سلافوي‭ ‬جيجك‭ ‬أممية‭ ‬جديدة‭ ‬

الأحد 2017/01/01

هكذا‭ ‬إذن،‭ ‬يعيش‭ ‬جيجك،‭ ‬ملهم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬اختيارية،‭ ‬ناصباً‭ ‬جداراً‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الأوساط‭ ‬الفكرية‭ ‬في‭ ‬بلده،‭ ‬وفي‭ ‬أوربا‭ ‬إجمالا،‭ ‬لا‭ ‬يستقبل‭ ‬أحداً‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬سوى‭ ‬عائلته‭ ‬الصّغيرة‭ ‬وبعض‭ ‬الرّفاق‭ ‬اليساريين‭ ‬القدامى‭. ‬ويُضيف‭ ‬ساخراً‭ ‬‮«‬دانتي‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬الجحيم‭ ‬سوى‭ ‬لمّا‭ ‬زار‭ ‬مغارات‭ ‬بوستونيا‭ ‬في‭ ‬سلوفينيا‭!‬‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬لا‭ ‬تقطعها‭ ‬سوى‭ ‬سفرياته‭ ‬العلمية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬عادة،‭ ‬وبعض‭ ‬السّفريات‭ ‬السّياحية،‭ ‬إلى‭ ‬دبي‭ ‬أو‭ ‬سنغافورا‭ ‬أو‭ ‬كوبا‭. ‬لكن،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬هذه‭ ‬السّفريات‭ ‬صارت‭ ‬لا‭ ‬تغريه‭ ‬كثيراً،‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬في‭ ‬السّابق،‭ ‬كنت‭ ‬أحبّ‭ ‬السّفر‭ ‬مع‭ ‬ابني‭ ‬‭-‬هو‭ ‬أيضاً‭ ‬دارس‭ ‬جيّد‭ ‬لجاك‭ ‬لاكان‭ ‬مثلي‭ ‬أنا‭-‬‭ ‬لأكتشف‭ ‬مدناً،‭ ‬وأهمّ‭ ‬ما‭ ‬أقوم‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أشتري‭ ‬قرصا‭ ‬مضغوطا‭ ‬لموسيقى‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬أزوره،‭ ‬أو‭ ‬أدخل‭ ‬قاعة‭ ‬سينما‭ ‬لمشاهدة‭ ‬فيلم‭ ‬محلي‭. ‬الآن‭ ‬الموسيقى‭ ‬والأفلام‭ ‬صارت‭ ‬متوافرة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬نيويورك‭ ‬نفسها‭ ‬صارت‭ ‬لا‭ ‬تغريني،‭ ‬العالم‭ ‬بات‭ ‬متشابها‭ ‬ومملاً‮»‬‭.‬

لحظتان‭ ‬حاسمتان‭ ‬صنعتا‭ ‬حياة‭ ‬سلافوي‭ ‬جيجك‭: اختياره‭ ‬دراسة‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وهو‭ ‬مُراهق‭ ‬في‭ ‬السّابعة‭ ‬عشرة،‭ ‬ثم‭ ‬تجربته‭ ‬الفاشلة‭ ‬في‭ ‬السّياسة،‭ ‬التي‭ ‬جعلته‭ ‬يُراجع‭ ‬مسلمات‭ ‬قديمة،‭ ‬ويُفكّر‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬جديد‭ ‬لليسار‭ ‬التّقليدي. ‬بدأ‭ ‬من‭ ‬تأثّره‭ ‬بالفلسفة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬ومن‭ ‬قراءاته‭ ‬للمحلّل‭ ‬النفساني‭ ‬جاك‭ ‬لاكان‭(‬1901‭-‬1981‭)‬‭. ‬لينضم‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬العشرينات‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬إلى‭ ‬الحزب‭ ‬الشّيوعي‭ ‬السّلوفيني،‭ ‬ثم‭ ‬يتعرّف،‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬على‭ ‬جان‭ ‬آلان‭ ‬مييار‭ ‬‭(‬صهر‭ ‬جان‭ ‬لاكان،‭ ‬والمختصّ‭ ‬في‭ ‬فرويد‭)‬،‭ ‬ويتمّ‭ ‬دكتوراه‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬السّوربون‭ ‬‭(‬1986‭)‬،‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬سلوفينيا،‭ ‬برغبة‭ ‬في‭ ‬بعث‭ ‬نقاشات‭ ‬فلسفية‭ ‬جديدة،‭ ‬لكن‭ ‬البلد‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬وقتها‭ ‬تحوّلاً‭ ‬جذرياً،‭ ‬فقد‭ ‬استقل‭ ‬عن‭ ‬يوغسلافيا‭ ‬‭(‬1991‭)‬،‭ ‬وعرف‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية،‭ ‬ترشّح‭ ‬لها‭ ‬سلافوي‭ ‬جيجك،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الثّانية‭ ‬والأربعين‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬متحمساً‭ ‬وغير‭ ‬مكتمل‭ ‬النّضج‭ ‬السّياسي،‭ ‬انتهت‭ ‬بفشله‭ ‬–طبعاً‭-‬‭ ‬وقراره‭ ‬الرّاديكالي‭ ‬بعدم‭ ‬ممارسة‭ ‬السّياسة‭ ‬مجدداً،‭ ‬ومقاطعة‭ ‬السّياسة‭ ‬والسّياسيين‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬الأمّ‭. ‬العزاء‭ ‬الوحيد‭ ‬له،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كان‭ ‬صدور‭ ‬التّرجمة‭ ‬الإنكليزية‭ ‬لكتابه‭ ‬الأوّل‭ ‬‮«‬العنصر‭ ‬الأسمى‭ ‬في‭ ‬الأيديولوجيا‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬اسما‭ ‬محترماً‭ ‬في‭ ‬الدّوائر‭ ‬الفلسفية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬والأميركية،‭ ‬ومرادفاً‭ ‬للجدل‭.‬‮«‬ الجدل‮»‬‭ ‬و«إثارة‭ ‬الإشكاليات‮»‬‭ ‬هما‭ ‬خاصيتان‭ ‬في‭ ‬سيرة‭ ‬جيجك‭ ‬الفلسفية‭. ‬يقول‭ ‬لنا‭ ‬‮«‬البعض‭ ‬يعتبرني‭ ‬مجنوناً‭. ‬ربما‭ ‬أنا‭ ‬كذلك‭. ‬لكني‭ ‬أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬شخص‭ ‬ساذج‭. ‬أنا‭ ‬أكتب‭ ‬وأتكلّم‭ ‬مثلما‭ ‬أفكّر‭. ‬أحياناً‭ ‬أُصادف‭ ‬زملاء‭ ‬لي،‭ ‬من‭ ‬مفكّرين‭ ‬أوروبيين،‭ ‬خصوصاً‭ ‬من‭ ‬اليسار،‭ ‬يتّفقون‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬آرائي‭ ‬في‭ ‬الخفاء،‭ ‬لكنهم‭ ‬يحاولون‭ ‬تحذيري‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬العلن‭!‬‮»‬‭.‬

