من‭ ‬يتحكم‭ ‬بعقول‭ ‬الناشئة

الثلاثاء 2016/11/01
لوحة: ياسر صافي

ليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الترف‭ ‬والفضول‭ ‬زرع‭ ‬قلق‭ ‬السؤال‭ ‬عمّن‭ ‬يشكل‭ ‬عقول‭ ‬الناشئة،‭ ‬و‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬اتجاهاتهم‭ ‬وميولاتهم‭ ‬ومعارفهم‭ ‬ومهارتهم‭. ‬فالواقع‭ ‬الموّار‭ ‬بالتغيرات‭ ‬والمستجدات‭ ‬والتيارات،‭ ‬يسوّغ‭ ‬بحث‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الإشكالي‭ ‬المتشعب‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الأناة‭ ‬والتبصر‭ ‬بما‭ ‬يمثله‭ ‬التعليم‭ ‬والإعلام‭ ‬من‭ ‬روافد‭ ‬تنشئة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الأسرة‭ ‬بمفردها‭ ‬صاحبة‭ ‬القول‭ ‬الفصل‭ ‬فيها‭.‬

النشء ‭ ‬يمكث‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬وأمام‭ ‬الفضائيات‭ ‬والمواقع‭ ‬الالكترونية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يقضيه‭ ‬بمعية‭ ‬أبويه،‭ ‬وتحت‭ ‬أعينهما‭. ‬ولست‭ ‬خبير‭ ‬إعلام‭ ‬كي‭ ‬أناقش‭ ‬بالفحص‭ ‬لا‭ ‬بالخرص‭ ‬والتقدير‭ ‬أثر‭ ‬الإعلام‭ ‬بمختلف‭ ‬وسائله‭ ‬ومساربه‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭. ‬و‭ ‬لكنني‭ ‬أكتفي‭ ‬بالإشارة‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬التأثير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الفضائيات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬يفهم‭ ‬المواطن‭ ‬العربي‭ ‬خطابها‭ ‬قضه‭ ‬وقضيضه‭ ‬يناهز1256،‭ ‬منها‭ ‬125‭ ‬قناة‭ ‬دينية‭ ‬حسب‭ ‬إحصائيات‭ ‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬للإعلام،‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬حالة‭ ‬فوضى‭ ‬الفتاوى‭ ‬‮«‬الهوائية‮»‬،‭ ‬وتردد‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬الذي‭ ‬تبثه‭ ‬تلك‭ ‬القنوات‭ ‬بين‭ ‬المتشدد‭ ‬والطائفي‭ ‬و‮»‬المعتدل‮»‬‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الشباب‭ ‬المتطلع‭ ‬للتدين،‭ ‬على‭ ‬جهة‭ ‬التخصيص،‭ ‬نهب‭ ‬أفكار‭ ‬ليست‭ ‬براءً‭ ‬من‭ ‬التزمّت‭ ‬و‭ ‬التنطع‭.‬

‭ ‬ولقد‭ ‬أدركت‭ ‬جهات‭ ‬القرار‭ ‬العليا‭ ‬بالمغرب‭ ‬خطورة‭ ‬ترك‭ ‬حبل‭ ‬‮«‬الشأن‭ ‬الديني‮»‬‭ ‬على‭ ‬الغارب،‭ ‬ففتحت‭ ‬مؤسسة‭ ‬إمارة‭ ‬المؤمنين‭ ‬ورش‭ ‬‮«‬إصلاح‭ ‬الحقل‭ ‬الديني‮»‬‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬تسرب‭ ‬‮«‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬‮«‬‭ ‬إلى‭ ‬عموم‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنابر‭ ‬و‭ ‬قاعات‭ ‬الدراسة،‭ ‬و‭ ‬لسنا‭ ‬معنيين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬برصد‭ ‬جوانب‭ ‬القوة‭ ‬والوهن‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬الإصلاح‭ ‬الجارية‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬وضعت‭ ‬نصب‭ ‬اهتمامها‭ ‬مبدأ‭ ‬التدرج‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬تقنين‭ ‬حقل‭ ‬الفتوى‭ ‬التي‭ ‬أسندت‭ ‬للمجلس‭ ‬العلمي‭ ‬الأعلى،‭ ‬مروراً‭ ‬بتخريج‭ ‬الخطباء‭ ‬والمرشدين‭ ‬الدينيين‭ ‬وانتهاء‭ ‬بإصلاح‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬الديني‭ ‬العتيق‭ ‬و‭ ‬الأصيل،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬ومراجعة‭ ‬مناهج‭ ‬التربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالتعليم‭ ‬العمومي‭ ‬والخاص،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬مراجعة‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالشريعة‭ ‬والدراسات‭ ‬الاسلامية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬مؤسسة‭ ‬إيديولوجية‭ ‬بامتياز‭.‬

