طيور شؤم

فصل من رواية
الثلاثاء 2022/03/01
لوحة: وحيد قصاص

عندما جاءت الحرب الثانية استدعيت لأداء خدمة الاحتياط في الجيش، وأُرسِلت إلى الكويت، عقب أيام من توغل قوات الحرس الجمهوري جنوبًا إلى عاصمتها، وأُنيط بوحدتي العسكرية واجب مسك منفذ العبدلي في الجهراء على مقربة من الحدود.

كانت أولى الوحدات المنسحبة بعد يومين من بدء القتال البري أواخر الشتاء، وعلى الرغم من ذلك هاجمتها الطائرات الأميركية المقاتلة والمروحية، التي كانت تحلّق على ارتفاع منخفض مثل طيور شؤم، بعد اجتيازها مدينة “سفوان”، ومزّقت قنابلها عددًا كبيرًا من جنودها، وحولتهم إلى أشلاء وهم على ظهر الناقلات المتجهة إلى البصرة، أو أسقطتهم على حافة الطريق الرئيسي مجللين بدمائهم. وكنت واحدًا ممّن نالتهم إصابات غير مباشرة في أطرافهم، إثر اجتياز ناقلتنا باب بلدة “الزبير” المؤدي إلى البصرة، فنجوت من الموت. كان جرحي في ساعدي الأيسر، رششت عليه معقمًا كنت أحمله في جعبتي، وخلعت فانيلتي وانتزعت جزءًا منها وشددّته به.

سرت راجلًا من غير خوذة تحمي رأسي، رميتها بعد نزولي من الناقلة، شاعرًا بجسمي أثقل من المعتاد، وقد غطى الوحل بسطاري ونال مني التعب، شأني شأن المئات من الجنود الجرحى والمزعزعين، المتجرّعين مرارة الهزيمة، والراغبين في التحرر من ملابسهم العسكرية وهم في أقصى حالات الحزن والبؤس.

كانت تتناثر على الطريق الرئيسي، الذي سُمي “طريق الموت”، عجلات وحافلات محترقة، عسكرية ومدنية (محملة بنساء وأطفال ومسنين هاربين من الموت)، ومدرعات وعربات هجومية برمائية وشاحنات، تتصاعد منها أعمدة عملاقة من الدخان الأسود المتماوج.

في الحقيقة كانت مجزرةً بشعةً أسفرت عن وحشية أميركا، لكن البغل شوارسكوف، قائد قواتها في الحرب، وصفها بأنها “نصر إلهي لأتباع يسوع”!.

ابتعدت عن ذلك الطريق مسافةً قدّرتها بثلاثمئة متر، تلافيًا لنيران الطائرات التي واصلت غاراتها، ورحت أغذّ الخطى على درب لم تمهده أقدام مشاة، أرض خلاء مخضوضرة، تصطف في بعض أجزائها نباتات وشجيرات بريّة ومزارع للطماطم، قاطعًا بركًا مائيةً ضحلةً ومتعثرًا بحفر أحدثتها انفجارات، وحين كانت تعترضني أجمة أحراش أضطر إلى تغيير مساري، وأمشي محاذيًا الطريق الرئيسي الإسفلتي حتى تختفي، ثم أعود إلى السير على ذلك الدرب.

كان الهواء الملوث، المحمّل بروائح كريهة منبعثة من حرائق الآليات والمقذوفات المختلفة، يهمي على أنفي، ويكاد يقطع أنفاسي، فاضطررت إلى تكميمه بالجزء المتبقي من فانيلتي بعد أن نقّعتها بحفنة من ماء زمزميتي.

مرت ساعات ثقيلة وأنا أتخبط في طريقي، خطوةً إثر خطوة، أسير حينًا وأرتاح حينًا على صخرة أو إطار سيارة مستهلك أو طوب خرساني، كأني خارج العالم، وجسدي خاوٍ لا ينتمي إلى الأرض، بل يتقاطع معها، وأود لو أغادرها إلى فضاء أثيري، وفي رأسي تحتشد هواجس وأسئلة غير متناهية، شاعرًا بألم عميق من أجل أصدقائي الجنود الذين قتلتهم الطائرات.

