كتاب عن الوضعية القانونية للاجئين في فرنسا

السبت 2017/07/01

يشهد العالم أزمة لاجئين تعتبر من الأكبر منذ الحرب العالميّة الثانية، الآلاف يتركون بلادهم عابرين الحدود بأنواعها في سبيل الوصول إلى برّ الأمان، وأحياناً دون حتى هدف الوصول إلى أيّ مكان، مجرّد الرحيل بعيداً عن أسباب الموت وطلباً للحياة الكريمة، هذه الهجرات شكلّت صدمة للعالم الغربي وللدول المجاورة لبلدان اللاجئين، حيث تنوعت سياسية كلّ من تلك البلدان بين إغلاق الحدود كلياً ومنع دخول اللاجئين أو وضع شروط متباينة في الشدة في سبيل قبولهم وتوطينهم ومنحهم حقوقهم المختلفة.

تكثر حالياً النصوص والأبحاث التي تتناول اللاجئين وتصنيفاتهم، إلى جانب محاولات تفسير سلوكهم وأسباب رحيلهم وخياراتهم المستقبليّة، إلا أن أكثر التساؤلات المطروحة هي المرتبطة بسؤال “من هم اللاجئون؟”، ومحاولة الإحاطة بالأجوبة سواء كانت قانونيّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة، هذا السؤال يرتبط حالياً بأنظمة التشريع الدولية والداخليّة في الغرب، إذ تطورت هذه التشريعات على مرّ التاريخ المعاصر في سبيل احتواء اللاجئين وإخضاعهم لأنظمتها، هذه التساؤلات حول مفهوم اللاجئين قانونياً نقرأها في كتاب “تعريف اللاجئين” الصادر هذا العام عن دار “la vie des ideés” وفيه مجموعة من النصوص حول مفهوم اللاجئين وتعريفاتهم القانونيّة على الصعيد الدولي من جهة وفي فرنسا من جهة أخرى التي شهدت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتضمن حق اللجوء ضمن دستورها.

غرباء أم لاجئون

يبدأ الكتاب بمقابلة مع مايكل أجير الباحث الاجتماعي والأنثربولوجي أجرتها معه آن ماري ماديرا الباحثة في شؤون اللاجئين ضمن القانون الفرنسي العام، وفيها يناقش أجير مفهوم اللاجئين ضمن نصوص القانون الفرنسي والحق باللجوء ودور اتفاقية دبلن في ذلك، إذ يتناول أجير التغيرات القانونية المرافقة لموجات الهجرات المختلفة المرتبطة بكل من تركوا بلادهم واتجهوا نحو فرنسا منذ القرن التاسع عشر بوصفهم لاجئين، إلى جانب التعديلات القانونية المختلفة المرتبطة بذلك، وخصوصا ًالاختلافات بين المصطلحات المرتبطة بالأفراد “الغرباء” الذين يدخلون أوروبا، هل هم “لاجئون” أم “منفيون” أم “مهاجرون” مناقشاً الإحالات والمعاني الاجتماعية والقانونيّة المرتبطة بكل من هذه التصنيفات وخصوصاً أن البعض يختار أن ينفي نفسه، أو أنه يرفض النظام السياسي في بلده فيقرر الرحيل عنه، لتكون الخسارة طوعيّة لا كحالات الحروب والصراعات المسلحة.

اللاجئ الكاذب

يناقش أجير لاحقاً مفهوم اللاجئ الكاذب، أي من يستغل تعريف اللاجئ القانوني ليكذب عمّا حدث معه لينال حق اللجوء، ما يترك القانون أحياناً هشاً ويمكن استغلاله سلبياً، ويؤكد شبه استحالة معرفة متى يكون “اللاجئ” كاذباً أو لا، أي مدى عقلانية وتماسك حكايته وحقيقة تعرضه لخطر “يهدد حياته الشخصيّة” دفعه للرحيل عن بلاده ، ويشير أن طلبات اللجوء و”الحكايات” المقدمة إلى محاكم اللجوء يتم توليدها خصيصاً لنيل حق اللجوء، أي هي تضافر جهود الفرد والمؤسسة المسؤولة عن إنجاز طلبه والمساعد الاجتماعية، ما يجعل الفرد خاضعاً لخطاب قانوني يُنمذجه ليتم قبوله كلاجئ، عمليات النمذجة هذه تشكل عائقاً أحياناً لمن يستحق بوصف البعض لم يشهد بعينيه أو يتعرض لما تمرّ به بلاده، وكأن القانون يستهدف الناجين فقط من الموت المحتّم أشبه بمفاضلة بين احتمالات الموت وعلى أساسها يتم نيل اللجوء.


لوحة: جوني سمعان

بين الأحقية والتسامح

تطرح باقي نصوص الكتاب علاقة فرنسا مع اللاجئين قانونياً والتي تتغير بحسب الأفواج الجديدة من اللاجئين، وخصوصاً في ظل الثورة السورية حالياً ومقارنتها بالحالة الكمبودية سابقاً، إذ أن تراتبيّة الحصول على اللجوء في فرنسا تتغير فيما يتعلق بزمن الحصول على الأوراق القانونية، إذ يكفي أن تكون سورياً كي تحصل على معاملة مختلفة، هذه التغيرات مرتبطة بطبيعة السياسة الفرنسيّة، وخصوصاً أن “التهديد بالخطر الشخصي” المرتبط باللجوء في فرنسا يرى أن أغلب السوريين تركوا بلادهم خوفاً من نظام دكتاتوري يدّعي العلمانيّة ومن نظام ظلامي آخر يتمثل بداعش، وهذا ما يختلف عن الهجرات من المناطق الأخرى كأفغانستان وإيران التي يهرب سكانها من نظام إسلامي وصراعات مسلحة، وهذا ينعكس على حق اللجوء الدستوري التي تقدمه فرنسا، والذي يندرج تحته المدافعين عن الحريات بوصف فرنسا تقدم قانونياً حق اللجوء لمن يدافع عن الحرية والعدالة ضد الطغيان وانتهاك حقوق الإنسان وهو ما يختلف عن حالات اللجوء الأخرى المرتبطة بالانتماء الديني أو العرقي والميول الجنسية.

ساكنو المخيمات

يتطرّق الكتاب أيضاً إلى حالات أخرى من اللجوء، المتمثلة بقاطني المخيمات التي تقام للاجئين سواء في فرنسا أو بجانب بلادهم الأصلية أو حتى ضمنها ومدة سريان اتفاقية دبلن في هذه الحالات، وخصوصاً أن البعض يُحرم من حق اللجوء فيها بسبب قصور القوانين الدولية في المخيمات، كحالات موجودة في الأردن ولبنان بالنسبة إلى سوريا، أو المخيمات الموجودة في أفريقيا كما في كينيا، هذه المخيمات تجعل حضانة اللاجئ القانونيّة هشة ومن السهل تجريده من حقوقه، ما يخلق مشكلة أكبر بحاجة لتضافر دولي و إقليميّ لحلّها، وخصوصاً أن الهجرات الجديدة لـ”اللاجئين” مختلفة عن تلك التي شهدتها أوروبا أثناء الحرب العالميّة الثانيّة المرتبطة بهجرات اليهود فهي هجرات بيضاء، أما المهاجرون الآن فهم مُسَتعمرون سابقون وهاربون من أنظمة دكتاتورية خلفتها الأنظمة الاٍستعماريّة، ما يجعل أنظمة الاندماج أحياناً أشبه أحياناً بأنظمة تأهيل ذات جوانب عنصرية أو دونيّة.

كاتبة من سوريا مقيمة في باريس

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.