ليلى والذئب

ملهاة مسرحية معاصرة ذات فصل واحد
الاثنين 2021/11/01

إلى الأطفال الذين لا ينامون أثناء روي حكاية ما قبل النوم

 

مقدمة لا بد منها :

1

النص هو دعوة الى الحرية، دعوة الى المغامرة والنزوح نحو الاكتشاف لكشف المجهول، حتى تكتمل التجربة الإنسانية الفردية، وخاصة لدى الفرد العربي الخاضع والخانع لثقل الموروث  الاجتماعي و التاريخي والإنساني والثقافي العربي، الذي توقف عند الاتّباع ولم ينتقل إلى الإبداع، والذي توقف عن التطور منذ مئات السنين موقفاً معه تطور الفكر والتجربة وهذا مما جعل تجربة  العقل الغربي تسبقنا بمراحل.

إن الخروج عن المألوف وكسر العرف والتقاليد، هو بدع في مجتمعاتنا وينظر عادة للمتمرد أو المتمردة نظرة سلبية من عموم المجتمع بغض النظر عن موقف المجتمع الضمني من الفعل الذي اتخذه الفرد، وهو غالباً ما يكون فعلاً مشتهى من قبل المجتمع ككل .

فمثلاً إن اضطهاد شريحة من المجتمع السوري لأبي خليل القباني، واعتبار ما فعله من مسرح هو بدعة، يأتي من ضمن هذا السياق الذي تحدثت عنه علماً أن أغلب الحضور الذي واكب عروض القباني كان ينظر لما يفعله نظرة اشتهاء ورغبة في التقليد، ولكن النزعة التدميرية لكل ما هو ناشز عن المجتمع أو خارج السرب أو صاحب الريادة في كسر الرتابة الاجتماعية، والإتيان بما هو ترفيهي حصراً أي بما يشكل دعوة للحرية والانعتاق من المؤسسة.. هي ناتجة عن الغيرة وليس الحسد (فالغيرة هي محاولة للتشبه أما الحسد فهو ذو شكل تدميري للآخر) ومحاولة التشبه، وعند العجز.. يكون الحل هو قصم ظهر التجربة، والتخلي والتضحية بالنعجة الضالة ليستمر القطيع في نهجه الهادئ.

إن المجتمعات السكونية أي التي لا حراك اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا واضحا فيها، تكون عادة أقسى على أفرادها الناشزين من أفرادها المسيئين، فالمسيء يعاقب لفترة ومن ثم يعاد تأهيله، أما الناشز فتبقى التهمة ملتصقة به لأجيال، ولذلك فهي تعاقب المرأة المتحررة في مظهرها أو في سلوكياتها مثلاً، عقوبات اجتماعية قاسية تأخذ عادة شكل النبذ أو الإقصاء أو الضغط على العائلة  اجتماعيا، وأنا هنا لا أبرر للانحلال الخلقي، بل أدافع عن الحريات العامة والخاصة على حد سواء .

2

مسرحية

عادة ما تكون النعجة الضالة هي التي يأكلها الذئب بشكل أسهل وأسرع، ولكنها تتمتع بفردانيتها كحيوان، أو ككائن حي له مطلق الحرية في الحياة، تتمتع بمناظر الوديان والسهول بشكل أفضل ولو لحين .

بعيداً عن ضوضاء القطيع ومزمار الراعي وعصاه، ودونما شعور بالتنظيم القطيعي فالنعجة هي حيوان في النهاية وللحيوانات طرق وأساليب للدفاع عن نفسها، ولكن الإرادة الإنسانية دجنت هذه الأساليب وصادرت القرار الفردي لها مقدمة لها الحل بحماية أفضل، من الذئب.. لأن الإنسان هو من سيأكل النعجة في النهاية.. فالصراع في المحصلة هو صراع مصالح وليس عطفا وتفضلا من الراعي.

في النهاية تبقى الحرية مفهوما نسبيا متنازعا على حسمه، ويبقى الخيار الإنساني موجوداً لدى الفرد في رأسه ولكن كل ما هو مطلوب منا أن نحرر هذا العقل ليقف الإنسان أمام خياره الوجودي وحيداً دونما إرشاد أو دليل .

في هذا النص استندت على الحكاية الشعبية المعروفة عالمياً “ليلى والذئب” والتي رويت لكل أطفال العالم تقريباً مكرسة مقولاتها المبطنة في طاعة الأهل والخوف من الخيار الفردي واتّباع المجرّب .

لكنني قمت بعد التفكير بإعادة تركيب القصة وكتابتها من وجهة نظر محلية مستنداً على المفاصل الرئيسية في الحكاية ولكن بعد أن أزحت المفاهيم والمقولات عن مرتكزاتها لتتشكل مفاهيم جديدة لا أجزم بصوابها، ولكنني أجزم بضرورة تجريبها فإن فشلت أسقطت.

إن العمل هو ملهاة بسيطة لذا فإن الأداء يجب أن يكون أقرب إلى الهدوء وإلى الروي الهادئ، كمن يقرأ قصة لطفل قبل أن ينام، والطفل هنا هو الجمهور ولكي لا ينام ينبغي لكسر الإيهام أن يفعل فعله.

للمخرج الحق الأكيد في تحديد خياره الفني فهو صاحب القراءة الأخيرة للنص والتي ستتجسد على الخشبة. والمستويات في اللغة ضرورية للتدرج في الإيهام القصصي، من الحكاية الى الرواية الشخصية المعتمدة على تفاعل الجمهور أو الطرف الآخر مع الحدث المروي.. فالمستمع أو المشاهد يقترب من الشخصيات المتحدثة بالعامية حينما تتحدث عن نفسها في حالات البوح والتعري وتستمتع بإيهام القصة وكأن الحدث هو جلسة نميمة وتلصص، ولكسر الإيهام هنا دور محوري في جعل المشاهد يقارن القصة الأصلية مع القصة المروية ليستنتج التغير ومنه القصد من تبديل المفاهيم.

* * * * * *

المكان منقسم إلى قسمين؛ في الأيمن طاولة وكرسي وصورة لامرأة جميلة ومغرية، وفي الأيسر سرير بشكل عرضي وفوقه لوحة لرجل وسيم.

