أن‭ ‬تحمل‭ ‬جثة‭ ‬وتتبادل‭ ‬معها‭ ‬الأدوار

الثلاثاء 2016/03/01

دمشق خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الثورة‭ ‬السورية‭ ‬هي‭ ‬اللاّحسم،‭ ‬هي‭ ‬منطقة‭ ‬لا‭ ‬حرب‭ ‬ولا‭ ‬سلم،‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬يطبّق‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬ومن‭ ‬حولها‭ ‬تدور‭ ‬رحى‭ ‬المعارك،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬ملجَأ‭ ‬لأغلب‭ ‬السوريين‭ ‬المهجّرين‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬سوريا،‭ ‬لنرى‭ ‬فئتين‭ ‬من‭ ‬السوريين‭ ‬تحاولان‭ ‬التعايش‭ ‬وتفادي‭ ‬الصدام،‭ ‬فئة‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬الخلاص‭ ‬حيث‭ ‬تبطش‭ ‬وتمارس‭ ‬العنف‭ ‬بأشكاله‭ ‬على‭ ‬الباقين،‭ ‬والفئة‭ ‬الثانية‭ ‬هي‭ ‬مناصرو‭ ‬الثورة‭ ‬الصامتون‭ ‬أو‭ ‬المشتبه‭ ‬بممارساتهم‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬النزاع‭ ‬،‭ ‬لتكون‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬أشبه‭ ‬بمتاهة،‭ ‬لا‭ ‬رابح‭ ‬فيها،‭ ‬فالعنف‭ ‬اليومي‭ ‬والإهانات‭ ‬بأشدها‭ ‬تصيب‭ ‬سكان‭ ‬الريف‭ ‬أو‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬محررة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬المعارك‭ ‬فيها‭ ‬قائمة،‭ ‬ليكونوا‭ ‬ضحية‭ ‬لبطش‭ ‬“مؤيدي”‭ ‬النظام‭ ‬ورجالاته‭.‬

‮ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬فضاء‭ ‬اللاموت‭ ‬واللاحياة‭ ‬هذا‭ ‬تحضر‭ ‬شخصيات‭ ‬خليفة‭ ‬المهمّشة،‭ ‬إخوة‭ ‬بسطاء‭ ‬من‭ ‬قرية‭ ‬العنابية،‭ ‬يريدون‭ ‬نقل‭ ‬جثة‭ ‬والدهم‭ ‬عبداللطيف‭ ‬المتوفى‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬ليدفن‭ ‬في‭ ‬القرية،‭ ‬الأب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬ولده‭ ‬الأكبر‭ ‬بلبل‭-‬نبيل‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬يدفن‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬قريته،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬طويلاً‭ ‬حتى‭ ‬وافته‭ ‬المنيّة،‭ ‬الموت‭ ‬كان‭ ‬فاتحة‭ ‬لأحداث‭ ‬الرواية‭ ‬،‭ ‬فحسب‭ ‬وصيته،‭ ‬عبداللطيف‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يُدفن‭ ‬في‭ ‬العنابية،‭ ‬بقرب‭ ‬أخته‭ ‬ليلى‭ ‬التي‭ ‬انتحرت‭ ‬ولم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬تجاه‭ ‬ذلك‭.‬

في‭ ‬“الموت‭ ‬عمل‭ ‬شاق”‭ ‬نقرأ‭ ‬رحلة‭ ‬ثلاثة‭ ‬إخوة‭ ‬من‭ ‬الريف‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬وتسحقهم‭ ‬المدينة،‭ ‬ومع‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورة‭ ‬،‭ ‬أصبحوا‭ ‬مهددين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة،‭ ‬بسبب‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬يأتون‭ ‬منها‭ ‬بوصفها‭ ‬ثائرة‭ ‬ضد‭ ‬النظام،‭ ‬الثلاثة‭ ‬وفي‭ ‬ميكروباص‭ ‬يمتلكه‭ ‬الأخ‭ ‬الأصغر‭ ‬“حسين”،‭ ‬ينقلون‭ ‬جثة‭ ‬أبيهم من‭ ‬دمشق‭ ‬إلى‭ ‬العنابية،‭ ‬رحلة‭ ‬طويلة‭ ‬تتحول‭ ‬فيها‭ ‬الجثة‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬إلى‭ ‬جيفة‭ ‬تنتفخ‭ ‬ويخرج‭ ‬منها‭ ‬الدود،‭ ‬لنقرأ‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬حكاياتهم‭ ‬وكيف‭ ‬تقطعت‭ ‬الصلات‭ ‬بينهم،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بوصفهم‭ ‬أثناء‭ ‬الرحلة‭ ‬محكومين‭ ‬بمزاجية‭ ‬الحواجز‭ ‬المسلحة،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬التابعة‭ ‬للنظام‭ ‬أو‭ ‬الإسلاميين‭ ‬المتشددين أو‭ ‬ميليشيات‭ ‬القتل‭ ‬الطائفية‭ ‬المختلفة‭ ‬التابعة‭ ‬للنظام‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬حسين‭ ‬فكّر‭ ‬برمي‭ ‬الجثة‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬الطريق‭ ‬أو‭ ‬دفنها‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مكان‭ ‬يجده‭.‬