يكتب‭ ‬جيجك‭ ‬في‭ ‬موضوعات‭ ‬راهنة‭ ‬كثيرة،‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬معنيّ‭ ‬بالخوض‭ ‬فيها‭: ‬عن‭ ‬العنف‭ ‬والتّسامح،‭ ‬عن‭ ‬نقد‭ ‬الماركسية‭ ‬ومواجهة‭ ‬الرّأسمالية،‭ ‬عن‭ ‬الهويات‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة،‭ ‬التّطرف‭ ‬والأديان،‭ ‬عن‭ ‬النّساء‭ ‬والحركات‭ ‬النّسوية‭. ‬كان‭ ‬صديقه‭ ‬المقرب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬جيل‭ ‬دولوز‭ ‬‮«‬1925‭-‬1995‮»‬،‭ ‬والآن‭ ‬يفضّل‭ ‬مصاحبة‭ ‬آلان‭ ‬باديو‭ ‬‭(‬1937‭-)‬‭.‬

سلافوي‭ ‬جيجك‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والمحلل‭ ‬النّفساني،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬سينيفيل‮»‬‭ ‬بامتياز‭. ‬يُتابع‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬السّينما،‭ ‬والسّينما‭ ‬العربية‭ ‬أيضاً‭. ‬أخبرني‭ ‬عن‭ ‬خيبته‭ ‬مما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬السّينما‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬تجارية‭ ‬بلا‭ ‬معنى،‭ ‬ثم‭ ‬علّق‭ ‬مبتسماً‭ ‬‮«‬لحسن‭ ‬الحظّ‭ ‬توجد‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬التي‭ ‬تُعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬مصر‮»‬‭.‬‭. ‬شغّل‭ ‬أغنية‭ ‬‮«‬الأطلال‮»‬،‭ ‬على‭ ‬الكومبيوتر،‭ ‬من‭ ‬قرص‭ ‬مضغوط‭ ‬اشتراه‭ ‬من‭ ‬رام‭ ‬الله،‭ ‬استمعنا‭ ‬‭-‬فقط‭-‬‭ ‬إلى‭ ‬مقطع‭ ‬من‭ ‬بدايتها،‭ ‬ثمّ‭ ‬شرعنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭.

الجديد‭:‬ قدت‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الماضية‭ ‬حملة‭ ‬ضد‭ ‬الرّئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬المُنتخب‭ ‬–حديثاً‭-‬‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭! ‬وصفته‭ ‬ﺒ‮«‬الانتهازي‭ ‬البذيء‮»‬‭ ‬وﺒ‮«‬الرّجل‭ ‬الببغاء‮»‬،‭ ‬وتأسّفت،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬الطّبقات‭ ‬الشّعبية،‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬ترامب‭ ‬ناطقاً‭ ‬باسمها‭. ‬في‭ ‬الأخير،‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬صار‭ ‬رئيسا‭ ‬لأميركا،‭ ‬وتحذيراتك‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬صدى‭ ‬لها‭..‬

