آنماري إستر

الشاعرة في العالم
الأربعاء 2021/09/01
يكون الشاعر كونياً أو لا يكو ن

آنماري إستر (ANNEMARIE ESTOR 1973) شاعرة، وساردة، وأستاذة جامعيّة مختصة في علم الأدب، حصلت على أهم الجوائز الأدبية البلجيكية والهولندية ومنها جائزتا هرمان دو كوننك (Herman de Coninckprijs) لمرتين وجائزة يان كامْبَرت Jan Campert-prijs. كتبت لجنة جائزة هرمان دو كوننك عن أسباب منحها الجائزة على ملحمتها الشعرية “إبط التيس”: نادراً ما يظهر مثل هذا الوصف لعلاقة حب شبه شيطانية في الشعر الهولندي. إنها مبنية بشكل متين إنها ملحمة أسطورية. بحسب ما تصف نفسها تقول آنماري إستر إنّها هولندية بدرجة 39 في المئة، ليمبورغية بنسبة 53 في المئة،. 48 في المئة منها إسباني، 24 في المئة إيطالي، 8 في المئة بربري، وتعيش في مدينة أنتوربن البلجيكية. لم تطلّ على العالم برأسها لحظة ولادتها، وإنّما خرجت عجيزتها حاملة برج الثور والجنسية الهولندية في خاتمة اليوم الثالث من عيد الفصح. هذه الشاعرة تكتب نصوصا مختلفة عن السائد الثقافي، وهي ذات منحى جديد في الكتابة الشعرية. ستكون نصوصها الشعرية المترجمة إلى العربية تدعيما لمضامين شعرية جديدة. فهي تذكّرنا في بعض التباساتها بفرانز كافكا. والشعر حقا في الأصل التباس وممكنات قصوى مطلوبة في التخييل وتوسعة لمفهوم الإيقاع. في الحوار معها هنا إطلالة على عالمها الشعري ورؤيتها لفن الشعر وموقفها من قضايا الشعر.

                                                                                                                   قلم التحرير‎

الجديد: أنت هولندية بدرجة 39 في المئة، ليمبورغية بنسبة 53 في المئة، 48 في المئة منك إسباني، 24 في المئة إيطالي، 8 في المئة بربري، وتعيشين في مدينة أنتوربن البلجيكية.. هل هذا هو الشرط الأكمل ليكون الشاعر كونياً؟ كيف تنظرين من موقعك الخاص إلى فكرة المركزية الأوروبية في الثقافة والاجتماع وهي ماتزال حاضرة بقوة؟

• آنماري إستر: في الحقيقة، إن ما كتبتُه في هذا الشأن يشير إلى فحص الـ”دي أن أي” (الحمض النووي) الكاشف لأصل الفرد، وهو فحص يمكن إجراؤه حاليا، وعبره يمكن للمرء معرفة أصوله وأصول أسلافه.

شخصيا، لم أقم بإجراء مثل هذا الفحص، لكنّني صادفت نتائج مذهلة لدى العديد من الأفراد: امرأة تركية تبيّن أنّ أسلافها أكراد؛ رجل فلسطيني أظهر الفحص أن أجداده يهود. بعبارة أخرى، أنا لا أؤمن بالتصنيف العرقي للبلدان. أكثر من ذلك، أنا أظنّ أن مثل هذا التصنيف يبعث على الأذى أكثر من الفائدة.

أنا محظوظة لأنّني أوروبية، قضيت حياتي في بلد يتمتع بوجود قطاعات متكاملة للخدمات الاجتماعية.

كان ممكنا أن أولد في السودان. إن حقيقة ولادتي هنا هي التي منحتني سمة القدرة على السفر بكثرة، وكذا سمة الحق في الإقامة والعيش في أيّ من دول الاتحاد الأوروبي.

إنني أعي جيدا أن هذا امتياز هائل. وأعي في ذات الوقت أنّ هناك أشخاصا، فنانين وشعراء، لم يغادروا أبدا مدنهم أو قراهم، طوعًا أو كراهية.

بوكس

أعتقد أن الشعرية التي تمتلك حقائب سفر تحمل القيمة الشعرية نفسها التي تتوطّن أرضها. وأعتقد أن بإمكاننا جميعًا أن نكون كونيين بشكل متساوٍ.