الموت‭ ‬يكفي‭ ‬للجميع

نتحسس‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬مجانية‭ ‬الموت،‭ ‬الكل‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬ارتكابه،‭ ‬جثث‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬موتى‭ ‬منسيون،‭ ‬مقابر‭ ‬جماعية،‭ ‬جثث‭ ‬على‭ ‬الطرقات‭ ‬السريعة،‭ ‬ارتكاب‭ ‬الموت‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حدثاً‭ ‬طارئاً،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يومي‭ ‬يصل‭ ‬حد‭ ‬الابتذال،‭ ‬غياب‭ ‬سطوة‭ ‬الموت‭ ‬والصدمة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يسببها،‭ ‬تعيد‭ ‬تركيب‭ ‬عقلية‭ ‬السوريين‭ ‬وخصوصاً‭ ‬من‭ ‬يشهدونه‭ ‬يومياً،‭ ‬هناك‭ ‬نظام‭ ‬يقتل‭ ‬الشعب،‭ ‬هناك‭ ‬مسلحون‭ ‬يقتلون‭ ‬الشعب،‭ ‬هناك‭ ‬موت‭ ‬يكفي‭ ‬للجميع،‭ ‬جثة‭ ‬عبداللطيف‭ ‬التي‭ ‬تتفسخ‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬ليست‭ ‬الاستثناء،‭ ‬التعاطف‭ ‬مع‭ ‬ذوي‭ ‬الموتى‭ ‬وحكايات‭ ‬موتهم‭ ‬الغريبة‭ ‬أصبح‭ ‬أقرب‭ ‬لنكتة‭ ‬سيئة‭ ‬لا‭ ‬يقولها‭ ‬إلا‭ ‬أحد‭ ‬المبتذلين،‭ ‬التعاطف‭ ‬غير‭ ‬مجد،‭ ‬جثة‭ ‬عبداللطيف‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بهذا‭ ‬المصير‭.‬

أثناء‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬العنابية،‭ ‬نكتشف‭ ‬حيوات‭ ‬الإخوة‭ ‬الثلاثة،‭ ‬التشتت،‭ ‬معاناة‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬التي‭ ‬انهارت‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يظن‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬أنها‭ ‬ستستقبله‭ ‬لتحوله‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬رجالاتها،‭ ‬لكنّها‭ ‬حولته‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬مهمّشيها،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬سوريا،‭ ‬ففي‭ ‬رواية‭ ‬خليفة‭ ‬نقرأ‭ ‬حياة‭ ‬السوري‭ ‬المهمش‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الريف‭ ‬إلى‭ ‬المدينة،‭ ‬فالثورة‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬محاولة‭ ‬للتغير‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحصل،‭ ‬إذ‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة،‭ ‬إلى‭ ‬انتماء‭ ‬قد‭ ‬يودي‭ ‬بحياة‭ ‬صاحبه،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حاول‭ ‬تجنب‭ ‬الانخراط‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬أولئك‭ ‬المنسيون‭ ‬الذين‭ ‬بقوا‭ ‬في‭ ‬أطراف‭ ‬سوريا‭ ‬يقاتلون‭ ‬لأجل‭ ‬الحرية،‭ ‬هوية‭ ‬الأسرة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬العنابية‭ ‬كانت‭ ‬تسبب‭ ‬لهم‭ ‬مشاكل‭ ‬جمّة‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬وحواجزه‭ ‬بوصفهم‭ ‬من‭ ‬الآخرين،‭ ‬الثوار‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬تغيير‭ ‬البلاد،‭ ‬والأب‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬جثة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الفكاك،‭ ‬بل‭ ‬تسبب‭ ‬لأسرته‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬بالمضايقات‭ ‬والإهانات‭ ‬من‭ ‬حواجز‭ ‬النظام،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الحواجز‭ ‬أراد‭ ‬اعتقاله‭ ‬“كجثة”،‭ ‬‮ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬بلبل‭ ‬بدفع‭ ‬رشوة‭ ‬مالية‭ ‬للحاجز،‭ ‬فحتى‭ ‬الموتى‭ ‬لا‭ ‬ينجون‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬ماكينة‭ ‬النظام،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬إصرار‭ ‬بلبل‭ ‬على‭ ‬دفن‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬العنابية‭ ‬وتنفيذه‭ ‬لوصيته‭ ‬أشبه‭ ‬بآخر‭ ‬رمق‮ ‬‭ ‬لمفهوم‭ ‬الأسرة‭ ‬الذي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الثلاثة،‭ ‬آخر‭ ‬رمق‭ ‬للسوريين‭ ‬بأن‭ ‬يدفنوا‭ ‬حيث‭ ‬يريدون‭.‬

