شيفرة العقل المراهق

اختتم قبل أيام مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2025 وقد حشدت فيه هذا العام أكثر من 1024 فعالية فنية وثقافية وترفيهية، تشمل 600 ورشة عمل، و85 عرضاً مسرحياً وجوالاً، و30 عرضاً حياً، ويستضيف 133 ضيفاً من 70 دولة عربية وأجنبية، بمشاركة 122 دار نشر من 22 دولة. وقد شهد المهرجان في اليوم الختامي لفعالياته تكريم الفائزين في مسابقة “فارس الشعر” 2025.
"الجديد" حضرت جل فعاليات المهرجان وسلطت الضوء على باقة من أعماله تعكس التنوع الكبير في فعاليات المتقاطرة من القارات الخمس.
من بين الموضوعات المثيرة التي تناولتها ندوات المهرجان، ندوة حول عقل المراهق تسلط الضوء على شخصية المراهق من خلال أثر الفنون والآداب الموجهة لهذه الفئة من أبناء العالم في محاولة لفك شِفرة عقول المراهقين وفهم ما يدور داخلها من تحولات وصراعات.
الكاتبة البريطانية الشهيرة نيكولا مورغان، الملقبة بخبيرة عقول المراهقين شاركت في الندوة وعنوانها “إطلاق العنان لذهن المراهق” وقد شاركت أفكارها ومعلوماتها الثمينة مع الحضور معتبرة أن من الأهمية بمكان مدّ جسور الثقة بين الآباء والمراهقين، بدل الاكتفاء بإلقاء الأوامر أو إصدار الأحكام.
في مستهل الندوة، تحدثت مورغان بعمقٍ حول ضرورة فهم طبيعة الدماغ البشري؛ لأنها ترى أن هذا الفهم هو المفتاح الأهمّ لتحسين عمله والوقاية من مشكلاته، مؤكدةً أن أدمغة المراهقين ليست مختلفة كثيراً عن أدمغة البالغين، فهي ترى أننا “نحن البشر نعمل وفق أسس دماغية واحدة،” وعلى الرغم من ذلك أشارت مورغان إلى وجود اختلافات طبيعية ترتبط بـ “حالة الدماغ” البيولوجية ومرحلة الحياة الاجتماعية، وهي اختلافات تبدأ بالظهور منذ سن العاشرة أو الحادية عشرة، حين ينطلق المراهقون في رحلة تدريجية من الاعتماد الكلي على الأهل نحو بناء استقلالهم الذاتي. وفي هذا السياق رأت مورغان أن “مرحلة المراهقة تشبه رحلة من الاتكال إلى الاستقلال، وفيها يصبح المراهقون أكثر احتياجاً لبناء علاقات اجتماعية قوية مع أقرانهم، مما يجعلهم أكثر عرضة للضغوط.”
العقل المراهق
ثم انتقلت مورغان للحديث عن التغيرات البيولوجية في الدماغ، والتي بإمكانها أن تفسر الكثير من سلوكيات المراهقين الاندفاعية، موضحة أن “قشرة الفص الجبهي لا تكون متطورة بشكل كافٍ لدى المراهقين،” وهي المسؤولة عن التفكير المنطقي واتخاذ القرارات البعيدة المدى. في المقابل، يتمتع الجهاز الحوفي – الذي يدير المشاعر والرغبات الفورية – بنضج مبكر، مما يدفع المراهقين إلى الانجذاب للمتعة الفورية والمغامرة. وهنا تؤكد مورغان أن الجهاز الحوفي هو الذي يتحرك أولاً في كل موقف تقريباً، حتى عند البالغين، ومن هنا يصبح جلياً أن مقاومة السلوكيات الطائشة لا تعتمد فقط على المعرفة العقلية، بل تخوض معركة حقيقية مع قوة الانفعالات الفطرية في الدماغ.
تحفيز السلوك الإيجابي
وفيما يتعلق بتحفيز السلوك الإيجابي، تؤمن مورغان بأن النجاح لا يتحقق بمجرد شرح المنافع المستقبلية، بل عبر تقديم مكافآت فورية تلامس شعور الإنسان اللحظي. تقول في هذا السياق “يجب ربط السلوك الإيجابي بمكاسب فورية يشعر بها الشخص الآن أو خلال دقائق قليلة،” وتشير إلى أن هذه الإستراتيجية يجب أن تعتمدها الحكومات والمدارس والأسر إذا أرادت تعزيز أنماط حياة صحية، مثل التغذية السليمة أو ممارسة الرياضة.