جيجك‭:‬ في‭ ‬البداية،‭ ‬كنت‭ ‬مفزوعاً‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬يصير‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬رئيسا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬واليوم‭ ‬يزداد‭ ‬فزعي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭. ‬لكن‭ ‬بالمقابل،‭ ‬أنا‭ ‬متفائل‭ ‬من‭ ‬أشياء‭ ‬ثانوية‭ ‬أخرى،‭ ‬لكنها‭ ‬مهمّة‭. ‬لقد‭ ‬فكّرت‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي،‭ ‬وآمنت‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬المهمّ‭ ‬أن‭ ‬يفوز‭ ‬ترامب‭ ‬ويصير‭ ‬رئيساً،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يشكّل‭ ‬سبباً‭ ‬لإعادة‭ ‬التّفكير‭ ‬في‭ ‬اليسار‭ ‬الليبرالي‭. ‬رأيي‭ ‬حول‭ ‬ترامب،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يتغيّر،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬رأيي‭ ‬وحدي،‭ ‬بل‭ ‬كثيرون‭ ‬يُقاسمونني‭ ‬وجهة‭ ‬النّظر‭ ‬ذاتها‭. ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬أسماءهم‭ ‬‭-‬الآن‭-‬‭ ‬على‭ ‬التّحديد،‭ ‬ولكن‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬المهمّة‭ ‬من‭ ‬اليسار،‭ ‬قالوا‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬‮«‬سلافوي،‭ ‬نحن‭ ‬متّفقون‭ ‬معك،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬العلن‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬غريب،‭ ‬لكنه‭ ‬حدث‭ ‬فعلاً‭.‬

من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬سوى‭ ‬‮«‬أعراض‭ ‬مرض‮»‬‭ ‬هيلاري‭ ‬كلينتون‭. ‬ترامب‭ ‬هو‭ ‬صورة‭ ‬عن‭ ‬الأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬والقناعات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬يتمسّك‭ ‬بها‭ ‬اليسار‭ ‬الليبرالي‭. ‬عادة،‭ ‬أنا‭ ‬لست‭ ‬رجلا‭ ‬لبقاً،‭ ‬أسمّي‭ ‬الأشياء‭ ‬بمسمياتها،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬رأي‭ ‬مخالفاً‭ ‬للغالبية،‭ ‬لهذا‭ ‬كنت‭ ‬صريحاً‭ ‬في‭ ‬آرائي‭ ‬الرّافضة‭ ‬لترامب‭.‬

فوز‭ ‬ترامب‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬كشف‭ ‬للأعراض‭ ‬المرضية‭ ‬ولضعف‭ ‬ومحدودية‭ ‬اليسار‭ ‬الليبرالي‭ ‬الرّسمي‭ ‬الوسطي‭. ‬أحبذ‭ ‬‭-‬دائماً‭-‬‭ ‬أن‭ ‬أستعيد‭ ‬مقولة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الألماني‭ ‬والتر‭ ‬بنيامين‭ ‬‮«‬خلف‭ ‬كلّ‭ ‬فاشية،‭ ‬هناك‭ ‬ثورة‭ ‬أجهضت‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬التّناقض‭ ‬الكبير‭ ‬الحاصل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬بأجمعه‭. ‬في‭ ‬أميركا،‭ ‬النّاس‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بتغيير‭ ‬قريب،‭ ‬يفضّلون‭ ‬الاستقرار‭ ‬مهما‭ ‬كان،‭ ‬ويفكّرون‭ ‬بأن‭ ‬ترامب‭ ‬يمثّل‭ ‬حالة‭ ‬التّوافق‭ ‬المطلوبة‭.‬


وقف‭ ‬سلافوي‭ ‬جيجك‭ ‬‭(‬1949‭-) ،‬ أمام‭ ‬مكتبته‭ ‬في‭ ‬صالون‭ ‬البيت،‭ ‬وهو‭ ‬يتصفّح‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬معضلة‭ ‬الأجسام‭ ‬الثّلاثة‮»‬‭ ‬للصّيني‭ ‬ليو‭ ‬سينجين. ‬وخاطبني‭ ‬‮«‬أجدني‭ ‬أميل‭ ‬أكثر‭ ‬لمطالعة‭ ‬الرّوايات‭ ‬البوليسية.‭ ‬هذا‭ ‬كاتب‭ ‬صيني،‭ ‬اكتشفته،‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬فقط،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الرّواية‭ ‬صدرت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‮»‬.‭

ويُضيف‭ ‬‮«‬مثلاً،‭ ‬قرأت‭ ‬كلّ‭ ‬أعمال‭ ‬آغاثا‭ ‬كريستي‭!‬‮»‬.‭ ‬أُحاول‭ ‬أن‭ ‬أجذبه‭ ‬نحو‭ ‬فضاءات‭ ‬عربية،‭ ‬وأعلّق‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬آغاثا‭ ‬كريسيتي‭ ‬كتبت‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬أعمالها‭ ‬بين‭ ‬حلب‭ ‬والموصل،‭ ‬مطلع‭ ‬الخسمينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭!‬‮»‬.‭‬يقول‭ ‬‮«‬نعم،‭ ‬أعرف.‭ ‬لكنها‭ ‬كتبت‭ ‬أيضاً‭ ‬فصولا‭ ‬من‭ ‬رواياتها‭ ‬في‭ ‬سلوفينيا.‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يعرفه‭ ‬الكثيرون.‭ ‬كانت‭ ‬كلّ‭ ‬عام‭ ‬تقضي‭ ‬شهراً‭ ‬كاملاً،‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬بحيرة‭ ‬بوهين‭ ‬الشّهيرة‮»‬‭.‬

