أبي الطائر بسجادة الصلاة

ثلاث قصائد
الثلاثاء 2022/03/01
لوحة: محجوب حسن العوض

الغروب في يوم خطر

يخرجُ هذا اليومُ من جناحِ غُراب

شمسُه تذهبُ بأسرعِ الخطواتِ

إلى زوالِها،

تاركة في السماءِ وردة حمراء

وفي قلبي غروب مرعب.

بعيداً عن ألوانِ براءتي

أفقد قدرة أن أرى وأسمع،

حواسي مغلولةٌ

ونظراتي تضيع في بئر المساء.

أخشى أن تنكرُني هذه الطبيعة

وتسحبُني فتنةُ الغيابِ

إلى ليلٍ يُسعدُ به الاشرارُ

وتُنسى به الأحلامُ

دونما وعد بشروقٍ قريب.

هذا اليومُ يخرجُ من جلدٍ ميت

ويمتدُ مثل حيلةٍ فاسدة،

لحظاتُه تحملُ أكثر الرغباتِ شراً

ولا غياب عنه إلا بالنسيان.

النسيانُ قوقعتي الحارسة

من الخطرِ الذي يتكررُ في حركةِ دمي

مردداً رنة جرسٍ طويلة.

لوحة: محجوب حسن العوض
لوحة: محجوب حسن العوض

 

سيف في عين البهجة

أنا لم أخبرك عن طيفٍ مر بطفولتي

لكنك ترين الآن آثاره

سيفٌ في عين البهجة

وجروحٌ على طول الطريق.

أزرق للحزن

أحمر للشر

أصفر للخوف

كان دخانُ القصف يحجبُ مرحَ السماء، وصوت الصواريخِ تهويدة. ليس مفاجئاً أنني شهدتُ أكثر من حربٍ لكن المؤلم أن الطفلَ الذي كنتُه ضاعَ مني. جرى أن يِملأ بيتنا عطرُ البخورِ، أبي يطيرُ بسجادة صلاته وأمي تذوبُ تحتَ الشمعدان، وكنا كأطفالٍ بررةٍ عالقين في صلاةِ الفجرِ،

دمعة في الشفق

أرجوحة في الهواء.

نلمس أُلفةَ الألوانِ من خلفِ الزجاجِ ونطلقُ على  النسماتِ أسماء بريئة، لم تشغلُنا الدلالاتَ ولا معرفةِ ما يخبئه لونٌ خلفَ طولِه الموجي. نقرأ القرآن كنا، آملين بجنةِ ألعابٍ، نبتهلُ لأجل غيابِ المعلمةِ ويُلهينا الضبابَ عن أوضحِ المخاوف. كانت الصباحاتُ جناحَ فراشةٍ والغيومُ ماءَ فضة، كتبنا أحلامنا بالحناءِ وقرأناها في الحديقة، مستمعين لنموِ العشبِ تحتَ أقدامِنا وسمعنا غناءَ الفاختة فوق سدرة هرِمة:

كوكوختي

وين أختي؟

بالحلة

وين تنام؟

بأرض الله.

صار نشيدُ الفقدِ سيرتَنا، يسألُ أحدنا عن أرضِ الآخر، وتذبلُ فوقَ شفاهَنا الجهات. كل واحدٍ منا رأى موتَه في أكثرِ ما يُحب فسلكِ الطريق إليه، كل واحدٍ منا رأى الحربَ في ضوءِ نظراتِه، ورأى الحياةَ تنتهي بلمعةِ قذيفة، كل واحدٍ منا اكملَ نموَه في قبر، وسار به بقية أيامه.

لم أخبركِ عن طيفٍ مرَّ بطفولتي

فصارتْ شظايا،

لكنكِ ترينَ الآن ألوانَه

أزرق للحزن

أحمر للشر

أصفر للخوف.

 

مقام النائمين وقوفاً

كنا حيثُ تنتهي الأشياء

يرفعُ كل واحدٍ همَه عنواناً للعامِ القادم،

ولأجل مسرة وحيدة

لا بأس أيها الليل

بأن تقبضَ هذه الوعودَ الخالية

وتحفظَ أسماءنا الذابلة.

أناجيك حين يلتمعُ في رمادِك الأمل

وتتلوّنُ مأساتنا مثلَ العابِ نارية

أن تكون لهذه الساعة مرادفات أقل خسارةٍ

وذكريات أشد بقاء.

أشهدُ عليك

وأنت خوفُنا النامي من أكثرِ الحواسٍ هشاشة

من نظراتِنا التي يكسرها الضبابُ

من خطواتِنا المهتزةِ تحت قمرك الوحشي،

إنك رؤوف حين تريد ذلك

تراعي نومنا وقوفاً

مثل رماحٍ تحميها الصواعق.

وأشهد أنك مرعب

لو هربنا منك إلى ليلٍ آخرٍ

تمسِكنا بألفِ نجمةِ

وتحفظنا مثل سرٍ مختوم.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.