دفتر يوميات

أولاف ه. هَوْغي (Olav H. Hauge)
الثلاثاء 2022/02/01
الشاعر النرويجي أولاف. ه. هوغي وزوجته الرسامة والنسّاجة بوديل كابيلّن

ولد الشاعر النرويجي أولاف. ه. هوغي في بلدة أولفيك الصغيرة عام 1908، وعاش فيها حتى مماته عام 1994.  بدأ أولاف في الخامسة عشرة من عمره بكتابة يومياته التي استمرت حتى وفاته. اكتشفت هذه اليوميات بعد وفاته، ونشرت في خمس مجلدات ضخمة في لغتها النرويجية. صدرَ كتابه الشعري الأول وهو في عمر الثامنة والثلاثين.

يعتبر مع رولف ياكوبسن  من الروّاد الحقيقيين للشعر النرويجي الحديث. تعرض في حياته إلى صعوبات كثيرة وأدخل إلى مستشفى الأمراض العقلية في العديد من المرات. تخرج في المعهد الزراعي، وبقي طوال حياته يعمل في بستان تفاح ورثه عن أبيه.

تزوّج عام 1978، من الرسامة والنسّاجة بوديل كابيلّن، التي ساعدته على الاستقرار النفسي، وبذلك اطمأنت روحه وعاش في سكينة كبيرة معها حتى مماته. في العام 2016، دعيت للمشاركة في مهرجان أولفيك الشعري، الذي يقام في مركز أولاف. ه. هوغي الثقافي، ببلدة أولفيك، رفقة صديقي الشاعر النرويجي، بول – هيلغي هوغين. التقيت بأرملة الشاعر أولاف، بوديل كابليّن التي طلبت مني ترجمة مختارات من يومياته إلى العربية.

مارس 1924

كلمات إلى دفتر يوميات

ذلك اليوم، لمعت في رأسي فكرة: سأحتفظ بيوميّات. ستكون ممتعة. نعم، ليست يوميّات بالمعنى المتعارف عليها، أخبار الطقس، الأحداث، المشتريات والمهام. لا، هذه ستكون يوميّات أفكار وتأمّلات – يوميّات روحيّة – لأشياء جديرة بالتذكّر. ليس عليها أن تكون كلّ يوم، بأيّام مرقّمة وشبيه ذلك. إنما عليّ أن أكتب عندما يتوفرّ لديّ الوقت، وأثناء عطلات نهاية الأسبوع وشيء من ذلك. يتوجّب أن تكون هناك متعة في هذا. أحتاج إلى ورق؛ الأفضل هو شراء دفتر كبير بصفحات مسطرة. سأرى ماذا يمكن أن أجد. ربما أستطيع أيضا، في نفس الدفتر، كتابة أفكاري حول كتب متعدّدة. سأفكّر بذلك!

 

مايو 1924

تمشيتُ في الجبال اليوم، لأّول مرّة هذا الربيع. أفكار كأحلام قويةّ نهضت في داخلي. أتمنّى أن أبني بيتًا وأسكن هنا، لأكون وحيداً، مع أفكاري!

لأكون قادراً على الجلوس، أوجّه بصري إلى أعلى، الريح تخشخش عبر أوراق غابات التلال، تاركا عينيّ تسرحان فوق غابات الصنوبر القديمة المتمايلة. لها نَفَسٌ، وثمّة سلامٌ هادئ، تحت أشجار ضخمة متمايلة. ثم، خلف كلّ ذلك وأبعد من بصر البشر – الجبال – هادئة، بزرقة السماء، نقيّة؛ ظاهرة من سديم حلم وسموات زرقاء – رمادية.  مدّ يدك نحو الأبدية! مبيناً لنا الدرب، درب الأبدية، هذا ما أبتغي أن أكونه!

أريد أن أذهب إلى هناك، بعيداً عن ضيق العقل هنا في الأسفل، حيث لا أحد يفهمني! هناك يمكنني المضيّ قدماً تحت شمس ساطعة، نحو الجبال والسموات الذائبة في الزرقة، راكباً ضوءًا فجريّا، أبيض بياض الثلج وسحابة طافية، محدّقاً في كلّ شيء. نعم، وجب أن يكون هناك تحليق، وهواء تحت جناحيّ للمشاعر، والأفكار-أعلى من أيّ شيء.

هناك في الأعالي على عقلي أن يكون قادراً على نظم أغنية!

 

13  مايو 1924

أيّ متعٍ وأحزانٍ

يحمل التلميذ؟

أفكار شبابي حملتَها بصمت،

على أيّ حال، لم تكن في حاجة إلى الكثير.

 

أغسطس 1927

أنا الآن في 19 من العمر. تكبر قبل أن تعرف ذلك. بلا رحمة تمرّ الأيّام بطيئة، الشهور والسنوات، رغم قول اينشتاين إنّ الوقت غير موجود!

 

سبتمبر 1927

أنا الآن شاب بصحّة جيّدة. أعمل قليلاً كلّ يوم، وأقرأ كلّما توّفر لديّ وقت. ببطء أصنع طريقي عبر قصيدة بعد أخرى، دون أن يكون هناك تخطيط لذلك. كاتب بعد آخر. ديكنز، هنريك ويرغيلاند، إبسن، أحبّهم جميعاً. أشعار ويرغلاند دائمة الخضرة! وهذه أغاني الشمس البهيجة الذهبية!

 

نوفمبر 1927

آخر الخريف الآن

والأشياء كما هي عادة في هذا الوقت.

من قمّة الجبل الريحُ فارغة وباردة،

تخمِدُ كلّ شرارة للحياة

والسديمُ يزحف إلى تحت حيث الهضاب.

آخر الخريف الآن،

وقد غادرت شمس الصيف.

زخّات المطر تسقط على الهضاب الموحشة،

تصير الجبال بيضاء بالثلج الجديد،

وينزلق السديم إلى تحت فوق المزارع.

أُولاف. هَوْغي 1927

 

لا أخرج كلّ يوم، أفضّل البقاء في البيت. يسمونّني “ذئبا وحيدا”، فيما أظن. لا أشعر بالراحة في أيّ مكان! أوه، البشر! لا أعرفكم! أنتم لستم كما اعتقدت. أتجمّد بينكم وأشعر بالعزلة أكثر مما أكون وحيداً….

من أين عرفتكم؟ من عالم أحلام الطفولة السرّي الغريب. لكنّ العالم غير ذلك. لا أستطيع التعرّف على أيّ شيء حتى نفسي. أوه، عالم الأحلام لطفولتي! ربما كنتم وحدكم الأصدق؟ هل هي الكنوز تُجمع ثم توفّر قوتاً نعتاشُ عليه بعد ذلك؟

 

مارس 1929

“على الباحث الحيران أن يدقّ على كثير من الأبواب، ويجول بين العديد من البيوت، كي يجد بيته”. رابندراناث طاغور، غيتانجالي.

