مقدمة‭ ‬في‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬بالعراق

الأحد 2016/05/01

منذ ذلك‭ ‬العام‭ ‬وحتى‭ ‬تاريخ‭ ‬الانتهاء‭ ‬منه‭ ‬(يوليو/‭ ‬تموز‭ ‬2015)،‭ ‬بشكل‭ ‬تام،‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ظلّ‭ ‬مستمراً‭ ‬بلا‭ ‬انقطاع،‭ ‬شمل‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭. ‬فالخارطة‭ ‬واسعة‭ ‬والتَّاريخ‭ ‬عريق،‭ ‬والظُّروف‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬بالاكتمال‭. ‬لذا‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬أكملتُ‭ ‬شيئاً‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬أصدرته‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬بالعراق”‭ ‬(جزء‭ ‬واحد)،‭ ‬فبعد‭ ‬الحوادث‭ ‬الجسام‭ ‬والهزات‮ ‬‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي،‭ ‬كان‭ ‬القلق‭ ‬على‭ ‬التَّعدد‭ ‬الدِّيني‭ ‬والمذهبي‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬خبراً‭ ‬مِن‭ ‬الأخبار،‭ ‬هذا‭ ‬أبرز‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬جعلتني‭ ‬أُصدر‭ ‬الكتاب‭ ‬قبل‭ ‬اكتماله،‮ ‬وظل العمل‭ ‬مستمراً‭ ‬به،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬صعب‭ ‬إلحاقه‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬الدِّينية،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الطبعة،‭ ‬فصدر‭ ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬أعوام‭ ‬جزءاً‭ ‬واحداً‭ ‬أيضاً،‭ ‬واستمر‭ ‬البحث‭ ‬ليصدر،‭ ‬في‭ ‬طبعته‭ ‬الكاملة‭ ‬هذه،‭ ‬بثلاثة‭ ‬أجزاء،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬الإحاطة‭ ‬بما‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يُلحق‭ ‬به،‮ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬إغفال‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬مِن‭ ‬طبعات‭ ‬للكتاب‭ ‬مزوّرة‭ ‬بلغت‭ ‬ثلاث‭ ‬طبعات؛‭ ‬مِن‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬سمعت‭ ‬عنها‭ ‬ولم‭ ‬أعثر‭ ‬عليها،‭ ‬وبأسماء‭ ‬ناشرين‭ ‬لم‭ ‬ألتق‭ ‬بهم‭ ‬يوماً‭ ‬مِن‭ ‬الأيام،‭ ‬حتى‭ ‬تبرّعوا‭ ‬وأشاروا‭ ‬لما‭ ‬زوّروا‭ ‬بأرقام‭ ‬طبعات‭ ‬(الثَّانية‭ ‬والثَّالثة)،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬الطَّبعة‭ ‬الأولى،‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬(2002)‭ ‬عن‭ ‬“منشورات‭ ‬الجمل”‭. ‬وجدتُ‭ ‬أن‭ ‬احتواء‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬الصلات‭ ‬التاريخية‭ ‬بين‭ ‬الجماعات‭ ‬الدِّينية‭ ‬والمذهبية،‭ ‬وتاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الديانة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الطَّائفة،‭ ‬ما‭ ‬تجب‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬بحلته‭ ‬الجديدة‭ ‬ليكون‭ ‬“الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬بالعراق‭.. ‬قديماً‭ ‬وحديثاً”‭.‬

كان‭ ‬انطلاق‭ ‬الكتاب‭ ‬مِن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والإسلام،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬غطّى‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بالخلافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬مع‭ ‬بحث‭ ‬أُصول‭ ‬الدِّيانات،‭ ‬لذا‭ ‬حوى‭ ‬الكتاب‭ ‬مادة‭ ‬تراثية‭ ‬غزيرة‭ ‬تعكس‭ ‬الحياة‭ ‬بين‭ ‬الجماعات‭ ‬العراقية،‭ ‬فقد‭ ‬غطّت‭ ‬فترة‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أكثر‭ ‬مِن‭ ‬سبعة‭ ‬قرون‭ ‬(14-‭ ‬656‭ ‬هـ)،‭ ‬عاشت‭ ‬فيها‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬الفرج‭ ‬والشِّدة،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬الزَّمن‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بالإزاحة‭ ‬الكاملة،‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الشَّدائد،‭ ‬مثلما‭ ‬توجد‭ ‬وسائل‭ ‬الهجرة‭ ‬والاحتواء‭ ‬الخارجي،‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬الهجرة‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬بالأميركيتين‭ ‬وأوروبا،‭ ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬تعرض‭ ‬أتباع‭ ‬الدِّيانات‭ ‬والمذاهب‭ ‬إلى‭ ‬نوبات‭ ‬إرهاب‭ ‬شديدة،‭ ‬وتفاقم‭ ‬الكراهية‭ ‬ضدهم؟

‮ ‬لم‭ ‬يجر‭ ‬توزيع‭ ‬وترتيب‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الدِّين‭ ‬أو‭ ‬المذهب‭ ‬إنما‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ما‭ ‬نعتقده‭ ‬في‭ ‬الأقدمية،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬مبتوتاً‭ ‬به‭ ‬بل‭ ‬مجرد‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬تحمل‭ ‬الخطأ‭ ‬والصَّواب،‭ ‬فمثلاً‭ ‬وجود‭ ‬الإمامية‭ ‬الشَّيخية‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّالث‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬إخراجهم‭ ‬مِن‭ ‬حوزة‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬التَّشيع‭ ‬الإمامي‭ ‬إنما‭ ‬لوجودهم‭ ‬المتأخر،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬المِلل‭ ‬والنِّحل‭ ‬العِراقية،‭ ‬مثل‭ ‬حركة‭ ‬حه‭ ‬قه،‭ ‬والمشيخة‭ ‬البارزانية،‭ ‬والشَّبك،‭ ‬فإضافتهم‭ ‬إلى‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّالث‭ ‬لا‮ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬رابطاً‭ ‬يربطهم‭ ‬بالبابية‭ ‬والبهائية،‭ ‬والأخيرة‭ ‬أحد‭ ‬فصول‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّالث‭ ‬مِن‭ ‬الكتاب‭. ‬نسبق‭ ‬القارئ‭ ‬اللَّبيب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يحكم‭ ‬مِن‭ ‬خلال‭ ‬مطالعة‭ ‬المحتوى‭ ‬على‭ ‬تسلسل‭ ‬الفصول‭ ‬بأنها‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الإسلام‭ ‬وخارج‭ ‬الإسلام،‭ ‬لهذا‭ ‬نلفت‭ ‬النَّظر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الطبعة‭ ‬الجديدة‭ ‬مِن‭ ‬الكتاب‭ ‬المنقحة‭ ‬والمزيدة‭ ‬بفصول‭ ‬جديدة‭ ‬واستدراكات‭ ‬لم‭ ‬تحوها‭ ‬طبعة‭ ‬الكتاب‭ ‬بجزء‭ ‬واحد‭.‬

إنه‭ ‬تصنيف‭ ‬أو‭ ‬ترتيب‭ ‬تقريبي‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬لأن‭ ‬الحوادث‭ ‬شائكة‭ ‬ويصعب‭ ‬التحديد‭ ‬بين‭ ‬الأقدم‭ ‬والأحدث،‭ ‬وعلى‭ ‬الخصوص‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الأديان‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭. ‬لذا‭ ‬يبدأ‭ ‬الكتاب‭ ‬بالصَّابئة‭ ‬المندائيين،‭ ‬وذلك‭ ‬لصلتهم‭ ‬بتقاليد‭ ‬الدِّيانة‭ ‬السُّومرية‭ ‬والبابلية‭ ‬بوجه‭ ‬مِن‭ ‬الوجوه،‭ ‬واعتقادهم‭ ‬أن‭ ‬كتابهم‭ ‬نزل‭ ‬على‭ ‬آدم،‭ ‬وأن‭ ‬البشرية‭ ‬بدأت‭ ‬مندائية‭ ‬وتنتهي‭ ‬مندائية،‭ ‬ثم‭ ‬الأيزيدية‭ ‬لصلتها‭ ‬بالديانات‭ ‬القديمة‭ ‬كالمثرائية،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أنهما‭ ‬الدِّيانتان‭ ‬ذات‭ ‬الأصل‭ ‬العِراقي‭ ‬-على‭ ‬ما‭ ‬نتصور-‭ ‬أكثر‭ ‬مِن‭ ‬غيرهما‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مذاهب‭ ‬المسلمين‭ ‬فنعتقد‭:‬لم‭ ‬يكن‭ ‬النَّاس‭ ‬شيعة‭ ‬وسُنَّة،‭ ‬والبداية‭ ‬كانت‭ ‬بالتمذهب‭ ‬سياسياً،‭ ‬لذلك‭ ‬يبرز‭ ‬الشِّيعة‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭.‬

‮ ‬إن‭ ‬موضوعاً‭ ‬متشعباً‭ ‬ومتداخلاً‭ ‬مثل‭ ‬موضوع‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬بالعراق‮ ‬يصعب‭ ‬الإلمام‭ ‬بكلِّ‭ ‬جوانبه؛ فهو‭ ‬تاريخ‭ ‬وعقائد‭ ‬وعلاقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسياسية‭ ‬متشابكة،‭ ‬خضع‭ ‬كل‭ ‬دين‭ ‬ومذهب‭ ‬منها‭ ‬لدراسات‭ ‬متناقضة‭ ‬في‭ ‬المعلومات،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬قُدّم‭ ‬بمواقف‭ ‬مسبَّقة،‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الحياد‭. ‬لذا‭ ‬وجدت‭ ‬مِن‭ ‬الصُّعوبة‭ ‬بمكان العثور‭ ‬على الدِّراسة‭ ‬أو‭ ‬الرِّواية‭ ‬الموضوعية‭ ‬غير‭ ‬المشوّهة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الآخر‭.‬

بفعل‭ ‬هذا‭ ‬التَّعقيد‭ ‬والتَّشعب‭ ‬جاءت‭ ‬إضافات‭ ‬وتصويبات عمَّا‭ ‬نشرناه‭ ‬سابقاً‭ ‬مِن‭ ‬كتابنا‭ ‬هذا،‭ ‬وبعد‭ ‬تطور‭ ‬الدراسة‭ ‬وجدناه‭ ‬موسوعة‭ ‬لا‭ ‬كتاباً،‭ ‬مِن تصحيح‭ ‬إخفاق‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬رواية،‭ ‬أو‭ ‬تشذيب‭ ‬معلومة،‭ ‬أو‭ ‬إضافة‭ ‬ما‭ ‬تجب‭ ‬إضافته‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أو‭ ‬عقيدة‭ ‬هذا‭ ‬الدِّين‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬المذهب،‭ ‬وما‭ ‬استجد‭ ‬من‭ ‬اكتشاف‭ ‬مصادر‭.‬

غير‭ ‬أن الأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬ملاحظة‭ ‬التَّغيير‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بالعراق‭ ‬في‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬(نيسان)‭ ‬2003؛‭ ‬وكنا‭ ‬أصدرنا‭ ‬كتابنا‭ ‬‮«‬مئة‭ ‬عام‭ ‬مِن‭ ‬الإسلام‭ ‬السِّياسي‭ ‬بالعِراق‮»‬‭ ‬مستوعباً‭ ‬تلك‭ ‬التَّطورات‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السِّياسي‭ ‬الدِّيني‭. ‬فبسقوط‮ ‬النَّظام‭ ‬العراقي‭ ‬السَّابق برزت‭ ‬مستجدات‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الدِّيني‭ ‬والمذهبي،‭ ‬فكان‭ ‬فراغ‭ ‬السُّلطة،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬شهور،‭ ‬اختباراً‭ ‬حقيقياً‭ ‬لآصرة‭ ‬المواطنة‭ ‬بين‭ ‬أديان‭ ‬ومذاهب‭ ‬العراق،‮ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬توقعات‭ ‬متشائمة كانفجار‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬بين‭ ‬سُنَّة‭ ‬وشيعة‭ ‬العراق،‭ ‬وتوقعات‭ ‬أُخرى‭ ‬أنذرت‭ ‬بهجرة‭ ‬المسيحيين‭ ‬والصَّابئة‭ ‬المندائيين‭ ‬والأيزيديين‭ ‬حالاً‭ ‬مِن‭ ‬البلاد،‭ ‬وكل‭ ‬مَن‭ ‬لا‭ ‬يرغـب‭ ‬بـه‭ ‬المتشـددون‭ ‬الإسلاميون‭.‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬خالف‭ ‬مجمل‭ ‬تلك‭ ‬التَّوقعات،‭ ‬قياساً‭ ‬بعدد‭ ‬سكان‭ ‬العراق،‭ ‬وما‭ ‬خلفه‭ ‬النِّظام‭ ‬السَّابق‭ ‬مِن‭ ‬مآسٍ‭ ‬وكوارثَ‭ ‬اجتماعية‭ ‬وبيئية،‭ ‬لم‭ ‬تحصل‭ ‬حرب‭ ‬طائفية‭ ‬شاملة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سعى‭ ‬إليها‭ ‬مَنْ‭ ‬سعى‭ ‬وبقوة،‭ ‬لكن‭ ‬قيام‭ ‬السِّياسة‭ ‬العِراقية‭ ‬على‭ ‬المحاصصة‭ ‬والتَّصريح‭ ‬بالحس‭ ‬الطَّائفي،‭ ‬أنسى‭ ‬القوم‭ ‬وجود‭ ‬تلك‭ ‬الكيانات‭ ‬ضاربة‭ ‬الجذور‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬العِراق،‭ ‬وصارت‭ ‬الهجرة‭ ‬مِن‭ ‬جديد‭ ‬ضالة‭ ‬العِراقيين،‭ ‬مِن‭ ‬مختلف‭ ‬أطيافهم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬واضحاً‭ ‬بين‭ ‬الطَّوائف‭ ‬ذات‭ ‬العدد‭ ‬المحدود،‭ ‬كالصَّابئة‭ ‬المندائيين‭ ‬والمسيحيين،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬عليهم‭ ‬مِن‭ ‬ضيم‭ ‬مِن‭ ‬قبل‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهؤلاء‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬متمسّكين‭ ‬بالأرض‭ ‬والعِراق‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬هو‭ ‬العِراق‭ ‬إذا‭ ‬خلت‭ ‬أرضه‭ ‬مِن‭ ‬هؤلاء‭.‬