التوتر والقلق
ترى نيكولا مورغان أن فهم البيولوجيا العصبية للتوتر والقلق أمر أساسي للتعامل معه بفاعلية، خاصة عند المراهقين، وتوضح أن القلق والتوتر يستجيبان للتهديدات الجسدية، مشيرةً إلى أن الاستجابة للتوتر مفيدة، لكن المشكلة اليوم تكمن في أن مصادر التوتر أصبحت متكررة، مما يؤدي إلى تراكم الكورتيزول، مسبباً ضعف التركيز، وقلة النوم، وحتى تدهور المناعة، مشيرة إلى أن المراهقين أكثر عرضة للقلق مقارنة بالبالغين؛ لأن قشرة الفص الجبهي لديهم – المسؤولة عن التفكير المنطقي والسيطرة على الانفعالات – لا تزال في طور النمو.
نصائح من ذهب
واختتمت مورغان ندوتها بتقديم ثلاث نصائح هامة للآباء الذين يتعاملون مع المراهقين، أولاً “فهم التوتر” لدى المراهق، ولا بد أن يفهم الآباء هذه الاستجابة البيولوجية وأوقاتها لدى أبنائهم، أما النصيحة الثانية فتتمثل في ضرورة أن يكون الآباء أكثر وعياً بما يمر به المراهقون من تحديات، ثالثاً بناء المرونة لدى المراهقين عن طريق توفير بيئة داعمة تشجعهم على التعامل مع التحديات بشكل إيجابي. أما النصيحة الأهم هي الطمأنة والدعم العاطفي، وتشجيع المراهق على التعبير عن مشاعره ومخاوفه.
مؤتمر الرسوم المتحركة
شهد المهرجان انعقاد المؤتمر الثالث للرسوم المتحركة وقد انعقدت في إطاره ندوة تحت عنوان “نقل قصص الشرق الأوسط إلى الجمهور العالمي”، أكد المشاركون خلالها وهم عبارة عن مديرين أدبيين ورؤساء شركات رسوم متحركة، أن نقل قصص الشرق الأوسط إلى الجمهور العالمي يتطلب رؤية شمولية في دعم المحتوى الإبداعي، تبدأ من تطوير النصوص القابلة للتكييف وتحويلها إلى أعمال بصرية مؤثرة، كما أشاروا إلى أهمية تقديم القصص المحلية في قوالب تصلح للرسوم المتحركة، وتوسيع نطاق الترجمة لإيصال الأدب العربي إلى جماهير جديدة، لافتين إلى أن بناء شخصيات تحمل هوية بصرية واضحة يسهم في خلق ارتباط طويل الأمد مع الجمهور، شريطة احترام التنوع الثقافي وتجنب ما قد يثير الحساسيات الثقافية.
تحدث في الندوة كل من تامر سعيد، مدير وكالة الشارقة الأدبية، وأليغرا دامي، الرئيسة التنفيذية لـ Dami for Kids، وإيلاريا مازونيس، المنتج التنفيذي -Mobo Digital الذين ناقشوا سبل تحويل الروايات المحلية إلى أعمال بصرية عالمية تعكس الهوية الثقافية وتصل بوضوح إلى جمهور أوسع.
رؤية شمولية للكتاب
خلال حديثه في الجلسة، أوضح تامر سعيد أن وكالة الشارقة الأدبية تتبنى رؤية شمولية تتجاوز الشكل التقليدي للكتاب الورقي، لتشمل الكتاب المسموع والأعمال السينمائية المستوحاة من النصوص الأدبية. وأكد أن الوكالة تسعى لتسهيل رحلة الكتاب عبر توفير الدعم والخبرة اللازمة، وربطهم بالناشرين والمخرجين والمنتجين، ليتسنى لأعمالهم الوصول إلى الجمهور المحلي.