لقد بدأت دراستي في مدرسة يلتنس للزراعة. أعتقد أنه عليّ وضع الأدب واللغة على الرفّ. قريباً سوف أنساها كلّها.

 

أبريل 1929

في البيت ثانية! في يوم سابق أسقطتُ البلطة على ساقي فوق الركبة تماماً، وطبيعي كان عليّ الذهاب إلى السرير.

 

(1929)

المانيخوليا لا بد أنّها مرض. هناك الكثير من اللحظات المالينخولية، لحظات يصبحُ فيها كلّ ما تحب “مجرّد لا شيء”، كما يكتب والت ويتمان. حياتي الروحيّة في تذبذب لا ينتهي بين النور والظلّ… أحياناً أشعر بالوحدة في الليل، منفصلاً عن كلّ شيء يربطني بالحياة؛ كلّ الواقع يطفو أمامي كأنّه حلم غريب. هل هذا ما يجب أن يكون؟ غريب كيف كلّ الأمزجة تملك جمالها وسرورها.

لقد سمعت الكثير عن “النَفَس” و”الروح “، لكنّي لم أفهم أبداً ماذا تعني تلك الكلمات بالضبط. عندما أفكّرُ أو أتكلّم أشعرُ أنّ هذا ليس أنا حقاً. لا بدّ أنّ هناك شيئاً عظيماً، غير هذه “الصَدَفة” الخارجية التي تعمل في الحياة اليومية الرمادية. ما هي؟ هل هي “الروح” أمْ “النَفَس”؟ إذا تأمّلتها بأحسن ما أستطيع، يمكنني فقط أن أربط نفسي إلى عروة الأحاسيس، انطباعات غير واضحة، آمال ورغبات، خيرة وسيئة. بتأثير من الخارج، مزاج بسيط يمكنه أن يحرق بحدةٍ ويكون وحده المسيطر. هذا أعلمه، وحقائق نفسانية أخرى؛ لكن: ما هي الروح؟ هل هي كائن بالغ الصغر يرتدي جسدًا؟ انعكاس للعالم الخارجي؟

لا شكّ أنها كلّ هذا، لكنها أليست شيئاً أكثر من كلّ هذا؟ ربما لا يمكن لأرواحنا فهمها، الإمساك بها وعدم احتوائها بوسائلنا المادية؟

ليكن الشِعر القبّة المرصّعة فوق الروح!

أؤمن بكِ يا روحي ….

تسكّعي معي على العشب، افتحي حنجرتك للأغنية …

والت ويتمان

 

11 مارس 1934اولاف

لقد تمكنتُ من اجتياز امتحانات مدرسة العلوم الزراعية في يلتنس. كانت النتيجة بتقدير جيد. لقد مرضتُ ومرّت بي أوقات سيئة أثناء أيام الامتحانات. تحسنتُ قليلاً.

 

20  أكتوبر 1937

لقد مرّ وقتٌ طويل منذ كتبتُ في مفكرتي. أعتقد، عدة سنوات. أشياء كثيرة حدثت، أيام جيّدة مرّت منذ كتبت آخر مرّة. دعني أتذكّر تلك الأيام في يلتنس. بعد الامتحانات (عدتُ) رجعتُ إلى هرمانسفيرك. أصبتُ برشح وصرتُ فجأة مجنونًا تماماً. طُلب من أبي الحضور، وكان عليه أخذي إلى مصحّة الأمراض العقلية في برغن. بعد أن بقيت هناك لفترة قصيرة وبعد تحسّن بسيط، تعرضت لأزمة جديدة فأحُضرتُ إلى مستشفى فالن. هناك بقيت كلّ الوقت إلا بضعة أشهر قضيتها في البيت. آسف القول إنّ أبي لا يحتمل بقائي في البيت. في 19 أغسطس 1937، أرجعتُ، وأنا الآن في صحّة لا بأس بها، أظنّ ذلك.”

 

30 يناير 1938

“أن تكبر غاضبًا وتترك الأحداث اليوميّة الصغيرة تسيطر على انفعال المرء، هذا أكثر شيء مزعج. اللاإحساس الذي يعقب هوجة شحّ يكون كارثة على المدى الطويل. قرأت مؤخراً في الصحف أنّ هذه جرثومة للجنون تتكرّر مرارًا. عادة ما يشعر المرء بالمرض العضوي بعدها. كن على حذر.”

 

7 مايو 1938

جهّزتُ مجموعة من أشعاري، أسميتها الناي الأبيض. أعتقد أنها تحتوي على 60 قصيدة تقريباً.

 

17 أبريل 1939

أرجعت دار نشر نورلي مجموعتي الناي الأبيض. قالوا إن قصائدي جيدة، لكن ليست خارقة.  ولم يتوقعوا شيئاً أفضل.

 

10 يونيو 1944

القرية بكاملها مزهرة. كلّ شيء أزهر هذا العام: أشجار الفاكهة، أجمات الجبل وأشجار الكرز. في الأيام الأخيرة، البلوط والدردار نبتت أوراقها. هي عادة تتأخر خاصّة الدردار. لا تخرج أوراقا إلى أن تثق في الطقس.

 

نافذة

 

لم أجد شيئاً أشغل به نفسي لوقت طويل. من فراش المرض يمكنني رؤية منظر الطبيعة من النافذة. طبيعة نرويجية. أولاً المنحدر الغابي بالصنوبر وأشجار البتولا المتناثرة، ثم في الأعلى غابات الجبل المتفرقة، وفي الآخر الجبل الأجرد، صلب وأسود، بشريط من سماء متغيرة فوق كلّ ذلك.

من خلال ألواح النافذة الثلاثة لا أستطيع رؤية أكثر من ذلك. لكنه كافٍ. لقد رقدت هنا وقتاً طويلاً ونظرتُ إلى الخارج كلّ يوم. كان اليوم ممطراً ورمادياً؛ هذا المساء كان مشمساً. أرقد هنا، أبني قلاعي هناك. لقد جاء الخريف. أشجار البتولا الصفراء تقف متألّقة في الأيّام الساكنة، وأشجار الروان تضيف لوناً، يضيء الأشياء هنا وهناك.