رسم يرمز إلى الديانة البهائية

مِن‭ ‬دون‭ ‬النَّظر‭ ‬في‭ ‬الجزئيات،‭ ‬ظهر‭ ‬العراقيون‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أديانهم‭ ‬ومذاهبهم‭ ‬أكثر‭ ‬تمسّكاً‭ ‬بالمواطنة‭ ‬التي‭ ‬جمعتهم‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد،‭ ‬وما‭ ‬حصل‭ ‬مِن‭ ‬قتال‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬ميليشيات‭ ‬وأمراء‭ ‬حرب‭ ‬وليس‭ ‬بين‭ ‬النَّاس‭ ‬(الشَّعب)‭. ‬وبالجملة‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬مِن‭ ‬تجاوزات‭ ‬ضد‭ ‬الأديان‭ ‬الأُخرى‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬الجماعات المتشددة‭ ‬المسلحة،‭ ‬ومَن‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬طمع‭ ‬بدار‭ ‬ومال‭ ‬غير‭ ‬منقول‭ ‬سيتركه‭ ‬أولئك‭ ‬النَّازحون‭ ‬تحت‭ ‬الحراب،‭ ‬مثلما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬الأربعينات‭ ‬والخمسينات،‭ ‬مِن‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ليهود‭ ‬العراق‭.‬

‮ ‬تلك‭ ‬الجماعات التي‭ ‬وزعت‭ ‬إيذاءها‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬وما‭ ‬سبّبه‭ ‬العائدون‭ ‬توّا‭ ‬مِن‭ ‬إيران،‭ ‬مِن‭ ‬الحاملين‭ ‬عقلية‭ ‬الإعلام‭ ‬الدِّيني‭ ‬المتشدد‭ ‬مِن‭ ‬ضغوط‭ ‬على بقية أهل‭ ‬الأَديان له‭ ‬خطورته،‭ ‬لكنه‭ ‬سينحسر مع‭ ‬تقادم‭ ‬الأيّام‭ ‬والتَّمرس‭ ‬على‭ ‬الدِّيمقراطية،‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬نية‭ ‬صادقة‭ ‬لدى‭ ‬الكيانات‭ ‬السِّياسية‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬إقامتها‭ ‬سليمةً‭ ‬لا‭ ‬متردّيةً‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬صعود‭ ‬متدينين‭ ‬في‭ ‬المحافظات‭ ‬الجنوبية،‭ ‬محسوبين‭ ‬على‭ ‬كُتلة‭ ‬“دولة‭ ‬القانون”،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬مِن‭ ‬حزب‭ ‬الدَّعوة‭ ‬أو‭ ‬تفرّعاته،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬محافظ‭ ‬وأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬الحكم‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬التَّضييق‭ ‬على‭ ‬الصَّابئة،‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬قطع‭ ‬الماء‭ ‬عن‭ ‬بيت‭ ‬عبادتهم‭ ‬كلُّ‭ ‬يوم‭ ‬أحد،‭ ‬جرى‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح‭ ‬بالبصرة‭ ‬([1])‭.‬

أشارت‭ ‬التَّقارير‭ ‬إلى‭ ‬ضخامة وجود الجماعات التكفيرية بكثافة‭ ‬بالفلوجة‭ ‬والأنبار‭ ‬وتكريت‭ ‬وأجزاء‭ ‬مِن‭ ‬بعقوبة‭ ‬والموصل‭. ‬أي‮ ‬بما‭ ‬عُرف‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬بنية‭ ‬مبيّتة‭ ‬بالمثلث‭ ‬السّنَّي،‭ ‬وما‭ ‬عرف‭ ‬بمثلث‭ ‬الموت،‮ ‬ومركزه‭ ‬اللَّطيفية‭ ‬جنوب‭ ‬بغداد،‭ ‬وتنسيق‭ ‬هؤلاء‭ ‬مع الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأُخرى‭ ‬مِن‭ ‬المتضررين‭ ‬مِن‭ ‬الممارسات‭ ‬الجديدة،‭ ‬مثل‭ ‬قانون‭ ‬الاجتثاث‭ ‬السيّئ،‭ ‬كونه‭ ‬قانوناً‭ ‬ثأرياً‭.‬

سعت‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭ ‬إلى‭ ‬تحريك‭ ‬فتنة‭ ‬دينية‭ ‬ومذهبية‭ ‬لم‭ ‬يألفها‭ ‬العراقيون‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬أومأت‭ ‬رسائلهم‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تغذية‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬بين‭ ‬الشِّيعة‭ ‬والسُّنَّة،‭ ‬عبر‭ ‬تفجير‭ ‬مساجد‭ ‬شيعيةوسُنَّية،على‭ ‬حدٍّ‭ ‬سواء،‮ ‬لكي‭ ‬تتهم‭ ‬الطائفتان‭ ‬إحداهما‭ ‬الأُخرى‭ ‬فتنشب‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬مدى‭ ‬خطورتها‭ ‬على‭ ‬آصرة‭ ‬المواطنة‭ ‬العراقية‭. ‬وقيل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬يداً‭ ‬تمتد‭ ‬بالخفاء‭ ‬لفعل‭ ‬تلك‭ ‬الشَّنائع‭ ‬وهي‭ ‬تمدّ‭ ‬المسلحين‭ ‬مِن‭ ‬الطائفتين‭. ‬فمثلاً‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬مقتل‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬باقر‭ ‬الحكيم‭ ‬(أغسطس/آب‭ ‬2003)‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬فعل‭ ‬القاعدة،‭ ‬والسَّبب‭ ‬أن‭ ‬التفجيرات‭ ‬لُغمت‭ ‬بهيكل‭ ‬سيارته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محمية،‭ ‬وأن‭ ‬القاعدة‭ ‬آنذاك‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬مِن‭ ‬الفعل‭.‬

إلا‭ ‬أن تحرك‭ ‬العقلاء‭ ‬مِن‭ ‬الطَّائفتين،‮ ‬واكتشاف‭ ‬هول‭ ‬هذا‭ ‬المخطط‭ ‬مبكّراً،‮ ‬أفشل‭ ‬تنفيذه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر،‭ ‬وتمكن‭ ‬مِن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬لجم‭ ‬الصِّدام‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬والعشائر،‭ ‬فمثلاً‭ ‬حلت‭ ‬المسائل‭ ‬المتعلقة‭ ‬بقتل‭ ‬الشَّباب‭ ‬الشِّيعة‭ ‬بالفلوجة‭ ‬أو‭ ‬تفجير‭ ‬المساجد برويّة‭ ‬وعقل‭. ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬لظهور‭ ‬جيش‭ ‬المهدي‭ ‬تأثيره‭ ‬السَّلبي‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬النسيج‭ ‬الشِّيعي،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬شيعة‭ ‬كثيرين‭ ‬وبالنَّجف‭ ‬ذاتها‭ ‬لا‭ ‬يحبّذون‭ ‬وجوده،‭ ‬وما‭ ‬كنا‭ ‬نحذر‭ ‬منه‭ ‬مِن‭ ‬شخصيات‭ ‬فاعلة‭ ‬فيه،‭ ‬وقد‭ ‬أعلن‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬التَّيار‭ ‬الصَّدري‭ ‬نفسه‭ ‬البراءة‭ ‬منهم،‭ ‬ودعا‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬استضافتهم،‭ ‬وإقراره‭ ‬بما‭ ‬ارتكبوا‭ ‬مِن‭ ‬الجرائم‭ ‬([2])‭.‬

على‭ ‬نطاق‭ ‬السُّنَّة‭ ‬تأسست‭ ‬الصَّحوات‭ ‬مِن‭ ‬عشائر‭ ‬الأنبار‭ ‬وغيرها،‭ ‬وأسهمت‭ ‬بفاعلية‭ ‬في‭ ‬إخلاء‭ ‬البلد‭ ‬مِن‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭. ‬فما‭ ‬حصل‭ ‬مِن‭ ‬مواجهات‭ ‬بين‭ ‬أطراف‭ ‬شيعية‭ ‬لها‭ ‬حضورها‭ ‬وتاريخها‭ ‬السَّياسي‭ ‬مع‭ ‬جيش‭ ‬المهدي‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬النَّسيج‭ ‬الشِّيعي‭ ‬فيه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لون،‭ ‬على‭ ‬الرَّغم‭ ‬مِن‭ ‬أواصر‭ ‬المذهب‭ ‬الجعفري‭ ‬التي‭ ‬تجمعهم،‭ ‬والحال‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬السُنَّة‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أشارت‭ ‬فيه‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬إلى‭ ‬دورٍ‭ ‬لعمائم‭ ‬محسوبة‭ ‬على‭ ‬الصَّدريين‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬السَّيد‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬الخوئي،‮ ‬في‭ ‬العاشر‭ ‬مِن‭ ‬أبريل‭ ‬(نيسان)‭ ‬2003،‭ ‬وهو‭ ‬نجل‭ ‬المرجع‭ ‬الأعلى‭ ‬أبي‭ ‬القاسم‭ ‬الخوئي‮ ‬(ت‭ ‬1992)،‮ ‬وكان‭ ‬مشهداً‭ ‬مؤلماً‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬وتجرّد‭ ‬من‭ ‬الإنسانية،‮ ‬التفّ‭ ‬حول‭ ‬الصَّدر‭ ‬المئات‭ ‬ثم‭ ‬الآلاف‭ ‬مِن‭ ‬الشَّباب‭ ‬ورجال‭ ‬الدِّين‭ ‬ممَن‭ ‬درسوا‭ ‬في‭ ‬حوزة‭ ‬والده‭ ‬الدِّينية‭ ‬بالنَّجف،‮ ‬يتظاهرون‭ ‬باستنكار‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬الأميركان‭ ‬والبريطانيين‭. ‬بينما‭ ‬نسّقت‭ ‬بقية‭ ‬الأحزاب‭ ‬الشِّيعية،‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬الأُخرى،‭ ‬الدِّينية‭ ‬والعلمانية‭ ‬العربية‭ ‬منها‭ ‬والكردية‭ ‬والتركمانية‭ ‬والآشورية،‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬التَّحالف‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الدَّولة‭ ‬على‭ ‬أنقاض الحرب،‭ ‬التي‭ ‬هدت‭ ‬صباح‭ ‬الأربعاء،‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬(نيسان)‮ ‬‭ ‬2003،‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدَّولة‭ ‬بكاملها‭.‬

لقد حدثت‭ ‬تطورات‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬العراقية،‮ ‬فبعد‭ ‬تغييب‭ ‬صوت‭ ‬تلك‭ ‬المكوّنات،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬السَّابقة،‭ ‬أخذت‭ ‬تطالب بوجود مناسب‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬ومجالس‭ ‬البلديات‭ ‬وفي‭ ‬رأس‭ ‬السُّلطة،‮ ‬وبوجود‭ ‬فاعل حقيقي‭ ‬يعكس مثولها على‭ ‬الأرض‭.‬


رموز دينية مندائية

هناك إشارات‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬أديان‭ ‬العِراق‭ ‬مِن‭ ‬خمسة‭ ‬أديان‭ ‬إلى‭ ‬سبعة‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬البهائية‭ ‬وما‭ ‬يفهم‭ ‬مِن كا‭ ‬كه‭ ‬يي‭ ‬(أهل‭ ‬الحق)‭ ‬كديانتين‭. ‬وسعياً‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬الوجود أعلن‭ ‬جماعة‭ ‬مِن‭ ‬الصَّابئة‭ ‬المندائيين‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬حزب‭ ‬أو‭ ‬تجمع‭ ‬سياسي،‭ ‬خارج‭ ‬رغبة‭ ‬رجال‭ ‬الدِّين‭ ‬أو‭ ‬مجلس‭ ‬الطَّائفة‭ ‬الرُّوحاني‭ ‬الأعلى‭ ‬بالعراق‭. ‬لأن‭ ‬ليس‭ ‬مِن‭ ‬تقاليد‭ ‬هذه‭ ‬الدِّيانة‭ ‬أن‭ ‬تهتم‭ ‬بالشَّأن‭ ‬السِّياسي‭ ‬المباشر‭.‬

لكن‭ ‬هناك‭ ‬حقيقة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬ذات‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬الأقل،‭ ‬قياساً‭ ‬بالسُّنَّة‭ ‬العرب‭ ‬والشِّيعة‭ ‬العرب‭ ‬أيضاً،‭ ‬كانت‭ ‬ممثلة‭ ‬أساساً‭ ‬عبر‭ ‬تكويناتها‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬الإثنية‭. ‬فالصَّابئة‭ ‬حسبوا‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬العرب،‭ ‬وعلى وجود أبنائهم‭ ‬داخل‭ ‬الأحزاب‭ ‬السِّياسية‭ ‬العراقية‮ ‬غير‭ ‬الإسلامية‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬كالحزب‭ ‬الشِّيوعي‭ ‬العراقي‭ ‬وحزب‭ ‬البعث‭ ‬العربي‭ ‬الاشتراكي‭.‬‮ ‬كذلك‭ ‬حُسب المسيحيون‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬الكلدو‭ ‬آشوريين‭. ‬بينما‭ ‬حُسب‭ ‬الأيزيديون‭ ‬على‭ ‬النِّسبة‭ ‬الكردية،‮ ‬مع‭ ‬تأسيس‭ ‬جماعة‭ ‬منهم‭ ‬لحزب‭ ‬سياسي‭ ‬لكنّه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حزباً‭ ‬دينياً‭. ‬ربما‭ ‬توزع‭ ‬الكرد‭ ‬الفيليون‭ ‬بين‭ ‬الكرد‭ ‬والشِّيعة‭ ‬عموماً،‭ ‬مع‭ ‬وجودهم‮ ‬‭ ‬ضمن‭ ‬كيان‭ ‬خاص‭ ‬اجتماعي‭ ‬وسياسي‭.‬

لهذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تمثيل‭ ‬أهل‭ ‬الأَديان‭ ‬غير‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وأقصد‭ ‬بالتَّحديد‭ ‬المذاهب‭ ‬المسيحية‭ ‬المتعددة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬مذهبي،‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬التَّعامل‭ ‬معهم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬إثني‭.‬‮ ‬فكلُّ‮ ‬مسيحي‭ ‬هو‭ ‬كلداني‭ ‬أوآشوري،‭ ‬وكل‭ ‬أيزيدي‭ ‬هو‭ ‬كردي،‮ ‬وكل‭ ‬صابئي‭ ‬هو‭ ‬عربي،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬آرامي،‭ ‬حيث‭ ‬أجبرهم‭ ‬التَّعايش‭ ‬الطَّويل‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وبأقلية على‭ ‬حصر‭ ‬لغتهم‭ ‬الآرامية‭ ‬في‭ ‬طقوسهم‭ ‬الدِّينية،‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬ممَن‭ ‬يجيدها‭ ‬غير‭ ‬رجال‭ ‬الدِّين،‭ ‬وبضعة‭ ‬كلمات‭ ‬يحفظها‭ ‬المندائي‭ ‬عند‭ ‬الصِّباغة‭ ‬أو‭ ‬المعمودية،‭ ‬وما‭ ‬عرف‭ ‬بالملواشة الاسم‭ ‬الدِّيني‭ ‬لكلِّ‭ ‬مولودٍ‭ ‬صابئي،‭ ‬وهم‭ ‬خلاف‭ ‬المندائيين‭ ‬الأَهوازيين‭ ‬في‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائهم‭ ‬لغتهم‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬الصِّغر‭.‬

‮ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬الحرية،‭ ‬وهيمنة‭ ‬مقومات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬المتحضر،‮ ‬تعلن‭ ‬الطقوس‭ ‬ويفرج‭ ‬عن‭ ‬مقالات،‭ ‬ووثائق‭ ‬ظلت‭ ‬مطوية لقرون،‭ ‬ويحدث‭ ‬اتصال‭ ‬مباشر‭ ‬بين‭ ‬شيوخ‭ ‬ووجهاء‭ ‬الأَديان‭ ‬كافة،‭ ‬مِن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للسُّلطة‭ ‬شأن‭ ‬في‭ ‬الأَمر‭. ‬ومِن‭ ‬المحاولات‭ ‬الجادة‭ ‬مِن‭ ‬أجل‭ ‬تنقية‭ ‬أَجواء‭ ‬التَّجاور‭ ‬الدِّيني‭ ‬والمذهبي‭ ‬تشكلت،‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النَّظام‭ ‬السَّابق،‮ ‬هيئة عليا‭ ‬للتَّضامن‭ ‬الرُّوحي‭ ‬بين‭ ‬الأَّديان المصطلح‭ ‬عليها‭ ‬بالسَّماوية‭ ‬داخل‭ ‬العراق،‮ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬عقدت‭ ‬مؤتمرها‭ ‬الأول‭ ‬ببغداد‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬أغسطس‭ ‬(آب)‮ ‬2004‭ ‬([3])‭.‬

لقد‭ ‬بدأت‭ ‬الدَّولة‭ ‬العراقية‭ ‬خطوة‭ ‬صحيحة‭ ‬في‭ ‬العشرينات،‭ ‬مِن‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬عندما‭ ‬جعلت‭ ‬معلمين‭ ‬من الطَّوائف‭ ‬الدِّينية‭ ‬لتعليم‭ ‬الأولاد‭ ‬الصَّلاة‭ ‬بمعتقدهم،‭ ‬في‭ ‬درس‭ ‬خاص‭ ‬حسب‭ ‬أديانهم،‭ ‬مثلما‭ ‬يتعلم‭ ‬أولاد‭ ‬المسلمين‭ ‬أمور‭ ‬وتاريخ‭ ‬ديانتهم‭ ‬([4])‭.‬

جاء‭ ‬في‭ ‬مذكرات‭ ‬مدير‭ ‬التعليم‭ ‬العام‭ ‬ساطع‭ ‬الحصري‭ ‬أن‭ ‬مدارس‭ ‬العراق‭ ‬الرَّسمية‭ ‬العام‭ ‬الدِّراسي‭ ‬(1921‭ ‬ــ‭ ‬1922)‭ ‬ضمت‭ ‬(4288)‭ ‬مسيحياً،‭ ‬و(571)‭ ‬يهودياً،‭ ‬و(165)‭ ‬صابئياً،‭ ‬وأربعة‭ ‬أيزيديين‭ ‬فقط‭. ‬والطائفة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كانت‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التَّعليم‭ ‬والدَّولة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬مقابل‭ ‬(7101)‭ ‬طالبا‭ ‬مسلما‭ ‬سُنَّيا،‭ ‬و(3146)‭ ‬طالباً‭ ‬مسلماً‭ ‬شيعياً‭. ‬ثم‭ ‬تزايد‭ ‬العدد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1922‭ ‬–‭ ‬1923‭ ‬ليصبح‭ ‬عدد‭ ‬الطلبة‭ ‬المسيحيين‭ ‬(4313)،‭ ‬واليهود‭ ‬(740)،‭ ‬والصَّابئة‭ ‬(194)،‭ ‬والأيزيديين‭ ‬(16)،‭ ‬مقابل‭ ‬(8166)‭ ‬مسلماً‭ ‬سُنَّياً،‭ ‬و(3802)‭ ‬مسلما‭ ‬شيعيا‭ ‬([5])‭.‬

إن‭ ‬أيّ‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬التَّركيبة‭ ‬الدِّينية‭ ‬والمذهبية،‭ ‬القائمة‭ ‬بالعراق،‭ ‬سيؤدي‮ ‬حتماً‮ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬وجه‭ ‬العراق‭ ‬نحو‭ ‬الأسوأ‭. ‬لذا‭ ‬أجد‭ ‬مِن‭ ‬الحكمة‭ ‬أن‭ ‬يحرص‭ ‬العراقيون‭ ‬ونظامهم،‭ ‬الذي‭ ‬يريدون‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ديمقراطياً‭ ‬مدنياً،‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الشُّروط‭ ‬القانونية‭ ‬والحقوقية‭ ‬لطمأنة‭ ‬أهل‭ ‬الأديان‭ ‬الأُخرى،‭ ‬وإشعارهم‭ ‬أنهم‭ ‬الأقدم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬بعينها‭. ‬وأن‭ ‬يحرّم‭ ‬التَّكفير‭ ‬والإقصاء‭ ‬تحريماً‭ ‬قاطعاً‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬محرّم‭ ‬في‭ ‬الدُّستور‭.‬


عملة إسلامية قديمة

أجد‭ ‬مِن‭ ‬الحق‭ ‬أن‭ ‬يُضمن‭ ‬حق‭ ‬العودة‭ ‬لكلِّ‭ ‬مهجّر‭ ‬عن‭ ‬أرضه،‭ ‬وألا‭ ‬يستثنى‭ ‬يهود‭ ‬العراق‭ ‬بحجة‭ ‬مقارعة‭ ‬إسرائيل‭ ‬والصهيونية،‭ ‬وأعني‭ ‬الرَّاغبين‭ ‬منهم‭ ‬ومِن‭ ‬أبنائهم‭. ‬فمقارعة‭ ‬الصُّهيونية‭ ‬كانت‭ ‬ذريعة‭ ‬لارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬الفرهود‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬(حزيران)‭ ‬1941‭ ‬ضدهم،‭ ‬وتهجيرهم‭ ‬بإصدار‭ ‬قانون‭ ‬إسقاط‭ ‬الجنسية‭. ‬فلهــؤلاء‭ ‬حقـوق‭ ‬المواطنة‭ ‬وأملاك‭ ‬وعقـارات‭ ‬هـي‭ ‬جهـد‭ ‬سواعــد‭ ‬آبائــهم‭ ‬وأجــدادهم،‭ ‬أمـلاك‭ ‬ما‭ ‬زالـت‭ ‬معلقة‭ ‬تحـت‭ ‬عنـوان‭ ‬‮«‬الأمـوال‭ ‬المجمدة‮»‬‭.‬

يأتي‭ ‬كتاب‭ ‬ماضي‭ ‬وحاضر‭ ‬أديان‭ ‬ومذاهب‭ ‬العراق في‭ ‬مجمله‭ ‬رصداً‭ ‬تاريخياً‭ ‬واجتماعياً،‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬-بطبيعة‭ ‬الحال-‭ ‬مِن‭ ‬إيضاحات‭ ‬لأهمّ‭ ‬مقالات‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬الفكرية‭ ‬والفقهية،‭ ‬وكشف‭ ‬المشترك‭ ‬بينها،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬البحث‭ ‬وفقاً‭ ‬لتسلسل‭ ‬الأحداث‭ ‬الزَّمني‭. ‬وبما‭ ‬أن الكتاب لم‮ ‬يختص بدين‭ ‬أو‭ ‬مذهب‭ ‬واحد،‭ ‬لذا‭ ‬جرت‭ ‬محاولة‭ ‬الإلمام‭ ‬بأهمّ‭ ‬الأحداث،‭ ‬مع‭ ‬إبراز‭ ‬التَّعايش‭ ‬بين‭ ‬الدِّيانات‭ ‬والمذاهب‭ ‬العراقية‭ ‬أثناء‭ ‬فترات‭ ‬الفرج‭ ‬والشِّدة‭ ‬منها‭. ‬ومعلوم‭ ‬أن‭ ‬التَّعرض‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬قد‭ ‬يغضب‭ ‬الكثيرين‭ ‬ويُرضي‭ ‬الكثيرين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬

تمّ‭ ‬الاعتماد‭ ‬أولاً،‭ ‬في‭ ‬مصادر الكتاب،‭ ‬على ما‭ ‬حصلنا‭ ‬عليه‭ ‬مِن‭ ‬مؤلفات‭ ‬أهل‭ ‬الدِّيانات،‭ ‬على‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬مكة‭ ‬أدرى‭ ‬بشعابها‭. ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الآخرون‭ ‬مِن‭ ‬مؤرخين‭ ‬وجغرافيين،‭ ‬مِن‭ ‬غير‭ ‬المناوئين‭. ‬ولم‭ ‬نواجه‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬المصادر،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬عند‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬المصادر‭ ‬الأكثر‭ ‬كانت‭ ‬التَّاريخية‭ ‬القديمة‭ ‬منها،‭ ‬مع‭ ‬الابتعاد‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬عن‭ ‬إجابات‭ ‬موسوعات‭ ‬المِلل‭ ‬والنِّحل‭ ‬المختصرة‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬هذا‭ ‬الدِّين‭ ‬أو‭ ‬ذلك‭ ‬المذهب‭. ‬وما‭ ‬كنّا‭ ‬بحاجته‭ ‬مِن‭ ‬تلك‭ ‬المصادر‭ ‬هو‭ ‬الرِّواية‭ ‬التَّاريخية‭ ‬وتأكيد‭ ‬إسنادها‭. ‬فمن‭ ‬كُتب‭ ‬التَّاريخ‭ ‬والتُّراث‭ ‬الإسلامي‭ ‬حصلنا‭ ‬على‭ ‬مادة‭ ‬كافية‭ ‬لحياة‭ ‬غير‭ ‬المسلمين‭ ‬داخل‭ ‬المحيط‭ ‬الإسلامي‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬بغداد‭ ‬عاصمةً‭ ‬للدَّولة‭ ‬الإسلامية‭.‬

عكست‭ ‬روايات‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬تبايناً‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الدَّولة،‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬مراحلها،‭ ‬تجاه‭ ‬مواطنيها‭ ‬الذِّمّيين،‭ ‬ومدى‭ ‬مشاركتهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬ومواقف‭ ‬الفقهاء‭ ‬المتباينة‭ ‬تجاههم‭ ‬بين‭ ‬متشدّد‭ ‬ومتسامح‭. ‬قاد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬التَّداخل‭ ‬بين‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬المذهب‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬مِن‭ ‬أهل‭ ‬الذمة‭. ‬كما‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬البحث‭ ‬ترجمات‭ ‬عديدة‭ ‬لأهم‭ ‬الشَّخصيات‭ ‬الدِّينية‭ ‬والفقهية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬أديانها‭ ‬أو‭ ‬مذاهبها‭.‬