صادفت في طريقي أشجارًا وشجيرات متراميةً على جانبي الطريق، بعضها شوكي وبعضها الآخر أملس، لكنني كنت أجهل أسماء أغلبها، باستثناء الأثل والعاقول واليوكالبتس. وفاجأتني بضعة حيوانات برية وزواحف، بعضها أليف وبعضها الآخر مخيف أفزعني، ولا يمكن نسيانه، كان أحدها أرنبًا مختبئًا في حفرة. حين مررت من جانبه وثب مذعورًا وولى هاربًا. أجفلني الحيوان وجعل صدري يعلو ويهبط، فتوقفت عن السير برهةً ووضعت راحة يدي على قلبي.

وكان الثاني ضبًّا غليظًا ذا رأس عريض، وقد أخرج نصف جسمه من جحره، مشرئب العنق، مستندًا بقائمتيه الأماميتين إلى الأرض. أبصرته من مسافة غير بعيدة، سبع أو تسع خطوات، يحرك لسانه ويخزرني بعينيه كأنه ينبهني “حذارِ يا هذا، سأنقض عليك إن اقتربت مني”، فشعرت بالهلع إذ جرى ذلك في خاطري، وأطلقت ساقيّ للريح بقدر ما أستطيع من سرعة، وعبرت إلى الجانب الآخر المحاذي للطريق الرئيسي. يا له من ضبّ، لم أرَ مثله طوال حياتي، فيه شبه يسير من  فرخ تمساح، في حين كنت أنا، منذ صغري، أرتعب من الوزغ (أبوبريص) إذا وقعت عيناي عليه وهو يدبّ على الحائط.

ومرةً تناهى إلى سمعي صوت مواء هادر مزمجر ينطلق من داخل دغل لأعشاب السِّعد، وما إن صرت على مقربة أمتار منه حتى فوجئت بمشهد رهيب، ثعبان رمادي يلتف حول جسد قط ضخم، ويعصره بين عضلاته بإصرار لا يلين، في حين كان القط المسكين يكافح من أجل تحرير نفسه في صراع غير متكافئ. بعث المشهد في داخلي قشعريرةً جعلتني أرتجف فرقًا، فكررت عملية الهروب، لكن إلى حافة الطريق الإسفلتي هذه المرة، على ما كانت تنطوي عليه مغامرة قطعها من مخاطر.

أظن أن ذلك القط كان بريًّا، وقد أشفقت عليه لأنه سيلقى مصرعه، خاصةً في ذلك الشهر، شباط الذي تلتصق به صفة الحب، وتكون حاجة القطط خلاله إلى الحنان والتزاوج على أشدها، وحدست أن حالنا سيكون شبيهًا بحاله تمامًا ما دام صراعنا مع القوة العظمى غير حصيف، خاويًا، مبعثه الشطط إلى أقصى حد.

وكان آخر ما صادفته جرو ثعلب (هجرس) له أذنان مدببتان وخطم ضيق وذيل كثيف الفراء، لعله كان يبحث عن غذاء، فريسة ما، فأر أو حشرة سهلة الاصطياد فأفسدت عليه بحثه، وحين لمحني فتح عينيه على وسعهما ثم اندفع فارًّا واختفى. لشدّ ما كانت دهشتي حين فعل ذلك، بدا لي أنه أقرب إلى كلب صغير منه إلى جرو ثعلب، على عكس الضبّ الذي جعلني أفرّ منه، وشعرت بارتياح لأنه كان أول حيوان أصادفه في طريقي يخشاني.

عدا عن ذلك، مررت على مقربة من قرية صغيرة ذات بيوت طينية، فاتني أن أسأل عن اسمها، قادني إليها فتى من أهلها يرعى بعض النعاج والعنزات الضامرة حين أخبرته بحاجتي إلى قليل من الماء والطعام.

