مغامرات حنا المعافى حتى موته

الأحد 2023/01/01
لوحة: عادل داوود

هل نخادع؟

نسمع كلّ الكلمات

ليس بالضروري – الأفضل

أن تجد كيف تتم الحركة

الكلمة تتدحرج من حولنا

الكلمة؟ يجب أن تأخذ منها

وتبقى.

***

أتوا من بعيد. من بعيد جداً. من جميع المرافئ التي انفرجت عن خيال المساحات الجافة. من كهوفهم المستديرة تحت قبعة العتمة الرطبة. جميعاً عند الموعد. مكورات وممشوقين. حملوا معهم أطفالهم دون تردد. نراهم أسفل قدم البالغين. على ظهور الأمهات، مشنوقين بأثدائهن، ممرغين بالتراب الأحمر، بين غصون البلوط الكثيفة. أتوا من أطراف حبل الجنون كي يعيدوا شعلة النار والسحر من ورثة الجبابرة. في رقص حريق البشر هنا. وفي مرض الطهارة الذي لا يشفى منه أحد. منذ السنين التي ابتدأوا يتعلمون فيها كيف يقفون على أقدامهم حتى السنين التي ترى كيف ما زال بإمكانهم فعل ذلك.

***

لم يأتوا فارغي الأيدي. طبول فريدة ومزامير جادة وحد الخشب القاسي تتراكب لتدوي. أوان صغيرة مرسومة بدقة العمل وأوان سجينة شبكة الصدف. هي ذي الأحجار البيضاء التي يستعملونها في الأسواق بدل مال ما رأوا بريقه. جميع الأجساد تنفرج معاً رغم زينة الريش المنمق. مكورة داخل حلقاتها، مرمية أرضاً من وزن أجراسها، مجروحة حيناً بأظفر اللون الباهر اللامع تحت غشاء العرق التعب، ننتظر جميع الأجساد لننفرج بها.

***

خدر الموسيقى كي تنسى فقرك. والرقص حتى بزوغ الفجر حول نار خاصرة القبيلة. هنا تتجاوز ظلالك وتكبر مواقفهم. الاستعراض والفرح والعيد دون أجسر، حيث تصرف القلوب والعضلات نفسها بلا مشقة التعداد وحساب الذخيرة. من بعد الضجيج بإمكانك أن تكشف أخيراً، كما تتعرف حيناً في وسط أوراق الشجر على أقاصيص برزت لفترة، ينابيع حية لم تنس طفولة وحشيتها. ومن بعيد تلمس الرنين الأصم.

***

هذه الترانيم تدوخ، ثيابهم بربرية وأقانيمهم تتبع قوانين دون شفقة رغم مظاهر فوضويتها: أبنية سرية المشارف ترتب مراحل متتالية لتعليم الصبية وحدهم. وكل هذا التراث العظيم لم يلمس أبداً، أبن خبأت غيرتكم محركه حتى اكتسب مطلق السرية. علمونا أفضل الأساليب حيث الروائح مضمونة للدخول تدريجياً إلى الأراضي المجهولة. سنجعل التفاصيل تتدحرج: عاصمة الضواحي على راحة الغابات القوطية لها مزامير هائلة تجمع بينها السلاسل الثخينة. هنا حفر الماضي في الجذوع عصا من حجارة. أقسم أن البتول المشجرة والسافانا دون عرق أخضر تنبئان معاً بخجل صحارينا.

****

من بعد الرؤيا صنعوا أقاليم شديدة الميل مزروعة عشباً عالياً وخشناً فقط الحرائق بإمكانها هزيمته.

***

القبيلة تريد نفسها سيدة الفرد المطلقة. حيث تأخذ الطاعة معاني لا تطال. حيث القوانين لا يعتدي عليها زمن.

***

قرى ببلادة الجليد تحت إبط حر الظهيرة تبدو مصنوعة من الطين قبل شوائه. عشق السماء منح الأرض مظهر فخار لم يتأدب. منازل دون ثقب عمق الأرض فيها هو المنفذ الأوحد رغم أسقفة القش المؤتمنة على أقواس الحطب المقيد وقرب المنازل مباشرة قلاع صغيرة لا تعلوها قمم.

***

أشير إلى طواحين الريح القزمة حيث تضع كل أسرة محاصيلها في أمان. وأقرأ بوضوح على الجدران التي لم تثر ذكرى الغزو الكثير. في الماضي ظنت عندما جمعت تفاصيل الحجارة معاً أن بات لها مظهر المأوى القوي المتماسك. لذا ضحكت كثيراً.

صاحوا أننا نخبئ في وسط الكفر منذ أكثر من قرنين مساحات بريئة حمراء فخورة واقفة الأخشاب كالأظفر، أرقُّ من أن تتحمل وزن المؤذن.

***

وحدهم يعرفون كيف يزرعون النبات. كيف يصنعون أصبغته رغم رائحته الكريهة. كيف يلقون بصبر عنيد الوحوش المخطوطة ببراءة على أحزمة القطن المجتمعة. انتقوها من عالمهم سحالى تماسيح، غزلان وطيور، ثعابين ملتصقة بجذوع عارية الجرأة، حمام وحشرات: نعمل على مثال أهداه واقعنا.

***

قاموا بغزو الشراسة دون تباطؤ، منذ هب النهار حتى تعبت طاحنات الحبوب من عنف مطارقها. حتى ذابت عن الخشب المنحوتة لمغزل له مئة عام. على بعد خطوتين من هنا يقذف كبارهم بأحلامهم بالساق أو الكوع، أدوات جسد بدائي تفجر رغم ذلك أقواساً عابرة لأصفر صريح أو برتقالي حار. أخضر حامض أ أزرق عميق. سترون كل تلك الألوان في سوق المدينة في عيون السيد الأنيق.

***

الرجل الذي يحوي أسرار النار وأسرار المعدن لن يحسب في ساعة السحر والقدرة العجيبة من ضمن مجموعة الأموات.

***

هو رب منجم طالما يغوص في ضيق الآبار الواقفة المؤدية إلى طبقات عليه استخراجها.

***

هو رب معدن طالما عليه تحويل حصاده الثقيل إلى رغيف منبسط.

هو رب صنعة أخيراً طالما كون كل حاجات قوم وفيّ لتقاليده.

له لذة الاحترام ضمن أشباهه.

***

حركات هادئة. حياة هذبتها التجارب. ألف عام لم تغيرها. ضرورات نظمتها تقاليد عتيقة.

***

لم يبلغ الزمن بعد تلك الحدود.

***

لوحة: عادل داوود
لوحة: عادل داوود

صحة الصنوبر

على يمين السواد منازل معقولة الحدّية

لا يحتاجون إلى موضوعيتها في البلاد الأخرى أبنية

لهذا الشأن

هنا يأتون من أجل ملح تحول وتخمر وتعتق فصار

ارتجافات كثيرة على حدود شتائمها

والدلائل لا تنضب

عوالم مقلوبة لا تستقبل بعضها تنتظر فشل حلم لم يعهد بعد

يأتون

طرقاً معينة تفحصوا حصاها وترابها من أجل المواسم

الموعودة في أعلى رأس الحقل

منازل عجيبة الغرابة لا تحتاج لأبواب حفر في أرضها

وسماء سقفها نوافذ لا تنتهي

لا تضيع الوقت الآتي نحتاجه لاختراع لغة تعدد اكتشافها

نعرف أنهم يأتون إلينا حلقات متصلة متماسكة كي

يملأوا أكياس ظهورهم

نعرف أننا أبناء تواريخ رفضت تسليح أراضيها

حتى لا نشوه يوماً وفرتنا

لا نتحصن

نزرع .