تحدثت‭ ‬المصادر‭ ‬الإسلامية‭ ‬-كتب‭ ‬المِلل‭ ‬والنِّحل‭ ‬مثلاً-‭ ‬عن‭ ‬مقالات‭ ‬وطقوس‭ ‬الأديان‭ ‬الأُخرى،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أوردته‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬مادة‭ ‬تاريخية‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ندر،‭ ‬ذلك‭ ‬لعدم‭ ‬حيادها‭ ‬وميلها‭ ‬للتشويه‭. ‬استدعى‭ ‬ذلك‭ ‬البحث‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬عديد‭ ‬مِن‭ ‬المفاهيم،‭ ‬مثل‭ ‬الأَقانيم‭ ‬عند‭ ‬المسيحيين،‭ ‬وما‭ ‬قيل‭ ‬في‭ ‬تزوير‭ ‬الكتابين‭: ‬التَّوراة‭ ‬والإِنجيل،‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلاقة‭ ‬الصَّابئة‭ ‬المندائيين‭ ‬بالكواكب‭ ‬والماء،‭ ‬وما‭ ‬تحدث‭ ‬به‭ ‬مؤرخو‭ ‬السُّنَّة‭ ‬حول‭ ‬مقالات‭ ‬الشِّيعة‭ ‬وبالعكس‭.‬

ليس‭ ‬لنا‭ ‬الدُّخول‭ ‬في‭ ‬ماهية‭ ‬اعتقادات‭ ‬الأَديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬بالتَّفصيل،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬وردت‭ ‬إشارات‭ ‬وافية‭ ‬لطقوس‭ ‬العبادة‭. ‬ويأتي‭ ‬التَّوسع‭ ‬حسب‭ ‬حاجة‭ ‬البحث،‭ ‬مع‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتَّسلسل‭ ‬التَّاريخي‭ ‬لوجود‭ ‬الدِّين‭ ‬أو‭ ‬المذهب،‭ ‬وهو‭ ‬يعيش‭ ‬تارة‭ ‬التَّقارب‭ ‬وأخرى‭ ‬التَّباعد‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التَّنوع‭ ‬الدِّيني‭ ‬والمذهبي‭ ‬على‭ ‬الأَرض‭ ‬العراقية‭ ‬ظلّ‭ ‬سمة‭ ‬مميزة‭ ‬للمجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬منذ‭ ‬القِدم،‭ ‬ولم‭ ‬يُنَفِّر‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬الظروف‭ ‬طرفاً‭ ‬ما‭ ‬نفوراً‭ ‬تاماً‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الهجرة‭ ‬الجماعية‭.‬

‮ ‬فما‭ ‬حدث‭ ‬لليهود‭ ‬العراقيين‭ ‬(1950-1951)‭ ‬كان‭ ‬مشروعاً‭ ‬اشترك‭ ‬فيه‭ ‬مسؤولون‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬الدَّولة‭ ‬العراقية،‭ ‬واستغلت‭ ‬فيه العاطفة‭ ‬الدِّينية‭ ‬والقومية،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬مورس‭ ‬ضدهم‭ ‬الفرهود‭ ‬(1941)،‭ ‬الذي‭ ‬أسهمت‭ ‬فيه‭ ‬فلول‭ ‬مِن‭ ‬الجيش‭ ‬قبل‭ ‬اللُّصوص،‭ ‬وشجّع‭ ‬عليه‭ ‬مواطنون‭ ‬عرب‭ ‬بسذاجة‭ ‬تحت‭ ‬مشاعر‭ ‬العداء‭ ‬للصُّهيونية‭ ‬ومناصرة‭ ‬النَّازية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الشخصية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المعروفة‭ ‬مفتي‭ ‬القدس‭ ‬أمين‭ ‬الحسيني‭ ‬(ت‭ ‬1974)‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬مقيماً‭ ‬ببغداد،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬حقق‭ ‬لأول‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيلي‭: ‬بن‭ ‬غوريون‭ ‬(ت‭ ‬1973)‭ ‬حلمه‭.‬

تجدر الإشارة إلى قوانين أصدرتها الحكومات العراقية لحفظ الأديان الأخرى، من جور قد يمارسه المتزمتون والجهلاء ضدهم مقيدا من حريتهم الدينية

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬قوانين‭ ‬أصدرتها‭ ‬الحكومات‭ ‬العراقية‭ ‬لحفظ‭ ‬الأديان‭ ‬الأُخرى؛‭ ‬مِن‭ ‬جور‭ ‬قد‭ ‬يمارسه‭ ‬المتزمتون‭ ‬والجهلاء‭ ‬ضدهم‭ ‬مقيداً‭ ‬مِن‭ ‬حريتهم‭ ‬الدِّينية‭. ‬فما‭ ‬قاله‭ ‬عبدالحميد‭ ‬عبادة‭ ‬(ت‭ ‬1930)‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬سمّاه‭ ‬بأذان‭ ‬الصَّابئة‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يؤذنون‭ ‬في‭ ‬محلّ‭ ‬عال‭ ‬مرتفع‭ ‬مثلنا‭ ‬(يقصد‭ ‬المسلمين)،‭ ‬وإنما‭ ‬يؤذنون‭ ‬بينهم‭ ‬بصوت‭ ‬خفيّ‮»‬‭ ‬([6])‭. ‬ليس‭ ‬مِن‭ ‬الدِّين،‭ ‬وإنما‭ ‬خشية‭ ‬مِن‭ ‬المحيط،‭ ‬مع‭ ‬علمنا‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يؤذنون‭ ‬ولا‭ ‬يضربون‭ ‬ناقوساً‭ ‬ولا‭ ‬ينفخون‭ ‬في‭ ‬بوق،‭ ‬لكن‭ ‬تأدية‭ ‬شعائرهم‭ ‬بسرية‭ ‬لا‭ ‬تُفسر‭ ‬إلا‭ ‬بتلك‭ ‬الخشية،‭ ‬وإلا‭ ‬لماذا‭ ‬أخذوا‭ ‬يُعمّدون‭ ‬أبناءهم‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬أنهر‭ ‬بلاد‭ ‬الغرب‭ ‬بعلانية‭. ‬فهم‭ ‬مِن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يؤذّنوا‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬يلاقون‭ ‬الأذى،‭ ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬رفعوا‭ ‬صوتهم‭ ‬وبكلمات‭ ‬غريبة؟‭!‬

‮ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القوانين‭: ‬يعاقب‭ ‬بالحبس‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬كلُّ‭:‬

1ـ‭ ‬مَنْ‭ ‬اعتدى‭ ‬بإحدى‭ ‬طرق‭ ‬العلانية‭ ‬على‭ ‬معتقد‭ ‬لإحدى‭ ‬الطوائف‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬حقّر‭ ‬شعائرها‭.‬

2‭ ‬ـ‭ ‬مَن‭ ‬تعمّد‭ ‬التَّشويش‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬شعائر‭ ‬طائفة‭ ‬دينية،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬حفل‭ ‬أو‭ ‬اجتماع‭ ‬ديني،‭ ‬أو‭ ‬تعمّد‭ ‬منع‭ ‬أو‭ ‬تعطيل‭ ‬إقامة‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭.‬

3ـ‭ ‬مَن‭ ‬خرّب‭ ‬أو‭ ‬أتلف‭ ‬أو‭ ‬شوّه‭ ‬أو‭ ‬دنّس‭ ‬بناءً‭ ‬معدًّا‭ ‬لإقامة‭ ‬شعائر‭ ‬طائفة‭ ‬دينية،‭ ‬أو‭ ‬رمزاً‭ ‬أو‭ ‬شيئاً‭ ‬آخر‭ ‬له‭ ‬حرمة‭ ‬دينية‭.‬

4‭ ‬ـ‭ ‬مَن‭ ‬طبع‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬كتاباً‭ ‬مقدساً‭ ‬عند‭ ‬طائفة‭ ‬دينية،‭ ‬إذا‭ ‬حرّف‭ ‬نصه‭ ‬عمداً‭ ‬تحريفاً‭ ‬يغيّر‭ ‬من‭ ‬معناه،‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬استخفّ‭ ‬بحكم‭ ‬مـن‭ ‬أحكامـه،‭ ‬أو‭ ‬شـيء‭ ‬مِـن‭ ‬تعاليمه‭.‬

5‭ ‬ـ‭ ‬مَـن‭ ‬أهـان‭ ‬علنـاً‭ ‬رمـزاً‭ ‬أو‭ ‬شخصـاً‭ ‬هو‭ ‬موضـع‭ ‬تقديـس،‭ ‬أو‭ ‬تمجيـد‭ ‬أو‭ ‬احترام‭ ‬لـدى‭ ‬طـائـفة‭ ‬دينية‭. ‬ومَن‭ ‬قلّد‭ ‬علناً‭ ‬نسكاً‭ ‬أو‭ ‬حفلاً‭ ‬دينيـاً‭ ‬بقصـد‭ ‬السُّخرية‭ ‬([7])‭.‬

في‭ ‬حال‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬القوانين،‭ ‬فعلاً‭ ‬لا‭ ‬قولاً‭ ‬فقط،‭ ‬يتساوى‭ ‬العراقيون‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أديانهم‭ ‬ومذاهبهم،‭ ‬وتحفظ‭ ‬مشاعر‭ ‬أتباع‭ ‬شيـــخ‭ ‬الأيزيدية‭ ‬آدي‭ ‬الرَّاقد‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬لالش،‭ ‬وشيخ‭ ‬المندائيين‭ ‬دخيل‭ ‬بن‭ ‬الشيخ‭ ‬عيــدان‭ ‬الراقد‭ ‬في‭ ‬باحة‭ ‬داره‭ ‬الكائنة‭ ‬بالدورة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬بغداد‭ ‬ثم‭ ‬تحوّلت‭ ‬رفاته‭ ‬إلى‭ ‬مقبرتهم‭ ‬بأبو‭ ‬غْرَيب،‭ ‬ومراقد‭ ‬جثالقة‭ ‬المسيحيين‭ ‬ورؤساء‭ ‬جالوت‭ ‬اليهود،‭ ‬وأن‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأمكنة‭ ‬مثلما‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬عتبات‭ ‬المسلمين‭ ‬المقدسة‭.‬

ما‭ ‬زالت‭ ‬خارطة‭ ‬العراق‭ ‬الدِّينية‭ ‬والمذهبية‭ ‬غنية‭ ‬بالتَّنوع،‮ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬نُعنى‭ ‬بالأديان‭ ‬الحيّة‭ ‬فقط‭. ‬ولا‭ ‬نأخذ‭ ‬عدد‭ ‬الأتباع‭ ‬بنظر‭ ‬الاعتبار،‭ ‬فمِن‭ ‬الإجحاف‭ ‬التَّعامل‭ ‬بمصطلح‭ ‬الأَقلية‭ ‬والأكثرية‭. ‬ذلك‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬مصطلح‭ ‬الأَقلية‭ ‬مِن‭ ‬حرمان‭ ‬وإلغاء‭ ‬للحقوق‭ ‬التَّاريخية‭ ‬والشَّراكة‭ ‬المتوازنة‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬الواحد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يولّده‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬مِن‭ ‬شعور‭ ‬بالضَّعف‭ ‬والاغتراب‭. ‬وبالتَّالي‭ ‬يصبح‭ ‬الوطن‭ ‬وطن‭ ‬الأكثرية،‮ ‬والأقلية‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬هامشه‭. ‬فالمواطنة،‭ ‬قبل‭ ‬كلِّ‭ ‬شيء،‭ ‬حقوق‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬لكثرة‭ ‬الوجود‭ ‬أو‭ ‬قلّته،‮ ‬مع‭ ‬علم‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬التَّناسل‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬بالأكثرية،‭ ‬بسبب‭ ‬الزَّواج‭ ‬المبكّر‭ ‬وتعدّد‭ ‬الزَّوجات،‭ ‬أصبحت‭ ‬معوقاً‭ ‬مِن‭ ‬معوقات‭ ‬التَّنمية،‭ ‬وتنم‭ ‬عن‭ ‬جهل‭ ‬حضاري‭ ‬وقصور‭ ‬فـي‭ ‬التَّربية‭ ‬والإعـداد‭ ‬السَّليم،‭ ‬والشَّواهد‭ ‬علــى‭ ‬هذا‭ ‬كثيرة‭.‬

ارتأينا تقسيم‭ ‬الكتاب،‭ ‬في‭ ‬طبعته‭ ‬الثَّالثة‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجزاء،‭ ‬تضمنت‭ ‬ثلاثة‭ ‬عشر‭ ‬فصلاً‭: ‬لم‭ ‬يُقصد‭ ‬في‭ ‬التَّوزيع‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلى‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّاني‭ ‬والثَّالث‭ ‬مِن‭ ‬الكتاب‭ ‬إخراج‭ ‬هذا‭ ‬المذهب‭ ‬مِن‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬إدخاله‭ ‬فيه،‭ ‬إنّما‭ ‬حجم‭ ‬الكتاب‭ ‬حتّم‭ ‬على‭ ‬مؤلفه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بهذا‭ ‬الشَّكل،‭ ‬فالأول‭ ‬جاء‭ ‬مختصاً‭ ‬بالأديان‭ ‬الأقدم،‭ ‬والثَّاني‭ ‬والثَّالث‭ ‬ضمّا‭ ‬مذاهب‭ ‬المسلمين‭ ‬المعتمدة‭ ‬وعلى‭ ‬الأقدم‭ ‬مثلما‭ ‬أوضحنا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مستهلّ‭ ‬المقدمة،‭ ‬أما‭ ‬الشَّبك‭ ‬فجعلتهم‭ ‬آخر‭ ‬الفصول‭ ‬لغرض‭ ‬سيأتي‭ ‬توضيحه‭.‬