يفصل بين المكانين باب مفتوح.

تدخل ليلى إلى القسم الأيمن من الخشبة… تتمشى قليلاً في المكان ثم تشعل سيجارة وتبدأ التدخين.

في هذه الأثناء نسمع موالاً للرحابنة بصوت جبلي وقاس:

(عيني ما تدوق النوم يا ديب…. حاكمها قلق و نعاس يا ديب

غدي تسرح مع التنيان يا ديب…. وتفعل ما تريد و تشتهيه)

مع انتهاء الموال…

ليلى: أهلاً و سهلاً بكم..

لا أعرف كيف أبدأ… كونكم لستم أطفالاً، لكنني لن أدعكم تتخيلون كثيراً الحكاية وسأقص عليكم قصتي… قصتي مع الذئب أو قصة الذئب معي، أو قصة ليلى والذئب، ليلى التي كنت أنا… سأقصها تماماً كما هي، كما حصلت معي دون تزييف أو تعديل وهي كما تعلمون (تقترب من المنصة أكثر مخاطبة الجمهور بقرب أكثر مع ابتسامة خبث) قصة حقيقية!

سأرويها لكم كأصدقاء كبار… كبالغين، كي ترووها بدوركم وبطريقتكم إلى أطفالكم، لكنني عندما أرويها لكم لا أريدكم أن تناموا مطلقاً، لا أريدكم أن تسترخوا.. فأنا لا أرويها لكم قبل النوم، أريدكم أن تفكروا.. أن تقلقوا..

على كل الأحوال هذا ليس مهماً..

لذا سأدعكم مع خيالكم قليلاً… كالأطفال… لكن القصة ليست للأطفال، فقصة الأطفال سخيفة وهي بعيدة عن قصتي… أريد خيالا جديداً.

(تأخذ نفساً عميقاً من السيجارة.. تنظر للجمهور)

سأروي لكم قصتي معه… وأنتم تعلمون من هو، وتعلمون أنني كنت صغيرة وهو كبير… حتماً… في ما مضى وانقضى.

تقريباً كنت في السابعة عشرة من العمر، وكان يا ما كان… ليس هنالك من الفتيات الصغيرات من اللواتي عبرن هذا العمر لم يحدث معهن حدث يتذكرنه طوال حياتهن! أو بالأحرى ما يحصل مع الفتيات في هذا العمر لا يمكن لهن نسيانه  طوال حياتهن…

(تنفث نفخة دخان… وتتابع):

ففي هذا العمر لا بد للفتاة وفي صيف هذا العمر بالتحديد، من أن تتغير حياتها تماماً.. وإن لم… فما سيحصل معها سيظل محفوراً في قلبها الى الأبد…

بدأت القصة معي حينما كنت أنظف الحمام…

وأنا أكره كثيراً تنظيف الحمامات بالذات، لأني سأضطر لاستخدام الماء الساخن الذي يزعج كثيراً، حسب ما تقول جدتي: الجن والعفاريت، سينسلخ جلدهم وهم مستقرون في البلاليع، من شدة الماء الساخن وسينتقمون من الفاعل حتماً.

انحنيت فوق البالوعة لأنزع غطاءها وأنا أبسمل وأتعوذ اتقاءً للجن فوقع!

وقع خاتمي مني.. من يدي، انزلق بفعل الماء والصابون على يدي…

واندلق الماء الساخن حول المكان.

(قدم هذا العرض في دمشق، إخراج باسم عيسى، سنة 2008)

سقط خاتمي الذهبي في ماء المرحاض..!

يا الهي كم أكره المرحاض..! رأيته:

كان واضحاً لي بشدة.. يلمع.. إنه في الأسفل…

كان المكان نظيفاً…

وكنت أعلم أن الماء نظيف لكنني لم أستطع أن أمد يدي وأنتشله من تحت…

كنت خائفة.. كان الماء مضطرباً، وعلى سطحه صور تتماوج… خفت.. دمعت.

(يدق الباب.. تنهض ليلى بهدوء و تفتح الباب، فيدخل رجل يلبس بذلة أنيقة.. لكن رأسه هو رأس ذئب، يدخل ثم يجلس على الكرسي في عمق الصالة…)

(ليلى تستل سيجارة من جيب الذئب العلوي ثم تكلمه):

قبل أن تبدأ القصة.. لا بد لكم من أن تعلموا ماذا قال أهل أول لي.

(الذئب معلقاً على طريقة حديثها):  ليش هيك عم تحكي؟

(ليلى متابعة):

… وكما تعلمون أيضاً أهل أول ما تركوا شي إلا وقالوه… وبتعرفوا كمان

(ليلى للذئب وبعد أن تخلت عن اللغة الفصحى): هيك أحسن ما!!

أهل الآخر نحنا… كل شي بنسمعوا من أهل أول… بنسمعوا بس (الذئب يهز رأسه برضا عن استخدام  اللغة العامية) وما بنفهموا لحتى نجربوا… إيه هي حال الدنيا…

(تلتفت إلى الذئب)

أمي قالتلي بزمانها وما بعرف ليش… قالتلي وقت كنت صغيرة وبيتنا كان كبير ومعبا بالخيرات والشجر والورد… قالتلي: يا بنتي أهم شي النظافة… اعملي كل شي… كلي كلشي… كلشي! البسي كلشي! اشربي كلشي..! كلشي بدك ياه بس شرط يكون نظيف! ولا تاكلي شي من السوق..! أبداً.. أبداً..!

اغسلي ايديك ووشك… وديري بالك من شغلتين: الكرز والرمان… وصارت تبتسم… يخرب بيتهن هالأكلتين شو بيدبغوا… لا تنقطي كرز على حالك لأنوا دم الكرز مابيروح والأواعى بتندبغ مرة بالعمر، وخلصنا ماعاد فيه رقع أو قص أو أي شي خلص… بيظل اللون معلق على الأواعي البيض… بيدبغها دبغ وما بيروح بالغسيل…

وأنا بالفعل، من يومها بطلت آكل كرز بالمرة… كنت بحب اللون الأبيض، القطن الأبيض، كل شي أبيض، كنزاتي وبلوزاتي كلها بيضا ما دبغت بحياتها.. خفت من الكرز يلوتها (الذئب يهز برأسه ساخراً) وهداك يوم وهادا يوم…

* * * * * *

(تتقدم ليلى من أول الخشبة وتسحب كرسيا، ثم تجلس عليه وتتابع):

حاولت تلات مرات أني مد إيدي عالخاتم… بس قرفت من المرحاض…

يا الله بس هادا خاتم خطبتي وستي نقتلي ياه…

حاولت… بس في شي! مدري شو هوه؟ منعني وخلاني وقف أتفرج عليه وهوه بالمي..!

