الذي عنده معِزة يربطها

الأحد 2017/10/01
لوحة: رشوان عبدلكي

فوجئ المصريون قبل عدة أشهر بحوار صوتي على صفحة أولياء أمور أطفال في مدرسة لغات إسلامية. بدأت الأم الشاكية بما اصطلح علي تسميته تحية الإسلام، ثم قامت بتعريف نفسها أنها سيدة منقبة ولا تقبل أن تلعب طفلتها مع “بويز″(صبيان)، أو أن يقبّل ولد صغير ابنتها الطفلة في المدرسة. رد والد الطفل بادئا بتحية الإسلام أيضا، ثم ألقى بالجملة، التي صارت “إيفيها” سريعا، “اللي عنده معزة يربطها”، مضيفا ومؤكدا “أنا ابني يبوس زيّ ما هو عايز″، وختم رده بتحية الإسلام.

رغم السخرية اللاذعة التي انتشرت على المواقع الاجتماعية المختلفة، فإن ذلك الحوار عبّر بشكل جيد عن وضع الرجل والمرأة في قطاع كبير جدا من المجتمع المصري. الرجل يفعل ما يشاء “ابني يبوس زيّ ما هو عايز″ سواء بشكل “شرعي” أم غير شرعي. و المرأة “المعزة” يجب أن تُربط، أن تُقيّد، أن تختفي إن أمكن. وإذا تصرفت بعكس ذلك تصبح على الفور عاهرة مستباحة لأيّ ذكر أن يهينها، مستخدما قاموس الشتائم الجنسي على أساس أنها شيء مفعول به وفيه، وليست شريكة فاعلة ومتفاعلة في اللقاء الجنسي، وباعتبار، أيضا، أن رغبتها في ذلك أمر مشين لا يجب الإفصاح عنه أو الشعور به من الأساس!

هذا ما استدعاه ذهني فور انتهائي من قراءة الدراسة النقدية المعمّقة التي أنجزها المفكر السوري عزيز العظمة بعنوان “العفة للرجل والشبق للمرأة”، والتي أعادت مجلة الجديد نشرها بعد مرور نحو ربع قرن على نشرها الأول في نهاية القرن العشرين. وها نحن في نهايات العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، وما زلنا نتحدث عن المرأة باعتبارها شيطانا يجب رجمه أو تابعا للرجل، احترامها نابع من احترامه، وليس لأنها كائن بذاتها لها منجزاتها التي لا علاقة للرجل بها.

حوار “المعزة” كان بعد أيام من الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وقبل أيام من كلمة رئيس الجمهورية في الاحتفال بعيد الأم ويوم المرأة المصري، والذي ذكر فيه أنواع المرأة “المعترف بها” اجتماعيا، “أما حنونا، زوجة وفية، أختا فاضلة، و ابنة تملأ الدنيا سعادة…”.

لذا، أن تظهر فجأة أستاذة جامعية، هي أيضا كاتبة و مترجمة، ترقص في بيتها في مقطع مصوّر نشرته على صفحتها الخاصة على موقع الفيسبوك، يعد كسرا لكل صور المرأة التنميطية التي يحاول الرجل، والمرأة التي بكل أسف تتبنى خطابه، ترسيخها، وكأن زلزالا وقع في مصر لأن امرأة عبّرت عن مكنون نفسها بجسدها، بالرقص، الذي يعد أقدم شكل تعبيري في الحضارة البشرية، مخالفة بذلك ما يعتبره الكثيرون تعاليم دينية/أخلاقا/ تقاليد اجتماعية/ إضافة إلى كونها أستاذة جامعية، ينظر إليها باعتبارها مربّية أطفال، لا يجوز لها أن تدرّس نصوصا أدبية تتناول الجنس أو الدين أو السياسة، أي الموضوعات التي تشكل حياتنا، والحياة الإنسانية بشكل عام، ومعناها وممارساتها وتجلياتها. فما كان من النظام الذي يدّعي الحداثة، ممثلا في إدارة الجامعة، إلا أن أحال الأستاذة إلى مجلس تأديب، وأرسل ملفها إلى النيابة العامة بتهمة الرقص و”الدعوة إلى كسر المقدسات واستبعادها لصالح سلطان العقل البشري في تحديد مصيره”. ذلك، رغم أن الرقص ليس جريمة يعاقب عليها القانون، وأن إعمال العقل ليس جريمة يعاقب عليها القانون.

