مسارات وتحولات.. صورة المرأة في السينما المصرية

الخميس 2018/03/01
لقطة من فيلم \'مراتي مدير عام\'

كانت المرأة، وعلى مدار سنوات موضوعا أساسيا في الفن والأدب، بل إن السينما ومنذ النشأة، اعتمدت المرأة لتكون العنصر الأهم الذي لازم كافة الحكايا السينمائية، وكانت دون أدنى شك الطرف الأبرز أيضا في منعطفات الحبكة ومجريات الحدث السينمائي، بما يجعلنا قادرين على الحديث كما سيأتي في سطور قادمة عن صور بعينها اعتمدها الكتّاب والمخرجون، ظهرت معها المرأة أداة للتعبير عن العديد من الأمور والقضايا التي شغلت الرأي العام في فترات زمنية مختلفة. يبقى السؤال الأبرز في هذا المقال متمحورا حول القضية التالية: هل اقتربت صورة المرأة من الواقع أم أن أغلب الأفلام السينمائية وقعت في التنميط كما هو الحال في الرواية العربية التي تناولت صورة المرأة؟

يبدو لافتا للمراقب أن الأفلام المصرية الروائية الطويلة منذ نشأتها عام 1927 اعتمدت الفنون الاستعراضية وعلاقة الحب بين المرأة الأرستقراطية والرجل النبيل والفقير، والتي غالبا ما تنتهي بسعادة المظلوم الضعيف وقهر الظالم الأقوى. وهو الطرح الذي طالما رافقته أنماط من الشخصيات السطحية غير المركبة، والمفتقرة إلى حسّ الحياة بكل ما فيها من تفاصيل، فالشرير مغرق في شرّه، والطيّب مغرق في طيبته، وكذلك المرأة التي اختزلت على شكل ملاك حتى وإن ارتادت الحانات، ولبست ثياب الرقص، أو على شكل شيطان رجيم حتى وإن ارتدت ثياب العفة والشرف. لذلك كثرت تلك الأفلام التي تحكي عن علاقة الرجل بالمرأة دون الالتفات إلى سياقاتها المحلية الواقعية بكل ما يعتريها من أبعاد سياسية واجتماعية غاية في الأهمية، وهو ما يحضر في إطار رقابة ابتدأت منذ أيام الملك فاروق الذي يذكر عنه محمود علي في كتابه “مئة عام من الرقابة على السينما المصرية” أنه قام بمنع فيلم “لاشين” عام 1938، وأنه لم يفرج عنه إلا بعد إحداث تغييرات جذرية وافقت عليها العائلة المالكة.

في حديثنا عن المرأة في الصناعة السينمائية، لا يمكن بحال من الأحوال التغاضي عن صورة المرأة المبهرة المجسدة لصورة الأنثى في أجمل حالاتها، وإذ يحتفي المشاهد الرجل بهذه الصورة فلأنها تنبع عن رغبة فحولية لخلق المتعة البصرية المتحققة من خلال الجنس المؤنث. أما المرأة وإذ تحتفي بهذه الصورة، فلأنها قد تدخلها في حالة تقمص وجداني تحتلها وهي تتابع مرارا وتكرارا، بما يدفعها إلى تقليد صورة مرسومة رسمة ثقافية يتم ترسيخها بقصدية مدروسة، إلى درجة السعي أحيانا باتجاه تعديل إطلالتها وفقا لنموذج ممثلة أو فنانة مشهورة كما يذكر خبراء التجميل. جدير بالذكر هنا أن الممثلة السينمائية نفسها وبهذه الصيغة المطروحة تكون قصيرة العمر فنيا، وأنقل عن الغذامي قوله “فإذا ما بلغت الممثلة سنا معينة اختفت من السوق بسبب عدم تأهلها لنقل الصورة البهية المطلوبة إعلاميا ويجري استبعادها بسبب انتهاء صلاحيتها التسويقية”. بما يعيدنا إلى نقطة البداية حيث الهدف الإمتاعي التسويقي الانتهازي، وعليه فما أسرع أن تغيب النجمات بعد أن يأفل بريقهن، لتكون المرأة آنئذ مجرد أداة تمثيل ظرفية يجري الاستغناء عنها بعد نفاد الصلاحية. علما أن الانكشاف المفضوح المتكرر لجسد المرأة لم يكن إلا واحدا من عوامل متعددة أفقدت المرأة مكاسب لها على صعيد التحرر الفكري ونمو الذات.

