ثمار وأزهار

الجمعة 2022/04/01
لوحة: بسام الإمام

كان العقيد وسام، ضابط التحقيق في فرع الأمن المسمّى: فرع منطقة دمشق، يقلّب على عجلٍ صفحات ملّفٍ ضخم، وُضِعَ بين يديه قبل دقائق فقط، عندما أدخلوا إلى مكتبه الأستاذ خالد، صاحب الملّف. نهض العقيد واقفاً، تمعّن مليّاً في ملامح هذا الأشيب المطلوب لمراجعة الفرع، ثم في الصفحة الأولى التي لم يفتح غيرها، وقال بما يشبه الدعابة:

– والله، هالشيبة مو غريبة عَلَيّ يا أستاذ !

ثم أردف:

– اتفضَل. استريح !

لم تكن الدعابة بخصوص الشيب، مما توقّعه الأستاذ خالد قبل أن يدخلوه إلى مكتب العقيد وسام، لكزاً بعقب بندقية كلاشينكوف. وكانت، على أيّ حال، أفضل من المعاملة الخشنة لموظفي الديوان، المقدودين، كأنهم، من حجر صوّانٍ لعين. فهل هدّأت تلك الدعابة أعصابه المتوتّرة؟ هل برّدتْ مخاوفه؟

” بعض الشيء أفضل من لا شيء!”.

بعدها، جلس الأستاذ خالد على كنبةٍ وثيرة في مواجهة طاولة العقيد وسام. جال ببصره في أرجاء المكتب الفخيم. فباستثناء الفخامة المبالغ فيها لم يتغيّر الشيء الكثير في هذا المكتب، الذي سبق أن استضافه مطلوباً لأوّل مرة في حياته قبل نحو ثلاثين عاماً، وكان عمره أيامذاك 28 عاماً، ومدرّساً لمادّة اللغة الإنكليزية في ثانوية الكسوة للبنين.

حتى العقيد نفسه، وكان أيامها، ما زال نقيباً، يبدو في هذه الأيام شابّاً مفعماً بالشبوبية، لكأنّ العقود الثلاثة المنصرمة لم تترك على وجهه أيّ تغييرات تُذكر !

بلى، يمكن ملاحظة مرور الزمن الذي لا يرحم، في شعره الذي اشتعل شيباً، رغم أنه ما يزال غزيراً، ومصفّفاً باعتناء من خرج لتوِّه من حمّام الصباح، مما أضفى عليه وسامةّ يمكن أن يقال عنه معها:

” اسم على مسمى!”.

………………….

وبعد ذلك ساد بين الرجلين صمتٌ أشدّ إرهاقاً للروح من جلافة المخبرين، وهم يجهّزونه في ديوان الفرع، من أجل إدخاله إلى مكتب سيادة العقيد.

صمت !

صمت !

لا كلام، ولا نظرات. فالكلام إذا اشتغل هنا، والعيون إذا حاصت، ارتفعت، أو انخفضت، فقد يُساءُ فهمها، بما هي بادرة حُسن نيّة…

أو:

” بصيص أمل!”.

ولا مجال هنا لأيّ:

” حُسنِ نِيّة. “

أو لأيّ:

” بصيص أمل!”.

فمن أيّ فُرجة قد يتسرّب أيّ أمل؟ بل، وأيّ أملٍ للأستاذ خالد حسن الأحمد، إن كان لِذِكر اسمه الثلاثي من أهمية، وهو بالنسبة إلى العقيد وسام، أو لغيره من ضباط الأمن، هنا أو في الفروع الأمنية الأخرى، ليس أكثر من:

جرحٍ مفتوح، نازف، متقيّح، كان ينبغي أن يُكوى، يُقطَع، منذ أوّل مرّة جرى توقيفه فيها قبل نحو ثلاثين عاماً، بتهمة الانتماء إلى حزب يساري هدّام، وأن يكفّ عن استنزاف الوقت الثمين لضباط التحقيق، وبخاصّة في مثل هذه الأيام العصيبة من تاريخ سوريا. بل، وحتى، أن يكون قد شبع موتاً إلى الآن، لماذا ما يزال واحدٌ مثل الأستاذ خالد ما يزال على قيد الحياة ؟ أو أن يَخْلُدَ في قبوٍ من الأقبية، أو أن يُسمح له، يا سيدي، وبالناقص منه ومِنْ أشكاله من المثقّفين الثرثارين، بمغادرة القطر.