 

26  يونيو 1944

في ذلك اليوم ساعدتُ في إفراغ برميل بيرة. تجمع جميل، بيرة ثقيلة وبالأحرى أكثر مما يجب. كنت في أشد المرض تلك الليلة اعتقدت أني كنت سأموت. ثم ندمت جداً أني مدحتُ تلك البيرة. إذا ما اضطررت ثانية لمدح مشروب كحولي، سأكتب قصيدة إلى skyr أو الماء. من المشكوك فيه أن يكون الكحول صالحاً لأيّ شيء. لا شيء أحسن من أن تكون في مزاج طيب، وهذا يأتي من صحة جيدة، بلا منبهات.

لا يوجد شيء تكتب عنه أثناء الوجود الرمادي لعامل، ما بالك بكلّ الشعر. يداي مشقوقتان، ظهري يؤلمني، الأمراض والشكوى، هذه أراها وأعرفها. لكن الشعر؟ لا.

 

يونيو 1944

أجل، هذا الربيع بارد، لكن الإزهار كان مثيراً. لكن الإزهار فقط للسيّاح ويوجد القليل من هؤلاء، قد تكون النحلة غامرت بالخروج، مزيلة الرحيق في البرد، هنا وهناك أرى ثمار التفاح.

 

5  يوليو 1944

تحضير التبن

تقريباً تمّ الانتهاء من تخزين التبن الآن، لكن بعض البالات في حقول شديدة الانحدار حيث لا يمكن الوصول إليها بحصان وعربة. شمس ساخنة حارقة. بظهر محدودب وساقين معوجتين، صعدت الدرب مترنحاً في تلك الحقول. يحفر الحبل خلال القميص الرقيق في اللحم المحمر الملتهب، عيدان التبن تنخس وتوخز. حملي يتدلى إلى تحت وتحت نحو الأرض، ويمتد عنقي كعنق  فضولي متطفل. بعد فترة كأنني أحمل كل أثقال هذا العالم. ألهث ولساني إلى الخارج، أترنح في المنحدر وأسقط في مخزن العلف.

 

6 يوليو 1944

أخيرا الصيف. أتمشى في الطريق أنظر إلى  foxgloves  على الهضاب. بين العليق وأشجار البتولا اليافعة الغضة، تشكّل غابة من سيقان خضراء ممسكة بأجراس حمراء رنانة. ديجيتالس فخورة أنت وزهرتك جميلة. بالمناسبة، رأيت اليوم فوكسغلوف بجرس كبير يبزغ من أعلاه، مستقيما تماما ومتساو، دون الانحناء الذي لدى الآخرين. لا يتدلى هذا الجرس مثلما تفعل بقية الأجراس، لكنه يفتح إلى الأعلى. عليّ أن أكتب قصيدة عن الديجيتالس. لكن كيف تكون؟ ربما تكون أسهل لو كنتُ توم ثامب الذي كان في مغامرة في غابة الفوكس غلوف، ثم اختبأ في جرس، جالساً متمايلاً في الريح.

 

إلى صديق عزيز

أنت أمامك العالم كلّه. لك، أرض الله الخضراء. أما أنا فلديّ ورقة بيضاء فقط. فيها أعيش. فيها أحب، أكره، أكتب. فيها أبني قلاعاً وأحقق أحلامي.

 

30  أكتوبر 1944

آمل أن تنتهي الحرب قريباً، كي أستطيع شراء كتب من الخارج. أفتقد كتاباً كشيلي وبورنس، والكثير من الفرنسيين: لا برويري، فرانس، هوغو، فيرلين.

 

1  نوفمبر 1944

كيف يحدث أحيانا أن نكون شديدي الصفاء ومتشوقين للعمل، بينما في أوقات أخرى نشعر أن مخيلتنا وأفكارنا مسدودة؟ هل يكون السبب فسيولوجياً؟ ربما. أو لعل ذلك أن هذا إيقاع الحياة نفسها، تتبدل كالمدّ العالي والمدّ المنخفض.

 

قراءة

لا أستطيع قبول أنّ عليّ قراءة الروايات الغبية الطويلة فقط لأجد بضعة أسطر من الشعر والإحساس الحقيقي. من الأفضل لي الذهاب لسادة الشعر، أولئك الذين حافظوا على الشعر وأزالوا بعيدا ما تبقى.

الفرق بين الحكيم والآخرين هو أنه يتبع أفكاره، بينما يبقي الآخرون عيونهم على جيرانهم.

 

8 أبريل 1945

السلام أخيراً، يتجمع الناس حول من لديه راديو، يستمعون. تشرشل تحدّثَ عند الساعة الثالثة اليوم. عنيد كآخر مرة سمعته. الهدنة وقّعت في ريمس، وسيتم التصديق عليها اليوم في برلين.

 

9 أبريل 1945

يبدوا أننا استرجعنا حريتنا. هناك أصوات أعيرة نارية وتفجيرات في القرية. تبدو طريقة غريبة للاحتفال بالسلام، لكن العديد من الناس يحبون استخدام أصابعهم واللعب بالأسلحة. اعتقدتً أنهم أكتفوا من الرصاص والتفجيرات. لكن يبدو أن هناك شرطا بفعل ما تريد.

 

28 مايو 1945

إنه الصيف. رقيق، متزن ومتفتح. بضعة أيام من ريح شرقية، باردة وبائسة، لكن الآن دفء في الهواء ثانية. القرية بكاملها في ازهار، أشجار التفاح، أشجار الروان وأشجار الكرز. أتذكر لوحة هالفدان إيغيديوس، هل كان اسمها “الصيف”؟ تمتطي الفتاة حصانا، منحنية إلى تحت لتشمّ شجرة روان مزهرة في مساء صيفي. قمم الجبل السوداء غطيت بالثلج أعلى غابات البتولا الخضراء تذكرني بلوحة نيكولاي أستروب، “مساء في غرب النرويج”. ذؤابات النباتات الجديدة ترقش لباس الشتاء المعتم لأشجار البيبسية، الصنوبرات الصغيرة مغطاة ببراعم رمادية بنية، بينما أوراق البلوط ذات اللون الصدئ الجديدة تكاد تلون الهضاب بالخريف. تلبس فستاناً حزيناً، أشجار البلوط، قبل أن تظهر لونها الأخضر؛ هي دائما تبدو مترددة قليلاً وذات ذوق عتيق. فوق كل التلال توجد أشجار الكرز. الروان الأكثر وسامة من بعيد، والأحسن على حواشي الغابات. أزهار بيضاء مقابل أوراق خضراء، لا شيء أكثر جمالاً.

 

عزلة

وحيد، أجل. قليل ما يرى، مقفل عليه. أجل.  هناك الكثير لرؤيته وسماعه.