كثيرا ما تحضر المرأة في إطار نماذج أنثوية متكررة لا على صعيد الشكل الخارجي وحسب كما أسلفنا، وإنما نرقبها وقد ظلت غارقة في عوالم ضيقة تطرحها امرأة متمسكة بقيم المجتمع الأبوي، متمثلة لميراثه، رغم معاناتها الشديدة منه. وكان عليها التعامل مع زوج كالقدر، تؤمن به سيدا مطاعا لا سبيل إلى رده، أو حتى معارضة إرادته. ومطلوب منها الانسياق وراء كل ما يبدر عنه من رغبات أو نزوات، متناسية رغباتها الخاصة. في الأربعينات والخمسينات وحتى الستينات من القرن العشرين أي السنوات التي علت فيها الأصوات التي تطالب بحقوق المرأة، برزت موجة من الأفلام كان كل همها تجسيد ما يدلل على أن المرأة التي تعمل على تحقيق ذاتها، وتجرؤ على تنفيذ قراراتها بالرجوع إلى رغباتها الخاصة، فإنها من دون أدنى شك ستكون سببا في تدمير بيتها وأسرتها، ولن يكون من حقها أن تنعم بالحب ورغد العيش إثر قرار اتخذته بالعيش إنسانا كاملا. وما أشدّ سوء عاقبة المرأة التي ترتاد دائرة العمل لتصبح في مركز يؤهلها لاتخاذ القرار كما على سبيل المثال في فيلم شادية وصلاح ذوالفقار “مراتي مدير عام” (1966)، فنجاح المرأة في عملها يهدد هيبة الرجل وسلطته الذكورية التي يمارسها على زوجته. عموما اعتمدت هذه الأفلام أسلوبا شيّقا لا يخلو من استغلال شنيع لفكرة أن الأنوثة والنجاح في الحيز العام لا يجتمعان، وأن الواحدة بالضرورة لا تقوم إلا على حساب التضحية بالأخرى. لقد كانت هذه الأفلام في الحقيقة نوعا من المقاومة الخفية والتي كثيرا ما كانت تأخذ شكلا رومانسيا وجذابا، لكننا في الحقيقة نستطع وضعها في خانة مناهضة للفكر النسوي الذي تبنته وجاهدت من أجله حركات ومؤسسات ونساء حقوق المرأة. هذا لا يمنع ظهور فيلم من مثل “الأستاذة فاطمة” (1952)، الذي قامت ببطولته فاتن حمامة، يتناول ولأول مرة فكرة عمل المرأة وأهمية المساواة بين الرجل والمرأة، ولكنه يدخل في إطار أعمال قليلة تمكنت من كسر النمط السينمائي القائم على نماذج المرأة المستلبة الضعيفة.

وعليه يبقى الأساس في صورة المرأة هو العمل على إظهارها منشغلة بهموم سطحية صغيرة، بعيدا عن كل ما هو سياسي أو وطني خارج حدود الأسرة. بل راقبناها تمارس ظلما اجتماعيا كان قد سلط عليها من قبل، لتعيد إنتاجه على امرأة أخرى بروح سلطوية متجبرة. وهي حالات تقف وراءها مؤسسة ذكورية ترفض إظهار المرأة أنموذجا بشريا ديناميكيا مستجيبا للمؤثرات من حوله. علما أن منظمات المجتمع المدني كثيرا ما تطالعنا بتحذيرات متعددة حول الصورة النمطية للمرأة التي تقدمها السينما العربية، بما تحمله من ترويج لامرأة تفتقر إلى بعض من إنسانيتها، ولا كفاءة لها سوى أنوثة توظّفها لأغراض غير نزيهة. وما أكثر ما شهدنا هذا عبر أنموذج السكرتيرة، أو حتى الممرضة، بما تكرسانه من نماذج تستعدي فيها المرأة نظيرتها المرأة؛ فكم من نماذج ظهرت فيها المرأة كائنا دونيا لا مناص من استعباده! وكم من نساء ظهرن وقد تلبسهن الجهل والثرثرة! وكم من أخريات اختزلت صورتهن في النميمة والأحقاد، وارتبط كلامهن بالتفاهة وقلة العقل! وكم من مرة يتم الانتقاص من امرأة حرمت من رجل يشكمها! وفقا للتعبير الشائع. وكم من المرات رأينا نساء لا همّ لهن سوى المال، وكن مجردات من كل قيمة، بل إن بعض الأعمال السينمائية التي أطلت علينا بمظهر عصري، كانت أبعد ما يكون عن روح المعاصرة.