الجديد‭:‬ صحوة‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬أميركا،‭ ‬وتراجع‭ ‬اليسار،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لهما‭ ‬انعكاس‭ ‬على‭ ‬أوروبا،‭ ‬بالدّرجة‭ ‬الأولى‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬تبدو‭ ‬فرنسا‭ ‬مهيّأة‭ ‬لتصير‭ ‬برئيس‭ ‬يميني،‭ ‬الرّبيع‭ ‬القادم‭!‬

جيجك‭:‬ بالتّأكيد‭. ‬الآن،‭ ‬المشهد‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭. ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬يدور‭ ‬الدّور‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسيات‭ ‬القادمة‭ ‬‭-‬ربيع‭ ‬العام‭ ‬2017‭-‬‭ ‬بين‭ ‬مارين‭ ‬لوبان،‭ ‬زعيمة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرّف‭ ‬وفرنسوا‭ ‬فيون،‭ ‬الذي‭ ‬يمثّل‭ ‬‭-‬ظاهرياً‭-‬‭ ‬وسط‭ ‬اليمين‭. ‬برأيي‭ ‬أن‭ ‬فرنسوا‭ ‬فيون‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬مارين‭ ‬لوبان‭ ‬بكثير‭. ‬هو‭ ‬كاثوليكي‭ ‬مُحافظ،‭ ‬يُدافع‭ ‬عن‭ ‬قناعات‭ ‬نيوليبرالية‭ ‬على‭ ‬الصّعيد‭ ‬الاقتصادي‭. ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬تذكرني‭ ‬برواية‭ ‬خوسيه‭ ‬ساراموغو‭ ‬‮«‬بصيرة‮»‬‭: ‬حيث‭ ‬يصوّت‭ ‬النّاس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بلا‭ ‬اسم‭ ‬بورقة‭ ‬بيضاء‭ ‬في‭ ‬انتخابات،‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬رضاهم‭ ‬عن‭ ‬البدائل‭. ‬

الجديد‭ :‬برأيك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اليمين‭ ‬التّقليدي،‭ ‬المُحافظ‭ ‬والمعادي‭ ‬للأجانب،‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬تسيير‭ ‬ملف‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬لن‭ ‬يقدّم‭ ‬جديداً؟

جيجك‭:‬ قطعاً‭. ‬لن‭ ‬يقدّم‭ ‬شيئاً‭ ‬ملموساً‭. ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬أن‭ ‬اليمين‭ ‬لم‭ ‬يطوّر‭ ‬أدواته‭ ‬ولا‭ ‬خططه‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭. ‬بل‭ ‬اعتمد‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬استفزاز‭ ‬اليسار‭. ‬زعماء‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرّف‭ ‬يُحاولون‭ ‬كسب‭ ‬أصوات‭ ‬انتخابية‭ ‬بإخافة‭ ‬النّاس‭ ‬من‭ ‬موضوعات‭ ‬كالفاشية‭ ‬والعنصرية‭.. ‬إلخ‭. ‬ما‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬أؤكّد‭ ‬عليه‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬مثيرة‭ ‬فعلاً‭ ‬للحزن،‭ ‬ومخيفة‭ ‬في‭ ‬آن‭.‬

في‭ ‬ظلّ‭ ‬توسّع‭ ‬نفوذ‭ ‬الرّأسمالية‭ ‬الشّمولية،‭ ‬التي‭ ‬تلتهم‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬تمرّ‭ ‬عليه،‭ ‬توجّب‭ ‬أولاً‭ ‬حماية‭ ‬الدّولة،‭ ‬وتوفير‭ ‬استقلالية‭ ‬وسلطة‭ ‬كاملتين‭ ‬لها،‭ ‬لتستطيع‭ ‬الالتزام‭ ‬بدورها‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية‭ ‬للمواطن،‭ ‬مثل‭ ‬الصّحة‭ ‬والتّعليم‭.. ‬إلخ‭. ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متّفقا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السّابق،‭ ‬بات‭ ‬غير‭ ‬ممكن‭ ‬تماماً،‭ ‬لأن‭ ‬الرأسمالية‭ ‬صارت‭ ‬‮«‬عالمية‮»‬،‭ ‬وكل‭ ‬بلد‭ ‬يفكّر‭ ‬في‭ ‬عزل‭ ‬نفسه‭ ‬عنها‭ ‬سيسبب‭ ‬لنفسه‭ ‬مشاكل‭ ‬وأزمات‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المعقّد،‭ ‬أنا‭ ‬لست‭ ‬أدعو‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ننطوي‭ ‬على‭ ‬أنفسنا،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نفكّر‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬نسخ‭ ‬مُقابلة‭ ‬للقوانين‭ ‬الرّأسمالية،‭ ‬للحدّ‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬سطوتها‭. ‬هناك‭ ‬دول‭ ‬قامت‭ ‬بالشّيء‭ ‬ذاته،‭ ‬قاومت‭ ‬‭-‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما‭-‬‭ ‬تغوّل‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬مثل‭ ‬ماليزيا‭ ‬أو‭ ‬الصّين‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الحلّ‭ ‬سيظلّ‭ ‬ظرفياً،‭ ‬والواجب‭ ‬هو‭ ‬التفكير‭ ‬بجدية‭ ‬في‭ ‬‮«‬أُممية‭ ‬جديدة‮»‬‭. ‬أممية‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تنقذنا‭. ‬أممية‭ ‬من‭ ‬يسار‭ ‬وسطي‭. ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتبنّى‭ ‬الموضوع‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬لوحدها‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬سيحصل‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬اليونان،‭ ‬وهو‭ ‬خيار‭ ‬كان‭ ‬سيقودها‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الاتّحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الخسارات‭ ‬الدّاخلية‭ ‬والخارجية‭. ‬كانت‭ ‬ستدخل‭ ‬اليونان‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية،‭ ‬فهي‭ ‬بلد‭ ‬فقير،‭ ‬يستورد‭ ‬70‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬غذائه‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