 

20 ديسمبر 1946

عمبر في الرماد

أجل، استلمت اليوم كتابي الشعري صدر عن نورغس بوكلاغ. شكل الكتاب جيد. للأسف السنة الماضية مرضتُ فلم أتمكن من تحسين المخطوطة كما خطّطت، وكما نصحني مستشارو الناشر. أخيراً تحسنت في الخريف وقرأت التجارب الأولى لكتابي في فالن*.

*هامش: فالن مستشفى الأمراض العقلية.

 

شِعر 1946

لم يكن هناك في السابق مثل هذا القدر الكبير من  كتب الشعر تم إصدارها. معظمها لا قيمة لها. لكن في القمة أعلاها جميعاً رولف ياكوبسن الذي كان ظهوره الأول تراب وحديد في 1933. ذلك الكتاب الشعري سيخلّد.

 

ذلك اليوم

لعل اليوم ليس بعيداً عندما على الفائض من البشرية مغادرة الأرض الأم، كما تغادر النحلات الخلية الأم. ليس سهلاً القول أين ستبنى الخلية الجديدة، لا بد ستكون هناك ظروف معيشية مناسبة في أماكن أخري. نحن فقط في حاجة إلى أجنحة. (العلوم الحديثة، الأجنحة).

 

20 أبريل 1947

شكل قصيدة

بالنسبة إلى القصيدة، أفكاري هي: إذا استطعت قول ما تريد، ليس هناك خطأ في كتابة سوناتة أو ottava rimaفي حالة لم تثقل على موضوعك.

 

الشكل مرة ثانية

إن قدّموا لك نبيذا، اقبل وتذوقه. شكل الزجاج، أكان دائريا أو سداسياً، أقل أهمية. لكن زجاج جميل يزيد المتعة.

 

الوصية الأولى في الفن

كن صادقا مع تجربتك. تلك هي الوصية الأولى. لا تكتب شيئاً لم تجربه بنفسك. لأن الشعر قادر على تحرير نفسه من التجربة، ويعيش كأنه في فراغ.

 

شخصيتي

قالت مسنة: “كلّما جلست واغتبت الناس، ليست مواصفاتهم ما يظهر بل مواصفاتي.”

 

شوبنهاور

مّن لا يعرف شوبنهاور لا يستطيع أن يعرف الحكمة والتفكير العميق؛ لم يستيقظ بعد لواقع الحياة.

 

عودة

كأطفال الأرض والطبيعة، يتوجب علينا النظر في الماضي لنجد كتّابا بسيطين بدرجة كافية. الكتّاب المعاصرون مغرقون في الثقافة والمعرفة إلى درجة لا نستطيع أن نفهمهم.

 

1948

لقد قرأت كتاب Aslaug Blytt’s عن الفنان Lars Hertervig هي تكتب عن فهمه للطبيعة وإلى أي درجة أثر مرضه العقلي في فنه. الفصاميون غالبا يرون الطبيعة بشكل مختلف عن الناس العاديين. أتذكر واقفا عند نافذتي في مستشفى فالن، أنظر فوق جزر وأصوات سونهوردلاند.  يوما بعد يوم وقفت عند نفس البقعة، أنظر إلى الخارج. كنت في نشوة. الأرض والبحر كانا زرقاوين وأثيرين/ أرض خارج الزمان والمكان.

فكرتُ في هذا الوضع وأنا أقرأ حول فن Lars Hertervi. في أثناء مرضي كنت غالبا ما أحصل على لحظات كانت فيها أشكال الطبيعة تأخذ بلبّي تماماً؛ لم أرَ عالما كذاك. مشيت من نافذة إلى نافذة، فقط نظرت ونظرتُ لأيام، أسابيع وشهور.

 

القصيدة، ثانية

لتصنع قصيدة تشبه إطلاق سراح الماء في فم النهر، ستأخذ السبيل الأكثر طبيعيا.

 

إميلي ديكنسون

إذا ما كتبت من أجل الآخرين، كتابتك ستصبح بسهولة عادية. كتبت إيميلي ديكنسون لنفسها وفازت. متعة الإبداع كان كافيا لها؛ لم تكن في حاجة إلى إظهار كتابتها للآخرين. لو كتبت ما كتبت لمعاصريها، ما كان لعملها أن يكون على ما هو عليه. إيميلي العظيمة! أعظم الشعراء!

 

الشعر

أنت لا تكتب الشعر، الشعر يكتب نفسه فيك.

1951

 

أفكار

أنا فقط لم أكن أعرف ذلك. البوذية طريق الحكمة للبشرية. لعلّي الآن سأتعلم المشي في طريق الثماني طيّات.

 

تلفزيون

لماذا الناس في حاجة إلى تلفزيون؟ عندما تملك مخيّلة، أنت مجهّز لملء ساعات عديدة من العزلة، ليالٍ عديدة من الأرق.

 

ثرثرة

الثرثرة كالريح. أحياناً يصعب معرفة من أيّ جهة تهبّ، وكلمات الغيبة كالريح أيضا، بمجرد خروجها، لم يمكن إرجاعها. صون لسانك فنٌّ عظيم ولا يتمّ تعلّمه سريعاً.

 

طرق عديدة لإثبات النفس

طرق عديدة لتؤكد النفس، هكذا هم البشر. خاصة الأطفال. لديّ تفاحة، يمكن لطفلة صغيرة القول: أجل، لكن عليّ ركوب سيارة، تقول أخرى. المؤلفون يشبهون كثيراً الأطفال، يؤكدون أنفسهم على قدر ما يستطيعون. أحدهم كان في أميركا، آخر في الصين؛ أحدهم عمل في المناجم، آخر كان بحاراً، جندياً؛ أحدهم أتقن اللاتينية واليونانية، آخر الفرنسية والإسبانية؛ أحدهم درس آخر الاكتشافات في علم النفس، آخر درس في أكسفورد: ومع ذلك آخر كان رائداً.

آه يا أغبياء! الذين يمسكون به ويجرونه إلى بيت الجنون، والأطباء الذين يحقنونه بالإبر، الحراس الذي يضعونه في الأصفاد، ما الذي تفهمونه؟ لا تعلمون أن هذا الإنسان بالتحديد قد حصل له تجلٍ، أكبر كشف في الحياة. يمكنه سماع الأرواح تتكلم، يرى السموات تفتح، يقابل الإله. ماذا لو ينسى هذا العالم وغريب، لأنه في حاجة إلى أخذ مكسٍ على رجل ليجد أشياء كهذه. ربما يرى الماضي، ربما المستقبل كُشف له؛ ربما يتكلم مع الميت، ربما الطبيعة والأبدية يظهران له بطريقة فريدة وجديدة؛ ربما الآن فقط يرى قدسية الحياة ولغز الموت. وهذا الرجل ستمسك به، تعرضه إلى الصدمة الكهربائية، يوضع في الأصفاد ويلقى به في مستشفى الأمراض العقلية؟ يا أغبياء، عل تعلمون ما تفعلون؟ لتقفلوا عليه الأبواب هذا شيء، لكن أكثر من هذا جريمة.