من فيلم "أنا حرة"

جدير بالذكر وتوافقا مع النظام الأبوي السائد، فإننا على مدار سنوات طويلة رأينا المرأة تعكس تقسيما كانت نوال السعداوي قد أشارت إليه وهي تنقل صورة المرأة في روايات نجيب محفوظ التي تحوّل عدد كبير منها إلى أفلام سينمائية، ومنها ثلاثيته (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية)، حيث المرأة القديسة الطاهرة “أمينة” تقابلها العاهرة “هنية أم ياسين” و”عائشة” الجميلة الخجولة وتقابلها “خديجة” الوقحة الدميمة، بما يصحّ توصيفه بأنه يدخل في إطار ما بات معروفا من حرص شائع على تقديم مشاكل المرأة بعين الرجل، فأطلت علينا المرأة الضعيفة التي تعيش تحت ظل الرجل، أو تلك التي لا همّ لها سوى السهر على راحته وإرضاء غروره، ومعها برزت صورة الأم الحنون والأخت والزوجة المطيعة والمغرمة المخلصة.

هناك أيضا صورة المرأة النقيض المتمردة المتحررة التي تتحدّى المجتمع وتعاني من ظلم التقاليد وتسلط الأب والأخ، علما أن هذه الصورة أخذت تختفي هذه الأيام بفعل تطورات نوعية شهدتها المرأة، ليبقى من حقنا السؤال عن غياب صورة المرأة المناضلة إلا في القليل القليل، كما في الفيلم المصري التاريخي “جميلة بوحيرد” (1958)، الذي قامت الممثلة ماجدة بدور البطولة فيه، والذي يحكي قصة جميلة بوحيرد ويعرض في الوقت نفسه نضال الشعب الجزائري ضدّ المحتل الفرنسي. والحال أن الاهتمام السينمائي ظل منصبا حول النماذج النمطية المتكررة، ليحضر السؤال مشروعا وملحا حول نماذج مسكوت عنها في السينما المصرية، كما أنموذج المرأة المثقفة أو المناضلة، كذلك لا تغيب عنا ملاحظة ظاهرة إصرار القائمين على صناعة الأفلام العربية على تقديم المرأة في فترات الشباب وإهمالها في مراحل عمرية متأخرة.

في كل الأحوال، لم تحضر المرأة بقضاياها وأطروحاتها المتعددة لتكون جزءا من مشاريع تنموية تساهم في رفع سوية المجتمع المصري، أو حتى تساهم في تفكيك منظومة ثقافية لم تر في تحرير المرأة وإنجازها مشروعها النهضوي سوى تهديد للسلطة الأبوية، بكل ما تحمله من إصرار على تجميد الأوضاع الاجتماعية والحفاظ على الممارسات التقليدية التي تعزز تهميش المرأة، لذلك يصحّ القول إن المرأة ظهرت واجهة يتمّ استغلالها لتكون أداة خادمة موجهة لغايات ومصالح سلطوية. وعلى الأخص السلطة الحاكمة، وعليه فإن الأفلام المصرية إن اعترضت على نظام أو سلطة، فالأغلب أن يكون هذا الاعتراض موجها لنظام حاكم سابق، أما النظام القائم فلا يجوز الاقتراب منه. لذلك فإننا بالكاد نجد فيلما واحدا قبل منتصف القرن العشرين، يتناول النظام الملكي في عهد فاروق بالنقد، وإن كنا نجد العديد من الأفلام التي تدين عصر الملكية في مصر بعد ثورة يوليو 1952. فلا غرابة إذ يسمح بعرض فيلم مثل “زوجة رجل مهم” (1988)، لأنه يوجه النقد اللاذع لنظام سابق، وعليه جاءت الزوجة لتكون في صورتها رمزا مجسدا لشعب تستغله الثورة، حيث أضحت كما يبرزها الفيلم بؤرة من بؤر الفساد، مما يكرس فكرة فشل رموز الثورة في تحقيق النصر، ويعزز فكرة إرهاب الدولة. حتى أولئك الذين كانت لهم أسماؤهم البارزة في الإخراج السينمائي، من مثل صلاح أبوسيف أو توفيق صالح، فإنهم تماشيا مع ما أسلفنا تبنوا أعمالا مغرقة في رمزيتها، متقصدين فيها نزع الصفة المكانية والزمانية للعمل.

