المجلة التي كسرت الحواجز وخرجت على التصنيف الابوي

الثلاثاء 2022/02/01
لوحة: شيماء جلال

سبع سنوات مع مجلة “الجديد”، عدد إثر آخر، فتحت فيها المجلة أهم القضايا الفكرية والأدبية والفنية، واستقطبت المئات من الكتّاب والشعراء والفنانين العرب والعالميين من المشرق إلى المغرب، لا في مجرد ظهور أو جرد أو تحبير ورقات، بل في حضور له توجه ثقافي.

التوجه الثقافي للمجلة منذ حدثني عنها الشاعر السوري ورئيس تحرير المجلة نوري الجراح كان محاولة طرح الجديد، ولذا سأتحدث عن انتصار المجلة بشكل خاص للتجارب الجديدة من الفنانين والأدباء والشعراء والمبدعين العرب والغربيين الشباب.

مثلت المجلة منبرا هاما لتجارب شبابية كثيرة، جنبا إلى جنب مع تجارب مكرّسة، حيث كان التوجه إلى إلغاء توصيف المبدعين بالشباب في نوع من الحط من منجزهم، والدفع بهم كعناصر ثقافية وأدبية وفنية فاعلة، وتستحق الظهور وقول كلمتها.

كان من النادر أن يجد الكثير من المبدعين الشباب منابر تحتفي بهم وتضعهم في الواجهة مع القراء من دون تصنيفات تأتي من خارج الأدب والإبداع، أو انتصار لجيل على آخر، أو حتى احتكام إلى التقسيمات الجيلية التي أثبتت أنها مجرد وهم “أبوي” مقيت أصاب الثقافة العربية وساهم في غياب البناء التراكمي لمنجزاتها.

من ناحية أخرى وقفت المجلة بشكل حاسم مع الحركات الشعبية في مختلف أنحاء الوطن العربي، وساندت الشعوب العربية بفنونها المتمردة، كالغرافيتي مثلا الذي كان غائبا عن الساحة الإعلامية، وهواجسها نحو التحرر والانعتاق، التي وجدت نقادا ومفكرين يؤطرونها، وبكل ما يشغل الفرد العربي حول ماضيه وحاضره ومستقبله.

الملفات كثيرة، ملف في كل عدد، وأحياناً ملفان، ملفات تجولت بين الأجناس الأدبية كافة، من القصة والشعر إلى الرواية والمسرح إلى الفكر النسوي وقضايا المرأة العربية والمرأة الكاتبة وغيرها من الملفات التي دخلت كل البلدان العربية تقريبا.

من ناحية أخرى إن الانتصار لقضايا المرأة العربية بقوة، ومساهمات الكاتبات بشكل خاص في المجلة، كان نقطة هامة تحسب لـ”الجديد”، فقد أثيرت على صفحاتها، وبجرأة لافتة قضايا النسوية من أكثر من زاوية أهمها الزوايا الأدبية، وأفردت المجلة ملفات كبيرة لكتابات المرأة في القص والروي والنقد والفكر غطت جل خارطة الكتابة العربية، وبنت جسرا بين الكاتبات المقيمات في أوطانهن والكاتبات المغتربات عنها في العالم.

أما الحوارات التي كانت تقدمها المجلة فكانت تنفتح على أهم رموز الأدب والفكر والإبداع في العالمين العربي والغربي، وقدمت إطلالة هامة على راهن الثقافة والفنون سواء في الساحة العربية أو الأوروبية أو الآسيوية أو اللاتينية وغيرها.

ما ميز المجلة في أدائها المتواصل هو الابتعاد عن التصنيفات والقوالب الجاهزة التي تأتي كأحكام، فابتعدت عن التصنيف الجيلي أو الجنسي أو القطري، ولم يكن من مفاضلة بين مجال وآخر، ما جعلها منبرا حرا مفتوحا للجميع لا مجال للتقييم فيه إلا للمنجز وقيمة الطرح النقدي والفكري.

جاءت “الجديد” وتواصل وجودها الفاعل في الساحة الثقافية العربية في وقت تشهد فيه هذه الساحات العربية تراجع المنابر الثقافية الحرة وتراجع المجلات واختفاء أغلبها، فكانت المنبر الجامع الذي فتح أبوابه لكل المبدعين العرب من دون استثناء، ليقدموا أفكارهم ونصوصهم ورؤاهم وأعمالهم، في حلة جمالية مميزة.

في عامها الجديد أرجو أن تتواصل “الجديد” مع كتّابها وملفاتها وموادها التي تصلح للتأريخ للساحة الثقافية العربية واستشراف مآلاتها، وأن  تواصل مغامرتها الجمالية والتعبيرية الجريئة بكتّابها ومبدعيها في زمن عربي تتراجع فيه المنابر الثقافية التنويرية والمنفتحة بشكل مخيف.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.