 

افرغ جيوبك

شارك بها كلها، يقول الناقد. لا، ليس كلّ شيء. لكلّ إنسان سرّه، لغزه، وعليه أن يأخذ لغزه إلى قبره. المؤلف أيضاً، إنسان ولا يجب عليه أن يشارك بكلّ شيء. يمكن أن تهب الكثير على مذبح الفن، لكن ليس كلّ شيء. ثمّة بابٌ ليس مقدرا عليك فتحه.

 

أفكار

أحياناً أتساءل: هل القلب دائما على صواب؟ سانتايانا يكتب “من الحكمة تصديق القلب”، وأنا أعتقد ذلك أيضا. لكن هل القلب دائماً على صواب؟ هل هذا مؤكّد؟ هل هو بالغ الحساسية إلى درجة قدرته دائماً على أن يقول لك ماذا عليك أن تفعل؟ أجل، أعتقد ذلك، إلا إذا كان مليئاً بالشر، لأن ذلك قد يحدث. ربما الإزعاج، الرفض، الغضب  قد تجذروا.

 

شعوذة

عليك أن تمارس الشعوذة إذا أردت أن تكون شاعراً، بمعنى آخر، أن تستعمل الكلمات والجمل من أجل جرسها وغموضها، بدونها بالضرورة لها معنى منطقي. سحر أسود، تقول؛ ربما، لكنه فن عظيم. أنت في حاجة لأن تتقن الشعوذة.

 

الشعر

شيءٌ نبيل ولا يوجد الكثير منه في هذا العالم. لطيفٌ ورقيق. لا تغالط الرجل الذي يشحذ كلماته ويجعلها قادرة  على استقبال مضمون نبيل وتحافظ عليه. في حاجة إلى صبر لا حدّ له. ستيفان مالارميه وبول فاليري بيّنا الطريق.

لا يتوجب على الشاعر أن يكون جلّ اهتمامه، القراء، بل يضع نصب عينيه على هدف قد لا نعرفه. عليه أن يكون على الطريق،  رغم أنني أستطيع بسهولة أن أفكر به قادماً. ما أعني بذلك أنه ليس عليه السعي لأثر كلماته، بل بدلا من ذلك التركيز على مهمته المختارة، كطفلٍ منغمسٍ في لعبة.

 

2 نوفمبر 1951اولاف

تحت الجرف

تلقيتُ الكتاب من ناشري اليوم. كتاب صغير. بمحتوى ضئيل.

 

يمكن للشعر أن يكون لعبا

لتجعل شيئاً جميلاً، ليكن خزانة صغيرة أو منحوتة طائر، هذا شيء جميل. لتكتب قصيدة جميلة هذا شيء جميل، ولا يتوجب أن تكون شخصياً. يمكن لك الكتابة من خارج نفسك، لطالما عبرت عن الإنساني. وسواء كنت أعمى أو بك عرج لا علاقة لذلك بفنّك. لتتغلب على الشخصي، لتبقي على المعاناة الخاصة لنفسك، ضروري للعمل الفني الذي غايته إمتاع القارئ.

 

الجنون أعلى أشكال الذات

الجنون أعلى أشكال الذات. لتكتب الشعر كأنك تصعد أعلى جبل: قد يكون الصعود مجهداً، لكن كلما تكون خفيفا سترقص نازلاً على زلاجتيك.

 

قصائد جيدة

القصيدة الجيدة ومضة على الصفحة. بعد أن تغلق الكتاب وتعيده إلى رفّه، ستلمع في عتمتها الموحشة، لوقت طويل.

 

الشاعر الحديث

لا يكتب بالكلمات، لكن بالمجاز، بالأحلام، بالريح…

 

أوقات قديمة وجديدة

العتيقة ملأت الكون بالأرواح. أليس هذا شعريا أكثر من كل كلامنا عن قوى الطبيعة؟

 

ندى على شبكة عنكبوت

انظر كيف ترك المطر قطرات على شبكة عنكبوت نسجت بين نصال أوراق العشب. عمل تزييني خارق. القطرات في صفوف رقيقة، كحبات لؤلؤ أسود مرصعة بالفضة، تلمع كعيون سوداء. هنا حيث وجدت النساء التصاميم التي استعملوها لتزيين الصديريات منذ زمن طويل.

لست في حاجة للعيش على الروح عند غياب الضرورة، لكنك ستكون دائماً خادما لها.

 

1952

علامات الخريف

الصباح الباكر في حقل الفراولة. الأوراق الصفراء تتوهج، أعشاب القمح خضراء براقة The groundsel. يصارع زهراته الشبيهة بالسلة، يبدو أنه غير قادر على فعل ذلك تماماً في الريح. هناك رائحة حزينة لفراولة متعفنة من نباتات قطفت عدة مرات، نباتات متكسرة  ومداسة. نفسٌ خريفي، وذكريات من صباحات كهذه في حقل الفراولة.

 

الفراولة

الفراولة. أول قطاف، لا شيء يشبه ذلك؛ شديدة الطزاجة، يا للإثارة العذرية ! الفراولة التي تقطفها لاحقاً ليست بذات الجودة.

 

السنجاب

جاء، وكان مكان اختباءه تحت eaves يقفز من شجرة التفاح إلى ميزاب المطر. بقي طوال الشتاء هناك. غير مرحّب به في شجرة الكرز شجرتي. اللّص.

 

روع

أن تكون حياً، هذه الحيرة الغامضة، كافية لتصبغك بالخشية، كموسيقى باخ فحسب. استمع إلى لحن Charles Péguy!

 

الفن

إذا ما زرتُ بلداً آخر، أعتقد أني سأختار هولندا. لرؤية فيرمر. إنه مختلف عن الفن الفارغ الذي رُسم للأرستقراطيين في إيطاليا وفرنسا. كان فيرمير فناناً أصيلاً.

 

رسائل فان غوخ

في السنوات الأخيرة قرأت كثيراً عن الفن، لكن لم يشدني شيء كما شدتني رسائل فان غوخ إلى أخيه ثيو. تواضعه وتفانيه تضرب عميقاً في القدر، لا غرابة أن الإنجيل هو ما كان يقرأ. الكثير عرفوا عن الفن أكثر من فان غوخ، لكن سرّه كان التركيز على ما هو حقيقي، ما كان جوهريا، وبقي صادقا حتى للموت. هذا ما أظهر عمق شخصيته المخلصة.