فمن أجل هذا الموقف الأصليّ منه، هو موجودٌ الآن في فرع منطقة دمشق، يطلب إذناً رسمياً يمكّنه هو وزوجته من مغادرة القطر إلى لبنان !

***

ومنذ أن أُطلِقَ سراح الأستاذ خالد من معتقل صيدنايا في العام 1987، بعد اثني عشر عاماً، سجناً، كانوا، على الدوام، في دائرة الهجرة والجوازات، وقبل أيّ كلام معه، أو أيّ التفاتٍ إلى طلعته البهيّة، ولقد كانت طلعته بهيّةً حقاً، يطلبون منه أن يأتيهم أولاً بموافقة:

” فرع منطقة دمشق!”.

وفي الأعوام القليلة الماضية، كان قد دأب على أن يدفع لمعقّب معاملاتٍ نافذٍ، مبلغاً من المال، فيأتيه بها. وحقّق ذلك التصرف العبقريّ نجاحاً ممتازاً، إلى حدٍّ صار معه الاستحصال على هاتين الكلمتين المعذّبتين:

” لا مانع!”.

لا يُعَدُّ من متاعبه الحياتيّة الحقيقيّة في سنّه العالي، نسبياً ! ستّون عاماً ليست في العادة مزحة في أعمار بني البشر. ثم هنالك أموره الصحيّة المتضعضعة، على أكثر من جبهة.

ذلك أن شطراً لا باس به من عمره، أكثر قليلاً من السُدس، مضى في شروط سجنٍ لا إنسانية داخل المعتقلات السورية. هل أقولُ، ايضاً، إنها كانت مادّةً لتندّرنا، على سكر، وبخاصة من سليط اللسان؛ أبورامي:

– أصلاً، نحنا شو ياللهي امسهّرنا مع واحد مطلوب متلك !

والذين كانوا يقولون مثل هذا الكلام لم يكونوا أحسن حالاً. وبالطبع، فلم يخلُ أمر تلك الموافقات الأمنية من بعض التعثرات، في بعض الأحيان. من ذلك، على سبيل المثال، التعثّر الذي حدث قبل عامين من الآن، أيْ في عام 2011. فبعد أن وسّط شخصيّة نافذة، بعض النفوذ، للحصول على وثيقةٍ احتاج إليها بإلحاح، طُلِبَ منه، لخيبة أمل ذلك الوسيط، أن يذهب من فوره، ودون إبطاء، إلى:

“فرع منطقة دمشق”.

ودوماً:

تحت طائلة المسؤولية !

وفي حينها تقدمَ خطوةً إلى الأمام، وتراجع خطوتين إلى الوراء، ثم قرّر بشكلٍ قطعيّ ألاّ يذهب إليهم برجليه مهما كلّف الأمر. وكان هاديه إلى ذلك القرار الجريء والاستفزازي، مُسَلّمةٌ، محض عقلية:

” لو كانوا يريدونه حقاً، لما انتظروه أن يأتيهم!

يُضافُ إلى ذلك أن التنظيمات اليسارية الفلسطينية التي كانت تتخذ من دمشق مقرّاً لها، شكّلت له كهفَ اختباءٍ ممتازاً حتى مطلع عام 2011. وذلك مبتدأ تعرّفي به، ومن ثم صداقتنا العميقة. ( – المؤلّف – ). وكان قادراً من خلالها على السفر إلى بيروت، عن طريق الخطّ العسكري، بهويّةٍ فصائلية مزوّرة، متى أحبّ. ومع ذلك، وعلى مدى عشرين عاماً؛ أيْ، ثلث عمره الفعليّ، لم ينفكّ أمر تلك الموافقة اللعينة عن مواجهته أمام كلّ مفصلٍ، تحتاج فيه بعض معاملاته إلى ختمٍ رسمي.

