الزنزانة الزرقاء

أربع قصائد
الاثنين 2024/01/01
لوحة لوليد علاء الدين

أَنَا الإِنْسَانُ

أَنَا الإِنْسَانُ، قَالَ –

زَرَعَ السُّنْبُلَة وَمَضَى فِي عتْمَةِ الغَسَقِ،

دَمْعَةٌ تُطِلُّ عَلَى الكَوْنِ

مِنْ شَقٍّ في السَّمَاءِ،

تَمْسحُ اَلْحُزْنِ عَنْ جَبِينِ الشَّفَقِ.

أَنَا الإِنْسَانُ، صَرَخَ –

جَلَسَ خَلْفَ عَرَبَتِهِ وَرَحَلَ.

الثَّلْجُ يُطْفِئُ ظَمَأَ الأَرْضِ،

شِفَاهٌ تَنْطِقُ

بِحُرُوفِ أَبْجَدِيَّتِنَا… أَبْجَدِيَّةُ الأَلْقِ.

هَا أَنْتُمْ تُعَانِقُونَ أَشْرِعَة تَعْبَثُ بِهَا الرِّيَاحُ،

وَتُلْقُونَ بِالْمِرْسَاةِ فِي بَحْرٍ مَنْسُوجٍ مِنْ الظُّلُمَاتِ.

كَلِمَتِي… مَوْجَةٌ،

لَمْ تُفَارِقْ تَغَارِيدُ عُصْفُور في ظِلِّ اَلْحَبَقِ.

أَنَا الإِنْسَانُ، تَمْتَمَ –

أَنْتُمْ يَا مَنْ تَسْكُنُونَ اَلْمُدُنُ الخَالِيَة،

افْتَحُوا الأَبْوَابَ،

مَزِّقُوا الأوهامَ، الزَّوْبَعَةُ تَغْفُو عَلَى مُقْلَةِ الأُفُقِ.

الدُّرُوبُ… زَنْبَقٌ وَبَارُودٌ،

قِلَاعٌ مَنْسِيَّةٌ،

آلَامٌ تَمُوتُ تَحْتَ حُطَامِ الشَّمْسِ.

تَنْهَارَ السُّدُودُ، مَنْ يُوقِفُ الطُّوفَانُ؟

هُنَا – قَالَ –

يَعِيشُ قَلْبِي عَلَى المُفْتَرَقِ.

03-10-2023

//////////////////

السِّحْلِيَّة

بِصَمْتٍ تَسَلَّقَتِ الكِتَابَ،

بِعُيُونِ مُسْتَدِيرَةٍ تَأَمَّلْتِ اَلْأَحْرُفَ، الأَرْقَامَ، الفَوَاصِلَ وَالنِّقَاط.

ارْتَجَفَ ظِلُّ الزَّيْتُونَة،

مُتَأَهِّبَةً، أَدرْتِ رَأْسَكِ. الأَرْضُ،

أَنْتِ تَعْرِفِينَهَا أَفْضَلَ مِنِّي. لَم تَهَربِين.

لَعَلَّكِ أَردتِ اَللَّعِبَ. الذَّيْلُ إِلَى اليَمِينِ، اَلذَّيْلُ إِلَى اَلْيَسَارِ،

وَالرَّأْسُ مُصَوَّبٌ نَحْوَ الأَعْلَى.

أَيَّتُهَا المَخْلُوقَةِ الصَّغِيرَةِ الكَبِيرَةِ، لَقَدْ سَكَنتِ

الأَرْض قبلِي. البَرَاكِينُ وَالفَيَضَانَاتُ وَالنَّيَازِكُ،

رَأَيْتِ. وَنَجَوْتِ.

مِنْ تِلْكَ الخَلْفِيَّةِ تُخَزَّنِينَ ذَاكِرَة.

الأَوْقَاتُ السِّرِّيَّةُ الّتِي أُحَاوِلُ اَلْآنُ

فهمَهَا. يَا لَهَا مِنْ رِحْلَةٍ سَتكَونُ، لَوْ تَثِقِينَ بِي.