طلعت على جنينة البيت، شم هوا وفكر… بركي بيصفى ذهني وبعرف كيف بدي لاقي حل لها المشكلة… بس وقت رجعت عالحمام، تفاجأت بجدي طالع من الحمام و كان صوت مية السيفون متل الشلال بأدنيي…

انصعقت… انصدمت… كنت رح أبكي من فكرة أنو الخاتم راح مع الل……!!

بس الحقيقة كانت أنه..: جدي عملها على خطبتي…!

بس أنا ما حاكيتو ولا كلمة، حتى أنو هوه تفاجأ لردة فعلي وقت شافني… فكرني تضايقت من أنو فات على التواليت مباشرة بعد ما نضفتوا؟

مسرحية

(صمت)

قعدت بالجنينة… موسيقى غريبة جداً.

سكرت أدنيي بادنيي.. رجعت جناحات أدنيي لأدام، و سكرت مجرى السمع من الغضب.. (تغلق أذنيها).

(صمت) سمعت دقات قلبي (نسمع صوت دقات قلب).

سمعتهن.. دقات قلبي.. وحسيت، شي سميك أسود عم يتدفق جواتي…

(صمت)

بس هادا مو مهم.. (تعود لحالتها الطبيعية)

هادا مو مهم.. أو مو الأهم…. اللي صار بعدين هوه المهم، بهداك اليوم

اعتبرت اللي صار هوه علامة… إشارة إلهية بأنو أفسخ خطبتي… وفسختها… خصوصاً بأني بآمن بجدي واحساسو..

على العموم… أنا ما كنت حابة خطيبي وقت قررت أخطبه.. وللصدق حتى بعد الخطبة، وقت كنت شوفه… قلبي بصراحة ما كان يدق من الفرح… كان يدق من الخوف و الترقب… كنت قول: لك معقول أنا أربط حياتي مع شخص مجهول ما بعرفه، لك حتى ما تعرفت عليه… عرفتني عليه أمي..

قالت لي:  لك هوه وسيم… لأ لأ جميل!

لك هوه غني… لأ لأ ثري!

لك هوه جامعي… لأ لأ مثقف!

لك هوه ذكي…. لأ لأ عبقري!

لك هوه يسر….لأ لأ مطيع… تخيلي يا ماما!!

كل الصفات الحلوة فيه من الألف إلى الياء.

 

(تخاطب الذئب): بس أنا مع كل هالشي وافقت… بس ما حبيته… كان بدي رجال وحش.. يصرّخ عليي وقت كون مالة ونكدة.. مو يركع تحت رجليي ويراضيني.. يحبني وقت ما كون طايقتوا! مو يقلي ok حبيبتي.

على كل الأحوال (تخاطب الجمهور) طق عرق الجنان بالعيلة.. أمي.. أبي.. أخواتي… ستي… الكل حتى جدي اللي كان إلو الفضل بتركي لخطيبي.. زعل..

تخانقت معهن كلهن… وتعايطنا.. وطلعت من البيت لأتمشى شوي، لبست الجاكيت الجوخ الأحمر تبعي… ما بعرف ليش هيك صار.. يمكن صدفة… يمكن لأنو هدية من ستي، ومشيت بالشوارع… حتى وصلت عالجنينة…

(يتقدم الذئب من أول الخشبة)

الذئب: كانت السما رمادية… من كتر الغيوم.. حتى أنك ما قدرتي حتى تستمتعي بالشمس.

كان بدك تشعلي سيجارة بس ما قدرتي، خفتي من نظرات الناس… كنتي وحيدة… والكل كان عم يتطلع عليكي..

ليلى: فستاني الأحمر كان النشاز الوحيد بهديك اللوحة… يا إلهي قديش كان هداك النهار حلو… (تستدرك) طيب رح كمل…

فجأة شفت شب مشي من قدامي وعم يتطلع عليي.

الذئب: كنت شايفتيني وأنا فايت من باب الجنينة…

ليلى: لفتت نظري أنت وقتها شوي… بس صدقوني أبداً ما اهتميت.. أبداً…

تهيألي أنو بشع… لأ… مسكين.. عادي كتير… نحيف كتير ومعضم ووشو عريض وألو دقن خفيفة…

الذئب: كنت لابس قميص رمادي وبنطلون رمادي أنيق كتير..

ليلى تهز رأسها: أيه.. بعتقد أنه يومها كانت أناقتك شوي جذابة.

مشي من جنبي مرة تانية…

الذئب: درتي وشّك..

ليلى: مريت من قدامي مرة تالتة ورابعة وخامسة… بعدين استندت على شجرة قريبة من كرسيي.

الذئب: درتي ضهرك كلياً عني.

ليلى: حسيتك غليظ… سمج.. متطفل… بينما كانت النسوان والولاد والرجال عم يتسلوا ويتغدوا ويطعموا بقايا أكلهم للبطات والكل بهدوء كل واحد بشغله.. إلا ولد صغير كان عم يبكي كتير وما بعرف ليش، بدون ما يسكت.

الذئب: كنت أنا الوحيد، اللي بدي أتطفل على الشخص الوحيد بها العالم.. اللي بهداك الوقت، ما بدو حدا يتطفل عليه..

ليلى: فجأة حسيت برشقات مي على رقبتي وشعري، بالبداية فكرت السما عم بتشتي.. لأنه الغيوم كانت كتيرة !؟

تطلعت عالأرض، كانت ناشفة ولساتها رمادية وأبداً ما تنقطت بالأسود.

(أثناء كلامها يحمل الذئب بخاخ ماء و يرشها ويبتسم)

ليلى :رجعت نقط المي من جديد على رقبتي وشعري مرة تانية.