الجديد‭:‬ أنت‭ ‬تقترح‭ ‬‮«‬أمميّة‮»‬‭ ‬تصحّح‭ ‬أخطاء‭ ‬الأممية‭ ‬العمالية‭ ‬اليسارية،‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬قطيعة‭ ‬معها،‭ ‬أم‭ ‬تقترح‭ ‬بديلاً‭ ‬آخر‭ ‬للعولمة،‭ ‬تحت‭ ‬مسمّى‭ ‬‮«‬الأمميّة»؟

جيجك‭:‬ ما‭ ‬أقصده‭ ‬من‭ ‬كلامي‭ ‬هو‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬أمميّة‮»‬‭ ‬مضادّة‭ ‬للرّأسمالية‭ ‬الشمولية‭. ‬أن‭ ‬نتّفق‭ ‬حول‭ ‬قانون‭ ‬اقتصادي‭ ‬دولي‭ ‬جديد،‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬أهدافه‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬الرأسمالية.

الإسلام‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه‭ ‬أمام‭ ‬الحداثة

الجديد‭:‬ في‭ ‬كتابك،‭ ‬الصّادر‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬عقب‭ ‬الاعتداء‭ ‬الإرهابي‭ ‬على‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬شارلي‭ ‬إيبدو‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الإسلام‭ ‬والحداثة‮»‬،‭ ‬كتبت،‭ ‬لأوّل‭ ‬مرّة،‭ ‬بشكل‭ ‬موسّع‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭. ‬على‭ ‬ماذا‭ ‬تبني‭ ‬قراءاتك‭ ‬للإسلام؟‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬متابعة‭ ‬الرّاهن‭ ‬أم‭ ‬من‭ ‬قراءات‭ ‬للنّصوص‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الإسلام؟

جيجك‭:‬ بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬أنا‭ ‬أتابع‭ ‬جيداً‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭. ‬لي‭ ‬أصدقاء‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مسلمة،‭ ‬أتناقش‭ ‬معهم،‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وأستمع‭ ‬لآرائهم‭ ‬فيما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالإسلام‭ ‬وبراهن‭ ‬الدّول‭ ‬الإسلامية‭. ‬وأيضاً،‭ ‬أقرأ‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بالإسلام،‭ ‬مما‭ ‬كتبه‭ ‬مسلمون‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مسلمين‭. ‬ربما‭ ‬ستتفاجأ‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬إنّ‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬قرأتها‭ ‬باهتمام‭ ‬‭-‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭-‬‭ ‬هو‭ ‬كتاب‭ ‬لسيد‭ ‬قطب‭. ‬قرأت‭ ‬له‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬معالم‭ ‬في‭ ‬الطّريق‮»‬‭. ‬كما‭ ‬قرأت‭ ‬القرآن‭ ‬بالطّبع‭. ‬ومهتمّ‭ ‬بقراءة‭ ‬نصوص‭ ‬تحليلية‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬مثلاً‭ ‬ما‭ ‬يكتب‭ ‬الفيلسوف‭ ‬التّونسي‭ ‬فتحي‭ ‬بن‭ ‬سلامة‭.‬

بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬كتابي‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬والحداثة‮»‬،‭ ‬يهمّني‭ ‬أن‭ ‬أوضّح‭ ‬بعض‭ ‬الأشياء‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أستسيغ‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬المفتوحة‭ ‬بين‭ ‬الشّرق‭ ‬والغرب‭. ‬هناك‭ ‬تعارض‭ ‬رهيب‭ ‬بين‭ ‬الشّرق‭ ‬والغرب‭. ‬وما‭ ‬هو‭ ‬واجب‭ ‬علينا‭ ‬هو‭ ‬ابتكار‭ ‬تواصل‭ ‬بينهما‭. ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكرّر‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬يقوله‭ ‬الجميع‭ ‬بأن‭ ‬الإسلام‭ ‬كان‭ ‬جدّ‭ ‬متسامح‭!.. ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثّامن‭ ‬عشر‭ ‬مثلاً،‭ ‬كان‭ ‬الأوروبيون‭ ‬مندهشين‭ ‬من‭ ‬التّسامح‭ ‬الذي‭ ‬وجدوه‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬وفي‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭. ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬هناك‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬سلم‭: ‬يهود‭ ‬ومسيحيون‭ ‬ومسلمون‭ ‬وغيرهم‭. ‬هل‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬دوتي‭ ‬بوكمان،‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬ثورة‭ ‬الزنوج‭ ‬في‭ ‬هايتي‭ ‬عام‭ ‬1791،‭ ‬لتأسيس‭ ‬أول‭ ‬دولة‭ ‬زنوج‭ ‬حرّة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كان‭ ‬يقرأ‭ ‬القرآن؟‭! ‬كان‭ ‬القرآن‭ ‬كتابه‭ ‬المفضّل‭.‬