جدير بالذكر أن السينما المصرية بعد ثورة يوليو 1952، وتماشيا مع الشعارات التي أطلقت للقضاء على النظام الملكي، وكذلك تلك المنادية سابقا بالتخلص من الاستعمار البريطاني، تجدها قد عمدت إلى إظهار المرأة رمزا للوطن، بما ينسجم واستخدام السينما ليجعل منها بوابة لتمرير الفكر القومي، فظهرت العائلة رمزا لأطياف الشعب، بينما كرست الأم رمزا للوطن، وجعلت من الأب رمزا للثورة، مع تأكيد روح التعاضد في تناغم رومانسي مقصود يلبي توجهات النظام الحاكم. نذكر من هذه الأفلام “أنا حرة” تمثيل شكري سرحان ولبنى عبدالعزيز (1959)، عن رواية إحسان عبدالقدوس التي تمجد الثورة، وتطرح قضية تحرر المرأة التي تصلها في النهاية إلى المعنى الأكبر للحرية في الوطن. علما أن جل هذه الأفلام كان مستوحى من روايات لكتّاب معروفين من مثل نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس. نذكر في هذا المضمار فيلم “ميرامار” المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، والذي قامت بالدور الرئيسي فيه شادية، وكانت ترمز لمصر الثورة. يحسب لهذا الفيلم أنه على الرغم من إبرازه العنصر الترميزي الذي حمّله للبطلة، إلا أن هذه الرمزية لم تلغ أو تسمح بإلغاء كينونة المرأة، وهو ما يأتي هنا متصالحا مع العديد من التيارات النسوية التي ارتأت أن هذا التشْيِيء وإن كان يسعف في تمثيل الوطن، إلا أنه يعجز عن تقديم أيّ خدمات فعلية للمرأة. لذلك نجد جورج طرابيشي في كتابه “رمزية المرأة في الرواية العربية” يشرح ما يمكن أن يتركه ترميز المرأة من إحساس بأن المرموز إليه قد تعرض إلى عملية اختزال مجحفة، بينما يحتكر صانع الرمز كل الذاتية لحسابه، والمرأة -وفقا للكتاب- حتى عندما يرمز بها إلى الوطن، تخسر استقلالها وسؤددها الذاتي، وتصير أشبه بمادة صلصالية يصنعها الآخرون ولا تصنع نفسها، تملك اللدائنية ولا تملك طاقة الحرية. في هذا السياق وفي الفترة الناصرية أيضا يطالعنا فيلم “الباب المفتوح” (1963)، الذي قامت بدور البطولة فيه فاتن حمامة، والفيلم كما هو معروف مقتبس عن رواية للأديبة المصرية المعروفة لطيفة الزيات، يتمحور موضوعه حول كينونة الشخصية الرئيسية (ليلى) ابنة الطبقة الوسطى التي تتمرّد على قيود البيت الأبوي، ويرصد علاقتها بالحدث التاريخي، لتكون ليلى هي صانعة الحكاية وخالقة النهاية السعيدة، التي يتبيّن لنا معها أن الفيلم يمثل ركيزة في علاقة المرأة بالوطن، ومكان المرأة داخل هذا الخيال الجمعي القومي.

إن تأمّل صورة المرأة في السينما المصرية في فترة ما بعد هزيمة عام 1967، يبرز اتجاها جديدا يعبر عن معاناة المرأة، وهو الاتجاه الذي يحضر في إطار ظهور تيارات جديدة في السينما المصرية سعت إلى محاكاة التيار التجريبي الذي نشأ في الغرب في عصر الحداثة، نذكر على سبيل المثال فيلم “النظارة السوداء” (1963)، وغيره من أفلام خرجت عمّا ألفناه من ثيمات عملت جاهدة على اختزال المرأة في الوجود الأنثوي الذي سبق وأن تحدثنا عنه، وكذلك وجدناها تنأى عن مرحلة تالية ارتأت ترميز المرأة متفادية بذلك تعاملا فعليا مباشرا مع قضاياها الخاصة.

