المختصر

الخميس 2016/09/01

كيف فرضت أوروبا سرديتها على العالم

في كتاب بعنوان “سرقة التاريخ” يبيّن جاك غودي عالم الأنثروبولوجيا البريطاني أنّ تفوق الغرب ليس وليد ذهنيةٍ أوروبية، كما زعم برنارد لويس، ولا خطابٍ كولونيالي قد تمحوه العولمة كماض تولّى، بل هو نتيجة مجموعة من “تكنولوجيات الفكر” أخذتها أوروبا من الحضارات الأخرى، واستعملتها بطريقة منحرفة، فالنهضة الأوروبية في رأيه لا تمثل إذن ظهور عقلية جديدة ولا ابتكار خطاب جديد، بل كانت خلاصة ما أخذته أوروبا من الأمم الأخرى في وقت كانت توشك فيه على الانهيار. في إطار بحثه عن وضع أوروبا في موقعها الصحيح من التاريخ، لا يركز غودي على الفوارق بين الحضارات، الاقتصادية منها على وجه الخصوص، بل يهتم باستيلاء الغرب على التاريخ، معتبرا أن هيمنة أوروبا على العالم ليست معزولة عن سيطرتها على السردية الكبرى لتاريخ العالم.

إنسان ما بعد الحداثة

جديد الفرنسية شنتال ديلصول، التي تتميز مسيرتها بالجمع بين الفلسفة والسياسة، كتاب بعنوان “كره العالم”، تبيّن فيه أن توتاليتاريات القرن العشرين لم تهجرنا تماما، فنحن لفظنا وجهها المرعب، ولكنّنا ما زلنا نواصل الاحتذاء بها في تشويه العالم، في مرحلة تشهد صراعا بين من يريد تغيير هذا العالم، ومن يجهد في حمايته والدفاع عنه. وفي اعتقاد الكاتبة أن جانبا من الغرب ما بعد الحداثة يقود، تحت شعار فكر ثوري بالمعنى الطوباوي الراديكالي، حربا ضد واقع العالم باسم التحرر الشامل. هذا المشروع، تقول الكاتبة، يمكن تلخيصه في كونه إعادة خلق لتحرير الشعوب وفتح آفاقها على غرار ما قامت به الأنوار الفرنسية لعام 1793 والشيوعية مطلع القرن العشرين، لا ينتهج العنف بل السخرية، همجي ولكن مدفوع برغبة فردية وليس بإرادة الهيئات العامة.

التاريخ والفلسفة

” إلى أين يسير التاريخ؟” هو عبارة عن حوار شامل أجراه الصحافي وأستاذ الفلسفة جوليو بروتي مع الفيلسوف ريمي براغ الأستاذ المحاضر بالسوربون، وأحد مؤسسي مجلة “كومونيو” حول موقف بعض المفكرين من التاريخ الإنساني، أولئك الذين يرون أنهم لا يجدون للتاريخ معنى ولا أسبابا تدعو إلى الأمل، إلى جانب مسائل أخرى تهمّ مسيرته الفكرية، ومجال تخصصه، أي الأديان. وبراغ إذ ينتقد علاقة ما بعد الحداثيين بجذورهم، يرى أن الاعتبارات الفلسفية وثيقة الصلة بأكثر المسائل الملموسة حدّة، والواقع الراهن المليء بالفواجع والكوارث، مثلما هي متصلة بتعايش الأديان الكبرى وإمكانية الحوار مع الإسلام، ودور أوروبا الريادي، ومستقبل البيوتكنولوجيا، ويحذّر من الإغواء، الذي تنطوي عليه الثقافة الغربية، بالانتهاء من الإنسان، باسم مثاليةِ كمالٍ مميتة.

