المسرح‭ ‬فعل‭ ‬نضالي‭ ‬في‭ ‬مفهومه‭ ‬الواسع

الجمعة 2016/07/01
لوحة: فادي يازجي

المسرح في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬كان‭ ‬وسيظل‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬الزمان،‭ ‬فعلا‭ ‬نضاليا‭ ‬في‭ ‬مفهومه‭ ‬الإنساني‭ ‬الواسع‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬المسرح‭ ‬منذ‭ ‬اليونان‭ ‬إلى‭ ‬الآن،‭ ‬مجالا‭ ‬للصراع،‭ ‬صراع‭ ‬الذوات‭ ‬الإلهية‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬أولا،‭ ‬ثم‭ ‬تطور‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هيمنة‭ ‬الفكر‭ ‬الألوهي‭ ‬على‭ ‬أشباه‭ ‬الآلهة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬صراعا‭ ‬بين‭ ‬الفرد‭ ‬والآلهة،‭ ‬بين‭ ‬الفرد‭ ‬وقدره‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬اتخذ‭ ‬المسرح‭ ‬شرعيته‭ ‬ليصبح‭ ‬ساحة‭ ‬عامة‭ ‬‮«‬Agora‮»‬‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الأفكار‭ ‬بالشعر‭ ‬والفلسفة‭ ‬والسياسة‭ ‬أي‭ ‬أصبح‭ ‬المسرح‭ ‬ساحة‭ ‬للديمقراطية‭ ‬ولممارسة‭ ‬ثقافة‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬وفي‭ ‬العقيدة‭.‬

ولعل‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬الثالثية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الهشاشة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتفشي‭ ‬الأميّة‭ ‬لفي‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬للمسرح‭ ‬كأداة‭ ‬للتوعية‭ ‬والتنمية‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬ولدعم‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬للتعليم‭ ‬والتلقين‭ ‬والتسلح‭ ‬بقيم‭ ‬المساواة‭ ‬والإخاء‭ ‬والتسامح‭.‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬اختلاف‭ ‬المسرح‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الفنون‭ ‬فأنا‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬غير‭ ‬المتطرفين‭ ‬طبعا،‭ ‬بأن‭ ‬المسرح‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬ككل‭ ‬المجالات‭ ‬الإبداعية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فلقد‭ ‬منحته‭ ‬أسبقيته‭ ‬التاريخية‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬أبا‭ ‬للفنون‭ ‬جميعها،‭ ‬غير‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوصف‭ ‬تنقيصا‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬المسرح،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المسرح‭ ‬هو‭ ‬أبو‭ ‬المعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬أيضا،‭ ‬لأنه‭ ‬مجال‭ ‬أغرى‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والساسة‭ ‬من‭ ‬عهد‭ ‬الإغريق‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬كما‭ ‬أغرى‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬والنفس‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬ابتكرتها‭ ‬العبقرية‭ ‬الإنسانية‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا‭.‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬قدر‭ ‬المسرح‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬مصدر‭ ‬النور‭ ‬الذي‭ ‬ينير‭ ‬وعي‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭. ‬لذلك‭ ‬فهو‭ ‬يظل‭ ‬اليوم‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬مجالا‭ ‬محاصرا‭ ‬ومشوّشا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المنظومات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬واختلاف‭ ‬الرأي،‭ ‬وتسعى‭ ‬لأن‭ ‬تحنط‭ ‬وعي‭ ‬وإحساس‭ ‬مواطنيها‭ ‬في‭ ‬أنموذج‭ ‬الفرجات‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬أضحت‭ ‬تحتل‭ ‬المجالات‭ ‬السمعية‭ ‬والبصرية‭ ‬والفضاءات‭ ‬الحضرية‭ ‬العمومية‭. ‬ولأنّ‭ ‬المسرح‭ ‬ظلّ‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬المجال‭ ‬الأوحد‭ ‬المحتفل‭ ‬بإنسانية‭ ‬الإنسان،‭ ‬باعتباره‭ ‬فرجة‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬باجتماع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭. ‬فهو‭ ‬مجال‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لاحتفال‭ ‬الإنسان‭ ‬بالإنسان،‭ ‬احتفال‭ ‬الإنسان‭ ‬بفكره،‭ ‬بشعره‭ ‬وبحكيه‭. ‬يغني‭ ‬حياته‭ ‬وحريته،‭ ‬أمانيه‭ ‬وآلامه‭ ‬على‭ ‬جمهور‭ ‬آنيّ‭ ‬ومباشر‭. ‬إذن‭ ‬سيظل‭ ‬المسرح‭ ‬محتفظا‭ ‬بدوره‭ ‬الريادي‭ ‬في‭ ‬تنوير‭ ‬روح‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬الذي‭ ‬تنتعش‭ ‬فيه‭ ‬الحريات‭ ‬وتتعملق‭ ‬فيه‭ ‬الإرادات‭ ‬لتحقيق‭ ‬حيوات‭ ‬أفضل‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.