وأشار سعيد إلى أن الوكالة تركز على المحتوى القابل للتكيف مع صناعة الرسوم المتحركة، وتعمل على تقديم القصص المحلية للمنتجين بهدف تحويلها إلى أعمال بصرية تواكب التطورات في عالم الإعلام الإبداعي، وتغذي خيال الأجيال الجديدة بقيم إيجابية. وأضاف أنه يسعى لاكتشاف الكتب المناسبة للترجمة والتي تتمتع بجاذبية جماهيرية، خاصة تلك التي تلامس اهتمامات الأطفال واليافعين.
الرسوم المتحركة تبعث الروح في القصص
بدورها، أوضحت أليغرا دامي أنها عملت على تحويل الرسوم إلى أفلام نابضة بالحياة عبر التعاون مع الناشرين وتطوير المحتوى، مشيرة إلى أن رسالتها كانت تتمثل في نقل الرسوم من الورق إلى الشاشة، خاصة من خلال دمج الموسيقى لإضفاء بُعد شعوري أقوى، مؤكدة أن هذا الانتقال يحتاج إلى وعي فني وفهم عميق للسرد البصري.
وأشارت دامي إلى أهمية الدمج بين الطابع المحلي والأفق العالمي في صناعة الرسوم المتحركة، مؤكدة أن العالمية لا تعني التنازل عن الهوية، بل تقديمها بطريقة تجعلها مفهومة وجاذبة لجمهور واسع، وفق معادلة عالمي + محلي = محلي عالمي Global + Local = Glocal كما شددت على أن القصة هي المحرك الأساسي لكل أشكال الإنتاج، من المسلسلات إلى المحتوى الرقمي، وهي جوهر أيّ مشروع ناجح.
قدرة القصص على ترسيخ القيم العالمية
من جهتها، أكدت إيلاريا مازونيس أهمية بناء شخصيات روائية تحمل هوية بصرية واضحة وعلامة معروفة يمكن تطويرها عبر عدة قصص وأعمال، مشيرة إلى ضرورة الوصول إلى جماهير متنوعة حول العالم. وشددت على أهمية خلق توازن بين احترام الخصوصيات الثقافية من جهة، وتقديم محتوى عالمي من جهة أخرى، مع مراعاة القيم المتفق عليها وتجنب ما قد يثير الحساسيات الثقافية.
كما أوضحت مازونيس أن التأثير البصري يفوق أحياناً تأثير الكتاب المكتوب، ممّا يجعل من الضروري التعمق في بناء الشخصيات المتحركة في المسلسلات، بهدف تعزيز علاقتها بالجمهور. وأضافت أن القصص العالمية التي عايشها الناس في مختلف أنحاء العالم، مثل “أليس في بلاد العجائب”، استطاعت أن تلامس الجميع لأنها تناولت قيماً إنسانية مشتركة مثل الصداقة، والإخلاص، والتفاهم. ولهذا، ترى أن الرسوم المتحركة قادرة على أن تكون وسيلة فعالة لترسيخ هذه القيم وتعزيز حضورها في وجدان الأجيال الجديدة.
الشعر الغنائي وخيال الطفل
في ندوة «الشعر الغنائي ودوره في تنمية اللغة» التي عقدت خلال أيام المهرجان ناقش عدد من الخبراء والتربويين قضايا الشعر الغنائي ودوره كلبنة أساسية في بناء الذائقة اللغوية والجمالية لدى الطفل، مشيرين إلى قدرة الألحان المصاحبة للنصوص الشعرية على ترسيخ المفردات والتراكيب اللغوية في أذهان الصغار بطريقة سلسة وممتعة تعزز الفهم والانتماء.
شارك في الندوة الشاعر وكاتب الأطفال المصري عبده الزراع، والكاتبة والباحثة اللبنانية المكسيكية أمل ناصر، والشاعرة والكاتبة الجزائرية آسيا أحمد عبداللاوي، وأدارتها الإعلامية الإماراتية علياء المنصوري.
ارتباط باللغة الأم
وخلال النقاش ذهب عبده الزراع إلى اعتبار الشعر الغنائي بمثابة نافذة واسعة يطل منها الطفل على عالم اللغة بجمالياته وإيقاعاته، خاصة لغتنا العربية التي تحتوي على كنوز عظيمة. واعتبر الزراع أن بساطة الألفاظ وعذوبة الألحان إنما تسهم في توسيع مدارك الطفل اللغوية وتعزيز قدرته على التعبير عن مشاعره وأفكاره بوضوح.