المؤسسة‭ ‬الايديولوجية‭ ‬الأولى

في‭ ‬سياق‭ ‬محاولة‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬الإشكالي‭ ‬المركب‭: ‬من‭ ‬يتحكم‭ ‬بعقول‭ ‬الناس؟‭ ‬وكيف‭ ‬تتشكل‭ ‬ثقافة‭ ‬النشء‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟‭ ‬ومن‭ ‬يضع‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم؟‭ ‬ومن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬حقل‭ ‬التعليم‭ ‬العام‭ ‬وما‭ ‬علاقة‭ ‬هذا‭ ‬الحقل‭ ‬بصعود‭ ‬وانتشار‭ ‬ثقافة‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬ورفض‭ ‬قيم‭ ‬العصر‭ ‬والنكوص‭ ‬نحو‭ ‬ثقافة‭ ‬التوهم‭ ‬واستعادة‭ ‬الماضي؟‭ ‬؛‭ ‬تلوح‭ ‬أطروحة‭ ‬بيير‭ ‬بورديو‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الوظيفة‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬للمدرسة‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬مؤسسة‭ ‬للترويض‭ ‬الاجتماعي‭ ‬و‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬نفس‭ ‬أنماط‭ ‬الفكر‭ ‬و‭ ‬السلوك‭ ‬المرغوب‭ ‬فيهما‭ ‬من‭ ‬المجتمعò‭[‬1‭]‬‭.‬

‭ ‬فالمناهج‭ ‬والكتب‭ ‬والأساليب‭ ‬البيداغوجية‭ ‬المتبعة‭ ‬والتشريعات‭ ‬التي‭ ‬تؤطر‭ ‬الحياة‭ ‬المدرسية‭ ‬تعكس‭ ‬رؤية‭ ‬النظام‭ ‬الثقافي‭ ‬السائد،‭ ‬ورؤية‭ ‬السلطة‭ ‬المتنفذة‭ ‬المتحكمة‭ ‬في‭ ‬هندسة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭. ‬ومن‭ ‬ثمة،‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬الهام،‭ ‬هل‭ ‬تستجيب‭ ‬المناهج‭ ‬المدرسية‭ ‬للحاجات‭ ‬المجتمعية‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬وجها‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬العنف‭ ‬الرمزي‭ ‬الناعم‭ ‬مادامت‭ ‬مفروضة‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬ذات‭ ‬نسق‭ ‬ثقافي‭ ‬سائد؟

لا‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬تستجيب‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬للحاجات‭ ‬المجتمعية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتفق‭ ‬على‭ ‬النموذج‭ ‬المجتمعي‭ ‬الذي‭ ‬نريده‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المناهج‭ ‬التربوية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬التقاليد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬العريقة‭ ‬لا‭ ‬تصير‭ ‬نافذة‭ ‬ملزمة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مصادقة‭ ‬البرلمان‭ ‬عليها،‭ ‬فالمنهاج‭ ‬بمفرداته‭ ‬ومخرجاته‭ ‬يتعلق‭ ‬بمصير‭ ‬أجيال‭ ‬المستقبل،‭ ‬فهو‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬حياة‭ ‬أو‭ ‬موت،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬لتخريج‭ ‬صناع‭ ‬حياة‭ ‬حقيقيين‭ ‬أو‭ ‬يفرخ‭ ‬صناع‭ ‬موت‭ ‬بائسين‭.‬