في فترة حكم الرئيس السادات، وضمن ظروف فتحت فيها الأبواب للكتّاب والمخرجين لانتقاد الفترة الناصرية تمهيدا لأجواء من الحرية المزيفة، يظهر فيلم “الكرنك” (1975)، الذي يصف إحباطات الجيل الجديد الجامعي، بما يتيح للنظام نفسه فرصة الظهور بمظهر الطرف المغاير للاستبداد قبيل توقيعه اتفاقية السلام، وفي هذا الفيلم يبرز الكرنك رمزا إلى الإطار الحضاري المصري، الذي ينتهك في مشهد اغتصاب زينب التي تقوم بدورها سعاد حسني، لتكون زينب رمزا لشباب مصر الذي ينتهك مرات. كذلك يلقي فيلم “إحنا بتوع الأتوبيس″ (1979)، الضوء على العنف والتعذيب الذي تمارسه أجهزة المخابرات المصرية في ظل الحكم البوليسي ودولة أجهزة الأمن. وهو الأمر ذاته الذي يمارسه نظام مبارك في بداية الثمانينات من القرن الماضي، حيث يعرض فيلم “الغول” الذي يقوم ببطولته عادل إمام. في فترة السادات أيضا وتحديدا عام 1975، تطالعنا الشاشة المصرية بفيلم “أريد حلا” بطولة النجمة فاتن حمامة، والذي قيل عنه إنه ساهم في إنقاذ العديد من المصريات من المآسي التي كن يلاقينها في المحاكم وهن يجرين معاملات الطلاق، فبسبب هذا الفيلم تمّت إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية، ومنحت المرأة حقها في خلع زوجها، إن هي تخلت عن مستحقاتها المادية، بما يمكن احتسابه منجزا فنيا رائدا في مجال حقوق المرأة.

يبقى ومن خلال ما تقدم من عروض موجزة أن تعاطي السينما العربية مع قضية المرأة، لم يكن لينفصل عن الموضوع السياسي. أما في وقتنا الحالي، في فترة ما بعد ثورات الربيع العربي، فإن الصورة لم تتبلور بعد، وإن كنا نذكر فيلم “بنتين من مصر” (2010)، بطولة زينة وصبا مبارك، الذي يتناول مشكلة العنوسة جنبا إلى جنب مع سلسلة من الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المرتبطة بهذه المشكلة، والتي تحضر لتكشف مدى القهر السياسي قبيل ثورة 25 يناير. كذلك نذكر في هذا السياق فيلم “فتاة المصنع″ (2013)، الذي ينقل صورة نماذج شائعة من الذئاب البشرية المتكررة في الشارع المصري، نراها تتحضّر لافتراس شابة تعمل على إعالة أسرتها، لأعود وأؤكد أن الصورة لم تنضج على نحو كاف بعد.

عموما، إن كنا قد لاحظنا في صورة المرأة توزعا في الاتجاهات، ما بين تقليدي محافظ سلب المرأة حقوقها، وآخر مضادّ انزاح كثيرا عن المنطق السوي، فإننا لا نملك سوى التأكيد على أن طبيعة قضية المرأة هي سياسية في الدرجة الأولى، وأحيل إلى ما كانت سوسن ناجي قدمته في كتاب لها حول “المرأة المصرية وثورة يوليو” عندما أكدت منذ البداية، أن كل ما يرتبط بذات المرأة من أمور شخصية مرتبط في الوقت ذاته بالنظام، وبالسلطة، والحروب والنكبات، ولا سبيل إلى فصل القضايا السياسية عن قضية المرأة الاجتماعية أو النفسية أو الجسدية، لكن أيّ أحد من متابعي الشاشة المصرية لا يملك إلا أن يعبّر عن ضرورة إيجاد صيغة إصلاحية وسطية مفقودة معنية بصورة حيوية مختلفة عن المرأة، من شأنها الارتقاء بحالها والخروج بها عن الصور النمطية المتكررة التي تبعث السأم في نفس المشاهد.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.