كما أشار الشاعر إلى أهمية المسرح، وخاصة المسرح الغنائي وكافة الفنون الأخرى في تكوين الطفل، واستعرض نماذج من المقطوعات الشعرية التراثية المصرية الخاصة بهدهدة الطفل والحضور المكثف للشعرية الغنائية الموجهة للأطفال، مشيراً إلى حرص هذه المقطوعات مجهولة الكاتب على اختيار مفردات قريبة من عالم الطفل وقيمه وثقافته، موضحاً أن الغناء يغني مخيلة الطفل ويغني مهاراته وقاموسه اللغوي.
بين لغتين وهويتين
بدورها، تحدثت أمل ناصر، عن تجربتها الخاصة في ثنائية الهوية بين لبنان والمكسيك وبين لغتين هما العربية والإسبانية، حيث كانت أمها تغني لها في طفولتها قبل النوم الأغنيات الإسبانية، لذلك رضعت مبكراً العاطفة التي كانت تتدفق من الشعر الإسباني وجعلتها تلم بهذه اللغة. أما اللغة العربية فرضعتها في بيتها وفي مدرستها، مشيرة إلى أن الطفل مولع بالإيقاعات بطبعه، والعاطفة هي أهم شيء في تكوينه، وأن الإيقاع الموسيقي للشعر يساعد على تحسين الذاكرة السمعية واللفظية لدى الأطفال، كما يعزز لديهم مهارات الاستماع والانتباه.
كما تناولت ناصر الجانب التربوي والنفسي ودور الشعر الغنائي في نمو الطفل اللغوي، خاصة في العصر الرقمي والنوافذ المفتوحة المتعددة، ما يتطلب تأصيل اللغة الأم واعتزازه بذاته وهويته، كما أكدت أهمية اختيار النصوص الشعرية الغنائية بعناية، بحيث تكون ذات محتوى هادف وقيم تربوية تساهم في بناء شخصية الطفل بشكل متكامل.
الإيقاع والذكاء الصوتي
من ناحيتها، أشارت آسيا عبداللاوي إلى أن الكتابة للطفل مجازفة شيقة وكتابة الشعر للطفل مجازفة أكبر من الكتابات الأخرى. وسلطت الضوء على الجانب الإبداعي والفني للشعر الغنائي وأثره في إطلاق خيال الطفل وتنمية حسه الجمالي، موضحة أن الألغاز الشعرية تجذب الأطفال للشعر؛ إذ إن الصور الشعرية البسيطة والمبتكرة في الأغاني تفتح آفاقًا واسعة لخيال الطفل وتشجعه على التفكير بطرق مختلفة، وهذا ما دفعها للتفكير في كتابة شعر يعتمد على الألغاز ويحبه الأطفال، حيث مزجت الغنائية بالتفكير، واستخدمت الإيقاع لتحفيز هذا الذكاء الصوتي.
وأشارت آسيا إلى أهمية التنوع في الأساليب الشعرية والألحان المقدمة للأطفال، لتلبية مختلف الأذواق والمساهمة في تكوين وعي فني لديهم، مؤكدة ضرورة إتقان الكتاب مهارة التواصل، مستشهدة بأكثر الأغنيات متابعة على نوافذ المشاهدة المخصصة للأطفال وتركيزها على الإيقاع والحركة البصرية، ما يستدعي ضرورة الاهتمام بالشعر الغنائي الموجه للأطفال ودمجه في المناهج التعليمية والأنشطة الثقافية؛ لما له من دور محوري في تنمية لغتهم وقدراتهم الإبداعية.