غُبَارٌ مِن اَلتُّرَابِ اَلْأَحْمَرِ، اَلْعُشْبُ وَالْبُومَةُ اَلْأُمُّ.

الذِّهْنُ يَطِيرُ خَلْفَ الخُطَى، مِخْلَبًا هُنَا،

وَآخَرُ هُنَاكَ. آهٍ! لقد لَمَسْتِ حرفي “اللَّامِ” و”الألف” أَيضًا. “لا“!

يَا لِلْخَسَارَةِ! كمْ هو قاسٍ قَرَاركِ.

نَظَرتِ إِلَيَّ حِينَهَا، وَدِيعَة وَمُنْصَاعَة:

أَنَا مَنْ اِخْتَارَ مَصِيرَهُ. أَهَذَا مَا تَعْنِيه؟

البِحَارِ تَصْرُخُ، الأَمْوَاجُ، نبضُ

قَلْبُكِ. يَجْعَلُونَ الصَّدَى مَسْمُوعًا،

مُعَوِّقًا مِنْ ذِكْرَيَاتٍ كَثِيرَةٍ،

أُغْمِضُ عَيْنِيّ، مِثْلُكِ، أَسْتَحْضِرُ فُتَاتًا مِنْ اَلطِّيبَةِ.

قَالَتْ الجَدَّةُ، جَاءَ وِعَاءَ اَلزُّهُورِ

لِطَلَبِ اَلْمَاءِ. لَمْ تَكُنْ خُرَافَةً

أُغْنِيَتُهَا. يَتَكَلَّمَ العَطَشُ، يَبْكِي اَلنَّدَى، دُمُوع

الصَّبَاحَ. المَزْهَرِيَّةُ تَمْشِي، تَبْحَثَ عَنْ المَاءِ،

القِطَطُ تَجْرِي فِي الفناءِ، وَالطُّيُورُ تَشْتَكِي.

السَّمَاء تغرقُ فِي اَلضَّوْءِ اَلْأَزْرَقِ. اَلشَّمْسُ

وَالرِّيحُ أَيْضًا تُسَاعِدُهَا، تَدْفَعُهَا، غُيُومٌ… غُيُومٌ…

نَصْرُخُ تَحْت اللَّيْلَكْ. نِصْفُ حُلْمٍ زُهُورٌ دُونَ بَتَلَاتٍ.

آوِيهِ، يَا جَدَّتِي، اُتْرُكِيهَا تَنمو، إِنَّهُ اَلرَّبِيعُ.

تَعْرِفِينَ، أَنَا آتِ مِنْ هُنَاكَ. حَدَّقَتِ فِيَّ.

لَا، أَنْتِ تَعْرِفِينَ تِلْكَ اَلْأَرْضِ. زُرِعَتْ بِالْمَوْتِ

بَيْنَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا. لَقَدْ اِنْتَهَى النُّزُوحُ الآنَ.

أنْتِ وَأَنَا نَعْرِفُ ذَلِكَ. إنّهَا أَسْرَارُنَا اَلْعَظِيمَةُ،

أُلقِيَتْ فِي اَلْبِئْرِ، وَلَنْ يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ صَيْدِهَا.

نظَرَتِ إِلَيَّ مِرَارًا وَتَكْرَارًا، مَذْهُولَة،

رُبَّمَا مُنْدَهِشَة؟ نَحْنُ نَأْتِي مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ. أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَنَا

عَلَى اَلْفَوْرِ، مُحْبَطِينَ مِنْ اَلْكَآبَةِ. عَلَى أَيِّ حَالٍ،

هَا أَنْتِ مَعي. تَعْرِفِين، لَقَدْ تَحَدَّثتِ إِليَّ مَرَّة!

مَا أَجْمَلُ صَوْتَكِ. مُعْتَدِل، وَلَكِنَّهُ ضَئِيلٌ جِدًّا، حيثُ

يَبْدُو وَكَأَنَّهُ نَسِيمْ. دَمِث وَحَزين.

