أدونيس ودرويش!

الخميس 2021/04/01
لوحة: فؤاد حمدي

                                                                  1

قد يبدو مزاحاً إذا قلت إنني أكتب الشعر لكي أكون محبوباً أكثر من النساء؟ لكنّ قولي هذا يحمل الجزء الثابت من حيرتي لماذا أكتب الشعر، إذ أن الأجزاء الأخرى المتراكبة تغيّرت كما أعتقد مع الزمن…

حين أعود إلى الطفل الذي يجلس أمام مدفأة الحطب ويركّز عينيه بالجمر فتنهال القصائد التي تقول للعالم أنا موجود وأحمل حلماً لتغيير العالم، أراني أكتب الشعر لأجعل الناس يرتدون ثوب الدهشة والتحدّي والحلم والأمل أبداً. وحين أعود إلى الشاب الذي يحوّل أمسيةً شعرية إلى مظاهرة ضد الاستبداد في جامعة حلب أراني أكتب الشعر لأساهم في صنع ثورةٍ تجتاح عروش الاستبداد وتفتح المنابر للشعراء يهيمون كيفما يشاؤون. وحين أعود للرجل الذي يعاني مرارة المنفى أراني أكتب الشعر لتغيير المألوف المعتاد في ذائقة الناس إلى عيش ما يغير دواخلهم. وحين أنظر إلى الشيخ الآن وأفكر لماذا أكتب؟ أراني أكتب كي أدفع الناس لحماية كوكبنا بفتح آفاق العلم وتراكبه لهم من خلال الشعر، كما أراني ما زلت أكتب لأرى الطفل والشاب والرجل الذي بداخلي يحققون ما كانوا يكتبون مصقولاً بالخبرة. ويبدو أنني سأنفذ من هذا إلى مشروعي الشعري الذي يتلخص في ربط الشعر بالمفاهيم العلمية الحديثة حول كوننا والأكوان المتعددة واختراقات الزمن ووضع عقل الإنسان الحافل بالأسطورة والدين في مركبة فضاء الشعر ليرى جمال أرضنا وكوننا والأكوان التي تنفتح خارجنا وفي دواخلنا، وما ابتكر الإنسان ويبتكر من أساطير ودين وعلمٍ للوصول إلى إجابات وجوده. وفي هذا أريد من القصيدة وأحاول أن تكون مدهشة وممتعة وتغيّر نظرة القارئ للأشياء. كما أحاول تجميع ما أكتب الآن من قصائد تترجم مشروعي ووضعها في مجموعةٍ مميزة بما اكتسبت من خبرات دراستي للشعراء وبالأخص في البنية، حيث أنني كما أعتقد أمتلك لغتي ولا أحتاج الآن للتجريب اللغوي الذي يقوم به الشعراء الشباب وقد مضى زمني التجريبي.

                                                                 2

أعتقد أنني اشتغلت بجدية ووعي على تحديث القصيدة وبالأخص في مجال مداخلة قصيدة النثر مع قصيدة التفعيلة باعتباري من الشعراء المجبولين بالإيقاع، وأستخدم الكتابة الآلية السوريالية، في نشر أجنحة داخلي على مداها الأقصى في جرأة الطيران دون حسبان، وأمتلك كما أعتقد لغتي الخاصة بي. ويتبدّى هذا في مجموعتي الشعرية “فم الوردة” المطبوعة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 1989، الذي انفتح على هول الغزو الأميركي للعراق، ودفع الشعر التجريبي إلى زاوية السكون، مثلما دفعني للتوقف عن الشعر والاتجاه إلى الرواية.

                                                                 3

وفقاً لقراءاتي التي أنشرها عن الشعر والشعراء، وتتضمّن الكشف عن أسرار شغلهم على القصيدة، أعتقد أن الشاعر محمود درويش لا يغيب عن أعمال معظم الشعراء الذين درست شعرهم، كباراً وشباباً، حتى من يكتب منهم قصيدة النثر. وتأتي بدرجة أقل جملة الشاعر أدونيس، مع تجنب الشعراء الذين قرأتهم وتأثروا بجملته التداخل مع أفكاره ومواقفه السياسية. وبالنسبة إليّ تأثرت بمجمل شعراء قصيدة التفعيلة من السياب والبياتي، إلى محمود درويش إلى أمل دنقل وإلى الفيتوري وفايز خضور وممدوح عدوان، وشعراء قصيدة النثر وعلى رأسهم الماغوط، وأعتقد أن ذاتيتي وتصوراتي تشكلت منّي ومن التفاعل مع تصورات وأساليب الشعراء العرب، كما تشكلت كذلك بالتفاعل مع الشعراء الغربيين مثل بابلو نيرودا، رامبو، ريلكه، بودلير، أراغون، ت. س. إليوت، والت ويتمان، وشعراء البحيرات مثل كيتس، وجميع شعراء الرومانسية والحداثة الأوروبية، وأعتقد أن هذا حماني من أكون نسخةً عن أحد. ويبدو أن إجادتي للوزن أثرت في وقايتي، وأذكر أنني كتبت قصيدةً خلال دراستي لقصيدة أحمد الزعتر وشعرت أنها متأثرة بمحمود درويش، فمزقتها رغم جودتها وتقديري العظيم لمحمود؛ وعدت لاستخراج داخلي المكون مني أساساً ومما اكتسبت من ثقافة شعرية قديمة وحديثة، عربية وأوروبية. وأرجو أن يفيد هذا الكلام الشعراء الشباب، كمبدأ على الأقل.

                                                                 4

من قراءاتي للشعر، أعتقد أن الشعراء العرب المعاصرين اليوم لم يغرقوا السوق بكتابات خرقاء، وإنما يفعل ذلك من هم ليسوا في الحقيقة شعراء. ويوجد شعراء عرب مهمون، كبار في السن ومتوسطون وشباب، من غير نجوم الشعر المعروفين، وأصدروا مجموعات شعر مهمة، لم يساعدها انحسار قراء الشعر إلى الرواية في الانتشار. وهذا له أسبابه التي لا تتعلق فقط بإنتاج الشعر. لكن العالم العربي كما أعتقد عموماً ينقاد للنجم لأنه لا يملك نجومية ذاته بعد.

                                                                 5

نعم، أعتقد أن الواقع الذي فاق الخيال، سواء بمآسيه أو باكتشافاته العلمية فعل ذلك بإرباك مخيلة معظم الشعراء وأدخل كتابتهم في مأزق وجودي، لكن بعضهم أيضاً استطاعوا توظيف فوقان الواقع وتركيبه في أجنحتهم، وبالأخص الشعراء الذين يتعاملون مع الأسطورة حيث يكاد العلم أن يقارب الأساطير بقدر تحطيمه لها.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.