلت‭ ‬الفرد‭ ‬إلى‭ ‬خروف‭ ‬والأمة‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬الأضاحي‭.‬

III

المثقفون‭ ‬حائرون،‭ ‬وحيرتهم‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أكثر‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬فالحريق‭ ‬يتّسع‭ ‬ورياح‭ ‬العالم‭ ‬تهب‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬العواصم‭ ‬المنيعة،‭ ‬بل‭ ‬وإلى‭ ‬أسرة‭ ‬الآباء‭ ‬المؤسسين‭ ‬وقبور‭ ‬أجدادهم‭. ‬العواصم‭ ‬التي‭ ‬ظنّت‭ ‬نفسها‭ ‬آمنة‭ ‬من‭ ‬شرور‭ ‬الصّراع‭ ‬وآفات‭ ‬التاريخ‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬محاطة‭ ‬اليوم‭ ‬بالأعداء،‭ ‬والقلاع‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬حصينة‭. ‬لا‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬المجاز‭ ‬فهي‭ ‬مهددة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬ومهددة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭.‬

ولكن‭ ‬هل‭ ‬تطرح‭ ‬الثقافات‭ ‬المأزومة‭ ‬الأسئلة،‭ ‬في‭ ‬اللحظات‭ ‬المصيرية‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الأمم،‭ ‬لتعفي‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬الأجوبة؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬الأجوبة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬ذاتها،‭ ‬وفي‭ ‬أصل‭ ‬كل‭ ‬خطاب‭ ‬ثقافي،‭ ‬ضرب‭ ‬من‭ ‬خرافات‭ ‬الفكر‭ ‬والتفكير،‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لغير‭ ‬الوقائع‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬فيه‭ ‬وتفعل‭ ‬في‭ ‬الأفكار،‭ ‬وما‭ ‬أسئلة‭ ‬المثقفين‭ ‬إذ‭ ‬ذاك،‭ ‬أكانت‭ ‬انفعالاً‭ ‬لحظيا‭ ‬بالوقائع،‭ ‬أو‭ ‬ثمرة‭ ‬تأمل،‭ ‬سوى‭ ‬ترف‭ ‬فكري‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬حيرة‭ ‬لا‭ ‬شفاء‭ ‬منها؟‭!‬

‭ ‬يجعلنا‭ ‬هذا‭ ‬نعيد‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬المثقّف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والتاريخ،‭ ‬عن‭ ‬الطاقة‭ ‬والإمكانات‭ ‬والحدود،‭ ‬وعن‭ ‬علاقة‭ ‬المثقّف‭ ‬بذاته‭ ‬وبالنّاس،‭ ‬وعلاقته‭ ‬باللغة‭ ‬التي‭ ‬ينتج‭ ‬فيها‭ ‬خطاباته‭ ‬أو‭ ‬يستهلك‭ ‬فيها‭ ‬خطابات‭ ‬تتبنّاها‭ ‬ثقافته،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬فيها‭ ‬ذاته‭ ‬المجتمعية‭ ‬وارتباط‭ ‬تلك‭ ‬الذات‭ ‬بواجباتها‭ ‬المختلفة‭ ‬وما‭ ‬تنتجه‭ ‬هذه‭ ‬العلائق‭ ‬مجتمعة‭ ‬من‭ ‬أسئلة،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭ ‬مادّة‭ ‬لمراجعة‭ ‬لم‭ ‬تنجز‭ ‬نفسها،‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬لم‭ ‬نصدم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بحالات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المراجعة‭ ‬العميقة‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬الفكر‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬اعتنقوها،‭ ‬وبينهم‭ ‬وبين‭ ‬الطرائق‭ ‬التي‭ ‬اعتمدوها‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعتقدات،‭ ‬وبينهم‭ ‬وبين‭ ‬السّلط‭ ‬التي‭ ‬داروا‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬أو‭ ‬تواجهوا‭ ‬معها،‭ ‬سلطة‭ ‬الثقافة،‭ ‬وسلطة‭ ‬السياسة،‭ ‬وسلطة‭ ‬الدين،‭ ‬ولا‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬الناس‭.‬

نعم،‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬نصدم‭ ‬أبداً‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭. ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬ولا‭ ‬مرة‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الصدمة‭ ‬المؤثرة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للمفكر‭ ‬وفكره‭ ‬أن‭ ‬يحدثاها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬والتاريخ،‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى،‭ ‬وأوروبا‭ ‬النهضة،‭ ‬وأوروبا‭ ‬الأنوار،‭ ‬وحتى‭ ‬أوروبا‭ ‬عصر‭ ‬الاستعمار‭ ‬الحديث‭. ‬وأعني‭ ‬بها‭ ‬خطابات‭ ‬أفراد‭ ‬مثقفين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬أو‭ ‬الفكرة‭ ‬أو‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬الثقافة،‭ ‬أو‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الأفراد‭.‬