وطُرق التهريب إلى لبنان، تتطلّب في العادة صعود جبال، وهبوط وديان، وهو ما لا يقوى على تحمّله جسداهما الهشان، هو وزوجته، في هذا السنّ، فضلاً عن أنّ مثل ذلك التصرّف لا يليق بوضعيّتهما الاعتبارية. كما وقدّر، بحُسن نِيّة، أنّ الستين عاماً ربما كانت شفيعاً ممتازاً له. فجهود رجال الأمن متركّزة في هذه الأيام، كما هو معروفٌ للجميع، على العناصر الشابّة، التي لا تغادر شوارع المدن الكبرى.

ثم إنه سيبكي، في بلاد الغربة، مرّ البكاء، عندما يتذكّر:

ياسمين حيّ الشعلان؛ وأسواق دمشق القديمة، والسيارين الرائعة في بساتين غوطة دمشق، أو في عين الخضرا. أفلا ينبغي أخذُ كل هذه المشاعر النبيلة بعين الاعتبار؟ !

وكنتُ شخصياً – المؤلف – ممّن عملوا حثيثاً على تثبيط همّته بخصوص سفره المزمع:

– خروجك من البلد بهالأيام خسارة كبيرة يا “أبوفراس”.

فكان يردّ عَلَيّ دوماً، بيأسٍ لم أعهده فيه من قبل:

– لا خسارة ولا شيء يا عزيزي “أبوبسام”. فالخسارة الحقيقية هي أن نواصل العيش وسط الجنون، بعد أن نعرف بأنه جنون !

وكان يحلو له في الآونة الأخيرة أن ينهي أيّ نقاش حول دورٍ محتملٍ له في ما يجري من ثورةٍ في سوريا، بهاتين الجملتين، يقبسهما من ديالكتيك هيغل:

– الزهرة تدحض البرعم، فإذا ظهرت الثمرة دحضت الزهرة!

***

لوحة: بسام الإمام
لوحة: بسام الإمام

وهذه المرّة، وهي المرّة الموجود من أجلها الآن في فرع المنطقة، بتاريخ 12 حزيران 2013 كان يريد خروجاً نظاميّاً من القطر، وسوف يصطحب معه زوجته، بعد أن تهدّم كامل ما كان لهما من بيوتٍ في دمشق، وحول دمشق، وبعد أن غدا معظم الأهل والأصدقاء، كلٌّ في منفى !

وفي هذه المرّة أيضاً، طُلِبَ منه في دائرة الهجرة والجوازات أن يراجع من غَدِه: فرع منطقة دمشق، دون إبطاء، ودوماً:

تحت طائلة المسؤولية !

– هالمرّة ما زبطت معنا يا أستاذ…

قال مُعقّب المعاملات، وأضاف:

– كلّ مواطن ومعاملته بإيده… هيك التعليمات…

ثم أردف بحذر:

– وإذا بِدّك نصيحة أخويّة يا أبوفراس الورد… الفوتة هالأيام على فرع المنطقة مو مزحة أبداً… ف:

” دير بالك يا صاحبي!”.

والواقع أن للأستاذ خالد أن ينسى، هو ورفاقه، ماضيهم، إنْ حلا لهم ذلك الأمر، غير أن أرشيف المحفوظات، التابع للأخ الكبير، لا ينسى شيئاً، البتّة:

(حرفون. مِتعِب. حسن. أحمد. انتصار. لعنة الانتماء إلى البرجوازية الصغيرة. اللعنة التي كلّفتهم أزهى سنوات عمرهم، قضوها داخل سجون النظام السوريّ.. !).

***

ولكن،

” إلى متى؟”.

سؤالٌ كان يتمثّل دوماً للأستاذ خالد على هيئة شيخٍ هرم:

“… إلى متى، يا أبوفراس الورد؟”.

سؤال ما انفكّ الأستاذ خالد يدوّره ويدوّره. وفي الختام لا يحصل، ونحو أيّ جهة دوّر إليها الزوايا الحادّة لذلك السؤال، إلاّ على تفريعات لإجابة واحدة، ما في غيرها:

” إلى أن تموت، أو أن يموت النظام،.. وقد تتسلّل اللعنة الأزلية إلى الأبناء ومن ثم الأحفاد… مَنْ يعرف ماذا تخبّئ لنا الأيام؟”.