كان اسمه سبهان، خجولًا، هادئ الطبع، متيقّظ الذهن، نحيف الجسم وكأنه سيء التغذية، يرتدي دشداشةً سوداء، ويحمل عصى طويلةً من القصب. رحبّت بي أمّه ببشاشة ريفية، وأطعمتني بيضَا وزبدةً مع الشاي، وقدّمت لي دشداشةً لأرتديها بدلًا من ملابسي العسكرية التي لطختها قطرات من الدم، لكنها كانت قصيرةً، ومع ذلك قستها على قامتي فإذا بها تصل إلى منتصف ساقيّ، ما يعني أن زوجها الغائب رجل ضئيل القامة. فكّرت في إطالة الدشداشة بانتزاع خيط ثنيتها، إلا أن عرض الثنية لم يكن يتجاوز السنتيمترين، لذلك اعتذرت من المرأة وشكرتها على كرمها. وحين أردت أن أواصل سيري حمّلتني صرّةً مملوءةً بالتمر ورغيف خبز وعلبة سجائر “سومر”، ومطّارة ماء مصنوعة من الكتّان. وبما أني لست مدخنًا أعدت لها علبة السجائر، وعبّرت لها عن امتناني العميق.

قبل أن أودّع سبهان اعتذر مني قائلًا:

 – لو كان أبي موجودًا لاستبقيناك اليوم عندنا كي ترتاح.

شكرته وقلت:

– يرجع لكم بالسلامة.

– آمين، إنه عريف في الجيش، ولا نعرف مصيره في هذه الحرب.

– الله الحافظ.

كان سبهان أكبر أفراد أسرته بين ثلاث بنات وولدين، يتلقى تعليمه تلميذا في المرحلة المتوسطة بمدرسة البلدة القريبة من القرية، مستخدمًا دراجته الهوائية، ويرعى قطيع الأغنام والمعز في أوقات فراغه. وكان البيت الذي تقيم فيه الأسرة بائسًا كغيره من بيوت القرية.

دوّنت تفاصيل ما واجهته في تلك الرحلة الراجلة إلى البصرة في دفتر صغير ما زلت أحتفظ به. قلت حينها عسى أن يأتي يوم أضمها إلى مذكراتي أو أضمّنها في قصة قصيرة.

***

لوحة: وحيد قصاص
لوحة: وحيد قصاص

بلغت البصرة بمشقة كبيرة، فوجدت الوضع فيها مضطربًا، على وشك الانفجار، ينذر بحدوث انفلات أمني وفوضى، وربما اقتراف فظائع وسفك دماء. وكان إحساسي بالخوف يتصاعد، وأملي في النجاة يذوي ويتفكك، إلاّ أنّ ما تبقّى منه حتّم عليّ أن أتدبّر أمري، وأجدّ في البحث عن مأوى لأدرأ الخطر عن نفسي.

تذكرت قريبًا لي من طرف أمي الكردية اسمه فرهاد يعمل رفقة زوجته في شركة التمور، ويسكن في الحيّانية، وهي منطقة شعبية تقع غرب مركز البصرة. كنت أعرف رقم هاتفه، لكن الاتصالات كانت مقطوعةً، وبعد عناء طويل، نحو ساعتين من الاستفسار المضني دلّني أحدهم إلى بيته.

كان النهار على وشك الأفول، والسماء بدأت تتلبّد بالغيوم وتصير قاتمةً، ولو أني تأخرت قليلًا في العثور على البيت لكان من الصعب رؤية أيّ شيء مع انقطاع التيار الكهربائي.

ما زلت أذكر ذلك اليوم العصيب الموجع وكأنه ورم غريب. هكذا أحسست لأنني كنت تحت وطأة جرح ساعدي. كان يوم ثلاثاء نصف غائم منذ الصباح، تطلع فيه الشمس برهةً وتختفي دقائقَ، ثم توارت نهائيًا بعد الظهر.

سبق أن التقيت فرهاد مرتين في بيتنا أوانَ زيارته إلى كركوك لتفقّد أحوال أهله. كان في أواخر الثلاثينات من عمره، ضامرًا، ذا بشرة خمرية، ورأس كبير كفزاعة طيور، يتكلم بصوت خشن لا يتوافق مع مظهره من أثر إفراطه في تدخين الغليون، ويبدو عبوسًا على الدوام لا يعرف كيف يضحك، وهو أيضًا رجل جاف، كثير التوجّس، أفقه ضيق ومحدود جدًا، ومن الصعب أن تجادله، أو تقنعه بالعدول عن وجهة نظر يسلّم بها تسليمًا أعمى.

مكثت بضع ثوانٍ أمام باب البيت، ساكنًا منهك القوى، ثم طرقته، فسمعت نحنحة رجل تلاها صوته يسأل بفظاظة عمّن أكون، قلت:

– هل هذا بيت فرهاد؟

قال:

– من أنت؟

أجبت:

– أنا بلبل ابن قريبتك نازك من كركوك.