***

من رأس الكتف إلى شروش أيدينا شرايين مفتوحة الأعين

لا نحاول من جديد ثقب الأرض بعصا ظنت نفسها

شجرة بالأمس عرفنا

هنا لا تسجل كذبة أمكنة واسعة تحتوي غباء ابتساماتكم

نرعى شمس أفقنا

مواجهة

نعرف الغبن المليء بذكرى جيوش ادعاءاتكم

نعرف أن حق قدومكم إلينا مرافق بتفاصيل كثيرة

مجرم يرتكب كل مساء فعلته خلسة فينبت عند

الساعات الجديدة رأس لا يخجل

            •          عجباً

لصوص كثيرون مرّوا من هنا

لا نحارب هؤلاء

مشغولون بأساطير بابلية المنشأ

يتسنى للملاعين في أيامنا هذه أيضاً عند مرورهم

بقبائلنا أن يسمعوا

من تحت القشرة خطوط جرح سمرت تجاربها علناً

لا تستحي – لا تحاسب – لا تغلق على ما علمته خزائنها

ليس في هذه الأرض مأوى لصانعي المفاتيح ونجاري

الخشب

نبني ونمشي خلفنا قبور تعب ما عدنا نذكر سقوطها

شجاعة الذئاب السائرة أبداً.

***

أرصفة وأسيجة تنبئ بآفاق واسعة المسافة

أصص الحشائش المغلّفة الرأس تهيء لمزارع الغيب الوارد

صحارى على بعد أعمالكم تنهي تمرد العمر العامل

جرت فيها صداقاتنا

فنهلتم وأخذتم بشراهة الواجد أخيراً

خططاً لتقليد بحثنا ثباتاً على أكتاف اكتشافاتنا

جماهير المآخذ البسيطة.

***

لوحة: عادل داوود
لوحة: عادل داوود

لا يعطون أبداً

يؤمنون بعدم الجدوى – يحبوننا أغنياء

هبطوا على بيوت المؤن حطوا على المواسم الوافرة

هلموا!

عيني السائلة لا تُبقر – لو تجمد ماؤها يوماً لنضب

الفجر

نهر يدحرج أسماكه على أحجار مسايرتكم

ندفع غالياً دفء أجسادكم

تعودنا

نجمع خجلاً وحدة واقعنا

عمق أسى العاهرة في أسرة زبائنها.

***

يسير على خيط بين هوتين للشعر والتهريج مخاطر

تظنون أنه واقع حتماً ويبقى منفياً هنا

أعني أنه معزول أكثر مما يعقل

يحلم أفقياً

ويعيش كرمي السهم

هكذا تتهيأ عوالم لا تعرف مواسمها برد ملامسكم

بعظمة يستلهم من عريه آثار مستقبلكم

لذا يبدو الصفاء في بحر عينيه شقي الغربة.

***

تمنع عن نفسها الحدود الواضحة

صوت عضلي مليء مكتنز وينحل حتى لمعان

السكاكين المدافعة

صوت لا يخطئ

لا يصبغ نفسه بالألوان المقبولة

فيه يدخل الصمت ويتكوّر

على حدود الغرابة

تساؤل تام لا يتعب

يسيل على وحدة ذراعيها

داخل عمق أسفار مواسم متألمة كما في سماء خريف قاري

جسدها لا ينثني

صلابة ابتسامة مخلوقات خجولة.

***

الأرض التي تغطي أخشاب مسارحكم ليست ملكنا

عوالم الحرب وعوالم السلام مرضى، غرباء، مدنسون

أعداؤنا جميعاً

لا نبيع أنفسنا في تقليد أعجوبة اللحظة

من يحاول أن يقنعكم؟ (بإمكانكم المحاولة كيفما كان)

كما لو على رغوة الأرض جزيرة على الأقل تطرح عن

نفسها المواقع

هذه أيضاً فشلت.

***

لا أحد يجند ملء أنظاره وحواسه عملاً صحيحاً

نهر الكلمات تأتينا لا تعني شيئاً

أشياء رمزية نتوقعها – مكررة نملها – أو متحف

الصغائر الشخصية النافرة

أعلى الأصوات فجأة في حركات العداوة تترك مكانها

للعفوية الآتية

جماعياً –

لا تسخر من الدنيا

تبالي

تبدو داخل حرقتها رقة غير مبتذلة

أبدية المراهقة.

***

يتألمون من الضيق المتزايد

يريدون مشاركة الآخرين غرفهم

لكن الكل يبدو بارد الملمس

حتى حين يصادف نظراتهم.

***

مرة أخرى جمالهم لا يقارن

جمال مزدوج يزايد على مثال فقر الرجل خارج أرضه

لا يدري أحدكم ماذا تفعل الروعة هنا

ولماذا هي رائعة

حدود حس تفهمكم انهم قطعوا صلاتهم مع مدن

ساهموا في جعلها غير معقولة

لا يتعايشون إلاّ مع الأفضل.

***

تقاضينا على ذلك أطنان من الحراب

تعلقنا كالإسفلت بدروب تحيي

            •          كدنا نصدق –

أماتتنا

(أجمل المنازل تحرق إن لم تتذكر في حوائرها ماء الجداول)

لذلك تُقتلون

وجهي لا يداعب

يقهر.

***

عندما تقتلعون النبتة من حدائقها – كي لا تنحني

تحت السقوف الآتية إن لم تكن أصابعكم خضراء الملمس

            •          كيف يتم الضحك في الغرف الغريبة

كيف تفاجأ الأغنية داخل الصمت غير المحدد

جميع الأبواب لا تفتح على الواجهة نفسها

صراخ أخشاب أراضيكم له أصداء مختلفة

للنوافذ المواجهة مقل جديدة.

***

أن تسمع مرة أخرى أوراق ابتسامتنا تنبت.

***

لا يحبون الحفر في الأثاث

تحديد حصاد حياتهم

تحريك كوكبهم الخاص

إعادة كل شيء تحت شمس جديدة.

***

            •          عليكم القدرة في رمي الجذور أينما كان.

***

كيف تتحولون نحو الضوء في نفس وقت ظهور الظلمة؟

***

لقدر ما آمنا بعودة الطائر الكبير

زمن على بعد الأذى ينبئ بملكية تمنح الصوت هواءه

تهيء لحفلات عصر مختلف

الأولون يعجزون عن التفسير للآخرين ما يفصل بينهما

كل الفرق في شيء لا يلمس وهو مع ذلك أساسي

حتى يتحول كل ما نعرف أمام هجمة الرقصة التي لا تقاوم.

***

فجأة قتل أحدهم رجلاً مسالماً

كان يمسك بدفاتره – يراقب السماء – ويسجل علامات

بسبب حدث – أو تحية – في مكان ما – كان يعرف

أن شيئاً ما سيتم حتماً

يوم يدخل على المسرح هذا الجزء من المسرح الذي

يخبئونه عادة

كان يدخل في استقرارهم كوجود ثوري مخرب (لذلك

يشكون به دائماً)

محاولة عجيبة أن تكون في كل مكان هنا – دون

حاجة – دائم الاهتمام

تعيد مسك التاريخ وخيوط الخيالات الغامقة

تستصعب ذكرها.

***

يوم كان حياً أخذ الرمز بكل وضوحه

كلماته تبدو مقررة لمصيرها لا تلعب على الأحداث

بات يعمق الأشياء خلف الستائر

جعل الأساطير تتفكك داخل وجود واحد لمدينة لا تتحقق

يجتازها نهر ضخم سائل من ثلاث نساء واضحات.

***

أخذوا عليه بعض النقاط التي تحمل معانيها

وغضبوا لكونه يتكلم بهذا الشكل

وبواسطة الجريمة  تحرر الجميع شيئاً فشيئاً

يحددون الصمت في غياب لا يعوض.

***

هنا صوت تحطم.