أسس الديمقراطية

“الأسس الفلسفية للديمقراطية المعاصرة” كتاب ممتع للفيلسوف الرحالة ماكزانس هيكار (حيث عاش في طوكيو ولندن وبوينس آيرس في نطاق اشتغاله بالشؤون المالية)، يستعرض فيه تاريخ الفكر السياسي الحديث والمعاصر، للوقوف على أسس الديمقراطية التي صارت في رأيه قيمة مقدسة، أشبه بالديانة، في عصر انهار فيه النظام القديم، وناب عن موت الربّ نهائيا منذ داروين دولة قانون مبنية على “حقيقة علمية” هي التطور، حيث يبدو تناسق المنظومة بجلاء عند المعطى الميتافيزيقي الكامن، معطى كون متنام رسمه نيكولا دو كوندورسيه وتايلار دو شاردان، وضمّده كانط وهيغل وتشارلز داروين. وفي رأي الكاتب أن الديمقراطية هي اللحظة السياسية في هذا التطور. فالصدفة والحرية والقانون والأخلاق، وكذا المصلحة والملكية العامة، صارت تشكل ثنائيات لا تنفصم، كما أن الرابط الاجتماعي بات في جوهره اقتصاديا.

تدمير الخطاب وصنع الرضا

يقدّم الصحافيون أنفسهم عادة بكونهم من دعاة “فك شيفرة الخطاب”، ولكن هل يصح أن يفكّك غيرهم خطابهم؟ تلك هي الفكرة التي تعالجها الباحثة إنغريد ريوكرو في كتابها “لغة الميديا”. من خلال تحليلها أمثلة راهنة، تبين الكاتبة أن الصحافيين ما انفكوا يعيدون إنتاج جمل وتعابير هي في الواقع أحكام معيارية عن الأحداث. فهم يزعمون التحلّي بالموضوعية والحياد في معالجة الآراء السياسية، ولكنّهم في الواقع يستعملون خطابا ينتمي إلى تيارات فكرية محددة يمكن تبيّنها، كما يساهمون في نشر عدة أحكام مسبقة، تحولت إلى أسس لقناعات المجتمع الفرنسي. وإذا كانت لغة الصحافي مثل زجاج محرِّف يقدم عبرها الحاضر للمتلقي، فإنها كذلك نافذة مضللة مفتوحة على الماضي والمستقبل. وفي رأي الباحثة أن تحليل خطاب الميديا يساعدنا في الكشف عن الوعي الباطن للمجتمع من جهة ما يحويه من لاعقلانية.

تغييب الفكر النقدي العربي

في كتابه “الفكر والسياسة في العالم العربي” يستعرض المؤرخ وعالم الاقتصاد اللبناني جورج قرم مختلف أوجه الفكر السياسي العربي في القرن العشرين، وثراء ثقافة مجهولة لدى الغرب. ويبين أن أصحاب ذلك الفكر لم يكونوا أسرى الطوق السياسي الديني الذي وضعتهم فيه كتابات بعض المستشرقين عن العرب والإسلام، بل هم مفكرون عبّروا عن نقد قويّ على شتى المستويات الدينية والسياسية والفلسفية والأنثروبولوجية والسياسية. ويبين في الوقت نفسه كيف استفادوا من الأفكار الأوروبية كالتطور والعقلانية والعلمانية والقومية. والكاتب، إذ يدرج آثار أولئك المفكرين في إطار التحولات الجيوسياسية والسوسيواقتصادية التي شهدها الوطن العربي منذ قرنين، يفسّر كيف ساهمت قوى الهيمنة الأجنبية، من عسكريين وأكاديميين وإعلاميين، في تهميش الفكر النقدي العربي. وهو ما سهّل إقامة وسيطرة الفكر الإسلامي، الذي استغلته بعض الأنظمة العربية وحماتهم الغربيون على حد سواء، لبسط الفكر الإخواني والسلفي.