قوة الكتب المصوّرة
من بين الندوات الهامة في المهرجان ندوة “قوة الكتب المصوّرة”، تبادل المشاركون فيها الأفكار حول الكتب المصوّرة وقدرتها على تحفيز الخيال ومخاطبة الطفل بعدة حواس مجتمعة. شارك في هذه الندوة كُتّاب ورسّامون متخصصون في أدب الطفل اعتبروا أن الكتب المصوّرة تمثّل مدخلاً بصريًا ووجدانيًا للخيال والمعرفة، وتمكّن الأطفال من تكوين علاقات وجدانية مع الشخصيات التي تحتويها، بحيث تترسخ في ذاكرتهم حتى مراحل متقدمة من العمر، موضحين أن الصورة تتفوّق أحياناً على الكلمة في قدرتها على إيصال المعنى، خاصة للأطفال من أصحاب الهمم.
تميزت الندوة بكونها جلسة حوارية شارك فيها كلٌّ من الرسّام الإماراتي خالد الخوار، والكاتبة الكويتية شيماء ناصر القلاف، والكاتبة البريطانية كلوي سافاج، والكاتبة الأميركية بيث فيري، وأدارتها أدارتها الإعلامية تسنيم زياد.
الخيال والدهشة مفاتيح الطفل
الفنان والناشر الإماراتي خالد الخوار رأى أن الكتب المصوّرة تُدخل الطفل في عالم من الدهشة والارتباط العاطفي، فهي لا تقدم محتوى تعليميًا فحسب، بل تُعزز الخيال وتخلق تجربة ساحرة، وأوضح أن ارتباطه بالرسم نابع من البيئة والذاكرة الشعبية الإماراتية، فهو يستلهم عناصر فنه وألوانه من المكان الإماراتي وتراثه البصري. واعتبر أن إدهاش الطفل أهم من تعليمه المباشر، فالكتاب الذي يُدهش يترك أثرًا طويل الأمد في النفس والذاكرة، تمامًا كما تفعل القصة التي تنبض بالحياة من خلال رسومات مبدعة.
الصورة لغة عالمية
من جهتها، شدّدت الكاتبة الكويتية شيماء القلاف على أهمية الصورة في مخاطبة جميع الأطفال، خاصة ضعاف السمع، معتبرة أن الصورة، بداهة، لغة تتجاوز الرموز والكلمات، وهي الوسيلة الأقوى لفهم العالم لدى الأطفال من ذوي الإعاقات السمعية. لهذا تحرص على أن تكون الرسومات في قصصها قادرة على نقل المشاعر والمعلومات والهوية الثقافية بشكل مباشر.
القراءة بين الأجيال
الكاتبة الأميركية بيث فيري، صاحبة الكتب الأكثر مبيعًا، تطرقت في مداخلتها إلى الطابع الجماعي للقراءة في كتب الأطفال المصوّرة، مؤكدة أن الكتاب المصوّر يُقرأ عادة بين الطفل ووالده أو معلمه، ما يضيف بُعدًا تواصليًا عاطفيًا للمحتوى. واستعرضت تجربتها في تأليف كتابها الشهير العصا والحجر Stick and Stone، والكتاب يعرّف الأطفال على مفهوم الصداقة من خلال قصة بسيطة لكنها تمس مشاعرهم. الطفل لا ينسى من يصادقه بين صفحات الكتب.
الكتب بوابة المستقبل
بدورها، ذهبت الكاتبة البريطانية كلوي سافاج إلى أن الكتب المصوّرة هي نافذة الطفل إلى قضايا كبرى مثل التغير المناخي والمستقبل، مشيرة إلى أهمية تحفيز الطفل على إدراك التحديات والتعبير عنها من خلال الفن والقصص. وأكدت أنها تستغرق وقتًا كبيرًا في اختيار الصور التي تُرفق بنصوصها لأنها تمثل جزءًا من رسالتها الفنية.
مسابقة "فارس الشعر" 2025
شهد اليوم الختامي من فعاليات المهرجان تكريم الفائزين في مسابقة “فارس الشعر” 2025، وكرمت كل من خولة المجيني، المنسق العام للمهرجان، وعائشة عثمان، المتحدث الرسمي عن “المكتب الثقافي” في “المجلس الأعلى لشؤون الأسرة “، الفائزين، بحضور أعضاء لجنة التحكيم، التي ضمت كلاً من الشاعر عبدالله الهدية، والشاعرة نجاة الظاهري، والشاعرة والإعلامية شيخة المطيري، وذلك على منصة “معرض الشارقة لرسوم كتب الطفل”.