03-10-2023

القصيدة مترجمة عن الإيطالية

العنوان الأصلي للقصيدة: La lucertola

/////////////////

الزِّنْزَانَة اَلزَّرْقَاء

أُرِيدُ المَطَر.. الشَّمْس،

رَبَّاهُ يَا لَلْمَلَلِ،

الجَسَدُ يَتَكَلَّمُ فِي الظَّلَامِ،

بلَا حَرَاكٍ في الضَّوْءِ المُحْتَضِرِ.

رَجُلٌ آخَرُ في دَاخِلِي، بِخُطُوَاتٍ مُتَقَطِّعَةٍ،

يُحْصِي بَلَاطَ أَرْضِ الحُجْرَةِ

أُرِيدُ النُّجُومَ وَالسَّمَاءَ.

وَيَا حَبَّذَا اللَّيْلَ دَافِئاً،

جَلِيدِيَّةً عُيُونِ الفَجْرِ.

أَوَدُّ لَوْ أَنَّكِ اَلْوَرْدَةُ التي لَمَسْتُهَا فِي الحُلْمِ.

رَأَيْتُ الغُيُوم… وَجْهُكِ،

لكن ما مِنْ أَحَدٍ كَلَّمَنِي.

وَأَنَا الذي ينْتَظرُ اللَّامُتَنَاهِي،

خُطْوَةً تِلْوَ أخْرَى،

مُجَرَّدُ وَهْمٍ.

عَلَى الأَلوانِ الهَائِمَةِ،

تَنْتَهِي رِحْلَتي، جُدْرَانٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ،

لَكِنَّ النَّهَارَ أَيْضًا،

لَيْسَ قَصِيرًا وَلَا طَوِيلاً،

عَالِق فِي اَلزَّمَنِ.

الرِّيح… إِيقَاعٌ مُضْطَرِبٌ

لأَهَازِيجَ بَعِيدَةٍ،

تَنْتَابُنِي رَعْشَةٌ،

فَأَلْتَفِتُ،

يَا لِلْخَيْبَةِ،

أَنْتِ لَسْتِ هُنَا.

أَنَا أَعْرِفُكِ

فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ جَسَدِكِ،

لَكِنَّ اَلرُّوحَ؟

كَمْ مِنْ مَرَّةٍ

وَددتُ لَوْ ألْمسكِ،

أَن أَجلَّكِ.

قَاسِيَةً الذِّكْرَى التي شقتني

عَنْ ظِلِّكِ.

ثَمَّةَ اِبْتِسَامَةٌ دَائِمًا،

فِي أَمَاكِنِ العُزْلَةِ،

بَيْنَ سُطُورِ الرَّسَائِلِ،

عَلَى العُشْبِ الأَخْضَرِ:

أَنْكَرُ المُسْتَقْبَلَ،

أَتَمَنَّى أَنْ أَلْثِمَ الثَّلْج،

أَنْ أَحْضُنَ الأُفُق.

إِن لَمْ أَعُدْ،

إِن لَمْ أَتَذَكَّرْ عُنْوَانكِ،

انْتَظِرِينِي مَوْسِمًا آخَر.

فَأَنَا أَنْتَظِرُ بَرَاعِمَ الزُّهُورِ،

الشَّمْسُ اَلَّتي تُدَفِّئُ القَلْبَ،

سُقُوطَ الأَوْرَاقِ،

المَطَرَ،

قَطْرَةً… قَطْرَةً… في الرُّوحِ،

يَا للْأَلَمِ.

03-10-2023

العنوان الأصلي للقصيدة Cella blu وهي مترجمة عن الإيطالية

//////////////////

لوحة لوليد علاء الدين
لوحة لوليد علاء الدين

رَأْفَة بِالْمَطَرِ

مَأْخُوذٌ مِنْ هَوْلِ بَرَاءَتِكِ، تَجَرَّأَتُ،

في بِرْكَةِ مَاءٍ، مُنْذُ سِنِينَ، أَغْفُو.

بِحارٌ يضِلُّ مِنْ يَطَأُ قِيعَانَهَا،

وَمُتْرَفٌ مِنْ يَجْثُو عَلَى رُكْبَتَيْهِ.