‮ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬وهي‭ ‬تحتمل‭ ‬الخطأ‭ ‬والصَّواب،‭ ‬أن‭ ‬الدِّين‭ ‬الصَّابئي‭ ‬المندائي،‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬سواها‭ ‬مِن‭ ‬البلدان،‮ ‬هو‭ ‬الدِّين‭ ‬الأقدم‭ ‬بين‭ ‬الدِّيانات‭ ‬الحيَّة،‮ ‬لذا‭ ‬تقدّمت‭ ‬دراسته‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭. ‬فالتَّسمية‭ ‬(الصَّابئة)‭ ‬كانت‭ ‬مهيمنة‭ ‬على‭ ‬الدِّيانات‭ ‬العالمية‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬بابل‭ ‬ومصر‭ ‬إلى‭ ‬الرُّومان‭ ‬والهند،‭ ‬ودخل‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬جعل‭ ‬التَّماثيل‭ ‬والرُّسوم‭ ‬وسيلة‭ ‬للتَّعبد،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أيّده‭ ‬المؤرّخون‭ ‬المسلمون‭ ‬كافة،‭ ‬وصابئة‭ ‬العراق‭ ‬مختلفون‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فالاسم‭ ‬عندهم‭ ‬لا‭ ‬يتعلق بصبأ‭ ‬العربية‭ ‬وهو‭ ‬الانحراف‭ ‬عن‭ ‬الدِّين،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬متعلقة‭ ‬بصبأ‭ ‬التعميد‭ ‬أو‭ ‬الصِّباغة‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬الحي‭.‬

‮ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أهل‭ ‬دين‭ ‬ادّعوا‭ ‬نزول‭ ‬كتابهم‭ ‬على‭ ‬آدم‭ ‬أبي‭ ‬البشر‭ ‬غير‭ ‬الصَّابئين‭ ‬المندائيين‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الگنـزا رَّبا‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬تحفظنا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الادعاء،‭ ‬لكن‭ ‬للأسطورة‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬الأديان‭ ‬كافة،‭ ‬وكم‭ ‬مِن‭ ‬الأساطير‭ ‬وغير‭ ‬المعقولات‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تأخذ‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الدِّين‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭. ‬كذلك‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬قدم‭ ‬هذا‭ ‬الدِّين،‭ ‬بين‭ ‬أديان‭ ‬أهل‭ ‬العراق‭ ‬أيضاً،‮ ‬صلته‭ ‬الوثيقة‭ ‬بالدِّيانة‭ ‬البابلية،‭ ‬والمندائية‭ ‬هي‭ ‬الدِّيانة‭ ‬التي‭ ‬ينطق‭ ‬معتنقوها‭ ‬اللغة‭ ‬الآرامية،‭ ‬بلهجتها‭ ‬الشَّرقية،‭ ‬والمعروفة‭ ‬نسبة‭ ‬لهم‭ ‬بالمندائية‭.‬


ثلاثة قساوسة كلدانيين

سمعت‭ ‬من‭ ‬شيوخهم‭ ‬أنه‭ ‬دين‭ ‬الفطرة‭ ‬الأولى،‭ ‬به‭ ‬بدأ‭ ‬الدِّين‭ ‬وبه‭ ‬سيختتم،‭ ‬وما‭ ‬الأديان‭ ‬الأُخرى‭ ‬إلا‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬الدِّين‭ ‬الأول،‭ ‬وسيظهر‭ ‬المسيح‭ ‬وسيملك‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬آخر‭ ‬المطاف‭ ‬سيعود‭ ‬النَّاس‭ ‬مندائيين‭ ‬مثلما‭ ‬بدؤوا‭. ‬ولعلَّ‭ ‬ورود‭ ‬اسم‭ ‬مرياي،‭ ‬التي‭ ‬يذكر‭ ‬كتابهم‭ ‬الدِّيني‭ ‬الآخر،‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬الگنزا‭ ‬ربا‮»‬،‮ «‬دراشة‭ ‬إد‭ ‬يهيا‮»‬‭ ‬بابنة‭ ‬ملك‭ ‬بابل‭ ‬([8])‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬اعتنقت‭ ‬الدِّيانة‭ ‬المندائية‭ ‬يُشجع‭ ‬على‭ ‬صلتهم‭ ‬ببابل،‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬مِن‭ ‬قِدم‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العِراق‭ ‬الدِّيني‭.‬

‮ ‬لكلِّ‮ ‬هذا‭ ‬اجتهدنا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الدِّين‭ ‬المندائي‭ ‬أول‭ ‬الفصول‭.‬‮ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬ظننا‭ ‬بأنه‭ ‬الدِّين‭ ‬الأقدم‭ ‬بالعراق،‭ ‬فإن‭ ‬أهل‭ ‬الدِّيانة‭ ‬أنفسهم‭ ‬يعتبرونه‭ ‬الأًقدم‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬قال‭ ‬سالم‭ ‬الجحيلي‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬متعمق‭ ‬في‭ ‬الدِّيانة،‭ ‬مِن‭ ‬أهل‭ ‬الأهواز،‭ ‬عقيدةً‭ ‬وتاريخاً‭ ‬‮«‬تعتبر‭ ‬الدِّيانة‭ ‬الصَّابئية‭ ‬المندائية‭ ‬مِن‭ ‬أقدم‭ ‬الدِّيانات‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬ولها‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلى‭ ‬سائر‭ ‬الأَديان‭ ‬الإلهية‭ ‬والعرفانية‭ ‬وحسب‭ ‬معتقدات‭ ‬الصَّابئة‭ ‬أن‭ ‬دينهم‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬هبوط‭ ‬سيدنا‭ ‬آدم‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‮»‬([9])‭.‬

أما‭ ‬الدِّيانة‭ ‬الأيزيدية،‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬الفصل الثَّاني‮ ‬مِن‭ ‬الكتاب،‭ ‬فهي‭ ‬امتداد‭ ‬لأديان‭ ‬ضاربة‭ ‬بالقدم‭ ‬منها‭ ‬الزرادشتية‭ ‬والميثرائية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعتنقها الكُرد،‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬اليهودية‭ ‬والمسيحية‭ ‬بينهم‭. ‬إنها‭ ‬الدِّيانة‭ ‬التي‭ ‬يصل‭ ‬توحيدها‭ ‬إلى‭ ‬نبذ‭ ‬فكرة‭ ‬وجود‭ ‬إبليس‭ ‬خالق‭ ‬الشُّرور‭ ‬والذُّنوب‭. ‬ورد‭ ‬تأكيد‭ ‬تسميتها‭ ‬بالأيزيدية‭ ‬صلة‭ ‬باسم‭ ‬الله‭ ‬القديم‭ ‬لديها‭ ‬يزدان‭ ‬أو‭ ‬أيزيد،‭ ‬ولإبعادها‭ ‬مما‭ ‬شاب‭ ‬تاريخها‭ ‬مِن‭ ‬روايات‭ ‬نسبتها‭ ‬إلى‭ ‬يزيد‭ ‬بن‭ ‬معاوية‭ ‬(ت‭ ‬64‭ ‬هـ)،‭ ‬فهي‭ ‬أيزيدية‭ ‬وليست‭ ‬يزيدية،‭ ‬وقيل‭ ‬لهذه‭ ‬التَّسمية‭ ‬صلة‭ ‬ما‭ ‬بكلمة‭ ‬سومرية،‭ ‬مع‭ ‬تحفظنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

‮ ‬حاولنا‭ ‬في‭ ‬الفصل الثَّالث،‭ ‬الخاص‭ ‬باليَهودية،‭ ‬تقصّي‭ ‬عاطفة‭ ‬يهود‭ ‬العراق‭ ‬تجاه‭ ‬ضفاف‭ ‬دجلة‭ ‬والفرات،‭ ‬عبر‭ ‬كتاباتهم‭ ‬واحتفاظهم‭ ‬بعاداتهم‭ ‬وتقاليدهم،‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬مِن‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬على‭ ‬تهجيرهم‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهجرة‭ ‬عدد‭ ‬منهم‭ ‬مِن‭ ‬هناك‭ ‬إلى‭ ‬دول أوروبية‭ ‬وأميركية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الخمسين‭ ‬سنةً‭ ‬في‭ ‬المهجر‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬شيئاً‭ ‬قياساً‭ ‬بجذورهم‭ ‬الممتدة‭ ‬بالعراق‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬آلاف‭ ‬عام‭.‬

شغلت‭ ‬المسيحية،‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬حدياب‭ ‬(مركزها‭ ‬قديماً‭ ‬أَربيل)،‭ ‬الفصل الرَّابع مِن الجزء‭ ‬الأَول،‮ ‬وكانت‭ ‬دراستها‭ ‬محاولة‭ ‬لرصد‭ ‬انعطافها‭ ‬إلى‭ ‬النَّسطورية،‭ ‬وتعامل‭ ‬الملوك‭ ‬السَّاسانيين‭ ‬معهم‭ ‬وفقاً‭ ‬لحالة‭ ‬السِّلم‭ ‬أو‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬الرُّوم‭ ‬البيزنطيين‭. ‬ثم‭ ‬انتشارها‭ ‬مِن‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭ ‬والخليج‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬كنائس‭ ‬بيث‭ ‬قطرايي‭ ‬(قطر‭ ‬حالياً)‭. ‬كانت‭ ‬دراسة‭ ‬الملَّتين‭ ‬اليهودية‭ ‬والمسيحية،‭ ‬عبر‭ ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬اللَّوائح‭ ‬الإسلامية وما‭ ‬يخص التَّعامل‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬الذِّمة،‭ ‬بداية‭ ‬مِن‭ ‬عهد‭ ‬النبي‭ ‬محمَّد‭ ‬(ت‭ ‬11هـ)،‭ ‬وعهود‭ ‬الخلفاء‭ ‬الرَّاشدين‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬جعفر‭ ‬المتوكل‭ ‬(ت‭ ‬247هـ)‭ ‬ضدهم،‭ ‬وما‭ ‬ظلّ‭ ‬يلاحقهم‭ ‬باللائحة‭ ‬المشهورة‭ ‬بالعهدة‭ ‬أو‭ ‬الشروط‭ ‬العمرية‭. ‬يتبيّن‭ ‬مِن‭ ‬هذه‭ ‬القراءة‭ ‬مدى‭ ‬تحكّم‭ ‬مزاجية‭ ‬الخلفاء‭ ‬والولاة‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬أو‭ ‬تأويل‭ ‬النُّصوص‭ ‬القرآنية‭ ‬والأحاديث‭ ‬النَّبوية‭ ‬بشأن‭ ‬أهل‭ ‬الكتاب‭.‬

مع‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬تطلّعوا‭ ‬إلى‭ ‬معاملة‭ ‬أفضل‭ ‬مِن‭ ‬معاملة‭ ‬العهد‭ ‬السَّاساني،‭ ‬فوجدوا‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬ما‮ ‬يكفل لهم‭ ‬حريتهم‭ ‬الدِّينية،‭ ‬وشاركوا‭ ‬في‭ ‬الدَّولة‭ ‬عبر‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالعلوم‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الطِّب،‭ ‬الذي‭ ‬يحتاجه‭ ‬الخليفة‭ ‬ويبذل‭ ‬لطبيبه‭ ‬ما‭ ‬يشاء،‭ ‬فالأَمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بحياته‭. ‬لذا‭ ‬جلبت‭ ‬مهنة‭ ‬الطِّب،‭ ‬الكثير‭ ‬مِن‭ ‬المنافع‭ ‬لأَهل‭ ‬الذِّمة،‭ ‬حتى‭ ‬شعر‭ ‬بعض‭ ‬الفقهاء‭ ‬والمحتسبين‭ ‬المسلمين‭ ‬بأهمية‭ ‬هذه‭ ‬العلوم،‭ ‬التي‭ ‬حمت‭ ‬أهل‭ ‬الذِّمة‭ ‬مِن‭ ‬هيمنتهم‭ ‬الفقهية،‭ ‬فنصحوا‭ ‬المسلمين‭ ‬بتعلّمها‭.‬

بعدها‭ ‬يأتي‭ ‬الخوض،‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الخامس‭ ‬والأخير‭ ‬مِن‭ ‬الجزء‭ ‬الأول،‭ ‬في‭ ‬الدِّيانة‭ ‬البابية‭ ‬والبهائية،‭ ‬وهي‭ ‬ديانة‭ ‬أعَقبت‭ ‬الإسلام،‮ ‬وإن‭ ‬ظهرت‭ ‬مِن‭ ‬تحت‭ ‬عباءته إلا‭ ‬أنها‭ ‬انشطرت‭ ‬بعقائد‭ ‬خاصة،‭ ‬ولها‭ ‬كتاب‭ ‬مقدّس،‭ ‬وقصتها‭ ‬طويلة‭ ‬بالعِراق،‭ ‬حيث‭ ‬أُعلنت‭ ‬ديانة‭ ‬ببغداد،‭ ‬وبعدها‭ ‬توسعت‭ ‬شرقاً‭ ‬وغرباً‭. ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬أتت‭ ‬للتَّجديد‭ ‬وما‭ ‬يُلائم‭ ‬روح‭ ‬العصر‭.‬

خارطة العراق الدينية والمذهبية غنية بالتنوع، وفي هذا الكتاب نُعنى بالأديان الحية فقط. ولا نأخذ عدد الأبتاع بالنظر الاعتبار، فمن الإجحاف التعامل بمصطلح الأقلية والأكثرية

بعد‭ ‬أن‭ ‬شغلت‭ ‬كتاباً‭ ‬خاصاً‭ ‬بها‭ ‬هو‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬حروف‭ ‬حي‮»‬‭ ‬نشرناه‭ ‬مِن‭ ‬قبل،‭ ‬ونحن‭ ‬نعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الدِّيانة‭ ‬مِن‭ ‬ديانات‭ ‬العراق،‭ ‬مع‭ ‬قلّة‭ ‬عددها،‭ ‬لأن مبدأ‭ ‬الأكثرية‭ ‬والأقلية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬شيئاً‭ ‬في‭ ‬دراستنا،‮ ‬فما‭ ‬اعتمدناه‭ ‬هو‭ ‬الأُصول‭ ‬والجذور‭ ‬داخل‭ ‬العراق‭ ‬سواء‭ ‬قلَّ‭ ‬أهل‭ ‬تلك‭ ‬الدِّيانة‭ ‬أو‭ ‬كثروا‭.‬

