عطر

الأربعاء 2018/08/01
تخطيط: حسين جمعان

استيقظَ باكرا، زفرَ طويلا، شهقَ، تسرب، انثنى، تصاعدَ عاليا وأفلتَ من قارورتي، أفلتَ جامحا، امتدَ، طافَ بالمكان، طافَ طويلا، انتشرَ، تبددَ، ارتفعَ، دارَ حول أهداب ثوبي، فاضَ، سكبَ شذاه، أوغل في التلاشي، هاجرَ إليك، ضلَ الطريق، عرج ولم يصل بعد، ملأ الأودية، تبدد وانتشر بضراوة ثم عاد ورسمَ على وجه الأفق أشكالا غامضة، نطقَ العطر شعرا، رتبَ أبيات قصيدته وعادَ غريبا حاملا نبوءة، رتلَ أوجاعه، رتلها طويلا، عطرٌ فاضَ، هبطَ، تقاطر، تماهىَ، تفردَ، عشقَ، تنبأ وكتبَ.

ألقى قصائده على مسامع الريح، وفي أفواه الموج وألسنة النار وفي الطرقات، طارد العابرين، تاه خلف وردة، أغرته فراشة، تنزه كثيرا وراء ريشة ذات ألوان نادرة، اقتفى أثر ندى، صادق شعاعا مرتعشاً، ثم عاد، يائساً كان، منكسرا لاهثا جافا منطفئا، ألقى على مسامع قارورتي بقايا شذى كان ضائعا عالقا بتلابيب نسمة عابرة، ثم لفظ أنفاسه، مات جافا، مات جافا باهتا، لم يصل ولم يجد من يصغي إلى أنين شذاه.

عرّافة

كتبتْ العرّافة طلسما غامضا في قعر القدح، ودست وصفة من الإعشاب تعويذة لجلب المحبوب. أراقتْ سائلا في لون الدم أمامي. قرأت تمائم وتعاويذ. رسمتْ حروفا خفية فوق جبهتي. أحرقتْ بخورا. رمت الأفق بنظرة غائبة. كانتْ تستفتي النجوم. تستشير الأفلاك في حضوري إليها زاحفة على بساط الحنين. تمتمتْ ببعض الكلمات الغامضة. قرأتْ الطوالع. أرقام وحسابات فلكية مبهمة. تركتني أرتجف على بساطها المهترئ البائد وانهمكتْ في طقوسها.

كنتُ جاثية أمامها أرتجف، وعقلي يركض بعيدا في طرقات ودهاليز ذاكرة متعبة بفعل لحظات حب غائرة كوشم قديم بين التلافيف. وحدسي لا يطمئنني.

اقتربتْ مني. علقتْ على صدري بعض التعاويذ. ناولتني القدح. أرهقتني بالأبخرة المتصاعدة من مواقدها.

كنتُ أتلو تعاويذ حبي على مسامع الأبخرة المتصاعدة وعلى مسامع العرافة وأنا أرتجف. أصرخ وأتلوى من شدة الألم. بدأتْ رياح صفراء ساخنة تزفر أنفاس صحراء تلف المكان حين تعلق الأمر بحديث القلب. ثارتْ عاصفة. اخترقتْ معبد الساحرة. لوحتْ بالتعاويذ بعيدا. نفثت العرافة أنفاسها في وجهي بشراسة. لم تهبط السكينة ولا الطمأنينة إلى قلبي. كنتُ مذعورة. فلماذا حملتُ ثقل حنيني وحرائق الروح وجئتُ أطلب الخلاص من عرّافة؟

هتفت.

قالت.

أقول لقد صرختْ:

- اللعنة لم أشعر بالسطوة على أي شيء مذ دخلت مغارتي! تعطلتْ طلاسمي. خانتني تعاويذي. انحسرتْ تمائمي. انقلبتْ شفراتي السحرية أشعارا للحب دون أن أدري. ذابت وريقاتي العتيقة تحت سطوة عشقك الرهيب له فلماذا أنقلب السحر على الساحر؟

منهكة أصبحتْ. غادرتْ المكان ملطخة بسحرها الذي بطل بفعل تقادم الحب في قلبي. لا حول لها ولا قوة.

وغادرتها كما جئت إليها محملة بثقل حنيني.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.