وأنا أرى بأننا عندما نكتب الشعر، إنما لا نتحدث عن تجاربنا الفردية، أو عن انطباعاتنا عن محيطنا، أو فرادة شخصيتنا، بقدر ما نعكس في المقام الأول جيناتنا التي يتم ضبطها على نغمات الرنين العالمية، وعلى الثقافة البشرية العالمية التي نشكّل جميعًا أجزاء منها.

لعل الطريق الأمثل للدخول إلى الإنترنت أن يكون مسبوقاً بـ: دراسة أساطير العالم أجمع في المدرسة، وإجراء فحوص الـ”دي أن أي” لمعرفة الأسلاف. تلك هي الطريق المثالية لكل مواطن على الكرة الأرضية، وبخاصة أولئك الخائفين من كل ما هو غريب، كل ما يبدو أنّه “ليس منّا”.

الشعور بالتفوق الأوروبي حماقة. في الوقت نفسه لا شك أن أوروبا تمتلك صناعات جميلة للتصدير، أعني “الديمقراطية وقطاعات الخدمات الاجتماعية”.

يجب أن تؤسس الإنسانية نظامًا عالميًا فيه الأغلبية تقرر بشأن كافة القضايا، استنادا إلى نصائح متعددة مصاغة جيدا ومعتمدة على دراسات أخصائيين متنوعة، ويعتني الأقوياء بالضعفاء. من دون أن يعني هذا أن أوروبا أفضل. لا، أبدا.

حاليا، ترى أيضًا أن كلًّا من الديمقراطية ونظام الرعاية الاجتماعية يحطّان في معسكر الخاسرين في أوروبا.

يتعين على كبار السن الأوروبيين التبوّل في حفّاضاتهم 5 مرات قبل أن يحصلوا على حفّاضة جديدة. وهذه العملية يتم حسابها من قبل المدراء.

لو كنت عاطلا عن العمل، ستحصل على إعانة مالية مشروطة. وإذا لم تمتثل لما يطلبه منك المسؤول المتنمّر، يتم تحويل الإعانة المالية من “إعانة” إلى “قرض” يتوجّب عليك سداده.. لقد وصلت بنا الأمور إلى هذا المستوى.

غير أنّ علينا محاربة هذا النظام اللاإنساني المصمّم لضمان تحقيق أعلى الأرباح للرؤساء التنفيذيين. وعكس ذلك، فلن يحصل في المستقبل أيّ شخص على إعانة مالية، وسنخسر جميعًا بقايا النقود في جميع أنحاء العالم. من الأفضل محاربة الفساد وتجاوزات السلطة أينما كانت. حارب الأنانية أينما كانت.

 

كيان مواز

يكون الشاعر كونياً أو لا يكو ن
آنماري إستر: أعتقد أن الشعرية التي تمتلك حقائب سفر تحمل القيمة الشعرية نفسها التي تتوطّن أرضها

الجديد: ما الشعر بالنسبة إليك؟ بحث عن إطار لصورة الذات، أم هروب من صورة الذات إلى صورة أخرى؟ كيان مواز نبتكره في مواجهة كيان تشكلنا فيه؟

• آنماري إستر: لقد وضعتَ هذا السؤال بطريقة ممتازة! إنّه كيان مواز نقوم بخلقه مقابل كيان نتشكّل فيه، نعم.

أعتقد أننا نعمل على خلق العوالم: عوالم متخيّلة، عوالم لاماديّة ولاملموسة، عوالم تلتقي بالماضي وتتفاعل معه، ومن ثمّ تجعل المستقبل ممكنًا.

معظم الاختراعات البشرية طرأت أولا في مخيّلة الكتّاب والشعراء والرائين والمفكرين الأحرار، على الرغم من أننا لسنا أحرارًا على الإطلاق. فالحرية المطلقة غير موجودة، لأن ذواتنا نفسها – الجسد والعقل – تتكون من كودات استلمناها من الماضي، من الماضي البعيد، من عصور ما قبل التاريخ، ولكن أيضًا من الماضي القريب. كل متواليات التاريخ تلك كامنة فينا، نحن الذين خُلقنا من طين.

