ربيع‭ ‬العرب‭ ‬أم‭ ‬خريف‭ ‬المرأة‭ ‬

الثلاثاء 2015/08/18
الفنان: ربيع رعد

لم يعد مفهوم "الأدب النسوي"، والذي يعني الأدب الذي يعالج قضايا المرأة وتكون المرأة موضوعه، سواء كتبه رجل أو امرأة، يمتلك ذاك البريق الذي اكتسبه في الستينات من القرن الماضي نتيجة للحركة النسوية (Feminism) وهي الحركة التي نادت بها المفكرات والأديبات والباحثات قبل القرن العشرين، حيث كن يطالبن بالمساواة القانونية والسياسية للمرأة في المجتمع الغربي، وهو ما جعل مفهوم النسوية مرتبطاً بتوجّه فكريّ يعبّر عن حركة نضال النساء بغية نيل حقوقهنّ، ومقاومة قمع النظام الأبويّ وقيوده المفروضة عليهنّ‭.‬

إن ما تكتبه المرأة اليوم في القرن 21 تجاوز تلك المطالبات، على الأقل في العالم الغربي، وأضحت المرأة شريكاً للرجل بعد أن خرجت النساء من خدر المرأة المغلق إلى فضاء الإنسانية الرحيب‭.‬ ما نشهده اليوم من تحولات يعكس انهيار الهياكل الثقافية التقليدية التي جعلت من المرأة موضوعاً متفرداً تصاغ من أجله النظريات وتحاكمه، سلباً أو إيجاباً، بناء على معايير تفوق الذكورة البالية‭.‬ فالمرأة اليوم تكتب الحياة بكل تنوعاتها وتتعامل مع الواقع بكل منحدراته ومرتفعاته، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو العلوم، وغيرها من الحقول المعرفية‭.‬ وبنفس الاتساع تغيرت النظرة نحو مفهوم "أدب المرأة"، وهو كل ما تكتبه المرأة في الحقل الأدبي، فلم يعد هناك أدب "نسائي" وأدب "رجالي" بل هو أدب إنساني ينتجه الانسان، ذكراً كان أو أنثى، والأدب الإنساني لا تحكمه الأنوثة أو الذكورة بل تشكّله القيم الكونية والتقنيات الجمالية‭.‬

اختلاف الأحوال

وبالرغم مما ذكرت، أرى أن مشاركة المرأة في الكتابة تتميز بعدة مميزات فرضتها حتمية الواقع ومعطيات التاريخ والبيولوجيا‭.‬ وكما تصنف مشاركة الرجل في الكتابة اليوم بناء على اهتمامات الرجل وخبراته العلمية وأسلوبه الأدبي، كذلك يمكن أن نصنف مشاركة المرأة في عالم الكتابة بناء على اهتماماتها وخبراتها وأسلوبها، والبناء الثقافي، والمحيط الاجتماعي الذي تشكلت من خلاله‭.‬ فالمرأة السعودية، كما الرجل السعودي، تكتب حول موضوعات قد تختلف عما تكتبه المرأة المصرية، أو التونسية، أو العراقية‭.‬ ومصدر هذا الاختلاف ليس مرده طبيعة المرأة، ولا تركيبها البيولوجي، بل المجتمع والمحيط والظروف الموضوعية التي تعيشها في تلك المجتمعات‭.‬ وعلى سبيل المثال، تكتب السعودية بدرية البشر حول قضايا بديهية تخص المرأة قد تجاوزتها الكثير من المجتمعات العربية، مثل قيادة السيارة، والمشاركة في الأنشطة الرياضية، مازالت غير محسومة في مجتمع لم يتجاوز أدنى درجات الوعي بحقوق المرأة المدنية‭.‬ بينما تكتب آمال قرامي حول مشاركة المرأة التونسية في الانتخابات البرلمانية، وتطرح مكتسبات المرأة التونسية وتراجعاتها بعد ثورة الياسمين في تونس وصعود حزب النهضة‭.‬ لذلك ليس بإمكاننا تعميم نمط واحد على طبيعة مشاركة المرأة العربية في الكتابة نظراً لظروف كل مجتمع وأولوياته وتحدياته‭.‬

