ضد الاستبداد السّياسي والدّيني

الجمعة 2016/04/01
لوحة: أحمد شلبي

الحقيقة هذا سؤال عام وخاص في الوقت نفسه. وهو من الأسئلة التي تدخل في صلب فهم عملية الإبداع الأدبي سواء من وجهة نظر علم الجمال أو من وجهة نظر علم الاجتماع.. وقد طرح مرتبطًا بمفهوم زئبقي آخر هو مفهوم “الالتزام”. وكما هو معروف فإن الإجابات على مثل هذا السؤال كانت ولا تزال مرتبطة بالموقف الأيديولوجي للكاتب أو حتى الناقد والقارئ المتلقي.

ولا يخفى على أحد وجهة نظر العقائديين سواء كانوا ماركسيين أو قوميين أو إسلاميين، فهؤلاء لديهم رسائل أيديولوجية وفهمًا خاصًا للأدب والفن بأن يكون تابعًا للأيديولوجيا، وأن يكون ملتزمًا بقضايا الشعب والأمة، وأن يساهم في زرع روح المقاومة في الناس لمواجهة الاستبداد والظلم. لكن السؤال الجارح هنا هو: كيف يمكننا فهم ذلك؟

تاريخ الأدب الروسي يعطينا مثالًا عن موقف قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين من دستويفسكي.. فقد كان لا يقدّره حق قدره، معتبرًا رواياته سوداوية وشخصياته برجوازية أو رثة وذات إشكالات ذاتية، وأنه لم يقدم البطل الإيجابي في رواياته. وآنذاك كان لينين يفضل شاعرًا في زمانه اسمه (خليبنكوف) الذي وفّرت له كل منابر الإعلام آنذاك.. لكن التاريخ ألقى بتقويمات لينين وبأشعار خليبنكوف في سلة المهملات.

كذلك كان الأمر من كافكا ورواياته السوداوية القاتمة. إلا أن روجيه غارودي أعاد لأعماله التقويم العالي في كتابه “واقعية بلا ضفاف”.

ولنضرب مثلًا بالشاعر لويس أراغون، فحينما كانت الدبابات النازية تطوف في شوارع باريس كان أراغون يكتب نصوصه عن إلزا وعيون إلزا. كان أراغون من خلال تغنيه بالجمال والحب يفجّر في النفوس أسمى المشاعر. لم يكتب عن الدبابات ولا قصائد ذات شعارات ثورية.. لكن بالمقابل كتب إيلوار قصيدته الشهيرة عن الحرية “أكتب اسمك بالطبشور أيتها الحرية”.

وكما هو معروف فإنهما كانا صديقين ويلتقيان يوميًا ويتابعان كتابات بعضهما، بل كلاهما كان ينتمي للحزب الشيوعي.

إذن إن المسألة ليست بهذه البساطة.. المهم كيف يفهمها المبدع نفسه.

لأذكر مثلًا آخر، هناك قصة قصيرة لهاينرش بول الذي عاصر النازية في ألمانيا وهاجر إلى المنفى الأيرلندي. القصة بسيطة عن سجين هارب يلاحقه شرطيان، يمر الشرطيان بصبي يرعى بقرة، يسأله الشرطيان إن كان قد رأى سجينًا هاربًا، فأجاب بالنفي. لكنهما ارتابا فيه، فاقتربا منه، ثم سألاه عن لون البقرة التي كانت سوداء، فقال لهم إنها سوداء. فأخذ كل شرطي إحدى أذنيه وسحقاها، وقالا له: قل إنها بيضاء. ذهل الصبي، وخاف، لكن الألم والخوف دفعاه إلى القول: إنها بقرة سوداء!

هاينرش بول أدان النازية الألمانية من خلال مشهد صغير خال من أيّ شعار سياسي أو أيديولوجي. ربما هذه القصة توازي رواياته الكبيرة التي تناولت تلك الحقبة المرعبة.

وعطفًا على الأوضاع العربية فأنا لا أملك أيّ روشيتة لأيّ روائي توضح له موضوع ما يكتب، فكل عمل إبداعي جميل هو بالتالي وبالضرورة يكون ضد الاستبداد السّياسي والدّيني حتى لو كان يتحدث عن علاقة حب بين رجل وامرأة. الرّوائيّ حرّ في اختيار موضوعه سواء يكتب عن أحداث سياسية أو تاريخية أو حكاية نفسية.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.