أُعلنت‭ ‬البهائية‭ ‬ببغداد‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التَّاسع‭ ‬عشر‭ ‬كديانة،‭ ‬وتركت‭ ‬كعبة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬محلة‭ ‬شيخ‭ ‬بشار‭ ‬بالكرخ،‮ ‬ذلك‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬وصلت‭ ‬قضية‭ ‬التَّنازع‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬بهائيي‭ ‬العالم‭. ‬وتعرض‭ ‬البهائيون‭ ‬لاضطهاد‭ ‬منظم،‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فكان‭ ‬يُحكم‭ ‬على‭ ‬البابي‭ ‬أو‭ ‬البهائي‭ ‬بالإعدام،‭ ‬وحرم‭ ‬وجودهم‭ ‬بقوانين‭ ‬معلنة،‭ ‬وأُسقطت‭ ‬عنهم‭ ‬الجنسية‭ ‬العراقية‭. ‬لكنهم‭ ‬نشطوا‭ ‬مِن‭ ‬جديد‭ ‬بالعراق‭ ‬قُبيل‭ ‬سقوط‭ ‬النِّظام‭ ‬وانشغاله‭ ‬في‭ ‬أمنه‭ ‬الخاص،‭ ‬ولهم‭ ‬أتباع‭ ‬عديدون‭ ‬يتزايدون‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭. ‬هذا،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬الإضافات‭ ‬والتعديلات‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬متشعب‭ ‬ومتسع‭ ‬مثل‭ ‬موضوع‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭.‬

أما‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّاني‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬فشمل‭ ‬فصله‭ ‬الأول‭ ‬الشِّيعة،‭ ‬وما‭ ‬تقديم‭ ‬دراسة‭ ‬الشِّيعة‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬المذاهب الإسلامية إلا‭ ‬مِن النَّاحية‭ ‬الزَّمنية،‭ ‬لا‭ ‬لأمر‭ ‬آخر‭. ‬فهو‭ ‬المذهب‭ ‬الذي‮ ‬بدأ‭ ‬يتبلور سياسياً‮ ‬إثر‭ ‬مؤتمر سقيفة‭ ‬بني‭ ‬ساعدة‮ ‬(11هـ)،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الجمل‭ ‬(36‭ ‬هـ)‭ ‬فصفّين‭ ‬(37هـ)،‭ ‬كموقف‭ ‬أو‭ ‬اصطفاف‭ ‬سياسي‭ ‬لا‭ ‬فقهي‭ ‬وعقائدي،‮ ‬ولا‭ ‬يؤخذ‭ ‬بجدية‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬إخباريو‭ ‬ومؤرخو‭ ‬التَّشيع‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬النَّبي‭ ‬محمَّداً‭ ‬هو‭ ‬المؤسس‭ ‬الأول‭ ‬للشِّيعة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يدّعيه‭ ‬معظم‭ ‬المذاهب‭ ‬الفقهية‭ ‬والفكرية أيضاً‭. ‬فالحنفيون‭ ‬أتوا‭ ‬بأحاديث‭ ‬نبوية‭ ‬لتصديق‭ ‬رواية‭ ‬تنبُّؤ‭ ‬النَّبي‭ ‬بظهور‭ ‬الإمام‭ ‬أبي‭ ‬حنيفة‭ ‬النُّعمان‭ ‬(ت‭ ‬150هـ)،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعل‭ ‬الشَّافعيون‭ ‬والمعتزلة‭ ‬مع‭ ‬أئمتهم‭ ‬ورؤسائهم،‮ ‬بل‭ ‬تطرّف‭ ‬الحنابلة‭ ‬حين‭ ‬جعلوا‭ ‬الإمام‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬حنبل‭ ‬(ت‭ ‬241هـ)‭ ‬مِن‭ ‬السَّلالة‭ ‬النَّبوية،‭ ‬وأنه‭ ‬بايع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بمكة‭.‬

‮ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬تأسيس‭ ‬المذهب‭ ‬الشِّيعي‭ ‬غير‭ ‬تأييد‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬التَّشيع‭ ‬سبق‭ ‬المذاهب‭ ‬الأُخرى‭ ‬بعد‭ ‬تبلوره‭ ‬مذهباً‭ ‬سياسياً‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬الإمامة،‭ ‬وظل‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬زمن‭ ‬الخلافتين‭ ‬الأُموية‭ ‬والعباسية،‭ ‬واستقل‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬الهجري‭ ‬بمقالاته‭ ‬الفقهية،‭ ‬ورواياته‭ ‬التَّاريخية‭ ‬المنسوبة‭ ‬دائماً‭ ‬إلى‭ ‬الأئمة،‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬الإمام‭ ‬جعفر‭ ‬الصادق‮ ‬(ت‭ ‬148هـ)،‭ ‬لذا‭ ‬عرفت‭ ‬الإمامية‭ ‬بالجعفرية‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭. ‬وقصدنا‭ ‬من‭ ‬تثبيت‭ ‬عنوان‭ ‬الفصل‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الشِّيعة،‮ ‬لا‭ ‬المذهب‭ ‬الشِّيعي،‭ ‬لأن‭ ‬الشِّيعة‭ ‬حركة‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬ومذهب‭ ‬فقهي‭ ‬معاً،‭ ‬ومصطلح‭ ‬الحركة‭ ‬يستغرق‭ ‬المذهب‭.‬

ضم الجزء‭ ‬الثَّاني‭ ‬أيضاً‭ ‬ثلاثة تكوينات‭ ‬سُنَّية هي‭:‬‮ ‬الفصل‭ ‬الثَّاني‭: ‬المذهب الحنفي‮ ‬والثَّالث‭: ‬المذهب‭ ‬الشَّافعي،‭ ‬أما الحنابلة‭ ‬فاختص‭ ‬فيها‭ ‬الفصل‭ ‬الرَّابع،‭ ‬ومن‭ ‬النَّاحية‭ ‬التَّاريخية‭ ‬لم‮ ‬يعترف بهذه‭ ‬الجماعة،‭ ‬في‭ ‬البدايات،‮ ‬كمذهب‭ ‬فقهي،‭ ‬بقدر ما‭ ‬بدأوا‭ ‬كحركة‭ ‬تصدت‭ ‬لمقالتي‭ ‬خلق‭ ‬القرآن‭ ‬ونفي‭ ‬الصِّفات‭ ‬عن‭ ‬الذَّات‭ ‬الإلهية‭. ‬وكان‭ ‬انتشارها‭ ‬بين‭ ‬العامة‭ ‬ببغداد‭ ‬لتعلقها‭ ‬المباشر‭ ‬بالنُّصوص‭ ‬التي‭ ‬-عادة-‭ ‬لها‭ ‬تأثيرها‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬البسطاء،‭ ‬وهي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬السِّياسة‭ ‬مِن‭ ‬الفقه،‭ ‬فاعتمدها‭ ‬الخلفاء،‭ ‬مثل جعفر‭ ‬المتوكل،‭ ‬لمواجهة‭ ‬الخصوم،‭ ‬ولم‭ ‬تستمر بعد‭ ‬تبلورها‭ ‬إلى‭ ‬مذهب‭ ‬فقهي‭ ‬بالعراق‭ ‬إلا‭ ‬بحدود‭ ‬ضيقة،‭ ‬مع‭ ‬كثرة‭ ‬صخبها‭ ‬ببغداد‭ ‬العباسية‭.‬

لم‮ ‬يتصدَ‭ ‬الكتاب‭ ‬لدراسة المذهب‭ ‬المالكي‮ ‬نسبة‭ ‬للإمام‭ ‬مالك‭ ‬بن‭ ‬أَنس‭ ‬(ت‭ ‬179هـ)،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬المذهب‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مذهب‭ ‬العراقيين‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مذهباً‭ ‬للوافدين‭ ‬مِن‭ ‬العلماء،‭ ‬ولم‭ ‬يستقر‭ ‬كمذهب‭ ‬بين‭ ‬العراقيين‭ ‬([10])‭. ‬وردوا‭ ‬بغداد‭ ‬للدراسة‭ ‬أو‭ ‬التَّدريس‭ ‬في‭ ‬مدارسها‭ ‬الفقهية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬للمالكية‭ ‬كرسي‭ ‬خاص‭ ‬بالمدرسة‭ ‬المستنصرية،‭ ‬أسوة‭ ‬بالمذاهب‭ ‬السُّنِّية‭ ‬الثَّلاثة‭ ‬الأُخرى،‭ ‬وسنتعرض‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬نسبة‭ ‬قليلة‭ ‬جداً‭ ‬مِن‭ ‬المتعبدين‭ ‬بالمذهب‭ ‬المالكي‭ ‬كآل‭ ‬السَّعدون،‭ ‬النازحين‭ ‬مِن‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬العِراق،‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثَّامن‭ ‬عشر‭.‬

‮ ‬إن‭ ‬تدريس‭ ‬المذهب‭ ‬المذكور،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أتباع‭ ‬له،‭ ‬يتعلق‭ ‬بدولية‭ ‬بغداد‭ ‬آنذاك،‭ ‬فهي‭ ‬عاصمة‭ ‬إمبراطورية‭ ‬شاسعة،‭ ‬تتسع‭ ‬لشمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬المالكية‭ ‬أيضاً‭. ‬وكان‭ ‬معظم‭ ‬الدَّارسين‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المذهب‭ ‬مِن‭ ‬المصريين‭ ‬والمغاربة‭. ‬تاريخياً‭ ‬نشأ‭ ‬المذهب‭ ‬المالكي‭ ‬بالحجاز‭ ‬نقيضاً‭ ‬لمذهب‭ ‬الرَّأي‭ ‬بالعراق‭. ‬أما‭ ‬لماذا‭ ‬للمذهب‭ ‬الشَّافعي‭ ‬مكانة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬وشمال‭ ‬العراق‭ ‬وقد‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر؟‭ ‬فلعلَّ‮ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بتوسّطه‭ ‬بين‭ ‬الرَّأي‭ ‬والحديث،‭ ‬مِن‭ ‬جهة،‭ ‬ومِن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬وجود‭ ‬تلامذة‭ ‬للشَّافعي‭ ‬ببغداد،‭ ‬ثم‭ ‬تبنيه‭ ‬رسمياً‭ ‬مِن‭ ‬قبل‭ ‬السَّلاجقة،‭ ‬والأتابكة‭.‬

لقد‭ ‬منعت‭ ‬الدَّولة‭ ‬العباسية،‭ ‬أو‭ ‬تمنّعت‭ ‬الطَّائفة،‮ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للمذهب‭ ‬الجعفري‭ ‬كرسي‭ ‬بالمدرسة‭ ‬المستنصرية،‭ ‬على‮ ‬‭ ‬الرَّغم‭ ‬مِن‭ ‬أن‭ ‬أتباعه‭ ‬لا‭ ‬يقلّون‭ ‬عدداً‭ ‬عن‭ ‬المذاهب‭ ‬الثَّلاثة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المذهب‭ ‬المالكي،‭ ‬والإشكال‭ ‬الأوّل‭ ‬هو‭ ‬اعتماده‭ ‬الإمامة‭ ‬أصلاً‭ ‬من‭ ‬الأُصول،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬كليّة‭ ‬مع‭ ‬عقيدة‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭.‬


رسم يمثل أيزيدي عند باب مقام الشيخ عدي

فإذا‭ ‬قيل‭: ‬إن‭ ‬لهذا‭ ‬المذهب‭ ‬مدارسه‭ ‬الخاصة‭ ‬واختلافه‭ ‬الكلي‭ ‬عن‭ ‬المذاهب‭ ‬الأربعة؛‭ ‬فللمذهبين‭ ‬الحنفي‭ ‬والشَّافعي،‭ ‬كلٌّ‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬مدارسهما‭ ‬الخاصة‭ ‬والمغلقة‭ ‬لأتباعهما‭ ‬ببغداد‭ ‬وواسط‭ ‬والموصل‭ ‬وبقية المدن،‭ ‬وأن‭ ‬الاختلاف‭ ‬بين‭ ‬الحنفية‭ ‬مِن‭ ‬جهة‭ ‬والشَّافعية‭ ‬والمالكية‭ ‬مِن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬ليس‭ ‬بالقليل،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬أحد‭ ‬القضاة‭ ‬الحنفيين‭ ‬تمنّى‭ ‬أن‭ ‬تؤخذ‭ ‬الجزية‭ ‬من‭ ‬الشَّافعيين،‭ ‬وصفحات‭ ‬التَّاريخ‭ ‬ملأى‭ ‬بأخبار‭ ‬المعارك‭ ‬بين‭ ‬المذهبين‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬الفروع‭ ‬لا‭ ‬الأُصول،‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بين‭ ‬الشِّيعة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومذاهب‭ ‬السُّنَّة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

عُني‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّالث،‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬مِن‭ ‬الكتاب،‭ ‬بدراسة‭ ‬مذهب‭ ‬الإمامية-‭ ‬الشَّيخية‭ ‬الأحسائية،‭ ‬أو‭ ‬جماعة‭ ‬الشَّيخية،‭ ‬مثلما‭ ‬شاعت‭ ‬عنها‭ ‬التَّسمية،‭ ‬وهي‭ ‬أحد‭ ‬انشطارات‭ ‬الشِّيعة‭ ‬الإمامية،‭ ‬لها‭ ‬حضورها‭ ‬الحالي‭ ‬بالعِراق‭ ‬والكويت‭ ‬ومناطق‭ ‬أُخرى،‭ ‬وليس‭ ‬لنا‭ ‬قراءتها‭ ‬مع‭ ‬قراءة‭ ‬الشِّيعة‭ ‬الإمامية،‭ ‬فعلى‭ ‬الرَّغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬إمامية‭ ‬لكن‭ ‬تفرّدت‭ ‬بمقالات،‭ ‬وتعتبر‭ ‬نفسها‭ ‬ذاتاً‭ ‬مستقلة،‭ ‬وإن‭ ‬إلحاقها‭ ‬بالجزء‭ ‬الثَّالث‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬زمني‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭.‬