 

ذاكرة

ذاكرتي لم تعد كما كانت. لذا أجد نفسي أكتب أشياء قد تبدو بلا قيمة للآخرين. للآخرين! لكن الآخرين لن يروها.

 

عُمر

كلّ مرحلة عمرية لها فنها، شبابها، نضجها وأفولها؛ لكن الطفل يعيش الفن، هذا هو الفرق.

 

خريف 1952

أن تظهر أمام الناس

دعيتُ لأن أقرأ في قاعة الجامعة في العاشر من سبتمبر، لكني اعتذرت. أشعر أني لست جاهزاً للوقوف أمام الناس، لا أعتقد أن لديّ شيئاً ذا قيمة أقوله لهم. أن تقف هناك شاكياً لا يبدو لائقاً. على المرء أن يكون لديه رسالة للعالم قبل أن يتقدم للوقوف. “لا أحد حدّدَ ألامه أبداً بسهولة كما كان عليه فعل ذلك.” كتب إمرسون.

 

قلق

قلقون على هذا الجسد، هذا الجلد الخارجي، إلى درجة حمله معهم حتى إلى الجنة.

 

THE EDDA POEMS أشعار إدّا

لا تقارن! أفكر كثيراً بإكبار حول العجوز إدّا. أجل، لا توجد قصائد أخرى في الأدب النرويجي أعتبرها عزيزة عليّ. هذا شعرنا. والأكاديميون يتفقون أن ووردز وورث لا بد أنه من غرب النرويج. أودّ إضافة أن على كل نرويجي أن يقتني مجلداً ل إلدر إدّا.  أرددُ صدى كلمات سيبيل في أحلام بالدر: “الموت ما أتوق.”

 

 مساء

مساء صيفي أزرق. الغسق. القنافذ تخشخش خلل العشب، عثٌّ الليل الرمادي يطير هنا وهناك فوق الأعشاب، بنعومة قبالة سماء الليل، تطفو وترتجف فوق الأعشاب وأجمات العليق ما تزال مليئة بالتوت الذي لم ينضج بعد، وتلاشت كالذكريات.

 

To Knotgrass

صغيرٌ أنت فلا يراك أحد،

يدوسونك دون تفكير.

الحقيقة أنّك، تتصرف بتواضع،

نادراً ما تسعى إلى لفت الانتباه،

أكيد أنك تلمع لشخص ما

جاثماً هناك بصخرتك.

 

أكاذيب  في يوليو 1953

نهر ويست لاند

قابضاً على صدعٍ

بشلالات سديمية

نباتات السرخس تجمع الندى،

يتقدم النهر راقصاً

بارداً ومتوحشاً، يمتطي

الأبيض المزبد

فوق الجلاميد السوداء

وعبر الأسيجة الفارغة،

مغلّفة بالأخضر تكدحُ

عبر البرك المعتمة العميقة،

ثم ناصعة كنهر جليد تنتشر

بمحاذاة جزر وضفاف رملية،

غاضبة تدوّم شديدة

على شباك الصيد،

أعمدة السياج تتقدم في الماء

وتختفي.

 

مساء

وقف هناك في المساء، يحرس البيت. بيت صار فجأة عزيزاً جداً. شجرة التفاح العتيقة يحتضنها حائط غرفة الجلوس، باحثا عن ملجأ ودفء.

 

عزلة

عندما أعيش في بيت، ألاحظ أنني أفضّل الغرفة الأبعد من الأخريات. هذا النزوع إلى العزلة عظيم، لكن كان مستحيلاً أن أعيش بمفردي. أجل، من المربك معرفة أن شخصاً آخر في الغرفة المجاورة. لو كانت بعيدة، في غرفة في آخر البيت، كان سيكون ذلك أسهل.

جمال كثير في ريلكة، صوت رائع، غاية في الإتقان؛ لكن أليس هذا بالغ الحلاوة، مثل الكثير من رائحة اللبان والعود؟ من حدائق معتنى بها وبشر مثقفين، من ثقافة قارة، تزهر وتذوي؟ طعمٌ مرٌ، مرٌ سيكون مفضل لنا نحن العاملون. هواء الجبل.

 

بعض كلمات

انفجار يمكنه فلق صخرة إلى جهات عديدة. قد يكون للعجلة الكثير من الأعواد. نسي غوتة هذا عندما حكم على هولدرين. طريقه لم يكن طريق غوتة، وكذلك طريق شيلر؛ لكن غوتة يكتب كأن ليس هناك طريق آخر إلى الحقيقة غير الذي مشى فيه هو نفسه.

 

سبتمبر 1953

أقطف التفاح. سنة شحيحة. لا أكثر من 1000 كرونة مقابل كلّ أتعابي. هذا ليس كثيرا للعيش عليه. آمل السنة القادمة تكون أفضل. أرى براعم جديدة تتشكل.

 

المحبة جوهر الإله

وفيما يسطع الضوء عبر القطرة أو عبر المحيط، هكذا تضيئنا محبة الإله، إذا ما شرّعنا أنفسنا للنور.

الحبر الذي أستخدمه سيء. غريب  عدم القدرة على الحصول على حبر هذه الأيام.

 

إحباط

محبط القراءة عن دوروثي ووردز وورث ومذكراتها. أن يتضح لك أن ووردز وورث لم يكن وحده الذي كتب  “الدفلى” و”على جسر ويستمنستر”، لكن أخته التي كانت قد أبصرتْ! الحال، أنهما أبصرا، عندما كانا معاً. يا لأخته الرائعة، النابهة، على الأقل كان عليه  مشاركتها الفخار.

عودة لووردز وورث وأخته. هل جعلته مذكرات أخته متصلباً وجافّا في أواخر سنوات عمره؟ هل كانت هي من أبصرتْ بعينين مفتوحتين، هل كانت هي من تمتلك المقدرة العجيبة للتجربة، بينما هو كان في حاجة إلى كلّ شيء مستعمَلاً؟ أمرٌ يستحق التفكر فيه. لزمن طويل وأنا أحمل تقديرا كبيرا لووردز وورث، لأن أشعاره تحمل صفات الرسوخ والبساطة. وسأفعل ذلك أنا أيضاً.

 

24 أكتوبر 1953

ذهبت إلى  Brakanes كانت هادئة، بقليل من الضباب. قطرات المطر والبلل على الأوراق الصفراء. الخريف في أولفيك يمكن أن يكون جميلاً. لاحت شجرة الكرز عند الكنيسة، بجذعها الأسود وأغصانها الممتدة، لا تزال تحمل أوراقا بلون الليمون في أعلاها. لحاء شجرة الكرز أكثر سواداً من الأشجار الأخرى. ضباب هذا المساء، الجبال الرمادية تبرز فوقها.

