مطر‭ ‬يغسل‭ ‬القصيدة

الثلاثاء 2016/03/01
تخطيط: فيصل لعيبي

تفاصيل‭ ‬تشتعل

‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬يُسرع‭ ‬نحوكِ

مثل‭ ‬ريح‭ ‬صغيرة‭ ‬تَخَلَّفَتْ‭ ‬عن‭ ‬عاصفه؛

مثل‭ ‬عشب‭ ‬يَتَلَوَّى‭ ‬صاعداً‭ ‬قامتكِ؛

مثل‭ ‬حزمة‭ ‬ضوء‭ ‬تلملم‭ ‬ظلال‭ ‬الأشياء‭.‬

هذا‭ ‬المعنى‭ ‬من‭ ‬خشية‭ ‬المعنى

يتصدَّعُ،‭ ‬يشتعلُ،

ويُعْتِمُ‭ ‬من‭ ‬خشية‭ ‬اللقاء‭. ‬

هذا‭ ‬المعنى‭ ‬أخيرٌ‭ ..‬

وداعيٌّ‭ ‬

مثل‭ ‬وصية‭ ‬بمرأىً‭ ‬من‭ ‬خسوف‭ ‬أبدي‭.‬

في‭ ‬مقهى‭ ‬‮«‬سيرَّالونا‮»‬

I

في‭ ‬مقهى‭ ‬‮«‬سيرَّالونا‮»‬

تفتح‭ ‬السيدة‭ ‬كتابها‭ ..‬

يأتيها‭ ‬النادل‭ ‬بالمشروب،‭ ‬ونصف‭ ‬قطعة‭ ‬سكر،

ترشف‭ ‬من‭ ‬كأس‭ ‬قهوتها؛

تنفث‭ ‬برفق‭ ‬سحابة‭ ‬من‭ ‬سيجارتها‭.‬

يشرع‭ ‬أبطال‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬الخروج،

يملؤون‭ ‬الكراسي،

يتحدثون،‭ ‬يقهقهون،

يدخنون،‭ ‬يسعلون‭.‬

تطوي‭ ‬السيدة‭ ‬كتابها‭ ..‬

تجر‭ ‬خلفها‭ ‬سحابتها،

ترحل‭ ‬عن‭ ‬المقهى

ولا‭ ‬يرحلون‭.‬

II

في‭ ‬مقهى‭ ‬‮«‬سيرالونا‮»‬،‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،

تجلس‭ ‬السيدة‭ ‬المتعبة‭ ‬من‭ ‬رقَّةِ

ندى‭ ‬القرنفل‭ ‬الذي‭ ‬

يُخَصِّبُ‭ ‬لونَ‭ ‬الصهيل‭ ‬في‭ ‬عينيها‭.‬

يدخل‭ ‬متسكعون

هم‭ ‬أبطال‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬قرأت‭ ‬منذ‭ ‬أشهر

‭... ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬كتابهم‭ ‬في‭ ‬حقيبتها،

لا‭ ‬يعثرون‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ..‬

فيغادرون‭ ‬مُخلِّفين‭ ‬في‭ ‬المكان

سحابة‭ ‬تبغهم‭ ‬وسعالاً‭ ‬أقوى،

و‬همهمات

غير‭ ‬القهقهات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬مرة‭.‬

‏III

يُرتِّب‭ ‬النّادلُ‭ ‬ظلالَ‭ ‬الكراسي‭ ‬الفارغة

ينفض‭ ‬ما‭ ‬تناثر‭ ‬على‭ ‬الأرضية‭ ‬من‭ ‬ثرثرات‭ ‬أمس،

وما‭ ‬علق‭ ‬بالجدران‭ ‬من‭ ‬عطرها‭.‬

ومتثاقلاً،‭ ‬يلملم‭ ‬سطراً‭ ‬سقط‭ ‬سهواً‭ ‬من‭ ‬خبرٍ

في‭ ‬جريدةٍ

عن‭ ‬متسكعين‭ ‬هجروا‭ ‬روايتهم

واستيقظوا‭ ‬في‭ ‬حلم‭ ‬سيدةٍ

تسكن‭ ‬في‭ ‬روايةٍ

عن‭ ‬بطلةٍ

نسيت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬كتابٍ

فتحته‭ ‬ذات‭ ‬صباحٍ

في‭ ‬مقهى‭ ‬سيرالونا‭.‬‮ ‬

مناورات

في‭ ‬المناورات‭ ‬السرية‭ ‬المشتركة

بين‭ ‬الحب‭ ‬والترويض،

النيران‭ ‬كلها‭ ‬صديقة‭ ‬باتفاق،

والعدوُّ‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬غير‭ ‬الكلمات‭ ‬المحاصرة‭ ‬في‭ ‬الأعماق،‭ ‬