في نفس الوقت، لدينا قشرة فصّ جبهيّة، يمكنها اختلاق أشياء لم تكن موجودة. يمكنني على سبيل المثال أن أتخيل نفسي بعد عشر سنوات جالسة على شرفة في السطح مع أوفيد وبودلير، في بقعة تُسمّى حاليا إيطاليا، لكنها باتت تحمل اسماً آخر. أنا وأوفيد وبودلير نشرب كأسا تهدينا أجنحة تكفل لنا التحليق لساعة.

هذه فكرة جديدة، إلّا أنها عتيقة في الوقت ذاته. عودة إلى صورة الذات تلك… أعتقد أنها في حد ذاتها باطلة تماما.

طوال حياتي، أنا حبيسة داخل هذه الذات، ولا بدّ لي من التعامل مع هذه الحقيقة، غير أني لست سوى حاملة معلومات ومواد مدّني بها هذا الكوكب.

والأمر متروك لي في أن أقوم بشيء مفيد بهذه المواد والمعلومات وأن أقوم بالعناية بكل ما حولي. وهذا امتيازٌ أيضًا.

لعلّ من المفيد، عبر وعينا وخياراتنا، أن نلتفت لبعضنا البعض. لقد كان ممكنا أن نكون كثيّباً رملياً في الصحراء، والكثبان لا تستطيع مداعبة أيّ شخص ولا أن تدفع شخصا ما للابتسام.

 

حضور العربية

الجديد: في الشعر العربي محطات كبرى تطورت خلالها القصيدة الشعرية عبر ألف وخمسة قرون من الشعر المدوّن، وقبلها قرون سبقت من الشعر لم تدوّن. هل هناك حضور ملموس للشعر العربي قديما وحديثا في اللغة والثقافة التي تنتمين إليها؟

• آنماري إستر: لا أعرف مدى ملموسية هذا الوجود، ولكن لا شك أن ثمة تأثيرات دخلت عملي مصدرها مختلف أنواع النصوص القديمة جدًا. لا يمكن إنكار ذلك أبدا.

الجديد: اسمحي لي أن أعود مرة أخرى إلى السؤال، مستوضحاً عن ثقافة اللغة الهولندية في الشعر.. ومدى حضور الشعر العربي فيها، لو كان لهذا الشعر أي حضور عبر الاتصال والترجمة حديثاً وفي قرون سابقة؟

• آنماري إستر: إنه لأمر مؤسف حقاً، أنه لم تتم ترجمة أيّ شيء بالفعل إلى اللغة الهولندية لفترة طويلة جدًا من الشرق الأدنى، أستثني حكايات ألف ليلة وليلة، ورباعيات الخيام، وشعر الرومي وحافظ. ولكن، لحسن الحظ فقد بدأ عالم الترجمة حديثا بالازدهار. إلّا أننا حتى الآن غير قادرين على التحدث عن تأثيرات حقيقية.

الشخص الوحيد الذي تمكّن من إجراء تغييرات حاسمة حقًا هو حفيظ بوعزة (1970 – 2021). فقد ترجم كثيرًا، وعقّب كثيرًا. تشرفت مؤخرًا أن أكتب عنه.

الجديد: ما الدرجة التي تعطينها للترجمة في التعويل على انتقال الآثار الشعرية والتجارب والخبرات والتصورات عن الشعر من لغة إلى أخرى؟ وهل يقلقك أن تنزاح القصيدة من كيانها الأصلي لتولد في كيان قد يكون مبتعدا كثيرا أو قليلاً عن الأصل؟

بوكس

• آنماري إستر: لست قلقة بشأن أيّ شيء. أنا أعمل مع مترجمين يتسمون بالضمير والدقة. وأنا أطلب منهم دائمًا ألاّ يترجموا بطريقة حرفيّة، قدر ما يصغون إلى موسيقى اللغة. أنا واثقة من أنه سيتم نقل ما هو جوهريّ بما يكفي من الجودة إلى تلك اللغة الأخرى.