 

25 أكتوبر 1953

النهوض قبل الفجر.  طقسٌ صافٍ. شجرة الكرز عند الحائط الحجري حيّتني بأوراقها ذات اللون البني؛ نجمة واحدة لمعت فوق جبل أونين، أنا لست متأكداً أيّها. البدر معلّق كتاج فضي مضيء فوق Kjeringafjellet.

 

26 أكتوبر 1953

أيام رائقة، شائقة. أتمدّد على سريري آخذ استرخاءة ما بعد الظهيرة. ضوء الشمس خَلل سحب رمادية. خارج نافذتي، الأغصان العلوية لشجرة التفاح، عارية، في بعضها الأخرى بعض أوراق صفراء. في أعلى الشجرة لا زال الصيف حاضراً، أخضر، كالعتمة في الشعر الرمادي، عدة أيام رحيمة. طائرٌ يرفرف قرب افريز النافذة، يرى انعكاس جناحيه المشتعلين، أنت أيضاً ستأتي!

 

27 أكتوبر 1953

أمس شربت 10 فناجين من القهوة على الأقل، لا عجب أنني لست على مايرام اليوم. وذهبت إلى براكانس لمساعدة Kårhild ببعض أخشاب المدفأة. أحضرتُ قليلا من الدولومايت من أجل أشجار التفاح، ملأت قفصين بالتفاح. إضافة إلى أنني كتبت قصيدة صغيرة أثناء استلقائي على السرير في القيلولة. قصيدة صغيرة، كأنها صينية. الصينيون يقولون أشياء بالغة النعومة. نحن نسعى للتعابير القوية عندما نكتب الشعر، واضعين قناع الجدية وجاعلين أصواتنا عميقة. أعتقد أننا أخذنا ذلك من شعرائنا القدامى، لكن لا حاجة إليه دائماً.

كاد الخريف ينتهي هذا العام. أشجار التفاح تأخرت عن أشجار البتولا والروان، ويمكن للأوراق على أشجار التفاح أن تكون في غاية الجمال. أشجار الكرز لا يزال لديها بعض الأوراق، تطوح بهم كثياب حرير حمراء.

 

أفكار حول الفن

تعلّم أن تركّز على المواضيع الكبيرة، الثيمات ذات الفائدة الكبيرة، بعد ذلك كلّ شيء يصير فريداً. الليل، النهار، الصباح، الشتاء، الربيع، العاصفة، البحر، الجبل، البرد، الكره، القلق، البهجة، الحب، الأسى، النور والظلمة، جميعها مواضيع جديرة بالاهتمام، أكبر من شذرات، قبضة من عشب، عود، برعم، حيوان، مسمار وغيره. هذه معرفة إدوارد مونش: تركّز على الصورة الكبرى، مزيلاً التفاصيل.

 

3 نوفمبر 1953

صباحات خفيفة رائعة. ملبدة قليلاً، نسيم عليل. السماء بين السحب الشرقية مغطات بطبقة من الأزرق، أشجار الصنوبر صامتة وداكنة، وتحتها البحر يزفر ويغمز. اليوم سأذهب لقطع الخشب لأسخّن الماء للغسل؛ الأعمدة العتيقة التي استخدمت في تجفيف التبن ستفي بالغرض.

 

ضيافة

الأطفال غريبون، أصحاب قلوب حنونة. أتذكّر كيف جلستُ أنتظر لأرى إذا ما عائلتي ستقدّم للزوار الغرباء طعاماً أو شراباً. وعندما فعلوا ذلك أسعدني؛ كنتُ فخوراً وسعيداً نيابة عنهم.

 

1955

ابق مع الأوقات

صعبٌ التحرك مع الأوقات. لكني أستطيع الادعاء أن الأصعب هو أن لا تفعل ذلك.

 

أطفال وحيوانات

الأطفال والحيوانات يعلمون جيداً من أنتَ. هم لا يرون الإنسان الظاهر، بل الإنسان الباطن.

 

هولدرين

في زيارتي الأخيرة لبيرغن عثرتُ على كتاب صغير لأشعار هولدرين. كنتُ قد قرأتُ عدداً قليلاً من قصائده سابقاً ، لكني مباشرة وجدتُ أن هذا واحد من الشعراء المجيدين الذين قرأتهم. عميق، صادق، شاعرٌ مقدرٌ له البقاء. الآن أنا أعرفه:

Weh mir, wo nehm ich, wenn

Es Winter ist, die Blumen, und wo

Den Sonnenschein,

Und Schatten der Erde?

طقس دافئ جميل. كنت أقطف الكرز. كنتُ أقطف الكرز. جعل السنجاب مخبأه قريباً، ويكلّ يومٍ يظهر في الأشجار. لا جدوى من ابعادهم؛ هم يرجعون وحسب. السنجاب لا يسبب ضرراً بالكرز مثلما تفعل الحشرات والفطريات. لا، السنجاب يقطف حبة كرز وبعد ذلك يستقرّ على غصن، ممسكاً بحبة الكرز بين مخالبه الأمامية، يأكل الكرزة الخالية من البذور. ثم يقطف أخرى. لا يضر بعددٍ كبير من الكرز كما نفعل الطيور.

الآن حسناً، أعتقد أنه لا بأس إذ سمحت السناجب والطيور لأنفسها، بتناول بضع حبات كرز.

 

23 يوليو

في شرق النرويج يتذمّرون من الجفاف. انظر كيف اخضرّ جانب الجبل في سينيستفيليا! لم يغادر الثلج تماماً، لكن الغابات والمراعي في الأعالي هناك شديدة الاخضرار. حقول الثلج الجبلية ما زالت تعطي المياه الذائبة. تحصلنا على عدة زخات مطر، عدا ذلك كان ربيعا جافّاً. الآن الأماسي هنا غايةً في السكينة ورائعة. الثنائيان في الفكرة الصينة ين ويانغ. في أغنياتي عنصر الين يسيطر، الذي يمثل الظلمة، البرد، الضعف.

أنا الجانب الظليل،

أنا الين،

إلى متى يمكنها إبعاد

اليانغ من طبيعتي؟

 

5 فبراير 1956

“عندما يبكي القلب من أجل ما فقده، تضحك الروح من أجل ما تحصّلت عليه” صوفي.

“الطالب يتعلم بما يضاف كل يوم. السبيل يتم الوصول إليه بالفقدان اليوم؛ فقدان على فقدان إلى أن تأتي في الآخر السكينة”.  لاو تسو.