التفت بسرعة لورا، فشفتك حبيبي واقف ورايي… كان شكلك كتير غبي وأحمق..! (تبتسم له فيبتسم لها).

(بغضب شديد): كان عم بيرشني بالمي… يا الله وجن جناني… وتلبست أمي وصرت متلها تماماً.

(تلتفت نحوه، وبصوت عال توبخه):

العمى شو وقح… العمى شو غبي.. عديم المسؤولية.. شو مفكر حالك عم بتساوي عم تتهضمن يعني، العمى شو غليظ وبلا مربى (تخرج من الدور وتبتسم له).

(الذئب يبتسم).

ليلى: كنت فعلاً.. (تتردد في قولها) غليظ…!

الذئب: آسف… صدقيني… آسف.. اعذريني..

شفتك قاعدة لحالك… قاعدة ومالة… عم تفكري وتفكري وتفكري بشي يمكن عم يزعجك… فحبيت شوي أني خلي الأمور رومانسية…

لأنو إذا ما مطرَت… فأنا بخليها تمطر عليكي وألك بس.. مطر خصوصي إلك.. خصوصي لحبيبتي.

(ليلى تهمس للجمهور): وقت قالها… حسيت بكركرة صغيرة، بأعلى راس بطني.. وحسيت بشوية طمأنينة.

الذئب: بس إذا مو جاي عبالك… بروح… طيب… رح روح.

ليلى: شو ما عندك أخوات أنت، العمى ليش هيك عم تعمل مع بنات الناس.. (للجمهور) وضليت ساكتة مترددة… عم شوفه وهوه رايح وعم بيبعد.

(تسمع من بعيد أصوات أبواق سيارات وأهازيج عرس شعبي من العراضة الى الزغاريد والدبكة)

(الذئب يهدأ قليلاً ثم وفي حالة بوح).

الذئب: رحت ومشيت بس وأنا ماشي تذكرت قصة أختي الكبيرة وقت تزوجت فتحي، وأختي أكبر مني بشي سبعة عشر سنة، يعني هية هلق عندها ولاد وأحفاد حتى… لما تزوجت هي، أنا كان عمري شي سبع سنين تقريباً، وكان البيت كله يوم العرس قايم قاعد، وما في حدا عم يسمع لحدا، الكل مشغول، شي بالفستان وشي بالأكل وبالسيارات.. والخ

وكنت أنا متل الحشرة هداك اليوم، ما كان في حدا منتكش فيني، وأنا اللي كنت الصبي الوحيد على خمس بنات والمدلل يعني آخر العنقود والسكر المعقود، حسيت في شي غلط في شي مو صح، كنت رح أبكي قالتلي أمي هاد صحن الفواكه بينحط قدام العرسان على الطاولة وكلوا كرز وخوخ والذي منه، بس قالتلي أوعك تاكل منو وتدبغ حالك لأنو بدي أخلص بواحد بس اليوم، كيف اتنين، أكيد أختك راح تدبغ كل أواعيها وفستانها الأبيض وقت ترقص هيه وعريسها الله يخليك دير باللك… ودارت وشها وطلعت وقفت على درج السطح، وعيونها عم تدمع وبلشت تبكي… أنا يا لطيف حسيت في شي كتير كبير اليوم بده يصير، وقلبي كان حاسسني، رحت لأتأكد وأخد الخبر اليقين من بابا، فتت لعنده قام دار وجهه فوراً وقللي الله يخليك يا أبي روح من هون، وحسيت كمان في دمعة بعينه.. أنا جنيت وطار عقلي ركضت لعنده ودرتله وجهه، قلت له: بابا شبك، قام ضمني وقللي: يا دياب، لك هي أختك هي… هي بكريتي ما بقدر.. ما بقدر..!

حملت حالي ونترت من بين أيديه وطلعت على الحارة، وأنا عم ببكي حسيت أختي رح يصرلها شي مع هاد فتحي الكلب..

وأنا قاعد، اجوا لعندي أولاد الحارة الصغار.. وكانوا زعران من الطفولة يعني، قرب مني جادو وقللي شو يا وعل.. كيف أعصابك اليوم…

قلتله ليش، قال وبلهجة فيها كتير حس المؤامرة: يعني اليوم أختك رايحة من عندكم لعند فتحي… وفتحي كان بالحمام اليوم وحلق شعره وكوى تيابه وقصقص أضافيره، يعني هوه جاهز…

قام أنا وقفت وصرخت بصوت عالي: ليش! قام قال: يعني! جاهز لياكل اليوم..!

وهرب وما عاد بيّن، وأنا انهرت على ركبي، وعيوني كلها دمع، وصرت من بعيد اتفرج على العرس، أمي واقفة عم تبكي وأبي داير وجهه وهنن عم يودعوا أختي.. قام مسحت دموعي، وقررت انو أنا تاني يوم رح روح وشقله بطنه لفتحي وطلع أختي من كرشه البشع..

مسرحية

(يصمت الذئب قليلاً ثم تقترب ليلى منه وتضمه بحنان)

ليلى: وتاني يوم أكلت أتلة مرتبة من أبوك لحد ما فهمت القصة..

(ينظران الى بعضهما البعض،ثم تتجه ليلى نحو الجمهور وتتابع)

ليلى: وقت راح  العرس وراح هوه حسيت بالملل أكتر، ما في حدا حاكيه، يا ريته  ما حاكاني… ما فيني دخن ولا أعمل شي… فتحت شنتايتي، طلعت كيس الأكل اللي أعطتني إياه ماما الصبح لآخده لستي، بس المعركة الصباحية.. خلتني أنساه، تطلعت عليه، فوراً حسيت بالجوع، أخدت سندويشة، وبلشت آكل…

الذئب: بعدين قعدت تفكري وتفكري وتفكري.. بكل اللي عملتيه يومها.. حتى نمتي.

ليلى: إيه نمت… بس ما بظن أني نمت كتير.. بس اللي بتذكره أني فقت وشفتك قاعد جنبي على نفس الكرسي…

(تنظر للذئب): يعليك شو كنت وقح (تبتسم له).

ليلى: وكان قاعد عم يخلص أكل ستي،  بكل نهم وجشع ولؤم.