ورغم أن حالة من الانقسام سادت المجتمع المصري، ما بين مؤيد ومعارض لفعل الرقص وتصويره و نشره، فإن الموضوع فتح نقاشا كاد يُقفل بابه حول حرية المرأة وحقوقها، وأول ذلك حريتها في ما تملك، وأول ما تملك هو جسدها. غير أن وسائل الإعلام المختلفة تعاملت مع الأستاذة الجامعية باعتبارها شخصا منحرفا، وعادت لترسّخ تلك الصور النمطية عن المرأة إما كشيطان، أو حارسا للفضيلة.

ورغم قيام ثورتين في مصر أطاحت برئيسين في خمس سنوات، فإن الثورة الحقيقة، ثورة الفكر لم تقم بعد. وباستثناء ما أقرّه الرئيس التونسي من قرارت تشريعية تساوي بين المرأة والرجل في الميراث، وحق المرأة التونسية المسلمة في الزواج من رجل غير مسلم، لا يزال المجتمع العربي برمته، وخصوصا المصري، أسيرا لما يبثه شيوخ لا يحسنون التفكير، بالمرة، كل غايتهم قمع المرأة المستقلة، إن وجدت، وضمان سيطرتهم عليها، وترسيخ دورها في إمتاع الرجل، والتأكيد على أن خضوعها له يرفع من مكانتها ويدخلها الجنة، فللرجل القوامة، أيّا كان شروطها و سياقها أو قدرات الرجل نفسه. وإن يكن للمرأة دور نضالي، فهو القضاء على اليهود عن طريق الحجاب كما قال أحدهم.

في الواقع، ليس فقط المتأسلمون الذين يمارسون تسلطهم الذكوري على المرأة، والمستمد من قراءتهم للشريعة أو ما ينقل لهم عبر شيوخهم، بل من يدّعون أنهم ثوريون وليبراليون وعلمانيون و يساريون ونشطاء حقوق الإنسان والمرأة، وما إلى ذلك. إذ سبق أن أبديت وجهة نظر مختلفة فيما يخص بعض الأحداث السياسية في مصر، فما كان من هؤلاء إلا شتمي بكل تلك الشتائم التي تحط من قدر المرأة، والتي لا يجرؤ أحدهم أن يقولها لذكر مثله، “تشقيط الرجال، بمعني اصطياد رجال”. هل يقول رجل لرجل، “أنت بتشقّط نسوان” باعتبار ذلك شتيمة يندى لها الجبين! بالطبع لا، فهذا ممّا يعدّ مفخرة للرجال، تماما على غرار “أنا ابني يبوس زيّ ما هو عايز″، أما المرأة، فهي لا تزال رغم كل ادعاءات الحرية، التي يتشدق بها هؤلاء، الحائط المائل الذي يلقي عليه الرجال نفاياتهم، إلا من رحم ربي.

ومع كل ما سبق، وما سيأتي، أتمنى ألا يمر ربع قرن آخر قبل أن تصبح المرأة كيانا قائما بذاته. و لهذا قررت الترشح لرئاسة مصر، كسيدة مصرية مثقفة لديها عقل وإحساس وجسد ورؤية لمستقبل أفضل لمصر، يعيدها إلى خارطة الدول المساهمة في الحضارة الإنسانية، بالعلم والفنون والآداب، وآملة في كسر كل من الصورتين التقليديتين للمرأة باعتبارها كائنا تابعا، ولرئيس الدولة باعتباره إلها حكيما.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.