***

في ذلك الزمان أصبحت لغة الممثلين الغريبة هي لغة

أهل تلك البلاد

جبابرة البيت تحولوا إلى جلادين طغاة

محاربون قدماء لم يحاربوا يوماً

يندمون على ماض لم يوجد قط

تاريخ  عجزوا عن فعله أو حتى المساهمة في نسجه

متربعين في جمودهم لدرجة تستحيل معها الشفقة والرقة

على الحدود بين الأضحوكة والصراحة – دون الوقوع

في أحدهما علناً

سخرية جافة

بدايات متعة تذوب قبل أن تتوصل

هجمات بيضاء مخيفة

هم دون ذاكرة – دون خيال – فارغين – معدومي

الأعصاب والعشق –

يسيرون دون هدى – يجلسون على المائدة ولا

يتمكنون من المشاركة في المأدبة

نماذج تمثل مسرحيات فعل – ترقص من أجل ذاتها

– أمام مرايا رمادية مدورة –

تنظر إلى خيالاتها المشوهة.

***

لوحة: عادل داوود
لوحة: عادل داوود

في قلب الثرثرة برزت جثث الشباب الملون

الطفل العجوز فقد جاذبيته (هذا نفسه كان يلهو

غاضاً من الوضع الساخر)

لكن الأمل لا يكفي

عند ذلك الحد على الظل أن يولد من الحطام نفسه

بعدما كنا جميعاً وجوهاً تنكرية تحولت إلى وحوش

عرفنا أن كلاّ منا قد أخطأ

هذا السحر المغالط رفضه حتى الأطفال

(ماء – مرايا دون خيال – ظلال ضائعة – دمى تغني

وخيول تجري)

أعدنا سؤال من يوجد داخل الرجل – من لا يوجد

داخل التفسير الذي تفسرونه

نحتاج إلى بشر يرمون جذورهم ليكوّنوا ذكراهم

مما لم يحدث بعد

يعطون أنفسهم

لا يضعون حداً للصوت والذهب

(عندنا خوف معين من الكلام عن ذلك).

***

شيء ما قمري – طويل الذراعين

انسكب عليه

فأصبح متهماً بشتم الله

أصابع الأيدي اليسرى جميعها مسدسات مصوبة

منذ هذه اللحظة صار عليه أن يتعلم كيف يقتصد أنفاسه

في هذه المدينة الحديثة الغضب

كان الملل يزحف دون قاع

والهواء يلتصق بالوجه

على الرصيف اثار حياة مسجلة بين خطابين وإكليلين

واحد في المدرسة وآخر في القبر

رجال يعيشون ويموتون من أجل أكذوبة

وسام

قصص مليئة بحوائر مسدودة

اعوجاجات صغيرة بدل الانعطاف الكبير

أسباب هبوط بشكل صعود – تسلق متدهور

خيانات هائلة متنكرة بمعاطف الجبن النحيل

طبيعة عتمة حتى أسوار الحديقة.

***

في هذه المدينة إن رميت حصاة في المرآة اختفى وجهك.

***

سيدة قدر عجوز. متعة الصبية الصغار

وضوح رؤيا مرعبة لكل من يضّم ولا يعشق

تكتب على جدران تجار النظافة

أنه في ذلك العصر يعتبر كل ذكاء مخرباً

يلاحق

يوضع  تحت المراقبة

لذا تبدو هي غير معقولة

ذات صوت أجش

خاطب الخوف بكامل حرية اختياره

في محاولة تأقلم مع السن الناضج الممزق

صار يقيس بواسطة الفصول تصرفية البؤس الأكبر

عرف أن البحر ليس إلاّ الحائط الرابع لسجنه

كان يريد نفسه حراً ووحدة الجسد والنفس تصبو

إلى توازن مقامر

سباحة للبقاء على  سطح الماء

وتذوق لا محدود للحركة والصلات الصعبة

(يعرف جيداً أن الصداقات الدافئة تقطع الطريق

أمام المسايرة والأدب).

***

نبتت من أعماق وجهه نظرة زجاجية لامعة قادرة

على المفاجأة والفضول

تهرّب قفازات النور

تشف عن مناظر داخلية شواطئ أو فروة

في أعماق هذا الأفق لا يكف المحاربون عن السير

والسير ليل نهار

تابعين بسرعة حوائر المربعات التي لا يرون حدودها

يتحصنون بأظفر يسمح لهم بالعيش مستقلين على الأقل

إن لم يكونوا أحراراً

يبحثون عن دواء لقلقهم محاولين أن يعرفوا ليس فقط

” لماذا” لكن “كيف” أيضاً

كي يشع الهدوء من السؤال المسالم – المسيطر عليه

عندما أتى حاملاً حلقاته حول رسغيه استقبله أربعة

أشخاص جالسين أمام صحن أسود

الأول يحك الحبال والثاني يلمس الخشب

بينما يعزف الآخران على النحاس لافظين انفاسهما

العارية من خلال الثقوب المسدودة

عند ذلك فهمنا أنهم جعلوا من الصلب حدثاً جديداً

في الليلة الموافقة على الجريمة والفوضى أخذ على عاتقه

قطع الصلات تماماً مع التسامح

رأى محاكم تتبنى علناً موقف الجذارين وتضعف

موقف الثائرين.

***

تطلب من بعد الإعدام قسوة أكبر

تشد حبل الشبكة الرهيبة التي تلصق ظهور الرجال

على صدر الموت

تخبئ خطط اضطهادهم خلف الجمل الصغيرة

حلم عند ذلك بضرورة منح الكلمة للذين لم يحصلوا عليها أبداً

على منصة نافرة تحرقها العتمة

مثل مقص الواقع تدخل عنصر الغربة الماضية

وتجرد السيد من قناعه أمام أعين المتهم

حارس النظام اعترف بعشقه للباس  الأخضر الغامق الخشن

معبراً عن تكامل الخرافة الاجتماعية:

جيوش ورهبان وموانع ومحاكم تضع الناس في دوائر

في أعمق مغارة في الحديقة

وتملأ الحفر بتغيرات مسرحية

أيد مقفزة تضرب الهواء

حركات فارغة على آلة مستعملة

تجرح حتى الشعر بعواميد مشوهة لتعلق كالشتيمة

على باب البيت.

***

هنا يرن الموت مثل البداية

من جيب دون قاع – بتأن – بعذوبة جسده –

بأصابعه الطويلة الشفافة

انتشل الحديث الحارق

بين سطور نص ثرثار لا يزن روعته – كما يكون

كلام الثوار في المرحلة المتأزمة.

***

ولدت مسيرة الكلمات المنادية

شعرنا بأنفسنا محاصرين بضيق اللغة

كسرناها – عوجناها – اعتدينا عليها مراراً

في الصراع ضد اللعنة لم يعد لدينا من شيء سوى البثور

هو في البداية غير مبال – متباطئ – استفزازي –

هائل ووقح

فجأة يلمس كتفنا أو ركبنا دون سابق إنذار

كي يمنح للتعب منفذاً طيباً

ويعطي للنار حقها

شيئاً فشيئاً – مع مسيرة الشكوك والانكسارات –

فضح آخر الحدود

لم يتخلّ يوماً عن موقف المرساة التي تراقب –

النقة الواضحة.

***

مجبراً على الموت للموت قبلنا

رسم بثراء المقابر البحرية.

***

ستجدون فيها فتحة على الحياة

على بعد عين طائر.

***

لوحة: عادل داوود
لوحة: عادل داوود

نعدد العصي الصغيرة المرسومة برصاص رفيع

بقليل من التعب

كما لو أن رزمة أشواك الصنوبر لم تكن دائماً خضراء

(حتى هذه بعثروها بعملية).