أزمة‭ ‬المنهاج‭ ‬الدراسي أم‭ ‬أزمة‭ ‬الحياة‭ ‬المدرسية‭ ‬

أضحى‭ ‬من‭ ‬المسلم‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬ترزح‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬إرث‭ ‬ثقيل‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬الفاشلة‭ ‬التي‭ ‬جعلتها‭ ‬‮«‬‭ ‬مؤسسة‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬أزمة،‭ ‬تستهدفها‭ ‬الانتقادات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬وتعتبرها‭ ‬مصدر‭ ‬كل‭ ‬الأزمات‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬لكونها‭ ‬لا‭ ‬تؤهل‭ ‬المتعلمين‭ ‬لسوق‭ ‬الشغل؛‭ ‬والأزمة‭ ‬الثقافية‭. ‬لكونها‭ ‬لم‭ ‬تعزز‭ ‬السلوك‭ ‬المدني‭ ‬وسط‭ ‬الأجيال‭ ‬الناشئة؛‭ ‬والأزمة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لأنها‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭ ‬التربوية‭ ‬القاضية‭ ‬بتكوين‭ ‬مواطن‭ ‬مسئول‮»‬‭. ‬ولسنا‭ ‬معنيين‭ ‬بتحليل‭ ‬أسباب‭ ‬أزمة‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم‭ ‬و‭ ‬نتائجها،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يهمنا‭ ‬وضع‭ ‬الأصبع‭ ‬على‭ ‬مناط‭ ‬السؤال‭ ‬عمن‭ ‬يصنع‭ ‬عقول‭ ‬أبنائها،‭ ‬و‭ ‬يشتطّ‭ ‬في‭ ‬توجيهها‭ ‬نحو‭ ‬حافات‭ ‬التنطع‭ ‬و‭ ‬التشدد‭.‬

‭ ‬ورغم‭ ‬الحكم،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ظاهر‭ ‬الصورة،‭ ‬ببراءة‭ ‬المدرسة‭ ‬المغربية‭ ‬من‭ ‬جريرة‭ ‬إنتاج‭ ‬‮«‬شباب‭ ‬متطرف‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬مجرد‭ ‬الدعوة‭ ‬الى‭ ‬مراجعة‭ ‬‮«‬المعارف‭ ‬الشرعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تصريفها‭ ‬للمتعلمين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنهاج‭ ‬الدراسي،‭ ‬يجعل‭ ‬شبهة‭ ‬إسهام‭ ‬المنهاج،‭ ‬بقصد‭ ‬أو‭ ‬بدونه،‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬أفكار‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬الذي‭ ‬أرسى‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬هويته‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬العقيدة‭ ‬الأشعرية‭ ‬والتصوف‭ ‬على‭ ‬مذهب‭ ‬الجنيد‭ ‬والفقه‭ ‬على‭ ‬مذهب‭ ‬الإمام‭ ‬مالك‭.‬

