بايْ عَرَبْ

إلى روح علي بن غذاهم
السبت 2022/10/01

في الكرّاكة

اللّيلُ يشمُّ الليلَ

ووجهي يغرق وسط صراخ الصبية والفتياتِ

أحاول أن أتذكره

كيْ أُخرجه

كي أمسحَ عنه العارَ

وأبعدَه عن أهلي.

***

لا شمس

ولا نافذة يدخل منها يوم آخر

لكنّ حنينًا أشهبَ لا يتركني

يكبُرُ حولي

وهواءٌ بين يديه الراجفتين

كذيليْنِ

أحاول أن ألمسهُ

وأراني أضحك فيه.

***

أتذكّر نفسي طفلاً يحلُم أن تأخذه فرسٌ

أسرعَ من بارود الخيّالة

أجمل من جارية البايِ الحلوةِ.

أحلم كنتُ

بأنّي أمسك خوف القرية من رجليه

وأربطه مقلوبا

في بابٍ تَعِبٍ

وتراني أمي

وابنة عمّي

وأبي الغارقُ في الأعشاب

يراني

وأنا أضحكْ.

***

أبكي الآن وأضحك

يخرج من عينيّ طريقٌ

لا يمكنني أن أمشي فيه

إبطيّ يلفّهما البردُ

ورجلاي بلا أرض

جسدي يحجبهُ ظلي الأوسع من أيامي

روحي وهي بشكل فقاعة ماء تائهة

في الزنزانة

تغرق من فوقي

معهم أغرق.

***

كان يذوبُ طريق

يخرج آخر

وظلام يملأ صدري بالأسوارِ وأشياءٍ صرْعى.

أغرقُ

لكني أتنفّس

أتمزق لكنّي أبصرُ

كانت رئتايَ حوافرَ من فرسي

فرسي ضوءٌ

والضوء بعيد.

***

قالوا إني الأعرابيّ

وقلبي رملٌ

رأسي حجَرٌ

ويدايْ

فيما كنت بكيت لأجل فتاة تبكي

غنيت لأجل فتاة تبكي

وأخذت على فرسي

صوت فتاة تبكي

فوق خطايْ.

***

تبكي كانت

فيما مدُنٌ

بالتجار وبالعمّال * وكل مشايخها

تُشعل تحت ذراعيها النار

النارُ كما قلبي

ودموع فتاة صوتي

والنصر قريبْ.

***

هاتوا صبانا

واحملوا تيجان إكليل من الأحراش

ولنأخذ قُرانا في البرانس

صوتنا البارود

جلدتنا التراب

وليس أعلى من مياهٍ سوف نخلقها معًا.

***

حملوا لنا آبارنا بعظامنا

اقتلعوا لنا أكتافنا

ليشيّدوا منها قصورا حولها شجرٌ وأقمارٌ ملوّنةٌ

سنمشي فوقها

ومعا ستحضننا بلا أيْدٍ معا.

***

تحت الحوافرِ نارُنا

فوق الحوافر نارُنا

الأجسادُ من حطبٍ وأصواتٍ

فإما أن نعيد الشمس للأحراش

أو نرمي عمائمنا معا.

***

البرد يأكل نارنا

والريح كلب

من كلاب الباي

يأخذنا الحنين إلى قرانا

حيث لا غيم

ولكن فوق أرجلنا المطرْ.

***

وهناكَ لا أبواب نغلقها

ولا غنم لنرعاها

ولا زرع

ولكن تحت أرجلنا مطرْ.

***

قلتم أنا “بايٌ”..

أنا منكم

أنا رجل يحب الله والفجر الذي فيه التقى

ضوءٌ وأنفاسٌ معلّقةٌ

ومئذنة تلفّ الكونَ ثم تعود منه

أنا قيلٌ بعدكمْ يا إخوتي

لا تتركوني ها هنا

فأمامنا غدنا وماضينا.

***

لا تتركوني سوف ينتصر الصدى

أصواتُ من رحلوا

ومن جاؤوا

ومن ماتوا لأجل حكايةٍ مقتولةٍ

من أطلقوا الأيدي أمام الحقل كي يضحكْ.

****

الثورة نار المحتاجين إلى دفء

ظلّ المرتحلين بلا أجساد

فوق تلال لا تعرفها غير الريح

وقيّاد البايْ.

***

الثورةُ حزن امرأة

هي كل أرامل هذا الكون

الثورةُ وديانٌ تجري

بستانٌ

يتعب في خضرته الضوءُ

زهورٌ يضحكها النحلُ

وسرب طيورٍ

ينزل نحو الماء.

***

الماء قديما

كان عيُونَ رجالٍ

ثاروا ضد ضباعِ البايْ.

***

مشيتم بعيدا

وكل إلى أهله عاد

صرتم

قبائل هابيل ضد قبائل قابيل

وحدي

هُزمتُ

أبي ماتَ ما بين أعشابه

والبلاد تذوبُ.

***

ها هي أولى خطواتي

تفلت مني

وحدي

أبدأ مشيَ طريق لا أبصره أو أعرفه

لا يمكنني أن أحصي كم من بشر

مروا مني

وكم انكسرت روحي

فوقي

أو من بين يدي.

أريد يديّ وأن أمشي أكثر

قد يتذكرني أحدٌ غيري.

شاعر من تونس

إشارات:

*الباي حاكم تونس أيام الدولة الحسينية التي تتبع الحكم العثماني. بايْ العرب صفة أطلقها الثوار على قائدهم علي بن غذاهم.

**العمال المقصود بها عمّال الباي الذين كلفهم بقمع ثورة 1864.

 

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.