ما‭ ‬يُعجبني‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وأقرّ‭ ‬به‭: ‬هو‭ ‬أنّه‭ ‬ليس‭ ‬دينا‭ ‬عائليا،‭ ‬ليس‭ ‬دينا‭ ‬تراتبيا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬للمحرومين‭. ‬محمد‭ ‬نفسه‭ ‬عاش‭ ‬يتيماً‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الأمّة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬يطرح‭ ‬فكرة‭ ‬شمولية‭. ‬كلا،‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الأمة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬فكرة‭ ‬جدّ‭ ‬مهمّة،‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬نشكّل‭ ‬فضاءً‭ ‬اجتماعياً،‭ ‬دون‭ ‬مرجعية‭ ‬عائلية‭ ‬واحدة،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬التّقاليد‭ ‬الملكية‭ ‬القديمة‭ ‬التراتبية‭.‬

شخصياً،‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مرجعياتي‭ ‬النظرية‭ ‬المهمّة‭ ‬هو‭ ‬مالكوم‭ ‬إكس،‭ ‬الذي‭ ‬اعتنق‭ ‬الإسلام،‭ ‬بعدما‭ ‬أعاد‭ ‬اكتشاف‭ ‬فكرة‭ ‬الأمّة‭. ‬هو‭ ‬لم‭ ‬يضيّع‭ ‬وقتاً‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬أصوله‭ ‬وأصول‭ ‬أقرانه‭ ‬الأفريقية،‭ ‬فهم‭ ‬أن‭ ‬البيض‭ ‬قد‭ ‬قطعوهم‭ ‬عن‭ ‬ماضيهم،‭ ‬لذلك،‭ ‬وجد‭ ‬عزاءً‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬فكرة‭ ‬الأمة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬مفهوماً‭ ‬جامعاً‭.‬

أتّفق‭ ‬أحياناً‭ ‬مع‭ ‬جان‭ ‬كلود‭ ‬ميلنار‭ ‬‭-‬الذي‭ ‬له‭ ‬قناعات‭ ‬مُعادية‭ ‬للإسلام‭-‬‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الليبراليين‭ ‬ألاّ‭ ‬يُعاملوا‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬واللاجئين‭ ‬خصوصاً‭ ‬كضحايا‭ ‬سلبيين‭! ‬حتى‭ ‬داعش،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬ردّة‭ ‬فعل‭. ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬ألاّ‭ ‬ننسى‭ ‬أنه‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬السّبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬يسار‭ ‬عربي‭ ‬جدّ‭ ‬قوي،‭ ‬لائكي‭ ‬ومسلم‭. ‬الشّيء‭ ‬المحزن‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬البلدين‭ ‬اللذين‭ ‬هما‭ ‬بصدد‭ ‬التغيير‭ ‬أو‭ ‬الاختفاء‭: ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬أنهما‭ ‬كانتا‭ ‬من‭ ‬أهمّ‭ ‬الدّول‭ ‬اللائكية‭. ‬طارق‭ ‬عزيز‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬كان‭ ‬مسيحياً،‭ ‬وكان‭ ‬يوجد‭ ‬تسامح‭ ‬مع‭ ‬الاختلاف‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المفارقة‭ ‬السّياسية‭ ‬التراجيدية،‭ ‬التّدخل‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬حطّم‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬مهمّة‭.‬

الجديد‭:‬ أنت‭ ‬تبرّئ‭ ‬التّاريخ‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وما‭ ‬حصل‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬فظاعات‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬عنف‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام‭ ‬اليوم؟

جيجك‭:‬ برأيي،‭ ‬لن‭ ‬ينفعنا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬الأصولية،‭ ‬في‭ ‬الدّول‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬القرآن،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬النّصوص‭ ‬التي‭ ‬تلته‭. ‬سنجد‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬الأديان‭ ‬وفي‭ ‬كلّ‭ ‬الكتب‭ ‬السّماوية‭ ‬عنفاً‭ ‬مماثلا‭. ‬الأزمة‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الرّأسمالية‭ ‬الشّمولية،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬حقل‭ ‬البحث‭ ‬الأساسي‭ ‬للتحليل‭ ‬النفسي‭.‬


أغلفة كتب للفيلسوف سلافوي جيجك

‭ ‬غزو‭ ‬اللاجئين‭ ‬للدول‭ ‬الاستعمارية

الجديد‭:‬ أثرت‭ ‬جدلاً،‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬بأحاديثك‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭.. ‬ألا‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اللجوء‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬نتيجة‭ ‬‮«‬متأخّرة‮»‬‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأوروبي،‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬عموماً،‭ ‬والدّول‭ ‬العربية‭ ‬تحديداً؟‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬المستعمرين‭ ‬القدامى‭ ‬تبرؤوا‭ ‬من‭ ‬واجبهم‭ ‬أمام‭ ‬الوافدين‭ ‬من‭ ‬المستعمرات‭ ‬القديمة‭..‬