لكن‭ ‬المنهاج‭ ‬الدراسي‭ ‬الذي‭ ‬تمت‭ ‬مراجعته‭ ‬منذ‭ ‬شهور‭ ‬قليلة‭ ‬‭(‬أواخر‭ ‬مارس‭ ‬2016‭)‬،‭ ‬قد‭ ‬خرج‭ ‬بالمتعلمين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العقيدة‭ ‬إلى‭ ‬تصنيف‭ ‬أساسه‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬توحيد‭ ‬الألوهية‭ ‬والربوبية‭ ‬والأسماء‭ ‬و‭ ‬الصفات،‭ ‬بما‭ ‬يولج‭ ‬المتعلم‭ ‬بسهولة‭ ‬عوالم‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬تباشر‭ ‬التكفير‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬تفكير‭ ‬عقدي‭ ‬متشدد،‭ ‬و‭ ‬لقد‭ ‬حرص‭ ‬واضعو‭ ‬المنهاج‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬وصل‭ ‬المتعلم‭ ‬بالقرآن‭ ‬دون‭ ‬تقعر‭ ‬في‭ ‬التصنيفات‭ ‬المتصلة‭ ‬بقضايا‭ ‬العقيدة،‭ ‬فتم‭ ‬الإلحاح‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬الفطرة‭ ‬كمدخل‭ ‬من‭ ‬مداخل‭ ‬حصول‭ ‬الإيمان‭ ‬وتحصيله‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مصدراً‭ ‬لنهل‭ ‬مبادئ‭ ‬العقيدة،‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬تكامل‭ ‬المعارف‭ ‬تمت‭ ‬مراجعة‭ ‬كل‭ ‬النصوص‭ ‬الدينية‭ ‬المبثوثة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬المنهاج‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬حاول‭ ‬مهندسوه‭ ‬التخلص‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬التراث‭ ‬الاجتهادي‭ ‬للعصور‭ ‬الماضية‭.‬‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اعتماد‭ ‬المنهاج‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الحرية‭ ‬كمقصد‭ ‬وأصل‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬العقيدة‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬لا‭ ‬إكراه‭ ‬في‭ ‬الدين‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬يقع‭ ‬الإبقاء‭ ‬مثلا‭ ‬على‭ ‬حدّ‭ ‬الردة‭ ‬في‭ ‬مقرر‭ ‬التربية‭ ‬الإسلامية‭.‬

وتساوقاً‭ ‬مع‭ ‬مبدأ‭ ‬شمول‭ ‬إصلاح‭ ‬المنهاج‭ ‬الدراسي،‭ ‬تم‭ ‬استكمال‭ ‬مراجعة‭ ‬دروس‭ ‬التربية‭ ‬الاسلامية‭ ‬بكل‭ ‬الأسلاك‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬الإبتدائي‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬مستوى‭ ‬البكالوريا‭. ‬في‭ ‬حين،‭ ‬ينتظر‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬الإصلاح‭ ‬أيضا‭ ‬مناهج‭ ‬الدراسات‭ ‬الجامعية‭. ‬لكن،‭ ‬هل‭ ‬يقي‭ ‬الاصلاح‭ ‬الشامل‭ ‬للمناهج‭ ‬عقول‭ ‬الناشئة‭ ‬من‭ ‬سموم‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬أيّاً‭ ‬كان‭ ‬مصدرها،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬التطرف‭ ‬والعنف‭ ‬مزروعان‭ ‬داخل‭ ‬بيئة‭ ‬الحياة‭ ‬المدرسة‭ ‬بمختلف‭ ‬جوانبها؟‭.‬

لقد‭ ‬ألح‭ ‬خبير‭ ‬التربية‭ ‬المغربي‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬الدريج‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أن‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬إصلاح‭ ‬بيداغوجي‭ ‬–‭ ‬نفسي‭ ‬–‭ ‬ثقافي‭ ‬–أخلاقي‮»‬‭[‬2‭]‬‭ . ‬ويشتف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الإصلاح‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬البيئة‭ ‬المدرسية‭ ‬بكل‭ ‬جوانبها،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استئصال‭ ‬شأفة‭ ‬‮«‬التربية‭ ‬على‭ ‬العنف‮»‬‭ ‬خطاباً‭ ‬وممارسة‭. ‬ويقع‭ ‬المدرس‭ ‬والأسرة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬بصفتهما‭ ‬معاول‭ ‬لهدم‭ ‬بنيات‭ ‬ثقافة‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬التي‭ ‬زادتها‭ ‬حدّة‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والأزمات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬وسعت‭ ‬دائرة‭ ‬الفقراء‭ ‬بالمغرب‭[‬3‭]‬‭.‬