(يجلس الذئب على الكنبة بجوارها… يضع يده خلف ظهرها بحركة تودد بينما هي تبتسم له)

* * * * * *

ليلى: صرخت عليه… قلت له: (تخاطب الذئب): كيف بتتجرأ يا سيد.. أنك تقعد على مقعدي… وبكل صلافة ووقاحة، أنك تمد ايدك على كيسي.. كيس الأكل تبع ستي وتاكل منه، وأنا نايمة.. وقمت وطلعت من الجنينة.

الذئب: إيه صحيح… ووقت كنتي عم تقومي… قلتلك بصراحة قديش جاكيتك الأحمر القصير لابقلك..

(ليلى تبتسم له): ايه بس أنا طلعت معصبة كتير…

* * * * * *

ليلى: بعد يومين أو تلاتة وكانت حالتي النفسية هي هي، ما تغيرت.. قررت أنو أطلع لبره وروح أتمشى مرة تانية… كان الشتي ذاته.. والغيوم متل ما هيه واقفه بمكانها… وأنتوا بتعرفوا… الرمادي كلوا بيشبه بعضه, وأنا ملولة.. كان بدي إلبس الجاكيت الأسود تبعي اللي اشتريته قبل يومين أو تلاتة لأنو أنا ما برتاح بهيك حالات.. يعني حالات الوحدة والعصبية الكبيرة، والإحساس بالفراغ… إلا بالتعويض… التجميل…أو التسوق… إذا بدكن.

مشان حس حالي جديدة… وما مرق عليي الزمن… ففتحت الخزانة (تتجه نحو الخزانة تفتحها تمسك المعطف الأسود).

الذئب بهدوء: بس الجاكيت الأحمر بيلبقلك أكتر أنا بحبه…

(ليلى تنظر إلى الجمهور): وأنا كنت معصبة كتير وقررت ألبس الجاكيت الأحمر.

ووقت طلعت من البيت، عرفت أمي أني رايحة لأتمشى… فعطتني كيس الغدا وطبعاً طبعاً معه كتير نصايح.. وشوية لوم لحظها النحس معي، ولوجودي على قيد الحياة.. ورحت أتمشى، اشتريت خاتم ماشي حاله لأيدي وخلخال حلو لرجلي، ولحالي.. والله وكيلكن لحالها رجليي أخدتني على نفس الجنينة، ورحت قعدت على نفس الكرسي.

(الذئب يخرج بخاخ الماء و يرشها).

الذئب: يومها رشيتك بالمي بس من باب المداعبة.

ليلى:إيه حبيبي (يجلس بقربها).

(يدخلان بالدور) ليلى (بحزم): نعم شو بدك، شو بتريد… يا الله..

الذئب: ولا شي… عن جد ولا شي… بس شوي اشتقتلك.

ليلى: اشتقتللي!… أنا بعرفك شي!؟ أنت بتعرفني شي؟! لك العمى منين جايب هالجرأة والوقاحة..! (تنتحي بوجهها وتهمس): بس بتعجبني..!

الذئب: ولو…أنا اسمي دياب… أنتي ما بتعرفيني أبداً… بس أنا بعرفك.. منيح  حتى أني جايبلك هدية من يومين…. بس أنتي ما أجيتي…!

ليلى: هدية…. ليش؟

الذئب: مو لشي… هيك تفضلي… خاتم… على قياس إصبعك.

(تبدو ليلى مصدومة)

ليلى (تخرج من الدور): بتعرف أني أخدت الخاتم بس لأني كنت مصعوقة للصدفة الفظيعة… وووو كيف قدرت تقرا أفكاري؟!

الذئب: وعجبك وقتها ؟!

ليلى: كتير… بس رجعتلك ياه..! كنت خجلانة.

الذئب: طيب متل ما بدك!

(ليلى تطرق برأسها).

الذئب: حاسس أنك ما عم تقدري تتحركي من كتر المشاكل اللي حاملتيها… واللي ما عم تعالجيها وبس عم تهربي منها.

لا تخافي مني اعتبريني حدا بتعرفيه من زمان وخلينا نحكي.. يمكن ترتاحي، وإذا ما ارتحتي فما في مشكلة… لأنك بتكوني حكيتي مع شخص يمكن ما تشوفيه مرة تانية.

(ليلى تنظر إليه بتمعن): ليش بتضل حامل بخّاخ مي دائماً معك…؟

الذئب: أنا بشتغل بمحل الورد.. هداك… تخيلي أنا بكل هالحجم وهالشكل، بشتغل بمحل ورد…

(يرشها بالماء، فتضحك)

الذئب: وبتعرفي نحنا بمحل الورد ليش بنرش الورد بالمي…؟

ليلى: ليش ؟

الذئب: مشان ينتعش ويزهزه ويرجع نضر وتفوح ريحته الحلوة

(ليلى تبتسم للمجاملة وقد فهمت ما يقصد..).

(الذئب مخاطباً الجمهور): وضلينا عم نحكي مع بعضنا البعض شي ساعتين وبعدين حكينا كل شي عن حياتك..

ليلى: بتعرف أني حبيتك هداك اليوم… حسيت حالي بعرفك… من زمان.

الذئب: شو اللي عجبك فيني بالتحديد…؟

ليلى: ما بعرف… أول شي أناقتك… وبعدين حكيك… ثقتك بحالك… هدوءك، اتزانك.. كنت عم تقرب مني وتشدني لعندك.. وكأنك بتعرف أني رح أنشدلك (تضع يديها على وجهها): كنت بتجنن.

قبل ما أتعرف عليك ما كنت عرفانة أني رح أنشد… لواحد متلك.. كنت مفكرة أنه فتى أحلامي.. غير شي تماماً.. ناعم حلو.. (ينظران إلى بعضهما البعض بحب ثم يتوجهان إلى الجمهور)

ما كنت مفكرة أبداً أنه أنا أعجب بوجه متل وجهك… تقاطيع وجهك كتير قاسية.. وتمك.. هيك معبى.

الذئب: كبير… مشان بوسك.

ليلى: عيونك كبيرة… وحواجبك كثيفة..

الذئب: واسعين مشان شوفك منيح وأتفحصك.

ليلى: أما أنفك.. صخري.