***

كي نغير الأبعاد في حياة أكثر اهتماماً بذلك

على الأشكال غير المتوازية مثل قطع الأقاصيص

الاّ تتراكب

بل تشف عن بعضها – تسيل الواحدة على الأخرى –

تخبئ وتكشف الصلات

العاهرة

على الذكرى أن تعيد إحياء ما كان يحدث قبل بضعة

سنوات

قبل صياح الديك

خيال ربما هادئ لآلام حقيقية

قلق حسي يرشق سواده في العراء

كي يعكس مسيرة القرى البطيئة

عندها لا تنسوا الاسم الذي وقع في فخ خيالاته

شباك منسوجة بصبر لا متناه

كبيرة كانت لذته عندما ضاع في صدفة الاكتشاف

تجاهل الوحوش بكامل إرادته

(نجونا من خطر أن نخطئ

عندما تجاوز هذا الزمن)

في نقطة التقاء كل ميول المستقبل كانت هناك مخاطر

كل منا تبع انحداره

ذلك يعيد رؤية اللامعقول والمزايدات العتيقة

آخر يتعامل مع التناقضات

سحرته أيضاً براءة مليئة بحس من الضحك الطفولي

تنقيب يجرهم داخل دهاليز باهرة

كالكرة – يجب الإمساك بهم مرة واحدة وعدم

التعليق على التفاصيل

ليسوا بآلهة – ليسوا بأنفاس هوائية – لديهم أجساد

غير شفافة تلعب مع أضواء

المنبهات وتتحرك على الورق المنشّى

عالمهم مسرح الوجوه والعشق العنيد الفائر

بشر اقتلعوهم من طفولة مطوّلة – منطقهم تصدم

حسابات رجال الأعمال

(للبعض وجود لمكان يدرّ مالاً – وللآخرين

طبيعة رسمت على قماشة)

مهما كانت الأساليب والركائز المختارة نتيجة

التجارب فاجعة على شكل تنفيذ مباشر.

***

تتواكب مغامرات عجيبة على الحصى الشمعية

الكثيرة وعلى الأصابع الخشبية التي لا تلمس.

***

في شمال الكوكب بين الدوائر والمساحات أناس

متمددون على الأرض وأكياس

تحمل بياض سوائل كثيفة لن يعودوا يجدونها

وعند مغرب الجحيم رخام يتفكك ويترتب علائم

مسالمة طيبة النية عفوية وحرة

هنا تأخذ الرسائل وجهاً إنسانياً.

***

ألوان الزمن العنف تعبر في سريتها عن تجاوز المصير الرهيب

تعاد حية في خلقها عندما تنفجر الزرقة في اللوحات المتعددة

لحظة ظهور الخطوط النافرة نفهم

أن هذا العالم الذي لم تتوضح بعد ملامحه قوي ورقيق.

***

(عندما كان يخشى أن يُسحق كان يتمسك بالهواء

بواسطة أصابعه الثخينة ويقلبه مثل كيس من الرخام

على طين حياته)

التجأ ربه القديم تحت الحشائش المحترقة وسمى نفسه

إلهاً جديداً بصورة سرية كي يكون على قياس الرجل

هذا الذي نسي أن يقرأ الحروف المتلكئة التي

كتبها الموت جمد كل لحظة سعادة

بواسطة الريشة والمقص والإزميل

بحث داخل الكلمة عن الأمن والدفاع

ثبت كتابة سجلاتها حاجة لأن تكون معترف بها

بواسطة إشارات رؤيا

زين الأخشاب بصورة الرغوة

وبعث المياه من الزوارق الغارقة كي يطفو الخيال

على سطح أفق البشر.

***

هناك أشياء كثيرة لمن يريد أن يرى.

***

هي جمال الحياة الشفافة – يوم سنهبط

عن عرش الثلج – نفقد

البريق والمقاعد الحمراء – نظهر

عارية جدراننا المجروحة.

***

بالأمس سكبوا على الأرض طبقة من الإسمنت

كان على يمين المحطة فوهة تنفتح مكان منصة

الإعلانات القديمة

وخلف الصلصال مقبرة جباة قرون الكسل

عندما أحاط بي المداحون قالوا: أنت عاقل – ما

كنت عاقل

كنت شديد الكرم على تلك الوجوه المشدودة نحوي أحببت أن أقرأ

خيال ابتسامتي المسيحية

هنا انصتوا جيداً لرواية الرجل المأساة:

عند قمة المرارة أتت قوة رهيبة تبغي الخراب

تفرغ كراهيته

الزنجي، رجل الطبيعة، ذلك الذي يمتلك دهاءها

المسافر الغامق الذي لا يؤمن بقدرة الأرقام

رجل العشق الكامل عندما وجد نفسه مجرداً تحول

إلى شعلة نقمة.

***

حدث كل شيء يوم تجرأت على الدفاع عن جندي مجرم

كنت مثل الجميع امتلك قوة الرفض وقوة المسايرة

كنت أعرف – وذلك الذي يعرف يستمر في

طريقه – ساخراً وواضح الرؤيا

حدثت إشارة الحيوان، مصالحة فائرة للرجل مع وحشيته

ما كنت في منتصف الطريق بين الخداع والثورة

كانت لي قدرات هائلة كالنمل الساري

وكنت يهودي الصمت.

***

حدث جنون الله (يوم فهم الله أن الجمود خطر

نظر إلى الأسفل حيث يقطن إنسان سيء السمعة

واقترح عليه اتفاقية مزدوجة

أنت تقبل بي وتعترف بي

وانا أعلمك كيف تصبح معبراً وليس فقط كائناً

أنت قن: سأمنحك أرضاً صغيرة)

جنون الله  تلك الخليقة

تشجير السطور التي تنحني وتنعكس – تبرق وتختفي –

داوية متفجرة وصوت سائل

انبعاثات هائلة لعالم يكبر.

***

منح الوحدة قوتها القاسية.

***

لوحة: عادل داوود
لوحة: عادل داوود

أكد جنونه وهويته عندما ألقى بالجمل كالسكاكين

القاطعة – في بريق نظراته بريق الضحك المعبر

كان سيلي كتابة غريبة تمحي مباشرة نفس آثارها –

لا شيء يؤكد إلاّ ويعاد

النظر فيه باللحظة ذاتها – لدرجة تلمس أحياناً السخرية

من وجهك

ربما بقدر ما تقترب نقده.

***

حنّا الملك البار الظالم كان أحياناً جباناً

فهم لا جدوى وغضب حياته الصغير العاطل ولعبة

الاعتقادات وخداعها

حنّا البحار تذوّق الأمواج التقريبية الخاطئة

حنّا الشرطي عرف كل المؤامرات والمزايدات

التي تعيده بشكل ما إلى عجزه وفشله

لم تبقى الآن في رأس أصابعه إلاّ بضعة أشكال

مشوهة وغير معقولة

قادرة على التكوين والحلم – عند مرض الاثنين

هذه هي البدائية المجرّدة

حتى القسوة والنفي – حتى تحطيم المدينة كي أضمن

تحطيم عظامي

ها هو الفشل الهارب متنكراً بثياب المجد

في هذا الحي كان النبيل الحسين يمارس الإسراف بين

فقراء التراكمات الأولية

وهنا رأيت الذين يمسدون الجلد يجمعون الحصى اللامعة

لذلك صعدت على الجبل وتقيأت كربلاء

وجدت الذهب الذي سأستخدمه في تهديمها

كي أعيش حتى الجنون احتراق ثروتي وعكسها الغاضب

أنانيتكم كانت تارة سرطاناً ملعوناً وتارةً حديقة

حيوان دون خجل

النبيل الحسين سيسلمها إلى الجريمة

ويطلب من الشمس أن تكون شاهده

(ربكم خلق الكون كي يطلب منه أن يحضر اللعنة فقط)

حبل الكمان شدّوه حتى انكسر

وسال النبع هائجاً

ألقت المياه بنفسها ثم هبت أخيراً

كان عليكم أن تعرفوا كيف تصفر عقدة الأفاعي وتعض.

***

خارج كل جغرافيا

وجه رجل رفض المهادنة مع البربرية

وجد الضوء.