– ما الذي أتى بك في مثل هذه الظروف الحرجة؟

– أتيت.

فتح الباب، ومدّ إليّ يد الترحاب بوجه متجهّم ودعاني إلى الدخول:

– ما كنت أعلم أنك في الجيش.

– كما ترى، حالي حال الآخرين.

خلعت بسطاري، الذي كان من المتعذر رؤية بقعة سوداء فيه، وتركته على عتبة البيت شاعرًا بالخجل. وفي أثناء ذلك سألني:

– كيف استدللت على بيتنا؟

– مَن يسأل لا يتيه.

عرّفني فرهاد إلى زوجته الزبيرية منال، امرأة قصيرة القامة ذات وجه مستدير، ترتدي الحجاب، وبناته هنادي وبيان ونيروز، اللواتي تحلقّن حولي مرحبات بي بلطف واحترام جمًّين، وارتسمت على وجوههن علامات التأثر لحالي المزرية الباعثة على الرثاء.

كانت البنت الكبيرة هنادي في سن التاسعة، لها كسل قطة مسترخية وتهوى الكلمات المتقاطعة، والوسطى بيان في سن الثامنة، صموتة ومغرمة بصناعة أشياء من الخرز، والصغيرة نيروز في سن السادسة، لا تبدي اهتمامًا بأيّ شيء، مع أنها لبقة وتمتلك فائضًا من الحيوية. وكانت البنات الثلاث يُجدن لهجة الأم المطعّمة بلهجة أهل الخليج إلى جانب القليل من اللغة الكردية. لكنني لحظت عدم وجود تشابه بينهن وبين أبويهن وكأنهن لسن من صلبهما.

خصّصت لي منال غرفةً متواضعةً في الدار كانت تحوي مؤونةً وحاجات فائضةً، وشوت لي سمكة “صبور” محشيّة بتتبيلة لذيذة، أكلتها بنهم كالمفجوع مع خبز محمّص وطرشي (مخلل) وعصير ليمون بالنعناع، ثم أكرمتني بحلوى سمسمية بالدبس.

استثار فضولي زواجها من فرهاد لعلمي أن الزبيريين يرفضون التصاهر مع الغرباء. ذلك ما أخبرني به أحد الجنود في وحدتي العسكرية عندما كنا نتجاذب الحديث حول أعراف أهل الجنوب. سألتها عن الأمر على انفراد فقالت:

– كانوا سابقًا متشدّدين في هذه العادة، لكنهم تخفّفوا منها في السنين الأخيرة، خاصةً بعد ازدياد أرامل الحرب.

– عفوًا، هل كنت أرملةً؟

– استشهد زوجي في معركة المحمّرة بعد زواجي منه بشهر.

من حسن الحظ كانت ابنة جارهم ممرضةً في مركز صحي بالحي، فاستدعتها منال لمعالجتي. قرأت ميزان حرارتي وقاست نبضي وضغط دمي على ضوء مصباح نفطي (لالة)، ثم زرقتني إبرةً في عجيزتي، وغسلت جرحي، ودهنته بمرهم يحتوي على مضاد حيوي، وغطته بقطعة شاش فتوقف نزيف دمي.

لا أدري لِمَ فعلت كل ذلك ولم تكتفِ بغسل الجرح وتضميده!

تبادلنا حديثًا هامسًا في البداية، ثم أخذنا نتجاذب الكلام جهرًا حين سألتني عن المنطقة التي أُصبت فيها. هوّنت عليّ أمر الجرح ومنحتني الطمأنينة، وجعلت همومي تنحسر أثناء الليالي التي كانت تأتي فيها لتزرقني إبرًا وتغير ضمادتي.

أخافتني سمرتها الكستنائية، وعليّ أن أعترف بأنها بدت قريبةً من القلب، والأدق من ذلك أنها استهوتني كثيرًا، وكان لقائي بها أول لقاء لي عن قرب بامرأة ذات بشرة بلونها، ففي مدينتي “كركوك” يندُر وجود نساء سمراوات مثلها، بيد أني لم أُسفر لها عن تعلّقي بها، على الرغم من إدراكها ما يدور في خلدي، وراحت تستفسر عن أهلي ومدينتي، وعن الشمال الذي تتمنى أن تزوره، ولولا الظرف السيء الذي جمعنا لاعترفت لها بما يجول في دخيلتي، ولتعمّقت علاقتي بها. لكني طلبتُ من هنادي ورقةً وقلمًا ودوّنت رقم هاتف سمرا، وكان في نيتي أن أتواصل معها بعد إصلاح شبكة الهاتف لعلّي أوثق علاقتي بها.

