لسنا كتلة واحدة
لم تعد هناك أجوبة قاطعة لديّ تخص القضايا الكبرى. قبل قيام الثورات وفي أوج قوتها كانت الإجابات بديهية جدا أقلامنا أسلحتنا في معركة التحرر ضد استبداد الأنظمة، نحن جنود معركة كبرى أمام عدوّ واضح. سقوط حكامنا بالتنحى أو القتل أو الهرب مع تخلخل الأنظمة ثم عودتها أكثر شراسة من ذي قبل بمباركة قطاعات شعبية كما حدث في مصر تحديدا أصابنا بالقهر. منطق السلطة الشرس والرجعي متغلغل في نفوس محكوميها أيضا بصور مختلفة دينية أو على هيئة أعراف مجتمعية أو على نطاق أضيق كالتسلط باسم الحرص الأسري. أفكار السلطة يتبناها جارك وأبواك ومديرك في العمل وزملاؤك يصرخون بها ليل نهار. شعور بالعجز هو كل ما يتملكك بعد فترات طويلة من الجدال والنقاش للدفاع عن قيم الحرية والعدل والجمال ثم الوصول إلى لاشيء، يتبعه إحساس باللامبالاة.
بحور الدم التي تحيطنا تشعرنى أحيانا كثيرة بسخافة المقاومة بالكلمة وعبثها، الحرب ليست عادلة أبدا، الخسائر طالت الجميع من رحل ومن بقي، لم يسلم أحد، لكن تنصيب نفسي كشاعرة مدافعة عمّن تعرضوا لتلك المآسي مثير للسخرية وتبجح في رأيى. الشعر لديّ أخذ مسارات أخرى غير المقاومة أصبح سبيلا للهرب من دوامات الدم وهيستيريا الجدل والآراء. الحروب تشتعل هنا وهناك وأنا في عزلتي أكتب قصيدة عن شال برتقالي أعجبني، في قصيدة أخرى أسبّ الحاكم مع الذباب للسخرية منه بروح طفلة عابثة تظن أن بهذا نالت منه لا بمنطق المدافع عن الحريات في مواجهة الاستبداد. الشعر صار سبيلا لسلامي النفسي أهرب به من الفوضى والتناحر للجمال والبراح. ولا أعلم إلى متى ستطول عزلتي تلك.
لم أعد أنتمي لأيّ تجمعات ولا يمكنني التحدث باسم الوطن وأبنائه أو باسم من يكتبون الشعر، لسنا كتلة واحدة.