***

أتى الآن وقت التجارب

رفض الخيالات المتعالية الثرثارة

لو نكتفي – كالعبيد – بتشكيل أسطورة مجتمع

نبقى مرتبطين به

رغم القرف والخيانة

كل ما يسمونه إبداعاً وغرابة

الحرية نفسها

لوقع الليل على الشهادة التي تواكب مصرعها

سندعو المدّاحين إلى مأدبة النقمة – حيث ماء الإبريق فاتر

وسيتخذون موقع الخجل للتاجر المطرود من المعبد

(الفيلسوف المتطبع بسواد جلده

والكاذب تحول إلى ملعون معترف به).

****

المكان خام – حيث ترن حتى النفس

هنا ساهمت اللوحة في إبعاد الجدار رميه جانباً

صوف النسيج انحنى للنقاط الثخينة

خيوط المعدن في طموح النحت طلبت منه أن يملأها

رأيت الأقطاب الثابتة تتعلق بمكرها لتنمو

ورأيت الانحناءات المتوازنة وفيّة لمهمة يجهلها الأمس

واقعنا هذا نجافي الكرم مباح للقراءة

واقع صريح حتى صورة الوجه

من المدن التي ألقي القبض عليها حتى سيولتها الدقيقة

من المعدن النادر التكون إلى الشك في منبع انتشاله

(جروح الجبس البيضاء في غرفنا تعني كثيراً)

تحتل الصدارة: آثار جروح الوجه تهدد ولا تمل تعابيرها

كذلك جموع السهام التي تمسكها أيديهم

هؤلاء بشر حُفروا على النحاس بالماء القوي

واكتسبوا بذلك مساحة أوسع للصدى.

***

عند المرحلة الآتية

على القبيلة أن تتسع

تنتشر في أرجاء الكون

وفي اليوم الذي ستتكامل فيه

هكذا يصبح العالم أجمع

تخيلتموه مخلوقاً شاهقاً كون مادته من أصوات

لا تختفي عند الجري وراء الحقيقة.

***

النبي يبدو مضحكاً

لولا وجهه المشدود والنحيل باعث القلق.

***

ويعيشون في جحيم رؤيانا المثالية

لو كان ذلك لحولنا إلى كبريت ذهب الجلاد كي

يدفع أجرة جيشه

عرفوا كيف لا يلعنون ولا يتنكرون لزنجيتهم وأطفالهم

أحبوا ما منح لهم كالامتياز – هو كذلك – مهمة ثقيلة

لم ينسوا أن بإمكانهم الهرب من كلّ شيء إلاّ أنفسهم

            •          قمة القوة.

***

كما لو أراد دوماً أن يكسب على ليله

حصاد الحجر الكريم في آخر زمن النبوة

تراب الذهب من داخله

(عليه أن يكون تاماً كي يتوصل إلى بساطة المظهر)

جسد تكلم بقوة ومرونة

لأن أدراج الوعي وممراته تسمح بالسفر بين الأعلى والأسفل

ولأن حربه كان عليها أن تولد السلام.

***

عمل جاد حدث اليوم

رجل من أخطر الأنواع ذلك الذي لا يكف عن التساؤل

مرّ في الوقت ذاته عند تصالب خطوط فكرنا

بقدر ما يبدو غريباً عن انعكاس الزمن

عرفنا أنه يحب انتشاله من الموت

شكلنا حوله سلسلة تضامن صديقة

وصرنا نجد بالقرب منه التأكد

فرح الوجود الذي ليس نسياناً إنما تكامل واع للمصير

صرنا نجري على الطريق الدائم

ونشارك بالقلب والجسد في معركة ستكون لها يوماً

الكلمة الأخيرة

عالم الضوء والظل أنهى دورته الانتقادية

عالم الطقوس والاعتقادات والموانع المضطهد

شكل محكمة لتقرر مصير نص آخر

وتتنازل في الساعة نفسها عن قضية مقتل الرأس

أخذ على عاتقه المصاريف لأنه تعب قليلاً

كان كالآخرين – ربما أبطأ ومقوس الظهر – يعمل

بيده اليسرى

مصنوع من أجل الهدوء متجاهل حوائر الاستعراضات

الغبية الضاجة الدامية

في مدينة قليلة الحروف

أغرب من الجميع عن ذلك الجو، سار في ممرات

المعسكر جار حذاءه الخشبي

وهو يتكئ على أعصاب متشابكة ودون شفقة

من جراء معركة طويلة ضد أقواس النصر.

***

على وجهه عدد المتفرجون الضربات

وضحكوا لأنه يلبس ثياباً دون عصر

ولأنهم ما زالوا مرضى من ماضيهم.

***

لا بأس أن تتذكروا الانزلاقات والخطوات والفوضى

معركة الشباب تبقى خاسرة مؤقتاً

لا بأس أن تدفعوا السخرية حتى آخرها

هي المخرّبة السرّية الموسيقية الجامحة

أرى صوراً من خلالها – كخيالات متراكبة في مساحات ماء

بمعاكسة التجارية الفرحة أرى ألواناً صريحة ونقاطاً

متحدة الرقة

أرى مآسي مزروعة بالمصائب مجبرة أن تسجل

اسمها على الورق

أرى التنفس الغريب الآتي لا يضيع في سراديب

صوته كلمة واحدة

هنا سنختصر الطريق الذي يفصل بيننا.

***

حيث يبدو الضوء كأنه يتسلل من الوجه قبل أن يشفه

أو يمزقه بصرخة

حيث تأتي الشبكة الخطية المرنة تلعب وتحفر

متراكبة على رقعة واسعة – ترتب بين الأرض والسماء

إشارات عمل وإشارات أخرى

لتصبح شيئاً فشيئاً الجهد أو الراحة – الثورة أو

السجن

عندها على قسوة الجبين أن تتعرف على البريق المشع منها

والشقوق العميقة أن تسجل فوق الورق المختلف

خيالات أكثر وضوحاً

كذلك شرايين الحشائش

على المساحات أن تحدد تعابير سكانها.

****

لوحة: عادل داوود
لوحة: عادل داوود

وعلامات الإرادة العديدة واقعها

رؤيا الاعتداء والنحر ومشاهد اللواط

وسؤال ثاقب النظر: إن لم يكن هؤلاء أعدائي الحقيقيين

من هم أعدائي إذن؟

***

في مكان واحد أرى

عالم أنصاف الحلول بين هذيان الرغبة المستحيلة وواقع يكذبها

– مكان الخيال المغلق دون حدود.

***

لم يقم بشيء سوى تحليل أعلى وأسفل المعارك

في المسافة القاسية – حيث يسرق الظلال والنوافر الجارحة

من عالم العقل.

***

تنازلوا عن تلك التهم

حاذروا من الجر أمام محاكم من هذا النوع

باسم ماذا بإمكانكم اليوم التقرير والقطع؟

كل عقوبة سبقتها حملة وشي علنية

بخط قاس، مرير، مشدود وهائج – الجروح مرسومة

بأبعادها الدورية

لتعبر عن لعنة المعزول

مثل علامات تسجل على وجه المتآكل

انفجارات قصيرة خارقة، لا تأتي جمالية

إنما صراخ حاد داخل الأغنية.

***

أنظر

المادة المكونة من الرسوبات تؤكد على البروز وتعمق الأفق.

***

اسمع

كل شيء معبر عنه بتنفس.

***

ضده: حسن النية

لحظة فشل في تقليد عتمة مزايدات زمن البراءة ألقى

بوجوههم ماء عفناً وصخوراً جافة

ثم هرب داخل الصحراء ووجد الذهب

آه الحاجة للتخلص من المساحات المحسوسة.

***

خسارة تجرح الطريق عرضاً

لدرجة لا ترون مكان ركائزها

مليئة أكثر من اللازم بالإشارات المؤلمة.

***

بشر كالمعادن المتراكبة ليس دورها بزائد.