 

الشبكة الكونية

الجديد: شعرك يموج بالأفكار والتصورات الحديثة والقلق الإنساني في مدينة ما بعد الحداثة، ولكنه يتمتع أيضاً ببعد ميتافيزيقي ملحوظ… ولربما نستطيع أن نصفه بأنه شعر كينوني، يصدر عن رؤيا كونية للوجود.. ما هي المرجعيات التي أسست لميولك وخياراتك ورؤاك الشعرية؟ من هم آباؤك (وربما أمهاتك) الشعريون؟

• آنماري إستر: يمكنني أن أذكر مجموعة طويلة من الكتّاب الذين تعمقتُ في أعمالهم. على سبيل المثال، مؤلفو الكتاب المقدس، أوفيد، متصوفة القرون الوسطى، شكسبير، أميلي وشارلوت برونتي، بودلير، ويليام بليك، ويليام بتلر ييتس، هوغو كلاوس، ألان جينسبيرغ، حازم كمال الدين، عدنان عادل، جان دمو، آندي فيرينز، جيس دي جروتر، ومعلمي وأستاذي فريدريك تورنر، بيد أني في الواقع أرى أنّ كل نص مغروس بعمق في الآلاف من النصوص الأخرى، وأن هذه الآثار يصعب التحقق منها بتفصيل دقيق، فنحن جميعًا جزء من شبكة كونيّة.

 

قوة الابتسامة

الجديد: يبرز في شعرك حس فكه، فكاهة صادمة، تنهض على عناصر تؤسس للمفارقة.. ويبدو لي أنه ينطلق من تحد عميق الغور للنفاق الاجتماعي، والهوس الأيديولوجي، والتيه الاجتماعي المصاحب للتجربة الإنسانية الحديثة؟

• آنماري إستر: لقد اكتشفت الابتسامة بشكل متأخر نسبيًا. في الواقع، لقد اكتشفتها بشكل أساسي من خلال لقاءاتي مع كتّاب وشعراء غير أوروبيين.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، مرّتْ أوروبا بحقبة حالكة للغاية، ومن أحد أسبابها هو خضوعنا لنير عقدة الذنب التي أوهمتنا بها الكنيسة المسيحية البروتستانتية. ولقد انطبع ذلك على طفولتي. ولكن، لحسن الحظ تحطّمت تلك الأغلال في أوروبا بدءا من عام 1999 على وجه التقريب، وعثرتْ أوروبا على البسمة من جديد، و.. نعم، إن قيمة الابتسامة هائلة. علينا أن نبتسم كي نستطيع أن نجعل مواصلة الحياة في أوار الكارثة أمراً ممكنا.

كتب

 

ثروة اللغات

الجديد: ما هي طبيعة العلاقة بين الكتابة الشعرية بالهولندية والكتابات بلغات أخرى في بلجيكا، وما طبيعة التواصل بين الشعريات الفرنسية والهولندية والألمانية، وكيف تقيّمين علاقتك الشخصية وعلاقة شعرك بهذا التنوع اللغوي البلجيكي؟

• آنماري إستر: أنا أرى أن اللغات الأخرى هي ثروة مضافة. حالياً، أقضي الكثير من الوقت في إسبانيا وقد بدأت اللغة الإسبانية تتسرب إلى اشتغالاتي. درست اللغة العربية أيضا لثلاث سنوات وكتبت عدة قصائد قصيرة بالعربية، على الرغم من أنها تصبح ذات تأثير فقط في حالة القيام بنطقها بأسلوب بسيط، لا بشكل منمّق.

كل لغة إضافية هي فرصة إضافية للحصول على أصوات أكثر جمالا. ويمكن للعقل البشري أن يتعلم بسهولة عشر لغات! لا ينبغي أبدا التقليل من شأن أدمغتنا.

 

هوة السرعة

بوكس

الجديد: هل تعتقدين أن الشعر اليوم يمكن أن يكون مهددا في العالم بفعل التطورات التكنولوجية الحديثة وما فرضته على البشر من نزوع لاهث وراء الأشياء، وابتعاد بالتالي عن التلقائية والهدوء والصفاء الذي يتطلبه الشعر كتابة وقراءة؟

• آنماري إستر: نعم، كثيرون من المقيّدين بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات السريعة يتوهمون أن التسرع هو مقياس الأشياء. (وهؤلاء يقومون بذلك إما من خلال أوهام تكديس الإثراء السريع، أو من خلال الإكراه الذي لا يطاق من أجل تحقيق أداء لاإنساني بحجمه).