جيجك‭:‬ صحيح‭. ‬أتّفق‭ ‬مع‭ ‬قولك‭. ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬ظاهرة‭ ‬ناتجة‭ ‬عن‭ ‬تحوّل‭ ‬ما‭ ‬حصل‭. ‬طبعاً،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬الآن‭ ‬استعمار‭ ‬مباشر،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬استعمار‭ ‬اقتصادي‭ ‬أرعن‭ ‬وطائش،‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثّالث‭. ‬النّموذج‭ ‬الأمثل‭ ‬عن‭ ‬كلامي‭ ‬هو‭ ‬دولة‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭. ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬ظاهرياً،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الدّاخل‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬دولة‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة‭. ‬بلد‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬فقر‭ ‬وحكم‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلّحة‭. ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬مورّطة‭ ‬كليّة‭ ‬في‭ ‬السّوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭: ‬فهي‭ ‬تتوافر‭ ‬على‭ ‬إمكانات‭ ‬زراعية،‭ ‬وعلى‭ ‬مواد‭ ‬باطنية‭ ‬مهمّة،‭ ‬مثل‭ ‬الألماس،‭ ‬الذهب‭ ‬والنّحاس‭ ‬والبترول‭. ‬وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬قد‭ ‬نجد‭ ‬شبها‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬أمكنة‭ ‬كثيرة‭ ‬أخرى‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المستعمرّات‭ ‬القديمة‭ ‬لم‭ ‬تتحرّر‭ ‬قط‭. ‬خصوصاً‭ ‬حين‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬دولا‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬آسيوية‭ ‬تشتري‭ ‬أراضٍ‭ ‬زراعية‭ ‬فيها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬مثلاً،‭ ‬لتوفّر‭ ‬زراعة‭ ‬غذائية‭ ‬لها،‭ ‬وتبقى‭ ‬تلك‭ ‬الدّول‭ ‬‭-‬بالتالي‭-‬‭ ‬تحت‭ ‬سيادة‭ ‬أجنبية‭.‬

نحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬المستعمر‭ ‬القديم‭ ‬ارتكب‭ ‬فظاعات‭. ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬خفياً‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المجاعات‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬الماضي‭. ‬اليوم‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬يكرّس‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تُضاف‭ ‬إلى‭ ‬الصّراع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬الحاصل‭. ‬لو‭ ‬عُدنا‭ ‬إلى‭ ‬التّدخل‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬سندرك‭ ‬أن‭ ‬العقيد‭ ‬معمر‭ ‬القذافي‭ ‬كان‭ ‬محقاً‭ ‬في‭ ‬كلامه‭. ‬في‭ ‬أيامه‭ ‬الأخيرة،‭ ‬كان‭ ‬يُحذّر‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬النّتائج‭ ‬المحتملة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬ليبيا،‭ ‬وتحذيراته‭ ‬صارت‭ ‬واقعاً‭. ‬ويحصل‭ ‬الأمر‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭. ‬إنها‭ ‬جريمة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الغرب‭.‬

برأيي،‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬أن‭ ‬نحصر‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬فظاعات‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬إنسانية‭. ‬الحلّ‭ ‬الوحيد‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬إعادة‭ ‬التّفكير‭ ‬في‭ ‬الإحداثيات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬العامّة‭. ‬الغرب‭ ‬يتدخّل‭ ‬كثيراً،‭ ‬بشكل‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه،‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬وعالمثالثية‭. ‬لاحظ‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬حلب‭. ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬عموماً،‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬كلّ‭ ‬القوى‭.‬

‭ ‬الجديد‭: ‬كسبت‭ ‬خصوماً‭ ‬جددا‭ ‬لك،‭ ‬حين‭ ‬طرحت‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬عسكرة‭ ‬اللاجئين‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬أثار‭ ‬جدلا‭ ‬وما‭ ‬يزال،‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭. ‬ماذا‭ ‬كنت‭ ‬تقصد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬تحديدا؟

جيجك‭: ‬لم‭ ‬أقصد‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬عسكرة‭ ‬اللاجئين‮»‬‭ ‬أن‭ ‬نستخدم‭ ‬العسكر‭ ‬لحماية‭ ‬حدود‭ ‬أوروبا،‭ ‬كما‭ ‬فهم‭ ‬البعض‭. ‬طريقة‭ ‬التّعامل‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬اللاجئين‭ ‬كانت‭ ‬كارثة‭.‬‭ ‬كانت‭ ‬الشّاشات‭ ‬تتناقل‭ ‬صورا‭ ‬ولقطات‭ ‬لمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬وهم‭ ‬يعبرون‭ ‬حدود‭ ‬دول‭ ‬أوروبية،‭ ‬بطريقة‭ ‬فوضوية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬استغله‭ ‬اليمين‭ ‬لكسب‭ ‬نقاط‭ ‬إضافية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬الانتخابية‭. ‬من‭ ‬جهتي،‭ ‬كنت‭ ‬أدعو‭ ‬إلى‭ ‬تدخّل‭ ‬العسكر‭ ‬لتنظيم‭ ‬حركة‭ ‬اللاجئين،‭ ‬ووضع‭ ‬سبل‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تسهّل‭ ‬عملية‭ ‬تنقلهم‭.‬