***

لن تقرؤوني دون خطر

الضربات المنخفضة التي تلقيتها أردها لكم كلمات

تصيبكم مزدوجة تحت زنانيركم

أفتح الجروح نفسها

أعيد صدى المآسي ذاتها

لن تموتوا منها: البرهان أنكم ما زلتم أحياء ترزقون

ترزقون جيداً

واحد منكم صرخ: أصبت!

لكن استجواب المضطرب مستمر والردود الخاسرة

أبدية في ضعفها

رهيبة موهبتنا مرعب عشقنا أن نتكلم باسم المكسورين

في منزلي فنانون متعددو الصنعة

على يمينكم ممثل دون عمل

أو مغامرة أضاعت معصمها وأذنها اليسرى في غابة

لن تجدوها على خرائط أفريقيا

نستعيض بارتجافاتنا عن قيمتنا الشرائية

(قالوا لي يوم أصبت بعامي السابع أنه في تلك البلاد

العجيبة علي أن أبيع نفسي)

يوماً آخر عرّفونا على عالم مختلف له رائحة القرفة

فهمنا في الأسبوع الثاني أنه على صورة الغرف الإنكليزية

النظيفة جداً: قذارتها

مخبأة تحت السرير

أذكر أيضاً يوم صرخت: لا

لفكرة أن أتحول إلى امرأة بيضاء

تتحمل كل الأشياء التي تأتي مع السنوات

لا تهرب منها – تتعود

تتعلم كيف تخفف من ألمك بالبقاء دون حركة –

الشراشف مشدودة فوق رأسك –

تمثل دور الميت:

في ليلتي الأولى قال لي الرجال: “لا تكوني من حجر”

– هكذا يقول الرجال –

“تبدين قذرة إن بديت حزينة” –هكذا تقول النساء –

“فكري بقصة مسلية”

لا شيء يضحك أكثر من الناس المحترمين: أسياداً

وملوكاً وجلادين

يحملون ضمائرهم على أكتافهم كالقطط الأليفة

الفاصل بين الانحدار والاحترام عندهم بنينا فيه ملهى:

مسل هذا الديك

الواقف على ظهر البهيمة

نراقب من نوافذنا السيدات الجيدات الصنع والأسياد

الذين يقهروننا بتأن

ثم ننسى كل حذر ونقهقه: لا يتحملون ضحكة

لكن ما زالت عندهم القدرة على شد حزام وحدتنا ثقباً آخر.

***

أي جسم سريع الحركة يكتسب سحراً

يبقى ملكه عند الراحة.

***

أسطورة لا تناقش

ضمن فكرة عمل دقيق

لا شيء يضيع من جملة الكلام.

***

يعرف جيداً عندما يقف أمام المرآة أنه خالق وأنه ليس باله

بإمكانه الطيران ولو صبوا على أجنحته رصاصاً

لكنه لذلك يعرق دماً وماء

يقضم حواشيه ببرودة الغضب

عرف كيف يجعل مسلوخ الجلد في داخله يخرس قليلاً.

***

السعادة بين الهرب والهرب مهددة وخطرة

سعادة طويلة الأسنان – رقيقة كالموت – تنبهكم عند

الفجر بصرخة

تغلفون أنفسكم بكسل الطبيعة الأخضر

تكتسون بشعر البهائم وتنتشلون أبركم من اللعبة المزعجة

لكن مسرحكم لا يهرب من تلك المقولات

أحلامكم تدرونها: أن نحيا بشفافية – ممدودي الذراعين.

***

هي ذي الحركة التي تخط السطور.

***

الشاة الحربة

انتهى عند بدايته بحكم طبيب فقد الشهية:

“أنت أكثر براءة من ان تعيش”

لكن الدموع جمدت مع الوقت

سقطت كالبرد

لمصلحة واقعية قاسية الخطوط

حنا كان دون أرض تحكم – ابن اللدودة

قاطع طرق متوج – متهم بالسطو على العرش

جعلوه سجيناً

حكموا عليه بالقتل

ثم كلفوا الجلاد بفقء عينيه

لأنهم لم يحصلوا نورها

هكذا – خلف المظاهر الشفافة للألم الصافي – وقع

الحظ كالصاعقة على رجل

ممل كالعادة شبيه بالآخرين

سمعنا في صدى الضحكة المريرة صراخ الانتصار أو

إعلان تشاؤم كامل

اللعنات وآهات الانشراح في هذا المكان الأوحد

تتعايش بجدية

على تلك الحلبة تأتي فئران التاريخ وتذهب دون

تخطيط على ما يبدو

قد يكون المكوث فوق التل دون حركة أسلوباً

ناجحاً في آخر الأمر

سمينا ذلك أبدية – أو بطء المحارب

قلنا أن الرجل – الملك ليس عليه أن يجري

قلنا على المصير أن يتكور ويتأقلم حول جسده

في ذلك الوقت المنتهي كان الجبناء وكلاب المال يجرون

على الطرقات بسيولة

عندما أرادت الصراحة الكبرى التعبير عن نفسها

رأى الرجل الحالم من خلال شقوق قناعه

أن الحرّية ربما كانت أكبر تحت ثوب تنكرها

ليس مهماً أن تكون طحين الخبز

بإمكانك أن تكون نار الأفران.

***

عندما تحاول أن لا تفقد شيئاً من أثاث حياتك

بما فيه عصا الجروح.

***

واقفاً بوجه الحديد كالجمرة

محولاً الحديد إلى رافعة

فوق لوحة السماء في آخر النهار.

***

شق حياته في الزيت الأسود الذي يلطخ الوجه واليدين:

كره خفة البشر

وعجز عن منع نفسه من لذة تلك الخفة.

***

عمق حقيقي للحقل يهبط

أدور حول صور قديمة

أمر من خلال أمس ممتزج بيومي

جماهير تتواكب غير منتظرة – في خدمة تعابير معهودة

دون سلالم ولا آفاق وفيّة

حرب أنصار لم تعد لديهم أية رقّة خيالية

حيث يتقدم أول الرجال كما في الحلم

الملح الوحيد هنا رشته السخرية.

***

آخر الليل – تخيلتكم

يوماً – في ذلك العالم الذي طالما اكتشف مواداً غير

منتظرة وآلات رهيبة سيحيا الرجال وعلى جبينهم

شريط مسجل للحوادث والألوان.

ستتمكنون من قراءة أصوات منتقاة من جريدة

سيئة الطباعة ويوم الأحلام المستديرة وفكرة كاملة

الوضوح عندها تكون قد تمت ولادة أداة

تعذيب بالإمكان ابتكارها.

***

أدونكم، وليس من حق أحد التدخل

أدون فصل حبنا الكبير الذي عرف طرقات كثيرة

الحفر دائمة الانفجار تحت أقدامنا.

والوجود المؤثر للمرأة الأكثر وفاء

وتلك التي كانت دوماً قاسية الصراحة

على طول ذلك الجري الطويل الذي سيخمد هكذا قالوا

استخدمكم لتعرية نفسي ومن يحبني فليتقدم

لو كنت قادراً على الكلام لما ولدتم

في تلك الحدية المخطوطة أستخدمكم كوسيط للبحث

عن حرارة. لكي أكسب ما يمكن اكتسابه

أنتقم من خجلي

أمزق الرسوم: هنا لا تنقذ كلمة من الحب ولا هذا

من الجنون ولا المنوم من مآسي القرن

حديث بالصوت الأول: بين الذكرى والهذيان تخترع

جملنا في ألعوبة لغتين

وتزن الكتابة كالخطيئة.

