هواء الليل وذاكرة البحر

قصائد
الجمعة 2021/10/01
لوحة: Chahrazed Fekih

إنه اليومُ..

إنه اليومُ..

يوم جميل،

نسيم خفيف،

بشر خفيفون مثلُ النسيم

يتكاثرون سريعا

كالعصافير فوق الرصيف،

ويمضون سريعا.

حمائمُ تهبطُ ُ.. تلقي رسائلها وتطيرُ

حيث ينتظر اللهُ ما ترسلُ الأرضُ..

كلّ شيء جميل.

القطارات تمضي سريعا،

وتعود سريعا،

المحطاتُ مفتوحةٌ،

الرصيفُ كبيرٌ كما الأرض،

والسماء

تتلوّن مثل المصابيحِ فوق الشوارع..

إنه اليومُ..

يومٌ جميل

لموتكَ فوق الرصيف.

 

في كورفو لم أر البحرَ

كان هواء قديم

يهبّ على الأرضِ..

فوق المياهِ الزجاجِ..

وبعد قليلِ

ستأتي الطائراتُ

ستهبطُ  فوق المياه الزجاج،

ستجيء الجيوشُ،

أنجمُ الجنرالات

ستلمعُ فوق المياه الزجاج

وبعد قليلِ

يثقبون الجدارَ القديم

سيكون مماتي هنا،

أنا السائحُ العابرُ،

سأكون

صخرةً في الجدار القديم.

ما الذي قادني إلى كورفو سوى البحرِ؟

لكنني لا أرى البحرَ..

لا سفائن تبحرُ ثم تعودُ

ولا طيرَ أعرفهُ..

ما رأيت أخيلَ ولا سيفهُ،

لم أر السهمَ ينفذُ في الكعبِ..

ما الذي قادني إلى كورفو

سوى أخيلَ؟ أين مضى؟

لغابٍ يطل على أفريقيا؟

ربما ما يزال هنا،

ولكنني لا أراهُ،

ربما صار أنحل مني،

وأشحبَ من قطرة ٍ

في المياه الزجاج.

تهبط الطائراتُ،

تجيء الجيوشُ،

أنجم الجنرالاتِ

تلمعُ فوق المياه الزجاج

وبعد قليلٍ أكون

صخرةً في الجدار القديم.

            • تقع جزيرة كورفو في البحر الأيوني، وهي موطن الكثير من الأساطير والملاحم اليونانية القديمة. سكنها الفينيقيون والكورنثيون. واستولى عليها الأليريون والرومان والبيزنطيون. وفي العصر الحديث، احتلها الإيطاليون، والروس، والإنجليز. ويوجد في الجزيرة قصر أخيل، الذي أمرت ببنائه  إمبراطورة النمسا إليزابيث عام 1891.

 

بقعة ضوء

أتصيد هذا المساء

بقعةً من الضوءِ عند الزوايا.

أراها تُضيءُ،

وتخفتُ حينا،

وتضيءُ..

فأتبعها إلى ضفة النهرِ،

حيث تنامُ العصافيرُ متعبةً،

إلى ساحل البحرِ،

حيثُ تختزنُ السفائنُ ذاكرة البحرِ،

حيث الفناراتُ تومضُ فوق المياهِ.

أراها على الماءِ تسبحُ..

قد تتمددُ فوق السواحلْ،

قد تمسّ ردائي،

فأضيء

.. وأصحبها إلى البيتِ،

 أوقفها على الرفِّ،

أخزنها في القواريرِ،

في غرفة النومِ،

حيث المرايا تعتّمُ منذ الصباح.

ثمّ نهبط فوق الحديقة..

ننام على العشبِ بعض وقتِ

ثمّ نصعدُ حيث يجيء المطر..

ونهبطُ .. طيرينِ أبيضينِ

فوق مدائنَ لا يعرف الطيرُ فيها سماء.

 

أحلام فرناندو بيسوا المجنونة

(بعد قراءة يومياته)

قد تكون

بقعةً من الضوءِ تبرقُ في الليلِ

حين ينام الجميعُ

وحقلاً صغيراً على النهرِ

 كان يوماً ضريحَ الإله.

الشوارع ُ تزهرُ.. والليلُ يبرق تحتكَ،

يصعد غرفتكَ المغلقة.

كنت أرقب غرفتك المغلقة

– افتح النافذة

حتى تراني-

بشرٌ كثير يدبّ على الأرصفة،

ألا ترى؟

بشرٌ كثيرُ.

أنت ترقبُ… قد يصعد النور نحوكَ،

 ثم ينسلّ، يفترش الأرصفة.

بشر كثيرٌ على الأرصفة

فما عدتُ أعرف أين ضريح الإلهِ..