الذئب: منحوت كبير.. لشم ريحتك.

ليلى: حتى راسك… ضخم وشعرك طويل.

الذئب: غجري بري مشان تحضنيه بأيديك.

ليلى: ومنلك هالجسم النحيل.. متل الرمح.

الذئب: من الطبيعة.. ومن البراري… بعيد عن المدن والحارات والبيوت والقوانين، ولدت وكبرت بالغابة، لحالي بدون ما حدا يهتم فيني، متل الوحوش.. اعتنيت بحالي وربيت حالي، أبي وأمي ماتو واخواتي تركوني مع شوية مصاري … ودارت في الأيام.

حتى وصلتلك، وكنت عرفان أنو رح أوصّلك… يتيم عشت ويتيم كبرت.. (يقف ويشدها نحوه ويخاطبها) وكل ما حدا يحطني بمدرسة، يخافوا مني الآنسات والولاد… ولد صغير …طالعلو سنان، وأنيابوا كتير كبار… يخافوا ويضربوني، ومن مدرسة لمدرسة، صار اسمي دياب، وفي عالم بيقولولي ديبو، وعالم ديب.. وعلى كتر الضرب وأنا زغير دجنوني، وصرت ديب بيشتغل بمحل ورد.

ليلى: بس خلص بس (تضمه إلى صدرها بحنان) (صمت ثم تتابع):

وبقينا نحكي ونحكي ونتمشى، مشينا يومها لساعات تحت الغيم… السما ما شتت يومها، وشربنا الشاي بالقهاوى، وقعدنا على الأرصفة.. اشتريتلي ورد أبيض بجنن… يا الله أسرتني يومها..

كل العالم بيقولوا خسى الديب.. لأنهن ما بيعرفوا الديب منيح… يمكن أنا عرفتوا… يا ترى حدا منكن شي مرة راح لعند الديب وطلب منو طلب… أنا رحت… ولباني…! حسيت بالحب وقلبي لأول مرة بحياتي دق…

الذئب: خليتي أضافيري تروح، بس بنفس الوقت حسيت حالي جوعان… جوعان كتير..!

ليلى: يومها أنا تبدلت… انقلبت… حسيت حالي كبرت، حسيت بأنوثتي… كان يوم تاريخي بحياتي… تبدلت حياتي.. نظرتي للأمور وللعالم اللي حواليي، صرت حس العالم كلوا كلوا تبدل.. العالم أحلى والناس أطيب… غفرت لكل الناس، وسامحت كل اللي عامل معي شي، مخي ما كان هون كان بمكان تاني مع حبي الأولاني!

(تنظر إليه): تبدل بفضل حبك..!

(من سقف المسرح ينزل فوقها آلاف الزهور الحمراء أثناء حديثها التي تغطيها بسعادة تامة وشعور بالفرح… بينما الذئب يراقبها بهدوء).

* * * * * *

ليلى: ومرة من المرات بعتتني أمي.. بمهمة خاصة… قالتلي خدي هالكرزات لعند ستك… بتعرفيها كبيرة بالعمر وضرسها ماكن ونفسها خضرة وبتحب مربى الكرز كتير… بس أوعك يا أمي تاكلي منهن هدول مستويين كتير وما بدي ياكي تدبغي تيابك بدمهن.

لا تطلعي بالباص، خدي مصاري وروحي بالتاكسي.. أسرع… أنت كبرت وصار بينخاف عليكي، بعدين ما بدي العالم يدفشّوكي أو شي حدا غليظ يوقعلك الكرزات وتلوتي تيابك.

والله قلتلها حاضر.. وبتعرفوا كلام الأمهات دايماً لازم ينكسر… والأم حكيمة لأنها من أهل أول، والبنت شقية لأنها من أهل آخر! وعم تكتشف.

المهم حملت الكرزات ومريت لعند دياب على محل الورد شوفه….

الذئب: طلعنا وتمشينا … نزلنا على وسط البلد اشترينا لبعض خواتم نحاس من على البسطة… مشينا ومشينا… فتنا عالسينما لنشوف فيلم لعبد الحليم حافظ وكلمة مني وكرزة منها وكرزة مني وكلمة منها… خلصنا الكرزات كلهن ولوتنا أواعينا واندبغت شفافنا… وأصابيعنا بدم الكرز اللي ما عاد يروح وصار لون شفايفك أحمر متل النسوان وقت يحطوا حمرة ومكياج… وما كان يخلص الحكي… طلعنا عالشارع .

كلمة مني وكرزة منها وكرزة مني وكلمة منها..

(يفتحان علب مربى الكرز ويبدآن بتناوله باليد، ورويداً رويداً تزداد طريقة أكل المربى لتصبح أكثر لعبية، فيبدآن برشق بعضهما البعض بالمربى، وتزداد ضحكاتهما ويزداد اللعب في مشهد إيقاعي ولعبي جذاب بصرياً ،حتى يلوثان ثيابهما بالكامل باللون الأحمر ومع انتهاء اللعب  بالمربى يكتشفان أن لونهما قد أصبح أحمراً بالكامل).

ليلى: وصلنا لعند ستي… ما معناشي… تعبانين من المشي.. بطنك عم يوجعك من كتر الكرز.. وكنزتك مدبغة بالنبيدي الغامق. وأنا سناني صار لونهن أحمر متل الدم (يضحكان)

ليلى: يومها كتير حبيتك كان حديثك حلو… وكتير رومنسي… فعلاً الحجر اللي ما بعجبك بيفجك.

الذئب: فعلاً أهل أول ما تركوا شي ما قالوه (يضحك).

ليلى: وأمي أهل أول… وأنا ما سمعت شو قالتلي.. وما عاد عرفت شو بدي أعمل..

(تخاطب الجمهور): لوتت حالي بدم الكرز… شو بدي قول هلق لستي… ل التيتة…

الذئب: يومها بكيتي كتير… كنت خايفة وعيطتي عليي، كأني أنا بس اللي أكلت  الكرز وهربنا.

ليلى: كنت خايفة منك… خفت أنك تتركني.. أو أنك ترمي الخاتم اللي عطيتك ياه أو أني وقّع الخاتم اللي عطيتني ياه وضيعوا… تذكرت قصة التواليت والخاتم..  وصرت أحلم وأنا فايقة،شفت خاتمك مرمي بالمي النظيفة وأنا ما عم بقدر جيبو.