وتسلم الفائز بالمركز الأول في كل فئة ميدالية فخرية إلى جانب جائزة مالية. وقال الشاعر عبدالله الشرهان، عضو لجنة تحكيم المسابقة “تتماشى مسابقة ‘فارس الشعر‘ مع الرؤية الثقافية للشارقة، فنحن في حاجة ماسة في عالم الأدب والشعر إلى خلق الامتداد بين الأجيال، وتشكل المسابقة نقطة للتأصيل والانطلاق إلى الآفاق الأوسع نحو المستقبل، حيث يُفطم الإنسان العربي عن كل شيء، إلا عن الشعر.”
وأضاف الشرهان “الشاعر هو لسان حال المجتمع، وإذا كان الشاعر موسوعياً بثقافته، ومعارفه، وعلمه، وإسقاطاته التاريخية، ورؤاه وتنبؤاته المستقبلية، فهو يقدم رسالة مجتمعية نبيلة، ومع تحجيم دور الشعر في المناهج الدراسية، تُعوّض مسابقة فارس الشعر هذا النقص، لأن الشعر هو ديوان العرب الخالد الذي يسهم في ترسيخ اللغة الأم، فالشعر وعاء ثقافي ومصدر من مصادر الحفاظ على اللغة العربية.”
من جهتها، أشارت الشاعرة الإماراتية نجاة الظاهري، التي تشارك في لجنة تحكيم دورة العام الجاري من مسابقة “فارس الشعر” للمرة الأولى، إلى أن المواهب المشاركة فاقت توقعاتها، وأضافت “المسابقة كانت ناجحة بكل المقاييس، لاسيما أنها موجهة للطفل، وتتيح للطفل أن يرى ماذا لديه ليقدم، ويشعر بالثقة بما عنده، كما أثبتت المسابقة للأهالي وأولياء أمور الطلبة أن فرصة واحدة للطفل تفتح أمامه فرصاً أخرى في المستقبل، وأنا دائماً أفرح عند مشاهدة طفل يبدع، أو ينمي مواهبه الإبداعية.”
بدورها أكدت الشاعرة شيخة المطيري إلى أن أداء المشاركين كان ممتازاً، مشيرة إلى أن كل نسخة من المسابقة لها ميزتها وطعمها الخاص، وأضافت “الجميل في هذه المسابقة أننا لا نكتشف فقط أصواتاً متميزة في إلقاء الشعر، ولكنها قابلة أيضاً لأن تكتب الشعر.”
وأطلق “المكتب الثقافي” في “المجلس الأعلى لشؤون الأسرة” بالتعاون مع “هيئة الشارقة للكتاب” مسابقة “فارس الشعر” بهدف اكتشاف المواهب الشعرية لدى الأطفال واليافعين، والنهوض بذائقتهم الأدبية، وبناء جيل جديد من الشعراء القادرين على قراءة القصائد العربية وحفظها، والتمكّن من إلقائها أمام الجمهور.
منارات الأمل: القصص والبناء النفسي
أكدت خبيرتان نفسيتان متخصصتان في دعم الأطفال والناشئين، أن السرد القصصي يمثل أداة فعالة لمعالجة الصحة الذهنية وبناء جيل يتمتع بالصلابة النفسية، مشيرتين إلى أن الأبطال الملهمين يمنحون الأطفال الأمل والقوة، مما يستدعي استثمار قوة القصص لبناء مجتمع أكثر صحة وسعادة، وأن على المجتمع أن يحترم ذكاء اليافعين ونضجهم، وأن التبسيط في خطابهم لا يعني الابتذال بل الوضوح والدقة.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان «منارات الأمل»، أقيمت ضمن فعاليات البرنامج الثقافي للدورة الـ16 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل، واستضافت الدكتورة أسماء علاء الدين، الكاتبة واستشارية العلاج النفسي، والكاتبة البريطانية نيكولا مورغان المعروفة بلقب «خبيرة عقول المراهقين»، حيث ناقشت الضيفتان أثر الضغوط الحديثة على الصحة النفسية للأجيال الجديدة، وأهمية مخاطبة اليافعين بلغة تحترم نضجهم وتدعمهم نفسياً ومعرفياً.