الخاسرون‭ ‬دوما

في‭ ‬“الموت‭ ‬عمل‭ ‬شاق”‭ ‬نلتقي‭ ‬بالخاسرين،‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إثر‭ ‬بطش‭ ‬النظام،‭ ‬حتى‭ ‬السلاح‭ ‬ليس‭ ‬حلاً،‭ ‬وساحة‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬خلقها‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬جعلت‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬تافهة‭ ‬بلا‭ ‬مغزى،‭ ‬الموت‭ ‬بحضوره‭ ‬ثقيل،‭ ‬كل‭ ‬سوري‭ ‬الآن،‭ ‬يحمل‭ ‬جثة،‭ ‬ذاكرته‭ ‬وتجربة‭ ‬حياته‭ ‬هي‭ ‬جثة‭ ‬أيضاً‭ ‬يحاول‭ ‬الفكاك‭ ‬منها،‭ ‬يحاول‭ ‬الانسلاخ‭ ‬عن‭ ‬هويته‭ ‬السابقة‭ ‬ليبدأ‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬ممكن؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬نسيان‭ ‬الألم‭ ‬والخسارات‭ ‬وصور‭ ‬الجثث‭ ‬المرميّة؟‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬قطع‭ ‬الذاكرة‭ ‬والتخلص‭ ‬منها‭ ‬كمن‭ ‬يقطع‭ ‬يده‭ ‬ويكوي‭ ‬الجرح؟‭ ‬بلبل‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬وحين‭ ‬أراد‭ ‬الفرار‭ ‬إلى‭ ‬تركيا‭ ‬لم‭ ‬يستطع،‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬حياته‭ ‬الشفافة‭ ‬في‭ ‬الحيّ‭ ‬الموالي‭ ‬للنظام‭ ‬وحذلقته‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مشكلة‭ ‬كانت‭ ‬ترضيه،‭ ‬أحلام‭ ‬اليقظة‭ ‬والحلم‭ ‬بالخلاص‭ ‬كانت‭ ‬تكفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬لأجل‭ ‬هذا‭ ‬الخلاص،‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬شيء‭ ‬يستدعي‭ ‬الأمل،‭ ‬حقيقة‭ ‬الموت‭ ‬عمل‭ ‬شاق‭ ‬والنظام‭ ‬جزّار‭ ‬أعمى،‭ ‬والجثث‭ ‬تطفو‭ ‬بين‭ ‬الأحياء،‭ ‬أما‭ ‬الثورة‭ ‬فتمضي‭ ‬بعيداً‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬

بيروقراطية‭ ‬الموت

نقرأ‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬بيروقراطية‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬تجاه‭ ‬الموت،‭ ‬وكأنه‭ ‬مؤسسة‭ ‬مختصة‭ ‬بتحويل‭ ‬الأحياء‭ ‬إلى‭ ‬جثث،‭ ‬الموتى‭ ‬يبقون‭ ‬أحياء‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬توافق‭ ‬مؤسسات‭ ‬المخابرات‭ ‬على‭ ‬موتهم،‭ ‬الجثة‭ ‬هي‭ ‬رقم‭ ‬ضمن‭ ‬السجلات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬شطبه،‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الموتى‭ ‬والأحياء‭ ‬متشابه،‭ ‬كلاهما‭ ‬له‭ ‬ملف،‭ ‬كلاهما‭ ‬مهدد‭ ‬بالاعتقال،‭ ‬كلاهما‭ ‬النظام‭ ‬يعرف‭ ‬عنه‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬عن‭ ‬خيانة‭ ‬عم‭ ‬بلبل‭ ‬للنظام‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭ ‬والتي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬سجلات‭ ‬“الدولة”‭ ‬ومازال‭ ‬النظام‭ ‬يستخدمها‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الأسرة،‭ ‬بل‭ ‬والقرية‭ ‬كلها،‭ ‬فالموت‭ ‬مؤسسة‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬تعقيدات‭ ‬بيروقراطية‭ ‬وأوراق‭ ‬وتواقيع‭ ‬ورشوة‭ ‬للموظفين،‭ ‬خفة‭ ‬الرحيل‭ ‬أمر‭ ‬مستحيل،‭ ‬حتى‭ ‬قتلى‭ ‬النظام‭ ‬نراهم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬المشافي‭ ‬يمرّون‭ ‬بذات‭ ‬المعاملات،‭ ‬برادات‭ ‬للجثث‭ ‬وأخرى‭ ‬متناثرة‭ ‬دون‭ ‬مكان،‭ ‬أما‭ ‬شهداء‭ ‬الثورة‭ ‬فهم‭ ‬في‭ ‬قبور‭ ‬جماعية،‭ ‬أُسر‭ ‬بأكملها‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬واحدة،‭ ‬خالد‭ ‬خليفة‭ ‬يرسم‭ ‬تفاصيل‭ ‬سوريا‭ ‬عبر‭ ‬رحلة‭ ‬من‭ ‬دمشق‭ ‬حتى‭ ‬الشمال،‭ ‬لنشهد‭ ‬تَغيّر‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ،‭ ‬لعنات‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬الإهانات،‭ ‬الإساءات،‭ ‬الجثة‭ ‬تتفسخ‭ ‬على‭ ‬الطريق،‭ ‬الديدان‭ ‬تنسلّ‭ ‬منها،‭ ‬كل‭ ‬سوري‭ ‬مهدد‭ ‬بذات‭ ‬المصير‭ ‬مادام‭ ‬هناك‭ ‬طاغية‭ ‬يخزن‭ ‬سجلات‭ ‬الموتى‭ ‬والموتى‭ ‬المحتملين‭ ‬المنتظرين‭ ‬أدوارهم‭.‬

الثورة‭ ‬الحلم

الثورة‭ ‬أشبه‭ ‬بليلى‭ ‬أخت‭ ‬عبداللطيف‭ ‬التي‭ ‬أحرقت‭ ‬نفسها‭ ‬وبكى‭ ‬عليها‭ ‬الجميع،‭ ‬الشلل‭ ‬أصابهم‭ ‬من‭ ‬هول‭ ‬فعلتها‭ ‬فلم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬اللحاق‭ ‬بها،‭ ‬بقيت‭ ‬سيرتها‭ ‬هي‭ ‬الباقية،‭ ‬تتناقلها‭ ‬الألسن،‭ ‬الكل‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬حكايتها‭ ‬ويغيّر‭ ‬فيها‭ ‬ليخفي‭ ‬حقيقة‭ ‬جبنه‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬ليلى‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬نفسها‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تتزوج‭ ‬من‭ ‬تكرهه،‭ ‬الثورة‭ ‬اشتعلت‭ ‬رفضاً‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬قائم،‭ ‬السعي‭ ‬للخلاص‭ ‬والانفكاك‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬القمع،‭ ‬لكن،‭ ‬الآن،‭ ‬الكثيرون‭ ‬يحاولون‭ ‬جعلها‭ ‬تناسبهم‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تناسيها‭ ‬ليخفوا‭ ‬حقيقتها،‭ ‬لكن‭ ‬سراً‭ ‬لها‭ ‬رجالها،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬عبداللطيف‭ ‬“أبناء‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان”،‭ ‬فهي‭ ‬ستستمر‭ ‬برغم‭ ‬الحرائق‭ ‬وبرغم‭ ‬الموت‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.