سيتعين على هؤلاء نسيان ذلك، وإلّا سيسقطون في لجّة عميقة من الاكتئاب والخمول. لم يُخلق الإنسان لكي يستعجل نفسه.

الجديد: الشعر أعظم من الفلسفة، لكن هل يمكن الاعتداد بشعر يخلو في رؤيا فلسفية؟

• آنماري إستر: كلا. أحدهما يتطابق مع الثاني. (أنا أعرف شعراء مزعومين يكتبون بلا رؤيا، لكن هذا هراء، نفاية. أحيانًا تتم طباعة أعمالهم ونشرها بواسطة خدع جميلة، أو لأنهم كانوا يستلقون باسترخاء على الفراش الثقافي. شعراء على هذه الشاكلة ربما تظهر لهم مجموعة شعرية ثم لا تعود تسمع عنهم مرة أخرى).

علينا ألاّ نقلل أبدا من شأن القصيدة الصغيرة التي تبدو بسيطة ظاهريا. القصائد القصيرة لجان دامو هي مثال ساطع على ذلك.

 

تسمية الطغاة

الجديد: الإنسان آذى شقيقه الإنسان، بواسطة الحروب، والتوحش الرأسمالي، وطغيان الدكتاتوريات، وانتهى بإيذاء الكوكب بيت الإنسان، ما الذي يمكن للشعراء أن يفعلوه إزاء التهديد الذي يتعرض له بيتنا الوحيد بواسطة شتى أنواع الملوثات الفتاكة؟

• آنماري إستر: الاستمرار، في كتابة القصيدة، وخوض المواجهة بقوة الكلمات.

اقرأ أيضا: رعدُ المجرة الأقدم / آنماري إستر 6 قصائد مختارة
اقرأ أيضا: رعدُ المجرة الأقدم / آنماري إستر 6 قصائد مختارة

الجديد: أخيرا، أود أن أسأل السؤال التالي، الذي قد يكون مؤلما: حكام ما يسمّى بالعالم الحر، عالم الديمقراطيات لطالما هاجموا الدكتاتوريين، وتستروا عليهم في الوقت نفسه.. نفاق مارسوه مع الطغاة من فرانكو، إلى الخميني إلى صدام حسين، إلى بينوشيه، والقذافي، وبوتين، وصولا إلى حافظ الأسد وابنه السفاح الذي قتل بالغاز من شعبه في ليلة واحدة 1500 طفل وامرأة ورجل. نفهم أسباب نفاق الحكام الغربيين، ولكن كيف نفهم صمت الشعراء في الغرب عن مثل هذه الجرائم؟

• آنماري إستر: يؤسفني أنك تحمل هذه الاعتقاد. ولحسن الحظ أنك تطرح هذا السؤال حيث يمكننا الخوض فيه! أنا لا أعتقد أنهم صامتون إطلاقا. كل شعراء العالم ينادون بذلك بأعلى أصواتهم في قصائدهم. كلهم ضد العنف. المعضلة الكبرى هي في الواقع أن أعمالهم لا تُقرأ جيدًا بما يكفي. على الناس تعلّم القراءة بشكل أفضل.

جَسْ دُ خرويتر، شاعر من أنتوربن، يسمّي هؤلاء الدكتاتوريين حرفيًا، ويحصي القنابل، ويكتب عنهم لوائح اتهام هازئة. جَسْ دُ خرويتر، غير معروف بالتأكيد في المنطقة العربية. أمرٌ مؤسف.

ولكن خذ الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا، فأشعارها معروفة في كافة أنحاء العالم.

غالبًا ما تكون قصائد هؤلاء قصيرة ومكثفة وكأنها تعنى بما هو يومي. إلا أن هؤلاء ينادون بصوت عال مناشدين أننا يجب أن نتعلم الانتباه إلى الأشياء الفريدة والصغيرة والهشّة.

وخذ على هذا المنوال: ثمة قصيدة كتبها الشاعر الهولندي يان هانْلو عن نباتات الخس الفتيّة.