كان اسمها سمرا، عمرها اثنان وعشرون عامًا، طيبة، بشوشة، متمكنة من مهنتها، تتصرف بلياقة، جسدها أهيف متناسق، ذات شفتين مكتنزتين تخفيان أسنانا بيضاء مصقولةً، وغمّازة جذابة تحت شفتها السفلى، وتفوح منها رائحة دهن العود، الذي قالت إنه كمبودي وتفضّله على دهن العود الهندي. وكانت عزيزة النفس، تعتذر حتى عن شرب الشاي، وتحب الشعر وتهيم بالغناء، لكنها تعاني من جرح في داخلها جرّاء التمييز الذي تتعرض له أحيانًا من طرف بعض الأوغاد.

قادنا الحديث إلى السؤال عن أبيها، قالت إنه “ينحدر من أسرة عربية في إثيوبيا، هاجرت إلى جزيرة زنجبار منتصف ثلاثينات القرن، حفاظاً على حياتها من خطر الأسلحة المحرّمة التي استخدمتها القوات الإيطالية الغازية. وفي منتصف الستينات قدِم إلى البصرة هربًا من جرائم التطهير العرقي التي ارتكبها أفارقة شوفينيون ضد العرب، وكان الناجي الوحيد من أسرته. قطن بدايةً متطفلاً في خان للتمر، يأكل مما يجود به الكرماء. نهارًا يجوب المدينة بحثًا عن مهنة يعتاش منها وليلًا يبيت في الخان إلى أن وجد عملًا في متجر للتوابل والقرنفل والعطور الشرقية في سوق الهنود بالعشّار. في البداية شغّله صاحب المتجر عامل خدمة عامة، ينظف المكان ويحرسه من اللصوص، ثم عاملًا يبيع بضاعته. وقد نجح في كسب احترام الناس وصاحب المتجر على حد سواء تقديرًا لأمانته، واشتهر بأنه بائع لا يُشقّ له غبار، ومشهود له بالسلوك الحسن، والشهوة المفتوحة للمجاملة. وعندما جمع مبلغًا من المال استقر رأيه على الزواج، لكن قبل ذلك كان لزامًا عليه أن يتجنّس، فساعده صاحب المتجر في تحقيق بغيته من خلال أحد معارفه.

بعدئذ تزوج ابنة بلاّم من منطقة ‘التنّومة’ تعود أصوله إلى إثيوبيا أيضًا، أنجبتني أولًا وأسمتني سمرا نسبةً إلى مدينة أبي في إثيوبيا، ثم أنجبت بنتًا ثانيةً وولدًا”.

في أول نقاش حول الحرب بيني وبين فرهاد وزوجته، غداة اليوم التالي، اختلف الاثنان اختلافًا حادّا، وكادا يتخاصمان. كشف فرهاد عن تملقه لأميركا، مؤيدًا سياستها، ومعوّلًا عليها في استقلال كردستان بعد تحرير الكويت، بينما أظهرت منال بغضًا شديدًا للرئيس بوش الأب، وأنشأت تكيل له الشتائم، ناعتةً إياه بالفاجر والخنزير، ثم طفقت تتكلم بأسى، وقد ترقرق الدمع في عينيها، عن قصف قواته بلدة أهلها “الزبير” ومقتل العديد من أقربائها، وراحت تدعي عليه بميتة شنيعة. عندئذ طأطأ فرهاد رأسه، وحرك كفه أمام وجهه كأنه يطرد ذبابةً عن خده، ولم ينبس بكلمة. أما أنا فقد استعدت في ذهني مجزرة “طريق الموت”، ووضعت كفي على ساعدي الجريح، وأطلقت ما يجيش في صدري “لعنة الله على حكام أميركا، هم رأس حربة الشر وسبب نكبات الكثير من شعوب العالم”.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.