لا تكتب روايتك طمعا بجائزة

الجمعة 2016/04/01

لا شك أن بعض الفنون تتميز ببعد اجتماعي مباشر يجعل منها أداة تأثير فاعلة في زمن الثورات أو الحروب أو النزاعات طويلة الأمد التي نشهدها اليوم في منطقتنا العربية، وأتحدث هنا عن “المسرح، أو السينما الوثائقية، أو الغرافيتي” وغيرها من الفنون التي صقلتها الثورات العربية.

أمّا بالنسبة إلى الرواية التي أراها فنًا شديد الفردية، سواء لكاتبها أو حتى بالنسبة إلى القارئ الذي يتلقّى هذا الفن بشكل فردي وحميم، فإن السؤال عن جدواها في اللحظة الحالية هو سؤال مشروع للغاية، وأعتقد أنّي أمتلك أجوبتي الشخصية عليه.

منذ نهاية العام 2011 وحتى منتصف العام التالي قضّيت شخصيًا ساعات طويلة في قراءة الرّواية في بيتي الذي كان في أحد أحياء غوطة دمشق الشرقية، والتي كانت تشهد توترًا عنيفًا وأحداثًا يومية كانت تستهلك معظم طاقتي وقدرتي على البقاء. إلا أنّ قراءة روايات من الأدب العالمي أو العربي كانت العزاء الوحيد، والمكافأة الخاصة التي أقدّمها لنفسي في المساءات الهادئة، لأقرأ على ضوء شواحن الكهرباء الصغيرة في ظل انقطاع التيّار لساعات طويلة.

بإمكاني اليوم القول إن ساعات القراءة تلك كانت نعمتي الشخصية وسط كل ما كان يحيط بي.

أما بالنسبة إلى عملية الكتابة، والتي تتطلب أعباء أخرى أكثر تعقيدًا من القراءة، فإنّ تجربتي مع روايتي الأولى كانت أيضًا ضمن شرط الخناق الأمني والحرب البادرة التي تعيشها العاصمة السورية دمشق. من السطح الخارجي كانت عملية الكتابة اليومية ترفًا ممعنًا في الانفصال عن الواقع، إلا أنّ عملية التعرية الذاتية، والالتزام اليومي بالكتابة كانا بمثابة طوق نجاة شخصي وسط سواد المشهد العام.

وبعيدًا عن المتعة والفائدة الشخصية التي تقدّمها الرّواية، لا أرى ضرورة باتخاذ خيار جماعي بالكتابة عمّا يدور حاليًا في العالم العربي، أو بالرجوع إلى التاريخ القديم أو المعاصر، أو حتى الكتابة عن المستقبل. لا بدّ للكاتب الرّوائيّ من أن يلتزم بتقديم رؤيته عن العالم المحيط به من خلال روايته بالطريقة التي يراها مناسبة، وباستحضار الفترة الزمنية التي يراها ضرورية لإيصال رؤيته هذه.

الالتزام الوحيد الذي ربما على الكاتب الرّوائيّ العربي التمسّك به هو الابتعاد عن الكتابة السطحية أو المبتذلة عن الواقع العربي الحالي، والذي دفعت الشعوب العربية حتى اليوم ثمنه آلاف الضحايا والمنكوبين، والذين يجب على الرّوائيّ ألاّ يبتسر سيرهم الشخصية في كتابته الرّوائيّة طمعًا في ترجمة عمله إلى لغة ما، أو الحصول على جائزة معينة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.