وأين أنتَ.. وأين أنا؟

لوحة: Chahrazed Fekih
لوحة: Chahrazed Fekih

 

اختفاء فرناندو بيسوا

الهواء من الفجرِ يصفرّ،

صوتٌ خفيف،

الحديقةُ تكتئب،

وطيرٌ غريبٌ يحطّ على العشبِ.

أرقبه من النافذة..

قد يطلّ،

قد يراني.

ضبابٌ كثيفٌ يغيمُ

ثم يهبط فوق الحديقة.

سوف يحدث شيء!

يحدث الآن شيء!

وأنا أرقبُ..

نظّارتاه ترتفعان

عيناه تلتمعانِ

يثبّتُ معطفهُ على الكتفينِ

وتحت الذراعِ اليسارِ

كتابٌ خفيف.

يا لَبياض القميصِ بوردته!

وأزراره الزرقِ..

الله! كم كان يبدو أنيقا!

سيخرج بعد قليلِ لموعده،

أو لمكتبه،

سوف يبدأ خطوتهُ

قد يراني أراقبه

قد يقول: وداعاً…أراك مساء.

وقد أتبعهُ طوال النهارِ

وشطراً من الليلِ

حين ينقسمُ

ولكنني لا أرى البابَ يفتحُ…

أين مضى؟

 

هواء

هواء حزين يهبّ على غرفتي،

هواء غريبُ.

النوافذ مغلقةٌ

فمن أين يأتي الهواء الحزينُ؟

الهواء الغريبُ؟

كأن فم الله ينفثه في فمي

كأن السماء،

كأن البراري،

كأن الجبال،

كأن البحار

تتنفسُ في رئتي.

هواء حزين

هواء غريب

يتماوج في غرفتي

كما الماءِ،

يصعدُ للصدرِ.. يهدأُ

يصعدُ

نصعدُ للسقفِ

ثمّ نغيبُ معاً..

في السكون.

 

لا أحد يموت اليوم…

(إلى أحمد مهنا)

لا أنت ولا أنا.

وحدهم الحمقى يموتون اليوم.

لا، ليس اليوم.

ليكن غدا.

نهارٌ واحدٌ

سيكون كثيراً لحياة.

في الحديقة ينتظر الطير،

منذ الفجرِ رشاش الماء،

النافورة’ تنتظرُ،

ينتظر الزهرُ

يدك المملوءة بالدمِ لتسمّده

رماد السيكارةِ ينتظرُ

أن تسقطه فوق التراب.

سيأتي الثعلبُ بعد قليلِ،

سينام على العشبِ،

والشمسُ فوق الحديقة

تملأ عينيهِ

فتشعانِ بضوءِ تعرفهُ

كم كان يحدق فيك!

لا، ليس اليوم.

ستخرج مشحوناً بالشمس

وعلى رأسك تلك القبعة التي تعرفها الطرقات،

والمشردون، وبائعو النبيذ.

ستجلس فوق المصاطب

ترقب العابرين

يحثّون الخطى نحو الموت.

ليس بينهم، أنتَ… ولا أنا

ليسَ اليوم!

ستعود إلى البيت

ويراك المساء سعيدا

ممتلأً بالكتاب،

مغتنياً بك،

زاهداً بك!

…ثم اذهب وديعا،

وأنت نائمٌ،

إلى ذلك الليل الطيب.*

*لا تذهب وديعا في ذلك الليل الطيب (ديلان توماس).

 

وأنا أرقبُ من نافذتي

وأنا أرقبُ من نافذتي

تجمّع هذا الصباح

في الحديقة

شيءٌ من الشمسِ

بعضٌ من الظلِ،

قطرةٌ من مطر…

هكذا يبتدأ الكونُ.

بعد قليلٍ ستنمو شجرة

نصفها شمسٌ،

نصفها ظلُّ،

سيغمر المطرُ الساقية

سيأتي الطيرُ أزواجا

يلعبُ في الماءِ

ستنبتُ شجرةٌ  أخرى

سيحطّ حمامُ

يلتقط حبّة ًمن الشمسِ،

حبّة من الظلِ

ستتراقصُ الجنادب

فوق الجدارِ القديم

اثنينِ اثنينِ

وتأتي الثعالبُ تحفر في العشبِ…

هكذا يبتدأ الكونُ

وأنا من نافذتي

أرقبُ لعبته الكبرى.

……

يشحب شيءٌ من الشمس،

ينسحب ُبعضُ الظلِ،

تصعد قطراتٌ الماء إلى السماء…

أغلقُ نافذتي

على جثةٍ هائلةٍ تنامُ في سريري.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.