خَشَعَ اَلْغَضَبُ أَمَامَ مَهْدِهَا، رَأْفَةٌ بِالْمَطَرِ اِبْتَهَلَ،

قَطْرَةٌ لَمْ تَلْثِمْ بَعْدُ اَلْفَمَ اَلشَّغُوفَ،

أملٌ أَيْنَعَ فِي خَفَايَا ذَاكِرَةٍ تَرقبُ اَلْجِيَادِ مِنْ عَلٍ،

جَبَابِرَةٌ، مِنْ قوَامِ الرَّهْبَةِ يَنْحَدِرُونَ،

أَجِلَّاء، هَا هُمْ اَلْآنَ يَرْبضُونَ وَجَسَدُهَا يَرْتَفِعُ،

فَوْقَ كُلِّ رِيحٍ أَبَتْ أَنْ تؤود،

بِأَنَامِلِهَا اَلرَّقِيقَةِ، قَطَفَتْ سَحَابَةَ اَلْمَاءِ وَنَثَرَتْهَا فَوْقَ اَلْحُقُولِ،

حِكَايَةٌ لِطِفْلٍ سَيَأْتِي، حَامِلاً بِيَدٍ مِفْتَاحِ الجِدِّ،

وَبِالْيَدِ اَلْأُخْرَى، وِشَاح اَلْحَبِيبَةِ.

مِنْ حَقْلٍ مُجَاوِرٍ،

في أَقْصَى الرَّابِيَة المُطِلَّةِ على الحُدُودِ،

جَنَتْ لَهُ، قَبْلَ أَنْ تَرْحَلَ،

بَاقَةٌ مِنْ الخَبِيزَة وَأَزْهَارِ السَّحْلَبِ الجَلِيلِي.

هَا قَدْ أَتَيْنَا،

وَهَا نَحْنُ نَمْضِي مُطْمَئِنِّينَ،

ثَمَّةَ دائماً مِنْ يَحْرُسُ اَلْأَرْض.

03-10-2023

/////////////

لعبة الرحيل

تأمّلتُكِ …

تأمّلتُكِ عشرات المرات قبل الرحيل،

بينما كنّا نرسم أحلامنا

بأقلام طريّة،

على الورق وعلى الجدران.

لا تخافي،

نحن نلهو فحسب:

الخيام بيوت الملائكة،

والسيول تأتي لتلعب مع الأطفال.

شقيّة هذه السيول، آه!

تجرف كل شيء في طريقها،

وتأخذه إلى شاطئ مجهول.

تأتي الطائرات الورقية،

لكنها بأعجوبة تبصق ناراً!

تهدم البيوت القديمة

وتحرق الأشجار.

هيا اختبئي لأبحث عنك،

فلنلعب الغُمَّيْضَة! … الغُمَّيْضَة!

مِغْرَفة الحساء، كأس شاي الجَدّة،

قارورة ماء الورد وحقيبة مدرسية.

إنها أشياؤنا الخاصة

التي ستسافر معنا،

بعيداً عن أعين الحراس.

لا تقلقي،

ستسمعين أصواتاً بلغات مختلفة،

باليونانية والصربية والإيطالية والألمانية:

هوبلاااآ … هيّا إلى الأعلى … إلى الأعلى …

هوبلاااآ … حَلِّقي … حَلِّقي …

بالأرجوحة سنقطع معاً مسالك الحدود.

ستكبرين بين هذه اللغات،

بأحرف مختلفة،

ستكتبين أسماءنا،

ولن تعرفي بعد الآن بأي لغة ستحلمين.

يحملون الزورق المطاطي عند الفجر،

بتؤدة يلقونه في الماء.

هيا اصعدوا! … اصعدوا!

كالديك يصيح السمسار.

أشدّك إلى صدري ونَمْخُرُ عباب البحر.

هيّا اسبحوا … اسبحوا.

نسمع أصواتهم من بعيد.

تحتضننا الأمواج،

تطفو أيدينا لثوانٍ فوق سطح الماء،

ليس ثمة متّسع للصراخ،

بعنف تسدّ المياه أفواهنا.

ميلانو 2022

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.