IV

عرفت‭ ‬أوروبا‭ ‬خطابات‭ ‬حقوقية‭ ‬وأخرى‭ ‬ثقافية‭ ‬وغيرها‭ ‬سياسية‭. ‬والأمثلة‭ ‬في‭ ‬الأذهان‭ ‬كثيرة،‭ ‬ليس‭ ‬أقدمها‭ ‬رسالة‭ ‬دانتي‭ ‬في‭ ‬تقريع‭ ‬الحاكم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أصدر‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬سنة‭ ‬1302‭ ‬حكما‭ ‬بالنفي‭ ‬عن‭ ‬فلورنسا‭ ‬يتضمن‭ ‬حكماً‭ ‬عليه‭ ‬بالموت‭ ‬لو‭ ‬هو‭ ‬عصى‭ ‬الحكم‭ ‬ورجع‭ ‬إلى‭ ‬وطنه،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يعده‭ ‬الآن‭ ‬بالعفو‭ ‬عنه‭ ‬مقابل‭ ‬أن‭ ‬يتلقى‭ ‬اعتذارا‭ ‬من‭ ‬الشاعر‭ ‬عن‭ ‬موقفه‭ ‬السياسي‭ ‬بوصفه‭ ‬خطأ‭. ‬لكن‭ ‬دانتي‭ ‬المتشبث‭ ‬بموقفه‭ ‬كتب‭ ‬تلك‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬ستدخل‭ ‬تاريخ‭ ‬المقاومة‭ ‬الثقافية‭ ‬بوصفها‭ ‬رسالة‭ ‬المبدع‭ ‬في‭ ‬ثباته‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬ودفاعه‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬الحرية‭ ‬وعن‭ ‬كرامته‭ ‬الشخصية‭ ‬كفرد‭. ‬والسؤال‭ ‬الآن‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬الرسالة‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الثقافي‭ ‬الأوروبي‭ ‬وتجعل‭ ‬السلطة‭ ‬التي‭ ‬نفت‭ ‬الشاعر‭ ‬تندم‭ ‬على‭ ‬فعلتها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬لاحقاً،‭ ‬لولا‭ ‬الإقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للفرد‭ ‬بكيانه‭ ‬وحقّه‭ ‬ودوره‭ ‬ومكانته‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬كفرد‭ ‬أولاً‭ ‬له‭ ‬حقوق‭ ‬يكفلها‭ ‬له‭ ‬جوهر‭ ‬التعاقد‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والمجتمع‭ ‬وبين‭ ‬مجتمع‭ ‬الأفراد‭ ‬والسلطة؟

مثال‭ ‬دانتي‭ ‬كفرد‭ ‬ثقافي‭ ‬مقاوم‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬متسلط‭ ‬لا‭ ‬آتي‭ ‬به‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نموذج‭ ‬مماثل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬التيار‭ ‬العام،‭ ‬مقابل‭ ‬هزالة‭ ‬وربما‭ ‬انعدام‭ ‬تأثير‭ ‬نموذج‭ ‬مماثل‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭.‬

VI

الخلاصة،‭ ‬وحديثنا‭ ‬هنا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬القرن‭ ‬الأخير‭ ‬عربياً،‭ ‬فإنه‭ ‬باستثناء‭ ‬محاولات‭ ‬نادرة‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬مراجعات‭ ‬نقدية‭ ‬مثمرة‭ ‬داخل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬فعلها‭ ‬في‭ ‬التيار‭ ‬العام‭.‬

رأينا‭ ‬الحريق‭ ‬يزحف‭ ‬ويأتي‭ ‬على‭ ‬الخارطة،‭ ‬الطائرات‭ ‬تدمّر‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬والمزارع،‭ ‬والدمار‭ ‬يجرف‭ ‬البيوت‭ ‬وساكنتها،‭ ‬وجغرافيات‭ ‬الإقليم‭ ‬والعالم‭ ‬تتلقّى‭ ‬موجات‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬الموت‭.‬

حدث‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬ولا‭ ‬أثر‭ ‬عميقاً‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬بعد‭ ‬أثره‭ ‬في‭ ‬الفكر،‭ ‬مادامت‭ ‬المراجعات‭ ‬النقدية‭ ‬الفردية‭ ‬منها‭ ‬والجماعية‭ ‬متلعثمة‭ ‬ومترددة،‭ ‬مادام‭ ‬مجتمع‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬يعط‭ ‬وزناً‭ ‬لأصوات‭ ‬العقل‭ ‬النقدي‭.‬

ولربما‭ ‬يجد‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬احتواه‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬مشاركات‭ ‬فكرية‭ ‬إشارات‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬قلق‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬حيال‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭.‬

علي‭ ‬عبدالرازق،‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬القصيمي،‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬بدوي،‭ ‬جمال‭ ‬حمدان،‭ ‬ياسين‭ ‬الحافظ،‭ ‬صادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم،‭ ‬علي‭ ‬الوردي،‭ ‬الصادق‭ ‬النيهوم،‭ ‬محمد‭ ‬عابد‭ ‬الجابري،‭ ‬عبدالله‭ ‬العروي،‭ ‬نصر‭ ‬حامد‭ ‬أبو‭ ‬زيد،‭ ‬سيد‭ ‬القمني‭.‬

هذه‭ ‬أصوات‭ ‬علامات‭ ‬ظلت‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬اللحظة‭ ‬العربية‭ ‬المعلقة‭.‬

حدث‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كأنه‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭. ‬يا‭ ‬لتلك‭ ‬الخفة‭ ‬الدموية‭!‬‭‬.

كوبنهاغن‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2016‭ ‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.