انهزام النساء

تتساءل أوجيني باستييه، الصحافية بجريدة لوفيغارو الفرنسية، في كتاب “وداعا آنستي” هل اكتملت الثورة النسوية التي قادتها سيمون دو بوفوار منذ سبعين عاما ضد الهيمنة الذكورية؟ لقد حصلت المرأة على الحقوق السياسية والاجتماعية، وحقها في التحكم في الإنجاب، مثلما فرضت مبدأ التكافؤ مع الرجل، ولكن منظرات أخريات لا يزلن يناضلن من أجل مستقبل زاهر ينكرن أنه تحقق بعد، حتى غدت المعركة لأجل النساء ثأرية وشمولية، تنادي بالشيء ونقيضه: إلغاء البغاء والسماح بالحمل لصالح الآخر، إلغاء فوراق الجنس في المدارس وإقرار المساواة في نطاق الوظائف صلب الوزارات، الدعوة إلى تحرر الجسد وقبول الحجاب والنقاب.. وتناقضات كثيرة أخرى تعتمدها الكاتبة لتبين بؤس الحركة النسوية المعاصرة، التي تتجاهل الأخطار المحدقة، ممثلة في الإسلام السلفي، والتي لا تهدد الاختلاط فقط بل مبدأ المساواة نفسه.

نقض حقوق الإنسان لموجهة مسلمي أوروبا

“حقوق الإنسان ضد الشعب” عنوان آخر من العناوين التي طفحت بها الساحة الفرنسية بعد عمليات الإرهاب التي ضربتها، ومؤلفه، جان لوي هارويل الأستاذ المحاضر بجامعة باريس الثانية، لا يخالف غيره من المحللين الفرنسيين المعادين للإسلام، فهو يدين حقوق الإنسان ويرى فيها سلاحا موجها ضد الشعب، من جهة خضوع الحكومات الأوروبية لتوسع الإسلام ونشره قيما ومبادئ تهدد التوازن المجتمعي والحضارة الغربية وشعوبها، بدعوى نبذ الميز العنصري، والعمل بمبدأ العلمانية الذي يفرض على الدولة عدم التدخل في الشأن الديني. والكتاب أراده صاحبه تحليلا للمساوئ التي ولدتها في أوروبا بعامة، وفرنسا بخاصة، “ديانة حقوق الإنسان” كما يقول، تلك التي تقود الحضارة الأوروبية في رأيه إلى موت محتوم أمام إسلام غاز لا يعترف للإنسان بأبسط حق. وحجته “أننا لم نعد في هيئة حقوق شعب أمام دولته، بل حق شعب في أن تدافع عنه دولته”.

الثلاثي المنسي

لأول مرة يقع تجميع الأعمال الكاملة لأنطوان دو ريفارول وجانب كبير من كتابات نيكولا دو شانفور ولوك دو كلابييه الشهير بماركيز فوفنارغ في مجلد بعنوان “فنّ الوقاحة”، تحت إشراف الفيلسوف والشاعر والروائي والموسيقي ماكزانس كارون، وتقديم الفيلسوفة شنتال ديلصول. والمعروف أن هذا الثلاثي يمثل إلى حد بعيد عبقرية الأدب الفرنسي من حيث البلاغة وحرية الفكر والجرأة في تناول شتّى المواضيع والسخرية من الأوضاع السائدة في ذلك العصر، فقد عرف عنهم ميلهم إلى نقد المجتمع بكلّ مكوّناته، السياسية والدينية والثقافية، نقدا لاذعا، بأسلوب مميز أثار إعجاب فولتير نفسه، بل إن من النقاد من يؤكد أن مآثر الثلاثة لا تقل قيمة عن رموز عصر الأنوار. والكتاب ردّ اعتبار لمفكرين متميزين، درج المثقفون على استحضار أسمائهم ومقولاتهم وأفكارهم دون أن يكون لهم اطلاع واسع على نصوصهم.