كذلك‭ ‬عنى‭ ‬الكتاب‭ ‬بكا‭ ‬كه‭ ‬يي‭ ‬فجاءت‭ ‬دراستها‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الثَّاني،‭ ‬ويصعب‭ ‬بمكان‭ ‬إخراج‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬عن‭ ‬التأثير‭ ‬الإسلامي‭ ‬المباشر،‭ ‬وبتقديس‭ ‬شخصيات‭ ‬مسلمة،‭ ‬مثل‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬(اغتيل‭ ‬40هـ)،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬سائرة‭ ‬نحو‭ ‬التَّمايز‭ ‬الواضح‭ ‬لتكون‭ ‬ديناً‭ ‬خاصاً،‭ ‬لكن‭ ‬سريّة‭ ‬الجماعة‭ ‬وانغلاقها‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬جعلت‭ ‬الأقاويل‭ ‬تكثر‭ ‬حولها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تمكّنا‭ ‬بمساعدة‭ ‬دراسات‭ ‬جامعية‭ ‬حولها‭ ‬واللقاء‭ ‬بأحد‭ ‬أهم‭ ‬مثقّفيها‭ ‬ومثقّفي‭ ‬العراق‭ ‬أن‭ ‬نسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬حول‭ ‬تاريخها‭ ‬وعقائدها‭.‬

في‭ ‬الفصل‭ ‬الثَّالث‭ ‬مِن‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّالث‭ ‬نقدم‭ ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬فرقة‭ ‬أو‭ ‬مذهب‭ ‬أهل‭ ‬حه‭ ‬قه،‭ ‬وهم‭ ‬غير‭ ‬كا‭ ‬كه‭ ‬يي،‭ ‬الذين‭ ‬يعرفون‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬بأهل‭ ‬الحق‭ ‬أيضاً،‭ ‬وضمنّا‭ ‬الفصل‭ ‬نفسه‭ ‬المشيخة‭ ‬البارزانية،‭ ‬والجماعتان‭ ‬خرجتا‭ ‬مِن‭ ‬رحم‭ ‬التَّصوف،‭ ‬ومِن‭ ‬الطريقة‭ ‬النَّقشبندية‭ ‬تحديداً،‭ ‬وتشابها‭ ‬بالأهداف‭ ‬والنزعات‭ ‬واختلفا‭ ‬بالأساليب،‭ ‬ولعدم‭ ‬وجود‭ ‬المصادر‭ ‬المكتبية‭ ‬عن‭ ‬حه‭ ‬قه،‭ ‬قمنا‭ ‬بزيارتهم‭ ‬والمكوث‭ ‬بينهم‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت،‭ ‬وتعرفّنا‭ ‬عليهم‭ ‬عن‭ ‬قرب،‭ ‬وتمكنّا‭ ‬مِن‭ ‬اللقاء‭ ‬ببعض‭ ‬مثقّفيهم‭ ‬العارفين‭ ‬بأمرهم‭. ‬لهذه‭ ‬الجماعة‭ ‬تقاليدها‭ ‬الخاصة،‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتضح‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬1920‭ ‬بتقاليد‭ ‬اجتماعية‭ ‬تخصّ‭ ‬العدالة‭ ‬والموقف‭ ‬الإيجابي‭ ‬مِن‭ ‬النِّساء،‭ ‬وممارسة‭ ‬الاحتجاج‭ ‬السِّلمي‭ ‬في‭ ‬مطالبة‭ ‬السُّلطات،‭ ‬واعتبار‭ ‬العبادة‭ ‬شأناً‭ ‬خاصا‭ ‬فالأهم‭ ‬هو‭ ‬الإيمان‭ ‬والعدالة‭. ‬أما‭ ‬المشيخة‭ ‬البارزانية،‭ ‬التي‭ ‬تناولها‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬أيضاً،‭ ‬فوجدنا‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬التي‭ ‬اعتنت‭ ‬بهم،‭ ‬ولاتصال‭ ‬المشيخة‭ ‬بالحركة‭ ‬السياسية‭ ‬مبكّراً،‭ ‬وحتى‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬فشغل‭ ‬تاريخها‭ ‬السِّياسي‭ ‬حيزاً‭ ‬كبيراً‭ ‬مِن‭ ‬تاريخ‭ ‬الكُرد‭ ‬وكردستان‭ ‬وتاريخ‭ ‬العراق‭ ‬أيضاً‭.‬

مع‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬الشَّبك‭ ‬لا‭ ‬دين‭ ‬ولا‭ ‬فرقة،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬أنماط‭ ‬إلهية‭ ‬ولا‭ ‬صوفية‭ ‬مثلاً،‭ ‬وإنما‭ ‬مثل‭ ‬غيرها‭ ‬مِن‭ ‬القبائل‭ ‬العراقية‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلمة،‭ ‬توزّع‭ ‬أهلها‭ ‬على‭ ‬مذهبي‭ ‬الشِّيعة‭ ‬والسُّنَّة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬حظيت بالفصل‭ ‬الخامس‭ ‬وهو‭ ‬الأخير‭ ‬مِن‭ ‬الجزء‭ ‬الثَّالث،‭ ‬ذلك‭ ‬لمناقشة‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬تداوله‭ ‬مِن‭ ‬معلومات‭ ‬خاطئة‭ ‬حولها‭. ‬منها‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬أحمد‭ ‬حامد‭ ‬الصرّاف‭ ‬(ت‭ ‬1985)‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الشَّبك‮»‬،‭ ‬والأب‭ ‬أنستاس‭ ‬الكرملي‭ ‬(ت‭ ‬1947)،‭ ‬الذي‭ ‬عدَّهم‭ ‬في‭ ‬الإحصاء‭ ‬الحكومي‭ ‬جمعاً‭ ‬مع‭ ‬الأيزيديين،‭ ‬وإن‭ ‬اختلاق‭ ‬فرقة‭ ‬أو‭ ‬مذهب‭ ‬ديني‭ ‬باسم‭ ‬الشَّبك‭ ‬يذكّر‭ ‬كثيراً‭ ‬باختلاق‭ ‬تاريخ‭ ‬مقالات‭ ‬لفرقتي‭ ‬السَّبائية‭ ‬والكيسانية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الإخباريين،‭ ‬مستوحاة‭ ‬بالنِّسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأخيرة‭ ‬مِن‭ ‬قصائد‭ ‬الشَّاعرين‭ ‬كثير‭ ‬عزة‭ ‬والسيَّد‭ ‬الحميري‭. ‬ومَن‭ ‬يسمع‭ ‬مِن‭ ‬الشَّبكيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬سيجد‭ ‬شيعيّتهم‭ ‬شيعية‭ ‬العراقيين‭ ‬الآخرين‭ ‬وسنيّتهم‭ ‬شافعية‭ ‬ضمن‭ ‬المحيط‭ ‬الكردي‭ ‬العراقي‭.‬

استثنى‭ ‬الكتاب‭ ‬الطُّرق‭ ‬والتكايا‭ ‬الصُّوفية،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬المرور‭ ‬السَّريع‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬التَّصوف‭ ‬بالسُّليمانية،‭ ‬وما‭ ‬خصصنا مِن‭ ‬فصل‭ ‬لحركة‭ ‬“حه‭ ‬قه”‭ ‬والمشيخة‭ ‬“البارزانية”،‭ ‬عبر‭ ‬لقاءات‭ ‬مباشرة‭ ‬وسريعة‭ ‬ببعض‭ ‬شيوخ‭ ‬الطَّريقتين‭ ‬الرئيسيتين‭ ‬(النَّقشبندية‭ ‬والقادرية‭ ‬الكزنزانية)‭ ‬تمت‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬المنطقة‭ ‬(أكتوبر/تشرين‭ ‬الأول‭ ‬2000)‭. ‬والسَّبب‭ ‬أن‭ ‬التَّصوف‭ ‬لم‭ ‬يشكل‭ ‬ديانةً‭ ‬أو‭ ‬مذهباً‭ ‬قائماً‭ ‬بذاته،‭ ‬وإنما‭ ‬الطَّريقة‭ ‬الصُّوفية‭ ‬ببغداد‭ ‬أو‭ ‬السُّليمانية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬بقعة‭ ‬أخرى‭ ‬مِن‭ ‬العراق،‭ ‬تتبع‭ ‬المذهب‭ ‬السَّائد‭ ‬فيها‭. ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬التَّصوف‭ ‬محصوراً‭ ‬في‭ ‬المذهب‭ ‬الشَّافعي،‭ ‬فللشِّيعة‭ ‬صوفيّتهم‭ ‬أيضاً،‭ ‬مثالها‭ ‬الحروفية‭ ‬والقزلباشية‭ ‬والقلم‭ ‬حاجية‭ ‬المنتشرة‭ ‬بمندلي‭ ‬سابقاً،‭ ‬وبالتَّالي‭ ‬فالطَّريقة‭ ‬الصَّوفية‭ ‬هي‭ ‬ممارسة‭ ‬طقسية‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬كيان‭ ‬المذهب‭ ‬المحدد‭.‬

‮ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة،‮ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬التَّصوف‭ ‬كظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وفكرية‭ ‬ودينية‭ ‬متشعّبة‭ ‬ومتداخلة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬غير‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬تدخل‭ ‬فيها‭ ‬حياة‭ ‬الرُّهبان،‭ ‬وعزلة‭ ‬الأديرة‭ ‬المسيحية،‭ ‬وحياة‭ ‬شيوخ‭ ‬الصَّابئة‭ ‬المندائيين،‭ ‬وزهّاد‭ ‬اليهود‭ ‬المعروفين‭ ‬بالقبالة،‭ ‬فلا‭ ‬يكفي‭ ‬البحـث‭ ‬فـي‭ ‬تاريخـها‭ ‬وطبيعتها‭ ‬فصـل‭ ‬مـِن‭ ‬فصـول‭ ‬الكتاب‭ ‬بقدر‭ ‬مـا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلـى‭ ‬كتـاب‭ ‬خاص‭ ‬بها‭.‬

لعلَّ‭ ‬سائلاً‭ ‬يسأل‭: ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬الدِّيانة‭ ‬الزَّرادشتية،‭ ‬لمَ‭ ‬لا‭ ‬تُعدّ‭ ‬مع‭ ‬الدِّيانات‭ ‬العراقية؟‭ ‬وقد‭ ‬تكاثر‭ ‬أتباعها‭ ‬بإقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬حتى‭ ‬تقدموا‭ ‬بطلب‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬والشُّؤون‭ ‬الدِّينية‭ ‬لتسجيل‭ ‬ديانتهم‭ ‬ضمن‭ ‬ديانات‭ ‬المنطقة،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬رسمية‭ ‬تتيح‭ ‬لهم‭ ‬الوجود‭ ‬والنَّشاط‭ ‬الدِّيني‭ ‬كي‭ ‬يضمنوا‭ ‬الحقوق،‭ ‬ويعترف‭ ‬لهم‭ ‬بالوجود‭ ‬بشكل‭ ‬مشروع،‭ ‬وصار‭ ‬لهم‭ ‬مجلس‭ ‬يدعى‭ ‬“مجلس‭ ‬الزَّرادشتيين‭ ‬بكردستان-‭ ‬العِراق،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬تأسّس‭ ‬لهم‭ ‬مجلس‭ ‬عام‭ ‬خارج‭ ‬العراق‭ ‬(2006)،‭ ‬انبثقت‭ ‬منه‭ ‬منظمة‭ ‬“زند”‭ ‬الزَّرادشتية،‭ ‬وهاهم‭ ‬يعلنون‭ ‬عن‭ ‬مجلسهم‭ ‬الأعلى‭ ‬داخل‭ ‬الإقليم‭ ‬(19‭ ‬أبريل/‭ ‬نيسان‭ ‬2015)‭ ‬([11])‭.‬

وعُذرنا‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬ضمّ‭ ‬هذه‭ ‬الدِّيانة‭ ‬إلى‭ ‬الكتاب،‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬لدينا‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬الانتشار‭ ‬وأماكن‭ ‬العبادة،‭ ‬وما‭ ‬يخصّ‭ ‬العدد،‭ ‬وتاريخ‭ ‬الوجود‭ ‬الجديد،‭ ‬فما‭ ‬نعلمه‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدِّيانة‭ ‬قد‭ ‬انحسرت‭ ‬كلياً‭ ‬مِن‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬منها‭ ‬مَن‭ ‬أعلن‭ ‬نفسه‭ ‬زرادشتياً‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬الإسلام‭ ‬وانتشاره،‭ ‬وليس‭ ‬بأيدينا‭ ‬غير‭ ‬تصريحات‭ ‬إعلامية‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬أن‭ ‬يُنشأ‭ ‬فصل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭. ‬وأتذكر‭ ‬أنني‭ ‬التقيت‭ ‬بعض‭ ‬الزَّرادشتيين‭ ‬بأربيل‭ ‬(العام‭ ‬2007)،‭ ‬وكان‭ ‬مِن‭ ‬المتحوّلين‭ ‬الجدد،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬ديانة‭ ‬المنطقة‭ ‬قديماً‭.‬

لم يتصد الكتاب لدارسة المذهب المالكي نسبة للإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ)، لأن هذا المذهب لم يكن مذهب العراقيين بقدر ما كان مذهبا للوافدين