ضغوط مهددة للأجيال الناشئة
واستهلت الدكتورة أسماء علاء الدين حديثها بتسليط الضوء على الضغوط اليومية التي يواجهها الطلاب، مشيرة إلى أن الواجبات المدرسية، والامتحانات، والتنافس المستمر تجهد الطلاب يومياً، وتفرض عليهم ضغوطاً نفسية متزايدة، كما تطرقت للحديث عن التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث أوضحت أن “المقارنات المستمرة، والتنمر الإلكتروني، والمعلومات المضللة تؤثر سلباً في الصحة النفسية لليافعين والشباب.”
من جهة أخرى أكدت على أن العلاقات الشخصية المتقلبة وضغوط الأقران تدفع اليافعين إلى مواقف معقدة، مما ساهم في ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بنسبة 25 في المئة خلال جائحة كوفيد – 19، وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، وعليه فإنها شددت على أهمية تمكين الشباب من التغلب على التنمر واكتشاف قوتهم الذاتية.
كما دعت الدكتورة أسماء إلى استخدام لغة بسيطة وملائمة للأعمار المختلفة، مع الابتعاد عن التعقيد، واعتماد أسلوب مرح يركز على المشاعر، مؤكدة أن “السرد القصصي أداة فعالة لمعالجة الصحة الذهنية وبناء جيل يتمتع بالصلابة النفسية،” داعية إلى دمج القصص المؤثرة في المناهج الدراسية وإطلاق فعاليات وورش عمل ومنصات رقمية تواكب تطلعاتهم، وختمت بقولها “الأبطال الملهمون يمنحون أطفالنا الأمل والقوة؛ فلنستثمر قوة القصص لبناء مجتمع أكثر صحة وسعادة.”
العصر الرقمي والعلاقات الإنسانية
من جهتها، تناولت الكاتبة نيكولا مورغان التحولات العميقة التي طرأت على العلاقات الإنسانية في العصر الرقمي. وقالت “في الماضي، كانت مصادر التأثير في حياة الأفراد محدودة للغاية، تقتصر غالباً على ما يرونه في منازلهم أو مدارسهم أو مجتمعاتهم القريبة، أما اليوم، ومع الانفتاح اللامحدود عبر الإنترنت أصبح الأطفال والكبار عرضة لسيل متدفق من الأفكار والنماذج والصور حول كيف ينبغي أن نبدو، وكيف ينبغي أن نعيش، وما الذي يجب أن نرغبه أو نصادقه،” مشيرة إلى أن الكثير من هذا المحتوى “قد لا يكون حقيقياً، بل أحياناً مصطنعاً أو حتى مزيفاً بالكامل، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي.”
وقالت مورغان “يمكن لأيّ شاب أن يتعرض بشكل مباشر وغير منظم إلى كميات هائلة من المحتوى، بعضه صحيح وبعضه بعيد تماماً عن الواقع، مما يضاعف الحاجة إلى الحوارات الحقيقية مع الأسرة والمعلمين.”
كتابة تحترم ذكاء اليافعين
وفي حديثها عن تجربتها الأدبية، شدّدت مورغان على أهمية مخاطبة اليافعين واحترام ذكائهم ونضجهم، قائلة “أنا أكتب لهم كما أكتب للكبار الذين لا يعرفون كل شيء بعد،” مؤكدة أن التبسيط لا يعني الابتذال، بل الوضوح والدقة، وأشارت إلى أن أعمالها غير الروائية التي تناولت قضايا مثل القلق وضغوط المراهقة وبناء المرونة حرصت على تقديم المعرفة بأسلوب علمي شفاف يحفّز القارئ على الفهم والنمو دون وصاية.
القصص لا يجب أن تعظ
أما عن رواياتها التخيلية، فرفضت مورغان اعتبار القصص وسيلة للوعظ المباشر، موضحة “لم أكتب رواياتي لإيصال رسائل أخلاقية أو دروس مباشرة، بل سعيت إلى أن يعيش القارئ تجربة قصصية تحفزه على التفكير والشعور والتساؤل.” وأكدت أن القصص، حتى وإن طرحت مواضيع داكنة، “تحمل أملاً في النهاية وتفتح نافذة نحو التغيير والنمو.”