أنا‭ ‬أرفض‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬تُفرض‭ ‬على‭ ‬اللاجئين،‭ ‬المحاورات‭ ‬التي‭ ‬يخضعون‭ ‬لها‭ ‬‭-‬باستمرار‭-‬‭ ‬تحت‭ ‬حجّة‭ ‬مُحاولة‭ ‬فهم‭ ‬مدى‭ ‬ملاءمتهم‭ ‬للثّقافة‭ ‬الأوروبية‭ ‬وللدّين‭ ‬المسيحي‭.. ‬إلخ‭. ‬هذه‭ ‬ممارسات‭ ‬لا‭ ‬تعجبني‭. ‬الطّريقة‭ ‬الكارثية‭ ‬التي‭ ‬تعاملوا‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬اللاجئين‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬إنعاش‭ ‬العنصرية‭ ‬المضادّة‭ ‬للاجئين‭ ‬وكره‭ ‬الأجانب‭. ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬تجنّب‭ ‬الأمر‭ ‬بتنظيم‭ ‬العملية،‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬عقلانية‭. ‬لاحظت‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المرّات‭ ‬التّقسيمات‭ ‬التي‭ ‬فُرضت‭ ‬على‭ ‬اللاجئين‭ ‬أمام‭ ‬إدارات‭ ‬أوروبية‭: ‬هذا‭ ‬سوري‭ ‬يحمل‭ ‬شهادة‭ ‬جامعية،‭ ‬إذن‭ ‬له‭ ‬قابلية‭ ‬للاندماج،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬أفغانستان‭ ‬إذن‭ ‬يجب‭ ‬عزله‭ ‬عن‭ ‬البقية‭.. ‬مع‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬مطلع‭ ‬السّنة‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬كولونيا‭ ‬بألمانيا،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬دعوة‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬للتّلفزيون‭ ‬مثلا‭ ‬للحديث‭ ‬إليهم‭ ‬ومنحهم‭ ‬فرصة‭ ‬لعرض‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭. ‬المشاكل‭ ‬الحقيقية‭ ‬يجب‭ ‬مواجهتها،‭ ‬بشجاعة‭ ‬وواقعية‭.‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬أناس‭ ‬غير‭ ‬متحضّرين‭. ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬يخصّ‭ ‬اللاجئين‭ ‬العرب‭ ‬وحدهم،‭ ‬لقد‭ ‬شاهدت‭ ‬بنفسي‭ ‬حالات‭ ‬شاذّة‭ ‬من‭ ‬مهاجرين‭ ‬مكسيكيين‭ ‬في‭ ‬كندا،‭ ‬شاهدت‭ ‬عنفهم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتصوّره‭ ‬عقل‭ ‬ضد‭ ‬النّساء‭. ‬برأيي،‭ ‬أوروبا‭ ‬بإمكانها‭ ‬استقبال‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬العرب،‭ ‬دون‭ ‬مشاكل،‭ ‬لو‭ ‬فكرت‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬العملية،‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭.‬

‭ ‬

الجديد‭:‬ اللاجئ‭ ‬المُسلم‭ ‬حين‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬بعد‭ ‬رحلة‭ ‬شاقّة،‭ ‬ومميتة‭ ‬أحياناً،‭ ‬سيجد‭ ‬نفسه‭ ‬عرضة‭ ‬للكليشيهات،‭ ‬والقوالب‭ ‬الجاهزة،‭ ‬للسّخرية‭ ‬وللنّكت،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬نسخة‭ ‬مُطابقة‭ ‬للمهاجر‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

جيجك‭:‬ هذا‭ ‬صحيح‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬بعيد‭. ‬مع‭ ‬أن‭ ‬اليهودي‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬كعدوّ‭ ‬داخلي‭. ‬شخصياً،‭ ‬لا‭ ‬أحبذ‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬التّعاطفي‭ ‬السّلبي‭ ‬مع‭ ‬اللاجئين،‭ ‬ولا‭ ‬أتّفق‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يُنادون‭ ‬لضرورة‭ ‬فهمهم‭ ‬ودمجهم،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المرادفات‭ ‬السّلبية‭. ‬هذا‭ ‬استفزاز‭ ‬ليبرالي‭ ‬لا‭ ‬أكثر‭. ‬بالنّسبة‭ ‬إليّ،‭ ‬التّسامح‭ ‬الأصلي‭ ‬بين‭ ‬الثّقافات‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نتقبّل‭ ‬الآخر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نحبّه‭ ‬بالضّرورة‭. ‬أن‭ ‬نتقبّل‭ ‬العيش‭ ‬معه‭. ‬إذا‭ ‬وافقنا‭ ‬منطقهم‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نفهم‭ ‬اللاجئين‭ ‬يعني‭ ‬سنطردهم‭! ‬كلا‭. ‬ليس‭ ‬مهماً‭ ‬أن‭ ‬نفهمهم،‭ ‬بل‭ ‬يهمنا‭ ‬أن‭ ‬نتعايش‭ ‬معهم‭ ‬وفقط‭. ‬التّعدّد‭ ‬الثقافي‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نفرض‭ ‬فضاءً‭ ‬مشتركا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬فيها‭ ‬الحدّ‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الشّروط‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬نفسها‭ ‬هنالك‭ ‬أوساط‭ ‬تتعامل‭ ‬بأصولية‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬حرية‭ ‬المرأة‭ ‬مثلاً‭. ‬ما‭ ‬ألاحظه‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬معاملة‭ ‬مُهينة‭ ‬للاجئين‭ ‬تفتح‭ ‬المجال‭ ‬للعنصريين‭ ‬وللمعارضين‭ ‬للاجئين‭.‬

أجري‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬سلوفينيا

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.