نوبل تحتفي بروائية السيرة الذاتية

الفرنسية آني إرنو تفوز بجائزة نوبل للآداب لعام 2022
السبت 2022/10/01

منحت الأكاديمية السويدية الروائية الكاتبة الفرنسية آني إرنو جائزة نوبل للآداب لعام 2022، وهي تبلغ من العمر 82 عامًا، وكتبت عددًا من الروايات الشهيرة، أغلبها مستوحى من سيرتها الذاتية، ويتأرجح بين مواضيع الأسرة والطبقية والسياسة والجندر. وأشارت لجنة نوبل إلى أنّ إرنو مُنحت الجائزة “للشجاعة والبراعة في المعالجة اللتين أظهرتهما عند كشفها عن الجذور، والبعد، والقيود الجماعية للذاكرة الشخصية”. وعند إعلان رئيس اللجنة أندرس أولسون فوزها، قال إنّ “عملها لا يقبل المساومة، ومكتوب بلغة سهلة، وواضحة، ونقية”. وأضاف “عندما تكشف إرنو، بشجاعة كبيرة وبراعة في المعالجة، عن احتضار تجربة الطبقية، وتصف الخزي، والإذلال، والغيرة، أو عدم القدرة على إدراك من أنت، تكون قد حقّقَت أمراً مثيراً للإعجاب ومستداماً”.

عُرفت إرنو بميولها اليسارية ومعاداتها للعنصرية في فرنسا، ووقّعت، في شهر مايو 2018 عريضةً، بالتعاون مع شخصيات من عالم الثقافة، لمقاطعة موسم الثقافات بين فرنسا وإسرائيل، والذي يُعدّ، وفقًا للعريضة، بمنزلة واجهة لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني. وفي عام 2019 شاركت في نداء نُشر في موقع “ميديا بارت” الفرنسي المعروف لمقاطعة تنظيم منافسة “يورو فيجن” في تل أبيب.

وصفت إرنو فوزها بالجائزة بأنه “شرف كبير”، وكذلك “مسؤولية كبيرة” أُعطيت لها للشهادة من أجل “الإنصاف والعدالة”، واعتبرت أن فوزها مسؤولية كبيرة، وشكل من أشكال الإنصاف والعدالة فيما يتعلق بالعالم.

منذ كتابها الأول، “الخزائن الفارغة” (1974)، أصدرت آني إرنو نحو عشرين كتاباً، بين رواية وقصة وسرد سيَري، من بينها “الساحة” (1983) التي فازت بجائزة “رونودو”، و”عاطفة بسيطة” (1993)، و”السنوات” (2008)، الحاصلة على جائزتي “مارغريت دورا” و”فرنسوا مورياك” عامَ صدورها، و”الفتاة الأُخرى” (2011)، و”ذاكرة فتاة” (2016).

استدعت إرنو، في روايتها القصيرة “الساحة”، صعودها الاجتماعي الذي جعلها تبتعد عن أهلها. وجاءت لتشكل العمل المفتاح، لما عرف في ما بعد باسم تيّار “التخييل الذاتي”. وبدءاً من تلك الرواية، بدأت كتابة “المينيمالية” التي تسبر أغوار الحميمي، عبر شكل الرواية السيرة ذاتية أو عبر شكل “اليوميات”، إذ تخلت عن كتابة القصة المتخيلة التقليدية لتركز على الرواية المستمدة أحداثها من سيرتها، حيث تتقاطع فيها التجربة التاريخية مع التجربة الفردية.

صورة

قبل أيام انتهيت من قراءة روايتها القصيرة الرائعة “الحدث” الصادرة عن دار الجمل بترجمة سحر ستّالة، ولها ترجمة ثانية قامت بها هدى حسين وصدرت عن دار ميريت، وقبلها قرأت روايتها “الاحتلال”، الصادرة عن دار الجمل أيضاً بترجمة إسكندر حبش.

تشكّل الروايتان جزءاً من مشروعها الروائي الذي تعمل عليه منذ بداياتها، ويقوم، حسبما يقول حبش، على تقديم تفصيل عادي من تفاصيل الحياة التي نمر بها، والتي تُعدّ جزءاً منها (عملية إجهاض، علاقة شغف كبير، موت الأب…)، إلا أنها تفاصيل واسمة، ربما لأنها في النهاية تشكّل مرجعاً ما في سلّم الوجود. لحظات هي من دون شك التي تؤسس جوهر الحياة الكبير. لذلك تبدو رواياتها، كأنها لعبة “بازل”، حيث تظهر كل واحدة منها قطعةً منفردةً، لكن إن جمعناها معاً ظهرت أمامنا الصورة (أو اللوحة) بشكل متكامل.

