هل يتخطى القارئ النص الروائي ذهنياً؟

الخميس 2022/12/01
المخيلة الأدبية (بريشة وليد علاء الدين)

يثير النص الأدبي العميق بطبيعة الحال مسألة معرفية وأخرى خاصة جداً وهي سلوكية، وحتى نفسية ترتبط بالواقع، فنتساءل تلقائيا عن إمكانية تحقيق ذلك. لأننا نؤمن بكاتب أكثر من كاتب آخر. خاصة إن أداركنا قيمة الخيال الأدبي الذي يتمتع به هو الإيمان بملكاته الفطرية التي تمثل توجهاتنا في الحياة، وأيضا يتبع ذلك قدرته في تطوير الأحداث دون الاستغناء عن السؤال المرتبط بكيفية الواقع المتخيّل ونوع التجربة التي تجعلنا وجها لوجه مع الشخصية الأساسية، وما نستخلصه من تجارب عامة، منها ما هو مرتبط بالحياة بشكل مباشر، ومنها ما هو مرتبط بالمخاطر في الفعل التلقائي لمسارات يرسمها، كتجارب فعّالة بحد ذاتها، ونابعة من قوة التجارب عند الكاتب الذي يختبر الكثير من الأمور الحياتية قبل أن يجعلها في رواية أو في قصة أو نص أدبي يتم التركيز من خلاله على الفكرة، وأداة عمله في تطويرها. لتكون قدوة أو أداة عملية تصوّرها ذهنيا من خلال التمثيل الفعلي المعتمد على وجهات نظر، هي مجموع التجارب الفكرية التي أجراها الكاتب على شخصياته، كما هي الحال في سلسلة “أغنية الجليد والنار” للكاتب جورج.ر.ر.مارتن وروايات الكاتب غيربرند باكر وعوالمه المشابهة لعوالمنا الواقعية باستثناء بعض التفاصيل. فالتلقي الأدبي لا ينفصل عن التمثيل الذهني المشبّع بالمواقف واشكالياتها التي تتناسب مع متغيرات القارئ النفسية، وما يمكن اكتسابه من ردات فعل كل شخصية. اضافة إلى التأثير العام للأمكنة بكافة اختلاف الأنماط المعيشية كما في روايات غيوم ميسو وبشكل أصح روايته “الحياة رواية”. فهل مراعاة الكاتب للطرق الأسلوبية والمضمونية لنصوصه هي فعل ذهني يوجهه كسهم يتم تصويبه الى ذهن القارئ مباشرة؟

غالبا ما ندمج الخيال الأدبي في الحياة التي نعيشها ونحاول صنع اسقاطات معينة على شخصيات من حولنا، فكثيراً ما عشنا مع شخصية أنشتاين التي تمثلت في أكثر من عمل درامي حتى وهو بالنهاية قبل أن يكون دراميا هو نص سيناريو مكتوب تحول إلى شخصية تتحرك دراميا ونرتبط معها ذهنيا، والأكثر قوة وإسقاطات على مدار الزمن الماضي والحاضر وحتى المستقبل هي نصوص مارغريت آتوود وشخصيات الأم والأب والنفسيات المختلفة في أدب خاص بها. لكنه يثير الكثير من العصف الذهني عند القارئ الذي يحاول تفكيك هذا الخيال الذي تتمتع به مارغريت آتوود ويجعل منه رؤية احترازية أو الأصح تنبيهية لمخاطر مستقبلية قد تتعرض لها المجتمعات الإنسانية عامة، والمجتمعات الخاصة بالذكورية والأخرى النسائية رغم أنها غالبا ما ترتبط عرقيا باتجاهات مختلفة منها إلى ما وراء النص بعقلانية لا تنفصم عن فكرة التحليل النفسي وما تتركه شخصياتها في نفس القارئ من تمثيل ذهني يجذبنا نحو الخيال إلى واقع مختلف، لكنه الواقع النفسي الذي يمكن أن يصبح حقيقة في الحروب أو عند محاولة الدفاع عن البقاء والاستمرار بالحياة وعلى عدة مستويات تبعا للغريزة ومقاومة الحفاظ على الأخلاقيات الثابتة المتعارف عليها طبيعيا في الحياة. فهل رفض القارئ لسلوكيات تصدمه هو تحليل ذهني صامت وتصورات مفتعلة لحقيقة حالة الشخصية التي تتواءم معها؟ أم هناك صدمة مزدوجة تصيب الكاتب والقارئ معاً، وبذلك ينجح الكاتب بإثارة العصف الذهني عند قارئ أدمن تحليل شخصيات كاتب خطفه من الحياة ووضعه في واقع أدبي يستنتج منه واقعه الخاص.

عواطف متناقضة يصاب بها القارئ ذهنيا لا شعوريا من خلال الجملة المؤثرة حسيا في وصف يميل الى تخدير تمثيلي متخيل لشخصية تتكافأ فعليا مع مواصفات يضعها الذهن في خانة (تشبهني، تشبه فلان) وبإيجابية أو سلبية، في الحالتين هي نقل الإحساس من حزن أو فرح أو يأس أو حتى ملل وضجر كما هي الحال في شخصية بطل البؤساء والفتاة التي تتنقل معه وتقع في قصة حب نتشارك فيها عدة انفعالات، بتجاوزات استدلالية ذات خصوصية عاطفية يستهدف من خلالها استخدام عبارات مؤثرة في ذهن القارئ. فهل من معان محددة لعاطفة يبثها الكاتب في نصه الأدبي أو روايته أو قصته؟ وهل ذهن القارئ يحتفظ تلقائيا بمؤثرات الشخصية الخاصة كما في شخصيات غيربرند باكر؟

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.