الذئب: قديش أنت ساذجة..!

مسرحية

(تنتقل ليلى إلى الطرف الآخر من المسرح بينما يراقبها).

ليلى: رجعت عالبيت بهداك اليوم.. وكانت أمي عم تغلي المعود ومشغولة.. أما أبي فكان عم يتسلى و ينظف بارودته تبع الجيش القديمة… أخذت أمي على جنب وقلتلها كل شي، قلت لها أني بحبك وأني بعد اليوم مالي قدرانة عيش بدونك فقالت لي: وهوه بيحبك؟ بدو يتجوزك؟ شو بيشتغل؟

ليلى: ما قدرت وقتها جاوبها بشي… كنت فعلاً مالي قدرانة حدد مشاعرك تجاهي.. وما جاوبتها بشي… قام حست عليي…!

(في المقاطع القادمة، على لسان شخصية الجدة  تتحدث الشخصيات المستحضرة بطريقة الخطأ في ضمائر المذكر والمؤنث أي مثل اللغة التركية التي كانت متداولة منذ زمن لدى المسنين، وذلك لخلق أسلبة مسرحية في البنية الحكائية في السرد)

صارت أمي تبكي.. وقالتلي: أنت غلطت.. أنا بعرف من شكلك من صوتك من حركاتك..

ضربتني كف، وقعدت تندب حظها.. وتقول البنت بتجي وبتجيب بلاويها معاها..

إيه… الله يلعن البنات ويلعن خلفتهن..

وبدت تهددني.. شي أنو بدها تحبسني، وشي أنها بدها تقول لجدي يحاسبني… لأنو أبي ممكن يرتكب جريمة فيني.. وصارت تحكي معي متل ما أمها بتحكي معها.. (الأم مقلدة الجدة): أنت حوماره كيف بتسمعي كلامها… كلامها كلو كذب بدها تلف وتدور لحد ما تاكل عسلاتك… بعدين اسمو دياب في حدا بالعالم بيسمي ابنه دياب….

وحبستني أمي بالبيت، لا طلعة ولا فوتة، ولا حتى على جنينة البيت… التلفون ممنوع والتلفزيون محرومة منه… صارت حياتي جحيم… فقررت أحبس حالي بالغرفة.. لا أكل ولا شرب… قعدت بالتخت شهر، وشوي شوي غبت عن الوعي وكنت رح موت من الجوع.. دبلت متل الوردة اللي بدون مي… وأمي وأبي جنو وصارت أمي تبكي طول الليل وتقلي الله يلعنه شو عمل فيكي؟ شو سحرك؟

وكنت أنا عم فكر فيك (تنظر إليه وتبتسم).

زارونا الجيران وقالتلن أمي شو صاير معي… فقالولها.. هي أكيد راكبها جني أو متلبسها شي عفريت!! مدري شو الله يستر… وقامت الدنيا وقعدت… وصارت أمي تقللي.. مستعدة أعمل أي شي بس كلي شي .. أي شي..

قلتلها وأنا دايخة: بدي روح لعند ستي…

وهادا اللي صار.. أمي وأبي أخدوني لأقضي فترة نقاهة ببيت ستي… بركي برتاح وبغير جو.. وبكون تحت إشراف ستي من جهة تانية .

الذئب: هديك كانت فترة كتير رائعة …

ليلى: طبعاً يا خبيث… ستي كبيرة روح قلبها النوم.. وأنت استغليت هالشي وصرت تنط كل يوم لعندنا.

الذئب: كنت روح كل يوم لبيت ستك (ينتقلان إلى القسم الآخر من الخشبة) ونقعد وناكل ونشرب.. نضحك.. نفتح براد ستك ونبلش ناكللها أكلاتها…

على فكرة ستك بتطبخ أكل بيجنن وأكتر شي معلمة فيه هو المربى.. وأنت بتعرفي أنا روح قلبي الحلو.. خصوصي مع الزبدة والسكر.

ومن ورا أكلاتها لستك صرت حبها.. لأنه كان عندها كنز من المربى… بغرفة المونة كانت مخزنة رفوف من المربيات… وقتها قلتيلي: الك عندي مفاجأة وأخدتيني عالقبو تبع ستك… وهنيك فتحنا قطرميزات المربى وصرتي تطعميني بايدك لحد ما دخت… وفجأة سمعت صوت حركة فوق… كانت ستك.. سمعانة صوت وجاية لتشوف..

ليلى: قلتلك خود لبيس عبايتي مشان تتخبى فيها.. وفجأة انفتح الباب

وطلعت ستي: قالت : مين هون.. شو فيه شو عم يصير.. شو يا ليلى؟ شو عم تعملي هون؟

الذئب: كيف حالك يا ستي ..؟

الجدة: منيح.. الحمدلله ..!

(ليلى تبتسم)

الجدة (تنظر اليه بتمعن): وليش هيك شكلك بيخوف يا بنت؟

الذئب: ما بيخوف بس الدنيا عتمة..!

الجدة: وليش تمك كبير..؟

الذئب: مشان بوسك منيح يا تيته..!

الجدة: وليش ايديكي كبار كتير؟

الذئب: مشان شيلك بقوة واحضنك يا تيته..!

الجدة: وليش عيونك كبار كتير؟

الذئب: يبتسم.. مشان شوفك منيح وأتملاك يا تيته..

ليلى: وشعلت ستي الضو وشافت هديك الشوفة، شافتك لابس العباية تبعي وأنا واقفة بالزاوية عم اضحك…

الجدة: أنت شو عم  تساوي هون.. أنت مين فوتك لهون… (يستغرب الذئب) وأنا عم قول لحالي مين عم يسرقللي صواني المربى اللي بعملهن.. وياكلهن

الذئب (بصوت خفيض): ليش إنت قدرانه تعملي شي؟

الجدة (تبدأ بالصراخ): يا سراق يا حرامي.. يا عالم يا ناس.. أمسكوه.