ويضيف حبش أن ثمة خاصيةً أخرى تتمتع بها إرنو وهو أسلوبها، الذي يرى بعضهم أنه أشبه بأسلوب “اليوميات الحميمة، أي أسلوب من دون تزاويق أو ادعاءات. فهذه المهارة تجعلنا نعتقد كأن ما تكتبه من كتاب إلى آخر ليس سوى يومياتها الحقيقية، ومن غير أيّ تبديل أو تعديل. ومن كتاب إلى آخر تنجح إرنو في بناء عملها الأدبي، الذي يذهب مباشرةً إلى الأساسي، إلى الجواني والداخلي، إلى الحميمي، من غير أيّ تعقيدات أو التفافات. يذهب عبر هذه الكثافة المكثفة التي تفتح، في الوقت عينه، حقولا متعددة للقراءة الخاصة أمام القارئ”.

تتعمق روايتها “الاحتلال” في موضوعة “الغيرة”، التي تنسج حولها قصة جميلة. ذات يوم، تعلم بطلتها أن عشيقها السابق، الذي كانت قد غادرته هي، رافضةً أن تستمر في العيش معه، بعد أن طردته من حياتها، لأنها ترفض بشكل مطلق الحياة التقليدية بين زوجين، قد اتخذ لنفسه صديقةً جديدةً. من هذا الخبر تنشأ في نفسها غيرة قاتلة تجتاح كل شيء، إلى درجة أنها لم تعد تحتمل الألم الفظيع الذي يلفها، ولا يدعها تفكر في أي شيء آخر، فتعلن أنها أصبحت “محتلةً” من طرف منافستها وغريمتها التي تؤرقها طيلة لحظات نهارها (وربما ليلها أيضا). ومن هذا الأرق، تكتب إرنو “موتيفات” الهوس والفقدان وعذاب العشق.

اعتمدت إرنو في كتابة الرواية تقنيةً بسيطةً هي تقنية الاعتراف، أو السيرة. ويبدو الاعتراف كأنّه تنفيس عن حالة لا يمكن الفكاك منها هي “الاحتلال” الذي تقوم به غريمتها تجاهها، بحيث تتحكم الغيرة بعقلها تماماً، وتسلبها كلّ منطقها وتفكيرها. وهكذا، تبذل أقصى جهدها لمعرفة كل شيء عن غريمتها، وحياتها وشخصيتها، بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة.

وتتناول في رواية “الحدث” موضوع تجريم عملية الإجهاض بالنسبة إلى المرأة والطبيب في مجتمع لا يدين إلا المرأة فقط، وتوابعه مثل قتل المرأة أو دفعها لثمن الحمل إذا لم تكن متزوجةً، إذ تصف في الرواية المشاعر المختلطة التي تنتاب المرأة في مجتمع يضطرها إلى أن تقتل طفلها، وكيف لا يساوى بينها وبين المتسبب في هذا الحمل.

الحدث يقع في ستينات القرن الماضي، وحينها كان تعريض النساء أنفسهن لهذا الامتحان محفوفاً بمخاطر كثيرة، ليس أولها النص القانوني الذي يعاقب بالسجن وبغرامة مالية. وقد أثبتت الكاتبة ذلك النص بحرفيته منقولا عن “الموسوعة العالمية الجديدة – لاروس”، لكنها مع ذلك لم تكن لتهجس بمفاعيله. كما لم يكن الخوف من وقوع الخبر على الأهل هاجساً ملحاً أيضا، طالما أنها في زياراتها لهم تستطيع أن تخفي العوارض التي تتأتى عن الحمل، أو تُظهر أمام والدتها، بالحيلة، أن عادتها الشهرية لم تنقطع. ولم تتحرجّ من أن يعلم زملاؤها وزميلاتها في الجامعة بسعيها لأن تُجهض، ففي فرنسا الستينات كانت معانَدة القوانين والأعراف من علامات تشكّل الشخصية. كما أن الجهر بانتماء المرء إلى طبقة اجتماعية دنيا، كان أيضاً دليلاً على الانخراط في الزمن الجديد.

صورة

صورةصورة

 

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.