وكان يردّد أشياء شبيهة بهذه الأشياء بينه وبين نفسه، وأما في العلن، فقد كان يستنجد دوماً بالمبادئ السامية، حول ضرورة أن يكون للإنسان في هذا العالم:

” رسالة يؤديّها  “

” وإلاّ فما معنى وجودنا في هذه الدنيا ؟ “

***

ووسط فيضان أفكارٍ ومشاعرَ مثل هذه داخل نفسه وفي تلافيف عقله المرتجفِ، اقتحم الصمتَ الرابض في مكتب العقيد وسام منذ ساعتين، أو أكثر، أو أقلّ، ضابطٌ أهوج، مفتول العضلات. وقال مخاطباً العقيد وسام، وابتسامة عريضة تعلو وجهه:

– لم تسألني يا سيادة العقيد، ماذا حصل ليلة أمس مع المتّهم – العميل الذي كان يحقّق معه صاحبنا العقيد أبوالخير !

فسأله العقيد وسام بلامبالاة ظاهرة:

– وما الذي حصل؟

– حصل أنه من أوّل بوكسٍ وثاني بوكس اعترف بجميع التهم الموجّهة إليه…

…  قلت له: تريدون حرّية مو هيك، طيّب هذا أوّل حرّية، وهذا ثاني حرّية…

… من الصبح والمسكين العقيد محمّد خير يلاطفه ويسايره، يا حبيبي، ويا عيني… لا تجعلني ألجأ معك للقوة… كلّ التقارير  تثبت التهم الموجهة إليك. والأحسن لك أن تعترف…

… في الصباح، كان له هذا الحكي… والظهر… والمغرب… والحكي نفس الحكي. وفي كلّ مرّة أمرّ فيها عليه يشتكي لي:

– أتعبني ابن الحرام. يومان. ليل ونهار. لم آخذ منه يا أبوثائر لا حقّ ولا باطل !

… والمتّهم، أجلّلك الله، كاللوح، كالبهيمة، لا ينطق بغير:

– بريء. والله يا سيدي بريء. يمكن بِدْكُن أخي، مو أنا، أخي الزغير بيشبهني كتير !

… كلّهم أبرياء. الكلاب. الخونة. أبرياء. من يخرّب البلد؟ مَنْ الذي يقود المظاهرات؟ مَنْ يدفع لهم؟

 .. وأخيراً – تابع ذلك الضابط الأهوج مخاطباً العقيد وسام – قلت للعقيد أبوالخير:

– أعطني إياه. دقيقة !

فقال:

– والتعليمات ؟ العيون مفتوحة علينا يا أبوثائر، ويطلبون منّا في القيادة أن نخفّف الدوز… الإعلام، ومنظمات حقوق الانسان، وكلّ هالكلام الفاضي !

قلت له:

– إنسَ التعليمات يا سيادة العقيد وأعطني المتّهم دقيقة. دقيقة واحدة فقط !

… وبعدها لم يتحمل منّي ذلك الوغد الحقير أكثر من دقيقة واحدة. أوّل بوكس وثاني بوكس…

ومثّلَ ذلك الضابط الأهوج أمام العقيد وسام والأستاذ خالد ما قام به مع المتّهم فوجّه لهواء المكتب لكمتين قويّتين خلخلتاه، ثم استدار بوجهه يساراً، فكأنه انتبه لحظتها لوجود ضيفٍ جالسٍ على الكنبة المواجهة لطاولة العقيد، فقال موجهاً كلامه للضيف المفترض:

– والله، يا رفيق، والذي خلق السموات والأرض، لا يأتون إلا بهذه المعاملة. صحيح أنها تجرّ علينا انتقادات محطات التلفزة، ومنظمات حقوق الانسان، وشتائم الدول، التي هي عدوّة لنا أصلاً، لكن أرني غيرها…

وتمهّل قبل أن يتوجّه بالرجاء التالي للأستاذ حسن:

– أرجوك يا رفيق أن تنقل للقيادة الحكيمة ما تسمعه منّي الآن. قل لهم أن يتركوا لنا الأمور، فنحن أخبرُ بشُغلنا، وليناموا على حرير…