من‭ ‬دون‭ ‬إغفال‭ ‬ذكرهم‭ ‬في‭ ‬الدَّليل‭ ‬العراقي‭ ‬الملكي‭ ‬والجمهوري‭ ‬بالاسم،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الدَّليل‭ ‬الرَّسمي‭ ‬العراقي‭ ‬لعام‭ ‬1936‭ ‬الآتي‭ ‬“وفي‭ ‬العراق‭ ‬مسلمون‭ ‬ومسيحيون‭ ‬وإسرائيليون‭ ‬ويزيديون‭ ‬وصابئة‭ ‬وعدد‭ ‬قليل‭ ‬مِن‭ ‬البهائية‭ ‬والمجوس‭ ‬(يقصد‭ ‬زرادشتيين)‭ ‬والحرية‭ ‬الدِّينية‭ ‬مكفولة‭ ‬بالدّستور‭ ‬العراقي،‭ ‬ومضمونة‭ ‬بالعقد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬احترمه‭ ‬العراقيون‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬الأزمنة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬فيقوم‭ ‬الجامع‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الكنيسة‭ ‬والمعبد‭ ‬ويمتزج‭ ‬صوت‭ ‬المؤذن‭ ‬بالنَّاقوس‭ ‬والتسبيح‭ ‬والترتيل،‭ ‬وشعارهم‭ ‬الدِّين‭ ‬لله‭ ‬والوطن‭ ‬للجميع…”‭ ‬([12])‭.‬

كذلك‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬الدِّليل‭ ‬العراقي‭ ‬لسنة‭ ‬1960‭ ‬“وفي‭ ‬العراق‭ ‬مسلمون‭ ‬وهم‭ ‬ذوو‭ ‬الأكثرية‭ ‬الغالبة،‭ ‬الذين‭ ‬تدين‭ ‬حكومة‭ ‬الجمهورية‭ ‬رسمياً‭ ‬بدينهم،‭ ‬ونصارى‭ ‬(مسيحيون/التوضيح‭ ‬في‭ ‬الأصل)‭ ‬ويهود‭ ‬ويزيديون‭ ‬وصابئون،‭ ‬وأعداد‭ ‬قليلة‭ ‬مِن‭ ‬البابيين‭ ‬(البهائية/التوضيح‭ ‬في‭ ‬الأصل)‭ ‬ومجوس‭ ‬زرادشتيون،‭ ‬وشبكيون،‭ ‬وصارليون،‭ ‬وكاكائيون،‭ ‬ونصيريون،‭ ‬والحرية‭ ‬الدِّينية‭ ‬مضمونة‭ ‬بدستور‭ ‬الجمهورية‭ ‬العراقية‭ ‬المؤقت،‭ ‬ومكفول‭ ‬لها‭ ‬بالتَّوالف‭ ‬والعرف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬احترمه‭ ‬العراقيون‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬الأزمنة”‭ ‬([13])‭.‬

‮ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬التقرير‭ ‬(توزيع‭ ‬العراقيين‭ ‬حسب‭ ‬أديانهم‭ ‬ووفق‭ ‬إحصاء‭ ‬1977)‭ ‬الملحق‭ ‬بالجزء‭ ‬الثَّالث‭ ‬مِن‭ ‬الكتاب‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬الزَّرادشتية‭ ‬أو‭ ‬المجوس‭ ‬وعن‭ ‬الكاكائية،‭ ‬وربَّما‭ ‬الشَّبك‭ ‬أيضاً،‭ ‬بعبارة‭ ‬“غير‭ ‬المبين”‭ ‬و”أخرى”‭ ‬مثلما‭ ‬سنرى‭ ‬في‭ ‬جداول‭ ‬التقرير،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬بالأسماء‭ ‬في‭ ‬الخانات‭ ‬المخصصة‭ ‬لاسم‭ ‬الدِّيانة‭.‬

وجدنا‭ ‬مِن‭ ‬الفائدة‭ ‬إلحاق‭ ‬تقرير‭ ‬مديرية‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬بالموسوعة،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬بنسخ‭ ‬محدودة‭ ‬التَّوزيع،‭ ‬الذي‮ ‬اعتمد‭ ‬إحصاء‭ ‬1977‭ ‬وهو‭ ‬آخر‭ ‬إحصاء‭ ‬عراقي‭ ‬شامل،‭ ‬على‭ ‬إحصاءات‭ ‬لمختلف‭ ‬الأديان‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬المحافظات،‭ ‬موزّعة‭ ‬على‭ ‬القوميات‭ ‬العراقية،‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬النموّ‭ ‬بين‭ ‬أهل‭ ‬الأديان‭ ‬العراقية‭ ‬من‭ ‬الإحصاء‭ ‬الأساس‭ ‬(1947)‭ ‬عبر‭ ‬إحصاءات‭ ‬(1957)،‭ ‬(1965)‭ ‬و(1977)‭. ‬ولا‭ ‬يتضمن‭ ‬التقرير‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬المذاهب‭ ‬الإسلامية‭ ‬منها‭ ‬والمسيحية‭. ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬العذر‭ ‬الظَّاهر‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬تشجيع‭ ‬الطَّائفية‭.‬

‮ ‬لكن‭ ‬وجود‭ ‬المذاهب‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬واقع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نفيه،‭ ‬والإحصاءات‭ ‬العلمية،‭ ‬بما‭ ‬يفيد‭ ‬البحث‭ ‬وتسجيل‭ ‬التاريخ،‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الطَّائفية‭ ‬بمكان‭. ‬وكم‭ ‬تبدو‭ ‬هذه‭ ‬الحجة‭ ‬ضعيفة‭ ‬إذا‭ ‬أخذنا‭ ‬بنظر‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإحصاءات‭ ‬غائبة‭ ‬منذ‭ ‬الإحصاء‭ ‬الرسمي‭ ‬الأساس‭ ‬(1947)‭ ‬والطَّائفية‭ ‬تمارس‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬وكل‭ ‬مذهب‭ ‬ظلّ‭ ‬محتفظاً‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬وعقائد‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مَنْ‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬حذر‭ ‬رسمي،‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬عهود‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية،‭ ‬من‭ ‬قيد‭ ‬الإحصاء‭ ‬المذهبي‭ ‬لأن‭ ‬النتيجة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تسرّ‭ ‬الحاكمين،‭ ‬كذلك‭ ‬اعتمدنا‭ ‬في‭ ‬إحصاءات‭ ‬المسيحيين‭ ‬الإحصاء‭ ‬الكنسي‭.‬

واللافت‭ ‬للنظر،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التقرير،‭ ‬أنه‭ ‬اعتبر‭ ‬معظم‭ ‬الأيزيديين‭ ‬عرباً،‭ ‬وكذلك‭ ‬الصَّابئة‭ ‬المندائيين،‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬خلاف‭ ‬الواقع،‭ ‬فلغة‭ ‬الأيزيديين‭ ‬الكردية‭ ‬القديمة،‭ ‬ولغة‭ ‬الصَّابئة‭ ‬المندائيين‭ ‬الدينية‭ ‬هي‭ ‬الآرامية،‭ ‬وهي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الإثنية‭ ‬والدِّيانة‭. ‬كذلك‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬ظاهرة‭ ‬التَّداخل‭ ‬الدِّيني‭ ‬والقومي،‭ ‬كوجود‭ ‬مسلمين‭ ‬مِن‭ ‬السِّريان‭ ‬والأَرمن،‭ ‬وصابئة‭ ‬مِن‭ ‬السِّريان،‭ ‬ويهود‭ ‬ومسيحيين‭ ‬مِن‭ ‬الأكراد،‭ ‬ومسيحيين‭ ‬مِن‭ ‬الأكراد‭ ‬الفيلية،‭ ‬وأيزيديين‭ ‬من‭ ‬السِّريان،‭ ‬ومسيحيين‭ ‬تركمان‭. ‬فمن‭ ‬العجائب‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صابئة‭ ‬وأيزيدية‭ ‬تركمان‭.‬

ختاماً،‮ ‬لم‮ ‬يتسع للأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬القديمة،‭ ‬سومرية‭ ‬وبابلية‭ ‬وآشورية‭ ‬ومانوية،‭ ‬من‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬غير‭ ‬متعلّقاتها‭ ‬في‭ ‬أديان‭ ‬أُخرى،‭ ‬مثل‭ ‬المندائية‭ ‬والأيزيدية،‭ ‬مع‭ ‬تأثيرها‭ ‬التَّاريخي‭ ‬على‭ ‬أديان‭ ‬العراق‭ ‬كافة‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الأَديان‭ ‬قد‭ ‬بحثت‭ ‬كثيراً‭ ‬وصدرت‭ ‬فيها‭ ‬مؤلفات‭ ‬عديدة،‭ ‬ولا‭ ‬أجد‭ ‬لديّ‭ ‬ما‭ ‬يُضاف‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬علماء‭ ‬وباحثين‭ ‬عراقيين‭ ‬وأجانب،‭ ‬وما‭ ‬ظهر‭ ‬مِن‭ ‬دراسات‭ ‬جديدة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬جهود‭ ‬طه‭ ‬باقر‮ ‬(ت‭ ‬1984)،‭ ‬وصموئيل نوح‭ ‬كريمر،‭ ‬وفوزي‭ ‬رشيد‭ ‬وفاضل‭ ‬عبدالواحد‭ ‬وسواهم‭. ‬كذلك‭ ‬ما‭ ‬تحتاج‭ ‬إليه‭ ‬تلك‭ ‬الدِّراسات‭ ‬مِن‭ ‬اختصاص‭ ‬آثاري‭ ‬ومعرفة‭ ‬باللُّغات‭ ‬القديمة،‮ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬ندعيه‭.‬

النص‭ ‬مقدمة‭ ‬الموسوعة‭ -‬تصدر‭ ‬هذا‭ ‬الشهرتعن‭ ‬زمركز‭ ‬المسبار‭ ‬للدراسات‭ ‬والبحوثس‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجزاء‭.‬

‮ ‬إشارات‭:‬

([1])‭ ‬‮ ‬شكوى‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬مندائيين‭ ‬أذاعها‭ ‬راديو‭ ‬سوا،‭ ‬راجع‭ ‬الرابط،‭ ‬17‭ ‬أغسطس‭ ‬(آب)‭ ‬2011‭:‬‮ ‬http‭:‬//hannani42‭.‬yoo7‭.‬com/t31311-topic

([2])‭ ‬انظر‭ ‬تصريح‭ ‬السيد‭ ‬مقتدى‭ ‬الصَّدر‭ ‬للسومرية‭ ‬نيوز‭ ‬بتاريخ‭: ‬22‭ ‬سبتمبر‭ ‬(أيلول)‮ ‬‭ ‬2011‭ ‬على‭ ‬الرابط‭:‬‮ ‬http‭:‬//www‭.‬alsumaria‭.‬tv/ar/Iraq-News/1-68762-‭.‬html

([3])‮ ‬مجلة‭ ‬آفاق‭ ‬مندائية،‭ ‬بغداد،‭ ‬العدد‭ ‬26‭ ‬السنة‭ ‬2004‭.‬

([4])‮ ‬الحصري،‭ ‬مذكراتي‭ ‬في‭ ‬العراق1‭ ‬ص‭ ‬342‭.‬

([5])‮ ‬المصدر‭ ‬نفسه1‭ ‬ص‭ ‬343‭.‬

([6])‮ ‬عبادة،‭ ‬كتاب‭ ‬مندائي‭ ‬أو‭ ‬الصَّابئة‭ ‬الأقدمين،‭ ‬ص‭ ‬46‭.‬

([7])‮ ‬عادل‭ ‬دشر،‭ ‬الصَّابئة‭ ‬اليوم،‭ ‬آفاق‭ ‬مندائية،‭ ‬بغداد‮ ‬‭ ‬السنة‭ ‬الخامسة،‭ ‬مايو‭ ‬(أيار)‭ ‬2000،‭ ‬عن‭ ‬الجريدة‭ ‬الرَّسمية‭ ‬العراقية‭.‬

([8])‮ ‬كتاب‭ ‬دراشة‭ ‬إد‭ ‬يهيا،‭ ‬ص‭ ‬96‭.‬

([9])‮ ‬برنجي،‭ ‬الصَّابئة‭ ‬المندائيون،‭ ‬ص‭ ‬23،‮ ‬مِن‭ ‬كلمة‭ ‬بقلم‭ ‬سالم‭ ‬الجحيلي،‭ ‬وكنت‭ ‬التقيته‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬طقوس‭ ‬التعميد‭ ‬المندائي،‭ ‬وسمعتُ‭ ‬منه‭.‬

([10])‮ ‬فهد،‭ ‬تاريخ‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬العباسي‭ ‬الأخير،‭ ‬ص‭ ‬433‭.‬

([11])‮ ‬تقرير‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ووثّقناه‭ ‬عن‭ ‬صحيفة‭ ‬الصَّباح‭ ‬الجديد‭ ‬البغدادية،‭ ‬العدد‭ ‬_‭ ‬(3128)‭ ‬والمؤرخ‭ ‬في‭ ‬الخامس‭ ‬مِن‭ ‬مايو‭ ‬(أيار)‭ ‬2015‭ ‬الصفحة‭ ‬الخامسة‭.‬

([12])‭ ‬الدليل‭ ‬الرَّسمي‭ ‬العِراقي،‭ ‬لسنة‭ ‬1936‭ ‬وزارة‭ ‬الدَّاخلية،‭ ‬فصل‭: ‬الطَّوائف‭ ‬العراقية،‭ ‬ص‭ ‬722‭.‬

([13])‭ ‬دليل‭ ‬الجمهورية‭ ‬العِراقية‭ ‬لسنة‭ ‬1960،‭ ‬أنثروبولوجية‭ ‬سكان‭ ‬العراق،‭ ‬وزارة‭ ‬الإرشاد،‭ ‬ص‭ ‬421‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.