خيال المؤرخ وخيال الروائي

الجمعة 2016/04/01

ذروة الخيبة، أن يأخذ الرّوائيّ موقع المؤرخ، لسبب يسير الفهم، ففي التاريخ إما أن يكون الحدث قد حدث، ومُحدِثه هو مُحدِثه، وإما لم يحدث. في الرّواية بوسعك أن تُحدِث ما لم يَحدث، فخيال المؤرخ لعنة، فيما خيال الرّوائيّ هو نعمته، ولذلك فالأحداث الكبرى ليست مادة روائيّة على الدوام، هي استفزاز للخيال الرّوائيّ.. الأحداث الكبرى والتي قد تكون ذات شأن بالنسبة إلى وقائع الحياة، قد تكون أقل شأنًا بالنسبة إلى وقائع الرّواية، فقنبلة نووية قد تكون أقل شأنًا للروائي من وساوس الخوف، الوحدة، السأم، أو سؤال الكراهية أو الحب. ولهذا لا تفترض أن تكون الهزّات العظيمة مادة لرواية عظيمة بقدر ما يمكنها أن تكون استفزازًا لموقفك من الحياة والناس والأفكار والمعاني والمفاهيم، ولن يكون من الممكن كتابة عمل روائي فوق سطح زجاج أملس.. الرّواية تكتب فوق نثرات الزجاج الجارح وأظن أن بلداننا هي هذا الزجاج المتناثر- الجارح، الذي يفتح فضاءات الكتابة الرّوائيّة فنشوة الرّواية لا تكون الاّ بانكسارات الحياة.. أحكي هنا كقارئ لا ككاتب، فلو كانت الحياة بساطا من الحرير لما قرأنا الأعمال الرّوائيّة العظيمة من كلاسيكيات الرّواية ولا من الرّواية المعاصرة، وأحكي كروائي، ولو كانت الحياة المحيطة بي فاترة وملساء لما تعرّفت على أبطالي المنكسرين الذين واجهوا انكساراتهم مرة بكسر الحياة وثانية بكسر أنفسهم، وإذا ما جاز لي الكلام كناقد روائي، فسأصمت لأنني سأكون خائبًا وثقيلًا.. كل ما أعرفه هو التالي “الوقائع المستقيمة لا تخلق رواية.. الصالحون للعيش ليسوا صالحين للرواية”، وكي أتقيد بالسؤال:

- ماذا يكتب الرّوائيّ في لحظة الاستبداد السّياسي والدّيني؟

أقول “هما لحظتان ليستا عابرتين، هما لحظتان مقيمتان في حياتنا، وما يحدث اليوم في بلد مثل سوريا، ليس سوى تكثيف لهما، اللحظة السورية الراهنة بالغة الكثافة لوقائع عيش مسترسل في ماضي البلاد، ولا أظن أنها وعاء جديد لرواية سوريّة جديدة.. كل ما في الأمر أن اللحظة السورية الراهنة فتحت الباب لكتابة شجاعة أو متهورة، وكلتاهما (الشجاعة والتهور) عظيمتان للفعل الرّوائيّ.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.