الذئب (بغضب شديد): إيه طولي بالك… أي شو أكلتك الك..؟

الجدة: يا حرامي… أنا بعمل المربى مشان الشتي وأنت جاية عم تاكلهن هلق.. عم تسرقهن.. أمسكوه… حرامي!

ليلى (تحرج من جدتها): يا ستي.. إيه شو عمل يعني.. طولي بالك..

الجدة: لأ ما بدي طول بالي هيدي مو حرامي هيدي ديب..! هيدي مو انسان هيدي حيوان شوف سنانو كيف لونهن..!

(الذئب يغضب بشدة بينما ليلى تخاطب الجمهور): وكأنو سنانو هيك من كتر أكل الكرز …دبغوا (تعود للمشكلة).

الذئب: ذكرتني بأيام المدرسة والتشرد ودقت في الحيونة عن جد فقلتلها: طيب موهيك عم تقولي، أنا بحبها وبحبها وبحبها وهي متل مرتي (يذهب نحو عبوات مربى الكرز فوق الرف ويفتحها ويبدأ بالتهامها أمام الجدة ويحتضن ليلى ويقبلها ويطعمها المربى بيده): دوقي حبيبتي دوقي، طيب مو؟

(ليلى تبدو محرجة جداً أمام الجدة لكنها لا تستطيع المقاومة أبداً الجدة تنهار من الغضب بشدة وتبدأ بالصراخ): الله لا يوفقك يا حمارة يا حيوان أنت أكيد جنيت شو عم تعملي أنتي.

ليلى: أنا

الجدة: لأ أنتي.. ذئبة.. ذئبة!

(ومع ارتفاع أصوات الشجار يدخل رجل ضخم جداً هو والد ليلى فيسود الصمت ما عدا صوت بكاء الجدة بينما تبتعد ليلى عن الذئب)

ليلى (إلى الجمهور): هادا بابا… متل ما قلتلكن كان يحب ينضف بارودتو دائماً لأنو ما بيعرف ايمتى بستخدمها.. (الوالد ينحني للجمهور ثم يعود): مين أنت ولاك.. وشو عم تعمل هون؟

وأنت وليه ليلى أنا بفرجيكي تركتك ببيت ستك مشان تتربي طلعت عم تشوفي حيوانات من ورايي.. انقلعي علبيت.. وحسابي معك بعدين.. (تركض ليلى وتختبئ خلف الباب بخوف).

الوالد: مين أنت يا أخ بقدر أفهم (يلقم البندقية)؟

الجدة: هي حيوان.. حيوان متوحشة، انتبه منو أخدتلك بنتك وكان بدا تبلعلك ياه.. مو بس هي وأنا كمان.. (تنهار بالبكاء) وأكللي كل الكرز تبعي وتبع بنتك.. حيوان

(ومع كلام الجدة يزداد غضب الأب بشدة يحمل البندقية ويتقدم نحوه)

الوالد: وأنا اللي رح أعملوا أني رح بزقك الدم وخليك ترجع كلشي أكلته  أو أني شقلك بطنك وطلع كل شي جواه…

(يختفي الرجل والذئب في الداخل وتختفي الجدة من الجانب الأخر)

تتقدم ليلى إلى الأمام إلى مقدمة الخشبة..

ليلى: وهيك كشفنا البابا.. وعرف كل شي بيناتنا..

قام فعلاً بزقوا الدم لحبيبي وخلا يندم على الساعة اللي تجرأ فيها ولمس شي مو ملكه متل ما قال.

بس أنا بحبو، دارت فينا الأيام ودارت ورجعت روح من الطريق الطويل لأنو في مناظر أحلى وبيخلي الواحد يتعلم أكتر، حبيت طريق الباص لأنو ما بحب التكسي ما بعرف ليش… وشفت كتير عالم ورجعت شفت حبيبي مرة تانية بالصدفة ورجعنا لبعض…

(يظهر الذئب مجدداً وهو يحمل بخاخ ماء محل الزهور)

(يتعانقان)

ورجع البابا كشفنا.. ورجع بزقه الدم… ورجعنا لبعض بالسر..

أهلي مو رضيانين فيه… لأنه حيوان متل ما بيقولوا وأنا أكتر شي حبيته  فيه هوه حيونتو…

الذئب (بنزق): أي يالله إمشي…!

ومرت الأيام وأنا قاعدة بالبيت عم بستنى حبيبي

(يرقص الاثنان على نغم موسيقى فالس سعيد ثم يحملها ويتقدم بها الى مقدمة الخشبة)

ليلى: بدي قلكن شغلة، بعد تجربة صعبة، الذئب ما بيحب الغنم، متل ما بيقولوا، صحيح ممكن  ياكلن، بس ما بكون مستمتع، الذئب طول عمروا بيحب ليلى.. وليلى ممكن تحبه… ومشان هيك صاروا ليلى والذئب…

فلا تكونوا غنم أبداً.. هربوا وبعدوا قد ما فيكن عن الراعي وزميرته،  لأنو هوه اللي بيدعي أنو عم يحميكن آخر شي كمان بياكلكن.. متلوا متل الذئب… وهي الخيار بأيدكن.

آه بعد كل هالشي ما بتذكر… غير صوت أمي عم بتقلي: خدي التاكسي.. هه!

لا تفوتي بالغابة لأنو الغابة.. طريقها معتم… أسود… وما حدا بيعرف وين بيودي… وكتير ممكن ياكلك الديب.

(يتقدم الذئب نحو الأمام، يتأبط ذراعها… يتركها للحظات… يتقدم نحو الجمهور.. يأخذ بخاخ الماء…  يرشق الجمهور ثلاث رشقات)

الذئب: آسف لا تنزعجوا… بتنعش شوي… ما هيك..؟

بس أنا آسف كمان مرة..!

الناس بتقول… المي فراق… وأنتوا بتعرفوا… أهل أول ما تركوا شي وما قالوه… ايه… وهي أنا عم بخكن..

(في هذه الأثناء نسمع موالاً للرحابنة بصوت جبلي وقاس):

(عيني ما تدوق النوم يا ديب …. حاكمها قلق ونعاس يا ديب

غدي تسرح مع التنيان يا ديب ….. وتفعل ما تريد وشتهيه)

(يعود إلى ليلى يتأبط ذراعها ويخرجان).

إعتام

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.