إن‭ ‬الإصلاح‭ ‬المطلوب‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬التعليم‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتوجه‭ ‬رأسا‭ ‬إلى‭ ‬تشجيع‭ ‬الإبداع‭ ‬وإعادة‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬العاطفة‭ ‬والفكر‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬كين‭ ‬روبنسون‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬صناعة‭ ‬العقل‮»‬‭[‬4‭]‬‭. ‬إذ‭ ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التعليم‭ ‬الأكاديمي‭ ‬ابتعد‭ ‬عن‭ ‬العاطفة‭ ‬والمشاعر‭ ‬ويجب‭ ‬إعادة‭ ‬الصلة‭ ‬بين‭ ‬العاطفة‭ ‬والفكر،‭ ‬لأنه‭ ‬أمر‭ ‬حيوي‭ ‬لتطوير‭ ‬الإمكانيات‭ ‬البشرية‭ ‬والارتقاء‭ ‬بالفكر‭ ‬الإبداعي‭. ‬فالإبداع‭ ‬هو‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إمكانيات‭ ‬واحتمالات‭ ‬جديدة‭ ‬ومن‭ ‬الضروري‭ ‬جداً‭ ‬الإدراك‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬يملك‭ ‬إمكانيات‭ ‬خلاقة‭ ‬ومبدعة‭ ‬كل‭ ‬حسب‭ ‬ميوله‮»‬‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬يضع‭ ‬مهندسو‭ ‬المناهج‭ ‬و‭ ‬الخطط‭ ‬المدرسية‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬حاجة‭ ‬الناشئة‭ ‬إلى‭ ‬تشجيعهم‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬بدل‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬مناهج‭ ‬التلقين‭ ‬وحشو‭ ‬العقول‭ ‬المتوارثة‭ ‬عن‭ ‬عصور‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية؟‭.‬

‭[‬1‭]‬الصديق‭ ‬الصادقي‭ ‬العماري‭: ‬‮«‬التربية‭ ‬و‭ ‬التنمية‭ ‬و‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل‭ ‬ـ‭ ‬مقاربة‭ ‬سوسيولوجية‮»‬‭ ‬ـ‭ ‬تقديم‭ ‬محمد‭ ‬الدريج،‭ ‬مطبعة‭ ‬بنلفقيه،‭ ‬الرشيدية‭ ‬الطبعة‭ ‬الاولى‭ ‬2013،‭ ‬ص‭ ‬44

‭[‬2‭]‬‭ ‬محمد‭ ‬الدريج‭: ‬‮«‬قراءة‭ ‬نقدية‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للتربية‮»‬‭ ‬مقالة‭ ‬منشورة‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬http‭:‬‭//‬psu‭.‬ma‭ ‬‭/‬

‭[‬3‭]‬‭ ‬أنجز‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬استيتو‭ ‬أطروحة‭ ‬متميزة‭ ‬حول‭ ‬الفقر‭ ‬والفقراء‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ق16‭-‬ق17،‭ ‬والناظر‭ ‬في‭ ‬الأطروحة‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬أصناف‭ ‬وطبقات‭ ‬الفقراء‭ ‬وأعمالهم‭ ‬بالمغرب‭ ‬الراهن‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬وقف‭ ‬عليها‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬القرنين‭ ‬المعنيين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلا‭ ‬عريضا‭ ‬عن‭ ‬استمرار‭ ‬وجود‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العافية‭ ‬من‭ ‬الطواعين‭ ‬والجوائج‭ ‬والكوارث؟

‭[‬4‭]‬راجع‭: ‬تلخيص‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬صناعة‭ ‬العقل‮»‬‭ ‬ـ‭ ‬مقالة‭ ‬منشورة‭ ‬على‭ ‬موقع‭: ‬http‭:‬‭//‬www‭.‬mhabash‭.‬com‭/‬2008‭/‬11‭/‬19‭/‬mind-creating‭/‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.