يظل مؤكداً أن مفهوم النسوية لا يقوم على نموذج المطالبة بالمساواة مع الرجال، أو المواجهة بين النساء والرجال، أو اعتبار الرجل معياراً تطمح المرأة للوصول إليه، بل هو مفهوم يقوم على تصور للوضع الإنساني الذي يضم كلا الطرفين، في إطار القيم والحقوق الإنسانية بكل أبعادها، ومن ذلك اعتبار المرأة إنساناً يمتلك الأهلية الفكرية والعقلية الكاملة التي تؤهله للمشاركة في كل المجالات دون وصاية ذكورية أو تراتبية أبوية‭.‬

تحولات الأدب

لا شك أن للكتابة دورا كبيرا في أوقات التغيرات والهياج والاضطراب‭.‬ وحيث أن الأدب مرآة للواقع، ونتاج للتحولات الكبيرة في المجتمع، فقد أفرزت ثورات الربيع العربي العديد من المتغيرات التي أسهمت في انتاج أعمال أدبية تميزت بكسر حاجز الخوف، وتقديم إبداع جديد، بعد الثورة، يحاكي الحلم بالحرية، ويرصد مآسي الدكتاتورية وما تعرضت له النساء من ضرر وتعذيب واغتصاب وفقدان للكرامة رافق تلك التحولات‭.‬

من هذه المعطيات يمكن لنا أن نستنتج أن أدب المرأة (السردي والشعري والثقافي) بعد "الربيع العربي" هو معادل موضوعي للتغيرات في المجتمعات العربية‭.‬ فالثورات العربية في تونس ومصر وسوريا واليمن، والتحولات السياسية في العالم العربي، بشكل عام، غيرت الكثير من معطيات الواقع، مما جعل المرأة والرجل، على حد سواء، مؤثرين ومتأثرين بنتائج هذا التغيير وإفرازاته الثقافية‭.‬ فالمرأة هي شريك في الثورات، وهي جزء من التغيير، وقد تكون هي أكثر من يقدم التضحيات ويدفع الثمن في أوقات الحروب والاضطرابات‭.‬ وهنا أسوق مثالاً لكتابة المرأة العربية في مجالي السرد والشعر والثقافة، كدليل لانعكاس الواقع على ما تنتجه المرأة في مجال الابداع‭.‬ الروائية العراقية إنعام كجه جي كتبت روايتها (طشّاري) حول أوضاع العراق بعد الحروب والصراعات خلال الخمسين سنة الأخيرة، كما كتبت نساء عربيات عن تأثير مفرزات الربيع العربي عليهن، مثل سحر خليفة وحنان الشيخ وميرال الطحاوي، ومن السعودية مثلت مقالات الكاتبة فوزية أبو خالد تحليلاً ثقافياً عميقاً للربيع العربي‭.‬

تحديات جديدة

أظهر الربيع العربي تحديات وأسئلة جديدة حول أخطار أن تكون هذه الثورات خريفاً بالنسبة إلى حقوق المرأة ومكتسباتها، ومدى التزام الأنظمة الجديدة، خاصة من تنتمي للإسلام السياسي، بما وعُدت به المرأة من حريات وعدالة ومساواة‭.‬ ولعل ما عرضته الناشطة التونسية نائلة السيليني عن وضع المرأة في دول الربيع العربي، في المنتدى النسوي الإقليمي الثاني، يكفي لأن يكون شاهداّ على تخوفات المرأة من تراجعات في مجال الحقوق والمشاركة السياسية، حيث كانت المرأة تشارك، سياسياً، بفضل نظام الكوتا في مصر وتونس، في حين حل تراجع كبير في مواقف الأنظمة السياسية بعد الثورات، حيث حملت خطاباتها التنظير دون التطبيق، حتى أصبحت مشاركة المرأة مجرد مشاركة صورية لا حقيقية‭.‬ بالإضافة إلى ذلك فهناك تخوف من التراجع في مجال القوانين المدنية التي تحمي المرأة، خاصة قوانين الأحوال الشخصية والأسرة، كالزواج والطلاق والتحرش والعنف ضد المرأة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.