فلنكتب حكاية أخرى

الجمعة 2016/04/01
لوحة: ياسر صافي

ماذا سنكتب إذن؟ في هذا الصباح الغائم بالأحزان والأخبار المفجعة. شهرزاد تُباع في أسواق النخاسة. وشهريار حائر يا صديقى بين إسلام وسطي وإسلام سلفي وإسلام لن يكون رحمة للعالمين. مسرور سياف “ألف ليلة وليلة”، جُنّ لأنهم أعطوه دور البطولة. وعدوه بالحور العين فأشهر سيفه ليفوز بالجائزة. وأنا من بعيد أتابع الأخبار. أجلس على مكتبي متسائلًا بسذاجة طفل محبّ لاختلاق الحكايات، ماذا سنكتب إذن؟

نحن أمّة تحب الحكايات والنحيب. خلقنا الأساطير كي نقنع مخيلاتنا بأن كل شيء ممكن. نكذب كثيرًا لأن الكذب هديتنا للسلطان. والسلطان لم يعرف من التاريخ سوى مآثر من سبقوه في فنّ التنكيل. ومن أجل سعادة السلطان سامحنا مسرور السياف. وسمحنا لشهرزاد بليلة أخرى كي تكمل لنا حكاية الدّم والمهاجرين إلى الموت المحتمل.

يقول لي الخيال: حسنًا يا صديقي، فلنكتب حكاية أخرى شبيهة بما تعلمناه في كتب التاريخ والحكايات. سلطان عظيم وشعب بائس. وصفة مجربة النجاح. نساء مساكين ورجال دين يمتلكون الحقيقة المطلقة. يضيف الخيال، جوار حسان وأطفال يتامى، ذلك سيعطي للحكاية شجنها العربي. خيانات ومؤامرات ودسائس. عشق ودم وبعض من رومانسية الشعر العربي. لكني بعد الكثير من التفكير، أسخر من خيالي لأنه واقعي جدًا.

أنظر عبر نافذتي في كندا حيث أعيش. فلا يطالعني سوى بياض الثلوج والهدوء المتوحش. فأتمنّى أن أكتب عن دمشق كدمشقي يبحث عن حبيبة مفقودة. أستمع إلى الحكواتي على مقهى النوفرة. أترجل في القاهرة الفاطمية وأقرأ الفاتحة للسيدة زينب. يسحرني فن الحكاية في أسواق مراكش. فأجلس كالصغار في الحلقة كي تكتمل الحكاية.

يقول لي المنتحل صفة الرّوائيّ في جسدي: ماذا لو كتبنا عن انكسارات اليسار، حقوق المرأة، الكثير من الحب والقليل فقط من الجنس المناسب لمزاج القارئ العربي المحافظ. أوروبا عاهرة عجوز وأميركا الشيطان الأكبر. العرب أسياد الفضيلة والأرجيلة والفراش. هذه رواية مضمونة لربح الجوائز وحصد الإعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي. هيا يا فتى أكتب. كلهم يفعلون ذلك ويحصدون الشهرة ومحبة السلطان وشيوخه الأفاضل.

لكنني بجنوني وقلة تعقلي مع الحياة أخرسه. وأبدأ في كتابة سطور حكايتي المستحيلة. شهرزاد أميرة تدور على البيوت في كل العواصم العربية الكسيرة. تغني شهرزادي بإصرار أغنية كالنواح. سيرقص الأطفال حولها لأن الرقص صلاة الباحثين عن الفرح. ستفك قيود سبايا عصرنا الحزين. فيعود مسرور السياف عبدها المطيع. يطيح برأس المدّعين والمزيفين وأصحاب القرار. لكنهم لن ينزفوا دماءهم أمام كاميرات التلفاز. لأن شهرزادي عربية حرة تصنع السعادة وتكره الدّماء.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.