تلك قصيدة لا تتحدث عن نباتات الخس الفتيّة. أعتقد أن الغالبية العظمى من القصائد في العالم تطلب منا أن ننتبه لما هو صغير وهش، وبالتالي، مع مراعاة مقتضى الحال، فهي دعوة للتعاطف والسلام والتعاطف والشعور بمشاعر الآخر.

نحن الشعراء أصدقاء وشركاء في كل مكان. لمجرد أن مهنتنا هي صنعة الشعر، تجعل منا جنودا من أجل السلام العالمي.

آنماري‭ ‬إستر‭:‬ كل‭ ‬لغة‭ ‬إضافية‭ ‬هي‭ ‬فرصة‭ ‬إضافية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬أكثر‭ ‬جمالا
آنماري‭ ‬إستر‭:‬ كل‭ ‬لغة‭ ‬إضافية‭ ‬هي‭ ‬فرصة‭ ‬إضافية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬أصوات‭ ‬أكثر‭ ‬جمالا

 

منبر عالمي للشعر

الجديد: أوافقك الرأي طبعا، الشعراء والشاعرات في كل لغة وثقافة هم صوت الحرية الإنسانية وصوت الكرامة وصوت الوجدان العميق، وهم بالضرورة ضد كل أشكال العسف والطغيان، لأنهم صوت الجمال الإنساني في الأرض. لكن السؤال يا عزيزتي قصد الإشارة إلى دكتاتور دموي بعينه هو بشار الأسد.. سفاح طليق.. استعمل الغاز ضد شعبه وقتل مئات الآلاف بالرصاص وتحت التعذيب، وهجّر الملايين من شعبه. والقوى الكبرى في العالم تغض الطرف عنه. هذا المثال لم يرتفع صوت الشعراء في العالم ضده وضد رعاته الروس والإيرانيين وغيرهم… لم يسمّ بالاسم.. فالمجرم حتى يُدان لا بد أن يسمّى بالاسم، وافضل من يسمّي المجرمين هم الشعراء.

• آنماري إستر: علينا أن نحرص على عدم تحويل السياسيين السيئين إلى أبطال، كما سبق وأن حدث ذلك مع جلجامش. علينا ترك هذه الجماعات تسقط في بئر النسيان فحسب.

هذا ولا بدّ أن يحرص الشعراء أيضًا على عدم كتابة القصائد الشعاراتية. هذا هو السبب في أني لا أحبذ أبدًا ذكر أسماء حقيقية. لقد هاجمت بدوري وبطريقتي الخاصة، سياسيين محددين، غير أنّني لم أذكر أسماءهم.

ما أراه من جهة أخرى، أن علينا ترجمة المزيد من الشعر، لبناء جسور قوية من التواصل والتضامن، وينبغي العمل بشكل أفضل على التأويل. أود أن أوجه بهذه المناسبة نداءً لتأسيس مجلة عالمية. أود أن أكون رائدًة محترفًة في مثل هذا المشروع الكوني. لكن من أين لنا أن نحصل على الأموال؟

الجديد: أضم صوتي إلى صوتك. وأشاركك هذا التطلع فطالما حلمنا بتأسيس منابر شعرية. مثل هذه المجلة تعتبر اليوم ضرورة، يجب أن نسعى لأجل شيء كهذا، ويمكننا أن نفعله. القصيدة كنز إنساني، والشاعر صاحب كنز. ويمكننا أن نؤسس خزانة شعر يشترك في إنشائها شعراء من كل القارات، صيغة مجلة تنشر القصائد بلغتها الأصلية وبلغة نتفق عليها، الإنكليزية مثلا. وتكون مرجعا لمن يريد أن يترجم هذا الشعر إلى لغات أخرى.

• آنماري إستر: التعددية اللغوية هي الحل الأفضل في الواقع. حازم كمال الدين، سبق له أن طرح هذه الفكرة، كان له الرأي نفسه. فلنتباحث مجدداً نحن الثلاثة عن علاقة احترافية تتعلق بمنبر عالمي للشعر يعنى به من جوانب متعددة.

 

___________________

* أجرى الحوار: قلم التحرير

* الترجمة من الهولندية: حازم كمال الدين

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.