ثم عاد يخاطب العقيد وسام، كأنه نسي شيئاً فائق الأهمية، بطريقته الهوجاء إياها:

– والعقيد أبوالخير قال لي: خذه، ولكن، على مسؤوليتك يا أبوثائر… قلت له: وعلى مسؤوليتي يا سيدي…

.. ما الذي حدث؟ أوّل بوكس وثاني بوكس، لا مِن شاف ولا مِن دِري…

ثم أردف بعد برهة:

– كنت أريد أن أطلعك على بعض التقارير التي وصلتني بخصوص المفخّخة التي انفجرت يوم أمس في الدويلعة، ويبدو أنك مشغول الآن مع ضيفك.

ثم التفت ناحية الأستاذ حسن، وقال معتذراً:

– عفواً يا رفيق… من شان رَبّك ما تواخذنا على الإزعاج. شو بدنا نساوي ؟ ما في باليد حيلة!

***

(العالمُ بأكمله، وفرع منطقة دمشق جزء لا بتجزّأ من هذا العالم، خشبة مسرح – كما يقول شكسبير -).

هل انقشع الوهم أخيراً؟ وهل قيل له بعد تلك الميلودراما المتقنة، تمثيلاً وإخراجاً:

– لوين رُحتْ يا أبوثائر؟ بَعّدت كتير يا صاحبي، فالجالس أمامك على الكنبة كأنه ضيف، لا ضيف ولا هم يحزنون، فهو مطلوب، ويلزمه مثل غيره من المطلوبين، أول بوكس وثاني بوكس…لا مين شاف ولا مين دِري !

***

وأخيراً قال العقيد وسام للأستاذ خالد:

– طيّب. أستاذ خالد… فيك اتروّح هلّلأ على بيتك، بس لازم نشوفك بُكرة، أكيد !

***

وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي، وكان الخميس 13 حزيران 2013 انطلقت من كراج ” السومرية “، على تخوم العاصمة دمشق، سيارة ركّاب، أجرة، في طريقها إلى لبنان، ومن ضمن ركابها الأستاذ خالد وزوجته، قبل طلوع ضوء النهار، فيكون العناصر على الحواجز الأمنية نصف نائمين، ما يزالون !

وراح الأستاذ خالد في الأثناء يقلّب الذكريات، صفحة صفحة. كما ومارس في ذهنه الموجوع سباحةً مطوّلة:

من شاطئ الحياة التي عاشها منذ ولادته في دمشق عام 1950 حتى الأعماق القصيّة التي هو فيها الآن، هارباً من بلده..

ومع النور راحت قمم الجبال والتلال والبيوت تبرز على الطريق الدولي الواصل بين دمشق وبيروت، كأنها تنبثق من قلب محيطٍ، واسع، موحش:

أكواخ. بيوتْ. بَشَرٌ، سيّارات رائحة إلى لبنان، سيّارات آتية منها:

” ديار النبيّين، ومركز الصالحين، ومعدن البدلاء، ومطلب الفضلاء…” ( من كتاب “أحسن التقاسيم…”. إقليم الشام. للمقدسي).

“لكلّ إنسانٍ في هذا العالم وطنان، وطنه الأصليّ وسوريا!”  (عالم الآثار الفرنسي شارل فيرو).

(جنون. جنون. إلى متى سيستمرّ ذلك الجنون؟).

وأتاهم، وهو ما يزال يمارس سباحة معمّقة في كامل حاضره وكامل ماضيه، صوت سائق السيارة:

– الهويّات. يا شباب !

وتقدّم ركاب السيارة بتذاكر هوياتهم إلى العنصر الفتيّ المناوب على حاجز الصبّورة. مدّ الأستاذ خالد يده إلى الجيب الداخلي لبدلته الأنيقة، بكلّ جرأة الهارب، اليائس من هذه الدنيا ومما له فيها، ليخرج بطاقته الشخصية، فأتاه صوت ذلك العنصر:

– إنت لأ. ما في داعي يا حجّي !

ومع ذلك، فما يزال من المبكّر القول إنّ الحجّي، أو الأستاذ خالد، قد تمكّن أخيراً من الفرار من سوريا !

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.