الشاعر والألم
أين يقف الشاعر في هذه اللحظات المؤسفة في تاريخنا الحديث؟ هل هو سؤال صعب؟ إنه ليس سؤالاً أصلاً. متى كانت اللحظات التاريخية ليست مؤسفة؟ متى كانت الأحداث أقلّ حقارة مما هي عليه الآن. دوماً كانت الحرب تطحن إنسانية العالم، ودوماً كانت اللغة البلهاء تقف مذهولة فاغرة فاها أمام ما يفعله السيف أو المنجنيق أو البندقية أو حتى قارب صغير لا يصل ساحل هجرته.
لذا أعتقد أن ما يحدث أمام عين اللغة رغم امتعاضها، وللأسف، هو مدادها الذي يصنع اختلافها وتميزها وحداثتها. الشاعر دوماً سيحتاج رغم إنكاره الدائم واعتراضه الملحّ على الظلم والقهر والموات، والطاغية؛ سيحتاج للألم كي يمارس طبيعته في الامتعاض والشكوى والتذمر وكراهية العالم. كي يكون مختلفاً ومثالياً ونادراً كما يحب أن يحلم بتفرده وإيجابيّته.
إذن سنعيد ترتيب جملة سابقة: لقد كان الإنسان دوماً يطحن إنسانية العالم. وكان الشاعر دوماً يدري أو لا يدري يستمتع بالمشهد. شعراء كثر فسّروا دوافع الحرب وعللوا أسبابها وأضاءوا للآخرين ما يجب وما لا يجب فعله لتجنب تكرار المأساة الملهاة. صحيح ولكن لم يتغير شيء فقد استمرت الحرب دوماً، وسقطت القيم دوماً، واستمر الشعراء يمتعضون ويتذمرون ويفسرون ثم ينامون ليلهم الطويل فيما ترتفع قامة كتبهم عدة سنتيمترات عن أرضية غرفهم الباردة دوماً.
الذي يأسرني أيضاً هو أنه وكلما ضاقت سيور العربة نظر الحوذي إلى الشاعر ليحلّ أزمة السير، والمضحك أن الشاعر يصدّق نفسه ويستجيب ويرفع الغطاء عن قلمه وينهار كتابة ونحيباً. هي أغنية.. هي أغنية حزينة فعلاً.
ومع ذلك يفترض أن يختلف صوت الشاعر قليلاً عن صوت بقية اللاعبين كي تكتمل المسرحية، كي ينتقل الشاعر من دور كاهن الآلهة وكاتب الإلياذة، إلى دور أكثر أناقة كمفسر للعلاقات النفسية لأفراد البلاط الملكي الشكسبيري، ثم يرتقي قليلاً ليكون مديحاً للدم العالي.
الشاعر هو الشاعر أينما وجد، لا جدوى له في الحرب، لكنه جميل وممتع وأخّاذ في قيلولة السلام. الشاعر ديكور جميل للبيت لا يصلح حين تقصف الطائرات البيت. الشاعر فاتن آسر كرائحة الهال في قهوة العائلة، لكن لا حاجه له في غياب البيت وسطوع قارب النجاة.