وبين‭ ‬هُدنتين‭ ‬مَوْؤُودتين

يرتجُّ‭ ‬خندقُ‭ ‬المُفَكَّر‭ ‬فيه

المحفور‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬اللاَّمَقول

اللاَّمُستطاع،

وَلاَ‭ ‬مَنْ‭ ‬ينتصرْ‭..‬

خيانات

جميلة‭ ‬وجارحة‭ ‬

الخيانات‭ ‬التي‭ ‬أكتشف‭ ‬متأخراً‭ ‬

مثل‭ ‬أوقات‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬بارعة

مثل‭ ‬أمكنة‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬الأساطير

مثل‭ ‬أسماك‭ ‬تتناسل‭ ‬في‭ ‬غفوة‭ ‬من‭ ‬النهر‭.‬

***

أجمل‭ ‬منها‭..‬

الخياناتُ‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬أكتشف‭ ‬بعد‭.‬

***

يا‭ ‬دين‭ ‬إلهي‭ .‬

كم‭ ‬سيكون‭ ‬صارخاً‭ ‬وذكياً

جمال‭ ‬تلك‭ ‬التي

لن‭ ‬أكتشف‭ ‬أبداً

‮ خطيئة

‮ ‬الخطيئة‭ ‬التي

تسري‭ ‬في‭ ‬روح‭ ‬العاشق،

وتتلوى‭ ‬مثل‭ ‬أفعى،

تستدير‭ ‬مثل‭ ‬تفاحة

وتنام‭ ‬بعين‭ ‬مفتوحة،

تراقب‭ ‬سرب‭ ‬ملائكة

يحلق‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬فاكهة‭ ‬الرغبة

التي‭ ‬اسَّاقطت

عند‭ ‬جذع‭ ‬شجرة‭ ‬الأزلْ‭.‬

‮ اشتعال

‮ ‬نار‭ ‬مخبوءةٌ‭ ‬تحت‭ ‬رماد‭ ‬الجَزْرِ

أيقظها‭ ‬مدٌّ،

يحمل‭ ‬إلى‭ ‬الساحلِ‭ ‬

رسالةَ‭ ‬محوٍ‭ ‬كتبها‭ ‬ماءٌ‭ ‬إلى‭ ‬رملْ،

***

فكلُّ‭ ‬رمادٍ‭ ‬بي‭ ‬يقظٌ،

وكلُّ‭ ‬نارٍ‭ ‬بك‭ ‬مغتسلة،

وكلُّ‭ ‬جَزْرٍ‭ ‬وأنا‭ ‬مُنْطَفِئٌ،‭ ‬

وكلُّ‭ ‬مَدٍّ‭ ‬وأنت‭ ‬مشتعلة‭.‬

‮ألم‭ ‬الطين

‮ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬طقس‭ ‬التدخين،

تماماً‭ ‬كما

في‭ ‬بداية‭ ‬حصة‭ ‬تعذيب؛

كلما‭ ‬تهشَّم‭ ‬جمرُ‭ ‬‮ ‬السيجارة‭ ‬

فوق‭ ‬مرمدة‭ ‬الطين

تعالت‭ ‬صرخات‭ ‬آدم

وفاحت‭ ‬في‭ ‬الأرجاء

رائحةُ‭ ‬شواءٍ‭ ‬بشري‭.‬

ذاكرة‭ ‬قسرية

‮ ‬منذ‭ ‬ساعة‭ ‬يحملق‭ ‬السجين‭ ‬السابق

‮ ‬في‭ ‬الغسَّالة،

***

تُرى‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تعانيه‭ ‬الأثواب؟

تسلية‭ ‬هي،‭ ‬

أمْ‭ ‬حصة‭ ‬تعذيب؟

‮ شظايا

‮ ‬المطر‭ ‬الذي‭ ‬يغسل‭ ‬القصيدة

يوقظ‭ ‬التّراب‭ ‬من‭ ‬رقاده‭ ‬الهشّ

وينزع‭ ‬عن‭ ‬الأركان

ما‭ ‬تسلّقها‭ ‬من‭ ‬العلّيق‭.‬

القصيدة‭ ‬مدينة‭ ‬للمطر

بأكثر‭ ‬من‭ ‬عاصفة

وأقل‭ ‬من‭ ‬نهر‮ ‬‭ ‬معلّقٍ

بين‭ ‬جبل‭ ‬و‭ ‬فجٍّ‭ ‬عميق،

سيسقط‭ ‬المطر‭ ‬طويلا

وتتشظّى‭ ‬القصيدة‮ ‬

صداع

صداع‭ ‬واحدٌ‭ ‬وحيدٌ‭ ‬في‭ ‬الرأس‭ ..‬

وفي‭ ‬الروح‭ ‬صدوعٌ‭ ‬شتى‭.‬

أرى‭ ‬أثراً‭ ‬يعرفني،

أشتمُّ‭ ‬رائحةً‭ ‬أعرفها،

***

فراشة‭ ‬الروح‭ ‬تقدم‭ ‬للنار‭ ‬جناحيها‭.‬

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.