***

1  

 

أنصتوا جيداً

البحر دون أمواج ترى هو لبرهة أخضر الرقة

حيث ننتظر من قلب الأفق الصامت ضجيج ظهور

حقيقة كبيرة

ونود أن نكون أسماكاً لكن ذلك لا يدخل ضمن

إمكانية القواعد البشرية

نتراجع ونريد أنفسنا أشكال حركة متعالية قريبة

من متغيرات تعلن عن مجيئها اشتراكنا في نقاش

(ما زلنا) حق كل إنسان في الحياة

والإحساس الصباحي بمشاعر البشر

نتأرجح بين أكبر قسوة ورقة عجيبة

نكتشف في المرآة أخلاق الزمن الجديد ونمنحها أصابعنا

نخترع دعوتنا إلى مشهد اللذة المجردة

ونحكم قطعاً: على البطل أن يموت

لأنه ليس بالإمكان الإمساك به.

***

2

بقي على زبائن حوانيتكم التحول إلى شعراء

والمشترية نقاش العاهر بأشكال الرق الجديدة

أحاور

أمنح نفسي حريات مع التاريخ والواقعية

لولا ذلك لنقصت حبة السخرية الحقيقية والصحة

العصبية التي تتجمد دونها المهزلة

أقول بأدب شديد: سيادتكم تتعفن وسط طين الخيانة

أقول: يا حضارة تؤمن بكمالية قيمها أنت بيت تاجر

أقول: أطر مسرحكم مساحات مسطحة

الخشب ينتج عن عمل أكثر تعقيداً

توأمه المؤنث قام بتعليمه فن العيش

ذئب الصحارى الجليدية كان ممزق الأطراف منذ شبابه.

***

يوم زمجرت أحشاؤه

لمس بقدمه حدود حراسة لم يرها أحد

وحمل اسمه الحالي بسبب كومة قمح.

***

الطريق الضيق المتعرج لم يكن سوى الدرب القديم

المؤدي إلى مناجم الحجر

له غالباً طبيعة خط زاوية

في أسفل المكان، وسط التربة، ربما على طرف بعض

الانكسارات والعزلات

حيث تكون الزنازن ونزل المجانين هي النقاط المتطرفة

لا يتخبط أحد

صاحب الدار يحكي بسرور لمن يعرف كيف يسأله.

***

كان من حقنا أن ننتظر الكثير، والمفاجأة السيئة أبدية

(أخطأوا في جعلنا كثيري المطاليب تجاههم)

لوننا العالي تشوق إلى حملنا حتى آخر حدود صدقنا

عند نقطة البداية أو النهاية التي عليها مصالحة جميع التناقضات

عند الأراضي الغنية خارج زمن النمل

حيث تستريح اليد على طاولة زهر صغيرة

عند المسارح التي شعرت أخيراً بحاجة إلى الصمت

وليس بانحسار أو تقدم أو توسع

عندما يطهر الفن من الخديعة

فيستمر ليصبح أقصر الطرق

نذكركم بقصص خسيسة لاتفاقيات حول كأس ماء تتسع

دائرته لشفاه كثيرة

تمزقت أقمشة تأثيراتكم ثغرات واسعة الأفواه يتسلل

منها ملاكون وأباطرة

تعثرت على جثث عديدة. قطع أنفي صبي أزعر قبيح

الشكل. كدت أموت غرقاً.

واكتشفت أن مياه الشرب في تلك المدينة بين أيدي

عصابات السحالى.

***

لوحة: عادل داوود
لوحة: عادل داوود

أية فضيحة كانت تتخمر تحت الصخور

أية أنهر ضلت سبيلها

شعب المزارعين غضب من بخل المطر

قلت توجد دون نقاش بين تلك المآسي هيئة عائلية

قلت نمو الساق الجارية يرتاح عند تعاظم العلم

ثلاثة مدارج في تلك القصة وسر عند مدخل كل دار

في ليلة مدينة الهند الصغيرة يتفجر زمن المعرفة

رغم وضوح رؤياك ورغم الشجاعة ما استطعت أن تتنبأ

بشيء أو تمنعه:

كان الصبي رائعاً تحت ضماداته

والدعي الوقح على حدود الشفقة

كلّ ما تكوّن تفكك

أحداً ليس في الواقع على ما يبدو

حملت في حياتك تأكيدات عنيدة يوم كانت المظاهر

الخاطئة تلعب دور البطولة.

***

كنّا نعرف أن لحنا معشوقتين: البحر والحقيقة

حلقة الرجال المرميين على المحيط تود خنق العالم من فرط

احتضانه

لم تضع سنيها في صنع السفينة بصبر طويل

بنوها بأيديهم كحرفيي الذهب

في زمن الجري الكبير نحو رأس الرجاء الصالح ذهب الرجل

باحثاً عن حديث بحارة الكاب هورن

القدماء في بريطانيا

يتكلم الكابهورنيون عن الحوادث كجوقة هوميرية،

يقومون بوصف الجب الأسود وجبابرة اللسان وخطر

كنيسة بريّوس غيريك

شيئاً فشيئاً يتحرر مصيران سارا لفترة بموازاة الواحد للآخر

رجل التحديات حصده حد موجة ورجل المغامرة الداخلية

سحرته وحدته

من قبل صمته صار الصوت مطمئناً لضجيج البحر الذي

فصل بينهما

ثم اكتشف من جديد حركاته البدائية السريعة التي

فقدتها أجيال السمع السلبي

صار يعرف كيف يتوجه بعد أن يصغي.

***

ثوب الفارس والخوذة

يصنعان المقاتل

كي تطارد على ظهر جياد ميكانيكية لها عضلات من فولاذ

يفرض عليك القانون أن تحمي رأسك

ومن هذه الفرضية ولدت جمالية الخوذة

قالوا أن الزجاج يستعاض عنه بشرائح الحديد، والجلد

بعد غليه يقسو

تأكدوا من ذلك خلال مبارزات واجهتهم بها خيول

سقطت منذ ذلك الزمان.

في درب الجيش الكبير اختصاصيو الصفعات على الرأس

دهشوا لقدرتهم على استيعاب الضربات

هذه هزت عزيمتهم

لا تخلع قبعتك: يعرف جميع الرجال منذ صلاح الدين

أن أمراً كهذا يمس كرامة الرجل

وللأحاديث المحدودة (حتماً) ثلاثة ثقوب على حدود

الشفاه تكفي.

***

ومن اجل الخطر المحدق اكتشف الفنان مادة تسمح له

بخلق قناع منغلق تماماً

يحفظ الذقن وأسفل الرقبة

على قدم الفضيحة شباب سافرون يتجولون داخل حوائر

لا تتسع في الوقت ذاته لأصحاب الحوانيت

زينوا حدائد رؤوسهم بالحروف والإشارات كنبلاء فرنسا

وعلى قمة الرأس ريشة بيضاء تسهل التجمع عند مفترق

الطرق

عند وصول المتسابقين رأينا النساء تلقي مكورات تحت

أقدام الإله الجديد

لأن الضوء المبهر والعلانية يمنعان من رؤية غيرهما

سيتصارعون مع أحلامهم.

***

حتى جفاف الحلق. أقتات من الشجر الأكيد. جريت

وزالت في نهاية الساق القدم. جبهتي مسحت تعابير

جوعها. قلت كي يبقى الظلم لا يعاود. قلت أقضي على

زائرينا منه. خنقت جنين الشرّ على يمين مهرتي. حاربت

زبائنه. حروفهم كانت تعلن من الخلف والحلم لا يستحق.

تشرين قصر ما بناه أحد. أنتم أوقدتم النيران في

الأهراء الممتلئة قمحاً. ولم يبقى للسؤال إلاّ حق

المقايضة.

***

مئة طلقة نور لمئة من المآسي استيقظت أخيراً على

حبال رقاب تعودنا نومها. أتحدى نواياكم وإرادة

الترميم المتباطئة. أتحداك، ما زال فوق جناحي

فضاء أوسع

كذلك بإمكان الملك أن يكون نحيلاً. كذلك يتوسع

صوته عند دنو الصمت. تأكدوا أخيراً من صدق الغصن

الطريد يستلهم ربيعه من قشرة. حتى جفاف الحلق.