هل بني الاتحاد الأوروبي برغبة أميركية؟

“التكتم الأكبر” عنوان كتاب ضخم لكريستوفر بوكر الصحافي الإنكليزي، وريشتارد نورث، مدير بحوث سابق في البرلمان الأوروبي، كانا نشراه في لندن عام 2003. وهو عبارة عن قراءة بريطانية للبناء الأوروبي، زادتها البريكسيت حضورا، تبين أن بناء أوروبا، على عكس ما يروّجه الساسة، لم يكن حديثا، بل بدأ منذ مدة طويلة كمشروع يخضع للرقابة الأميركية ولو بشكل غير مباشر، ويروي المؤلفان دور وكالة الاستخبارات الأميركية في مسار إنشاء المؤسسات الأوروبية، وعلاقة المؤسسين الأوائل بها مثل جان مونيه. وبالتالي، فلا يمكن القول، حسب المؤلفين، إن الاتحاد الأوروبي جعل لحماية استقلال الأوروبيين، فبدعوى تأمين السلم، نهض الاتحاد على التخلي على سيادة الشعوب لصالح كيان فوق القوميات، بحسب خطة وضعها منذ عشرينات القرن الماضي الفرنسي مونيه والأميركي جيمس سالتر، وهي حقائق مخفية، يتكتم عليها الجميع. أي أن الاتحاد في نظر الكاتبين بُني على سلسلة من المغالطات.

التنبؤ بانهيار المجتمعات الإنسانية

صدرت مؤخرا الترجمة الفرنسية للكتاب الذي أثار جدلا كثيرا منذ صدوره بالإنكليزية في أميركا، ونعني به åمراحل الانهيار الخمسò للأميركي من أصل روسي دميتري أورلوف، الذي باع شقته واشترى مركبا يعمل بالطاقة الشمسية، يعتبره كبسولة النجاة، فهو ينذر في نصوصه أن أميركا مقبلة على نفس الانهيار الذي عاشه الاتحاد السوفييتي، وفي كتابه هذا، يعدد مراحل ذلك الانهيار: مالي حيث فقد الإيمان بأن البزينيس عادي. اقتصادي حيث زال الاعتقاد بأن السوق قادر على كل شيء. سياسي من جهة فقدان الثقة في الحكومات. اجتماعي إذ زال الاعتقاد أيضا بأن المجتمع يمكن أن يعتني بالفرد عند ضيقه. وأخيرا انهيار ثقافي من جهة فقدان الثقة بطيبة الإنسانية. ويرى أن هذا المراحل تتعاقب بانتظام. وبخلاف الحيوانات، ينزع البشر إلى خلق تراتبية اجتماعية معقدة، يجعل انهيارها مبرمجا داخل طبيعتهم نفسها. والغرض كما قال هو أن يغير البشر سلوكهم وإلا فهم يسيرون بأنفسهم إلى الكارثة.

هل نشهد إعادة تشكل الشرق الأوسط؟

مرة أخرى يعود المحلل السياسي ألكسندر أدلير، المدير الأسبق لكرسي الجيوسياسية بجامعة دوفين بباريس، إلى تنظيم الدولة الإسلامية. فبعد “هل تنتصر الأيديولوجيا الإسلامية؟” و”خلافة الدم”، صدر له مؤخرا كتاب بعنوان “داعش: المعادلة المخفية” يطرح فيه أسئلة عن دوافع زعزعة الشرق الأوسط وتمزيقه. هل هو الإسلام في أبشع تطرفه؟ أم هي كراهية الغرب؟ أم فوضى عارمة في منطقة لم تعدم الهزات منذ زمن بعيد؟ وهل هي لحظة إعادة تشكيل المنطقة؟ وفي رأيه أن هذا الخطر الأكبر، ممثلا في الدولة الإسلامية، وعابرا للقارات ولا حدود لمطامحه، قد يكون دليلا على أن التاريخ ماض في أعماله: تردد أميركا، قوة الهلال الشيعي، إيران الجديدة، ومصر الجديدة، لعبة الأجوار الكبار تركيا والسعودية والأردن؛ الحرب بلا رجال المزعومة.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.