الطاويّة. أسلوب حياة بقلم لاو تسو.  يحتوي على 81 قصيدة؛ يمكن للمرء وصفها بالحداثية، رغم أني لا أعرف تركيبتها الصينية. كما لا أعرف قواعد الشعر الصيني 2000 مضت. لكن هذه ليست النقطة الرئيسية. إن أمكنك قنص حتى ولو بعض فكرة وروحها، هناك الكثير لكسبه. ثمّة حكمة عميقة ومعرفة عظيمة عن الحياة والإنسانية. باختصار: لاو تسو صوفي، يملك كشفاً روحياً كالذي نجده في إخهارت، على سبيل المثال. مدهش كم يتشابه الصوفيون العظام، رغم آلاف السنين التي تباعد بينهم.

 

10 فبراير 1956

صفحة جديدة

صفحة جديدة. مفتوحة وحرة، حيث بإمكانك القفز والرقص. مثلما تكتشف وأنت طفل سجادة من طحالب في غابة، سجادة من طحالب ناعمة حيث بإمكانك القفز والشقلبة.

 

17 فبراير 1956

“ثمّة ثلاثة جوانب لأيّ سجال. جانبي، جانبك، والجانب الصحيح” مثل صيني.

 

أرواح صغيرة

عباقرة النهضة العظام، مايكل أنجلو وشيكسبير، تقبلوا الدِين. فقط أرواح صغيرة ممن لا تفهم الدين فتثير الشكوك.

 

ثلج

ما يزال هناك ثلج، بسمك 70 سم، في حقول روزفول. هذا زائد عن الحد ونحن الآن نقترب من العاشر من مارس.

 

مزيد من القراءة

الكثير من القراءة تخنق الروح. مثلما الكثير من السماد يقتل جذور العشب. ويتمان كان على حق.

 

13 مارس 1956

شمس ساطعة. شمس ساطعة على جبال بيضاء وثلج كثيف. مساء أمس كانت السماء تشع بالنجوم؛ الأوريون بقوسه المرفوع يطارد الخالدين، يتبعه سيريوس عابراً جبل غريمسنوت. يبدو الجبل مزرقّا، بسبب الثلج أو ضوء الربيع.

هذه الأيام، أقلّم الأشجار. حريص أنا، لأني أريد أن يكون لها أغصان وفروع. أنا كبرت في العمر فقد رأيت طرائق قديمة وجدية فيما يختص بتقليم الأشجار.

بالنسبة إلى أشجار الفاكهة الشبيه بقبعات السيدات، عامُ يتوجب أن تكون بهذه الطريقة، عام آخر بهذه الطريقة. عليك ألاّ تستمع إلى كلّ ما يقال، ولا حتى إلى ما يقوله الخبراء.

 

23 مارس 1956

لم أسمع شيئاً من ناشري. حسناً، لن أرى المخطوطة ثانية. والكتاب في طريقه إلى المطبعة. لكني لست متأكداً إن كان العنوان جيداً. لا أحبه. بطيئةً تحمرّ الغابات في الممرّ الضيّق.

والذي كان آخر المقترحات، ليس جيدا تماماً. هو بالغ الثقل، يتضمن الكثير من الشقاء والمعاناة الشخصية. بحر الربيع هو العنوان الذي أحبه، لكن أعتقد أن عليّ أن أتركه كما هو.

 

عيون

اولاف

ليس هناك رضا في النظر بعيون الآخرين. فقط عندها ستكون غبياً، مقلّدً مسكيناً. جنّبني المعاينة بعيون عادية طبيعية لكل يوم، عيون منفعة، عيون الناس. هذا النظر البارد فقط يقيس المظاهر الخارجية ويحكم طبقا لذلك. العيون التي تنظر بها تأتي من تحت، أو لنسميها العيون الحالمة، عيون سفلية، خلفية، عيون لا تستيقظ، هذا ما يقوله الناس. “هو يسير ويحدق كنعجة.”

 

29 مارس 1956

اليوم رأيت أوّل الفراشات، ثلاث منها. كانت تحوم حول بقعة عارية تحت غرفة جلوسي. تطير وتبحث، لا، كان هناك ثلج فقط، لذا عادت. الليلة أعتقد أنها ستتجمد. لا، أرى أنها عثّ، ويمكنها تحمله. ما يزال نصف متر من الثلج على الأرض، لكنه يذوب في المنحدرات. هذا طقس جميل مناسب لعطلة عيد الفصح.

 

ليلة البارحة

ليلة البارحة حلمت أغرب حلم في حياتي. تذكرته جيداً بعد استيقاظي، لكن كالعادة سريعاً تبخّر كالضباب. أودّ أن أؤكّد الآتي: مهما كانت الأحلام غريبة وبلا معنى، هناك دائماً معنى فيها. حلمتُ أني صرتُ حيواناً، رغم أني ما زلت إنسانا، وأعلم هذا. ذلك علامة مرض عقلي، أيضا، أنك تعلم ما تتخيله ليس صحيحاً، لكنك تقوم به على كل حال.

 

البستاني الجيد

على البستاني الجيد أن يكون صوفياً، أو لن يكون بستانياً.

 

أفكار

لا شك أن العلم قدّم الخير الكثير، زاد من معارفنا، لكن للملايين من البشر قطع جذور الحياة. على سبيل المثال، أزال القاعدة الصوفية لحياتهم. فقط الأرواح العظيمة استطاعت أن توحد بين العلم والتصوف، مثل غوته.

 

من جديد

عسى يحفظنا الله

من بصر واحد

ونومة نيوتن.

(بليك)

 

16 مايو 1956

في أحد العنصرة – كان ذلك البارحة – جلس رجل إنجليزي يرتاح على صخرة عند أول الطريق. تحدثت معه. كان رجلا ودوداً، هادئاً وحساّساً كرجل إنجليزي. أخيراً أخبرني أنه بروفيسور في علم النفس في جامعة في إنجلترا. من الشعراء كان شديد الإعجاب ببروانينغ. أعرف بعض الشيء عن ذلك الشاعر، وبذا تحدثنا وذكرنا بعض القصائد. عندما استشهدت ببيت، أكملَ هو  القصيدة، كأنه يحفظها كاملة. علقتُ حول أسلوب بروانينغ القصير، المتقطع. قال أحسن الطرق لقراءة براونينغ “أن تقرأه على عجل، كما كتب!”. يعلم الله ماذا فكر ذلك السيد عني، رجل رثّ الثياب متّسخ، بدأ النقاش حول بروانينغ في وسط الطريق.

شاعر من النرويج 1908 – 1994

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.