لكم كان ملكياً يا كتفي انكسارك. أصغي للشتائم

والآهات. أصغي. رؤيا محفورة عند قدم محاجر القمح

السخي

بشر يحملون رؤوس الخفافيش يزرعون جبهاتهم من عتمة

الأقبية

بشر ملطخون بزرقة الأكاذيب يحطمون الرخام في أطر

صدقنا.

يا طين الاعوجاج العجوز. يا متربعاً: لم ننته بعد من رهبة

محاكمك المستقرة.

داخت أصابعنا من ادخار المصافحة

والجريمة سهلة المنال. كما الصحون قذرة. كما في قمة

العين تنهل الشجاعة من يقظتها.

***

– إن كنت حقاً تتزين من دفئهم. بإمكانهم إنقاذك

آخ الليل في صمم المعارك.

– لقد حصدت من الصفاء مواسم وافرة لحد لن يتمكنوا

من انتشالها فوق حمل مواكبهم.

عند هذه الأدراج ينتهي صعودكم. توقفوا ولا تستديروا

خطوط ميل الجبال حطمت عزيمتكم

بإمكانكم الاستسلام يا حلفائي. يا مدافعون. يا من

عشقوا الريح

من بعد جري.

***

هذا الذي جندكم تهاطل حزنه

تبخر الخمر وأصبح السائل حامضاً بعد انكسار الأقنية

شارة إبهام الجهلة تركت على جبهة الأشجار قذارتها

أرتاح لكل هذا.

أتشبه بالبلادة

لكن حديد عوارضي يصيح في جدران بيتي

هلموا! بصحة العزلة.

سلاسل تزين صمتنا. ويتناثر المال على الجيش الشره

هدأتم قوة جبروتي. خنقتم في الحرير صباح الخير الذي

يعني ذلك

أأتمنكم

أستقيل من ممالك وحدتي الجامحة

أحصد الفئران من أعشاش سطحي.

توقفي يا رفاهية الأمل المستجد

سأساوم حتى على التحية

لكني أتذكر التنفس.

***

جاء زمن بإمكانك ترك كُـمّ الحارس كي يمضي

ما زال الليل متعلقاً بالسقف والمصابيح لها بعض الضرورة

قريباً يزول الغشاء وينفرج الأفق

رجل أبيض الراحتين سيصافحك دون تردد

ستبقى عيناك مغلقة من رهبة الضوء

تتنفس خوفك من زوايا الغرفة

لكن القوم الآتين ينادونك باسمك عند باب السور

أتوا من بلاد باتت غداة العشية

أياديهم ساخنة لأنهم لم يلمسوا ذهباً

وأمطارهم المالحة لا مكان لها في العين.

***

لن تتذكر حتى ذرات الغبار فوق الخشب

ما بينك وبين العالم مرض بعيد الشروش

الداء يذهب منك إليه. الهدوء أو الانتفاضة

أطراف الحشائش المائلة وشراسة الصخور أو الانتفاضة.

أجذبك إلى المكان الكئيب الموافق

عند شبكة التحولات المعقدة، ولعبة أعاجيب الذاكرة

حيث يأخذ الصوت استقلاله على ما يبدو

(قال جيريميا عندما انتحب: “يطلب الأولاد خبزاً ولا

يوجد أحداً لكسره)

(رجل الراديب ورجل أجنحة الشمع ما كانا سوى

صور توتم)

أصبحنا رئة دون أن نبتعد

كيف تحصل على الصمت دون شكر؟

 ***

ألاعيبنا القاسية حملت في طياتها أكواماً من الرقة

وقعنا في فخ الصداقة وكان المنتخب أحد أولئك القتلة

المحترفين المسافرين بين مكة والمدينة ليذبحوا بالسيوف

قطعاناً مخدوعة

أحببنا فيه مثال نوع من الشجاعة أو شكل جرأة

وذهب بعد المأدبة كالمطارد

لقبوه حنا الجريء نظراً لإقدامه

حنا من الباب الخلفي

لا يكتفي بحمل اسم المعمدان

يصطحب منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ومن ساحة

قتال لخرى جسده الصغير المتآكل المرتجف تحدياً

للوحوش الضخمة التي يواجهها

وجه طفولي ممتقع كفجر خطر تضيئه حيناً ابتسامة

صرخة الانتصار

رجل صغير مقدام اجتمعت فيه ندرة السحر والمجابهة

جعلنا من هذا الجبلي مواطن شرف للمدينة.

كان لديه – هكذا قالوا – عمق يصنع القتلة التاريخيين

تلك الجديّة التي تنقل الحركة إلى درجة الطقوس

ذلك التنفس الطويل من أسفل الجسد الذي يختطف

ويحيط بالجيش المواجه في سفر خطر لأجساد متحاربة

لا يتوه في الميدان بنعومة مرافقه: يتميز في صراعه بالفرح

كلمة تختلف عن الانطلاق كما السعادة عن الضجيج

كما الشجاعة عن الشراسة

أقام في المأساة (ومن عرف حقيقتها أكثر منه: جسده

يحمل آثار أربعين جرحاً) قصراً واقفاً بين اللامع والخارق

فأحببنا النور في فجر انتصاراته

ودعنا حنا في سالونيك: هذه عملت كثيراً لمجده

استمتعت بفورة وصراحة تصفع البشر من بعد بخل

المعرفة وشفافية العلم

قالوا أن هذا الذي قضى أفضل معاصريه

قالوا لنجرِ بكثرة لنحيي مرة اخيرة المحارب الصغير

ضحكته الشاحبة وحركته المرتجفة

وقدمه تدوس على رمل الساحات العتيقة

مدينته خلعت لتحييه قبعات بيزنطية وبني الأحمر

وكان قلبنا يضيق

أمسية حزينة، وداع كامل

حنّا الجريء قضى ساعتيه الاثنتين مثل موظف على

عجل يود الانتهاء من دوره القاسي

أفرجوا في البدء عن مصارع سمين ذي فروة طويلة بيضاء

لم يكن أكثر لؤماً من الآخرين

لكن ضعفنا في كتفه كان يحد من هجومه

وحنّا محارب فرح يحب العدو الذي يأتي معلناً عن فورته

العصبية

هذا لم يكن عالمه

بل من عالم مراوغة يسحر الرهبان على شاكلة متى

قتله قبل أن يحاول الأخذ بيده اليسرى كي يصافح

لذا لم يحييه أحد

رأى الجميع أنه يود شراء صداقتهم عند الصراع الرابع

كانت شجاعة المواجهة لا تناقش وتوافق حربه كما المسيح

لكنه تداعى أمام عنف وحش احتقر فرسه ولم يكن سوى

صغير زبائنه

لذا تحول إلى عطيل

لم يقم إلاّ بثلاث دورات

وكان المصارع متمرغاً في الرمل

يا لخجل المحارب الذي بات جنونه موضع المثل!

لم يعط هذا المساء سوى براهين إقدامه؛ عندما اختار

في آخر المعركة ألاّ يتسلل متخفياً بموازاة الجدار

اجتاز الساحة بقوة عزيمة المتهالك من أقصاها إلى أقصاها

وهم يرجمونه بصراخهم،

رأيناه في سالونيك عام 1900 يفرض إرادته وقدرته

على أحد كبار البلاط جاءه حاملاً قرنين من حديد وأقدام

لا تنثني

جرأة هادئة

تذكرنا ترانيم الضواحي لرجل يخاطر كصانع عجائب

يترفع عن خبزه

لا نصيح

لكن الصمت هو في هذه الساحة أكثر ما يزن

اختار أن يقطع شريان العنق العريض

أن يرفض موهبته بعلنية المقامر

كان ذلك منذ أيام خلت

على شاطئ الهاوية

في صراع ساعد لساعد مع عدوه القديم القلق.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.