حائط زجاجي

الكرسي المكسور

خُلق الكون ناقصا

لأنه معجزة

لاتوجد معجزة كاملة

كل

معجزة

ناقصة

كل معجزة تأخذ شكل الإنسان

كل معجزة لها ذنب تتوارثه الأجيال

أخفينا هذا النقص كي يبدو الكون جميلا

كنا نجلس على كرسي مكسور فى صالون الكون

حتى لا يلحظ الضيوف هذا العيب

دخلنا مع صاحب البيت فى شراكة مستدامة

نشترك فى ذنب كون واحد، بيت واحد،

بيتنا الذي لم نغادره إلا ونحن محمولون على الأعناق.

////////////////

حفرة يتجمع فيها المطر

هذا النقر الخفيف من إبهامك على ظهري

هذه الحُفر الصغيرة التي تتجمع فيها المياه

هذه الخطوط التي تمتد بين نقاط المطر

هذه الخريطة التي تحول جسدي كله إلى مجرة سماوية

تتلألأ فيها النجوم

ويتعمق فيها الظلام ما بين النجوم

هذه الخطوط  العشوائية التي ترسمينها بهذا الإبهام المخدَّر

تبعثر جسمي فى كل اتجاه

كخطوط طرق تفضي إلى مداخل مدن مضاءة

فى تلك اللحظة

كل جزء من جسمي يقف منبهرا أمام باب مدينة

كان له فيها حياة

أسترد عبر إبهامك

خريطة كوني المبعثرة.

///////////

الحجر الأسود للعائلة

تلك الأخوة النائمة

كمومياء تنتظر البعث

كصفحة مطوية من أحد أطرافها

لنعود إليها عند كل ارتطام بالوحدة

كحديقة لاتزهر إلا فى مواسم الموت

كجليد البحيرات العذبة

تحتفظ بأسماك ومشاعر حية تحت هذه الطبقة الخادعة من الثلج

كبرعمٍ طرفيّ تصل إليه الحياة عبر شبكة من الأنفاق المغمورة بالمياه

عبر مدينة غير مضاءة  من الأحاسيس

كشفرة رموز لن تفك إلا إذا رجعنا نطفتين فى رحم الأم

أقف أمام سريركَ وأنت غائب عنه

تؤنسني تلك الأنفاق والمدن المظلمة والمشاعر غير المفسرة

وأبي وأمي ورغبتهما فى إلقاء بذور فى حقول المستقبل

وقبل أن يختارا المكان الذى سيضعان به الحجر الأسود للعائلة

كل هذا كان يقف معى أمام سرير موتك

شفرة حياتنا العائلية التي لن يفك رموزها أحد

حجرنا الأسود الغالي

أحافظ على راية العائلة مرفوعة

حتى ولو لم يعد أحد منها حيا

بينما كان  جسدك ينطفيء فوق السرير

كانت هناك مدينة أخرى مضاءة، نتعانق فيها كأصدقاء.

/////////////

مِقْعد مسافر

لم يغادر قط القطار

لم يفكر ولو لحظة فى تغيير مكان السفر

يلهثُ فى مقعده

كأنه يجري داخل هذا الكرسي المُفرَّغ من الزمن

لهاث صاف لوجود يسابق فناءه

روح تأخذ شكل مقعد مسافر

هذه الكبسولة المضيئة السابحة فى فضاء المسافات

كان خلاصه فى السفر، فى الحميمية المؤقتة، فى الوداعات السريعة،

فى التلويح من بعيد، كأنه يعانق حضنا فارغا.

سفر دون ترانزيت، أو نسيان مؤقت

زمن واحد كأنه بيعة، أو عهد،لا ينقص منه شيء

كأنه نسيان هزم مباهج الحياة مبكرا

كأنه كتاب يجب أن يقرأه دفعة واحدة دون توقف

يلضم ساعات الليل بالنهار

حتى لا تنازعه رغبة المغادرة

كان يقاوم رغبة المغادرة،

والعدم المنتظر فى محطات الوصول

كان يمد خط النهاية بمحطات جديدة من الذاكرة كي لا يصل

جعل محطة الوصول واحدة كمحطة الميلاد

الوصول الذى ليس بعده وصول

والسفر الذى ليس بعده سفر

الحقائب الفارغة التي كانت تملأ جيوب الذاكرة

الوجود الذى كان يملأ فجوات حوائط الدموع

كل من عبروا به رآهم مسافرين

وودَّعهم عبر نافذته،

بدموع شفافة كالزجاج.

كل من عبروا به كانوا يركبون قطارات فى الاتجاه المعاكس

ويجلسون وراء نوافذ حزينة،

وراء حوائط تنشعُ بالدموع.

لم نُدقِّق فى صورته

لم يُدقِّق فى صورنا

تبادلنا الهويات على عجل

تَفَارقْنا ونحن غير متأكدين بأننا نحن أصحاب الحزن الحقيقي

خلف نافذة القطار،

كل شىء يعلِّم بسرعته على ظله،

الأشجار والبيوت والسحاب.

تعيش داخله مدينة مسافرة يسكنها فرد واحد،

المدينة التى لن نسكنها معا،

مدينة الداخل، التي لم تعد مدينة،

والمسافر الذى لم يعد مسافرا.

كان يرى الأشياء بعد أن يعبر بها

والأشياء تراه بعد أن تعبر به.

هذا الفارق فى الزمن، فى الرؤية ، وفى التوقُّع؛

صار كهواء مُفرَّغ، فى حجرة، يقتلُ الصراخَ فى منْبته .

/////////////////

يأتي الموت في زمن الشتاء

جميعنا نمتلك أحلاما غير مكتملة

ربما ما يجمعنا هو هذا الجزء الناقص والمبتور من الأحلام

الذي نطرحه غصبا عنا من رصيدنا

كأنه ادخار لأيام الشتاء

لايأتي الشتاء، بل يأتي الموت في زمن الشتاء

هذه الآحلام المفصَّلة فقط على الحياة

على انتظار دبيب الموت خلف الباب

ردَّ لي بعضا من مدخراتي يا الله

لقد دفعت ثمنها غاليا خوفا من الموت

دفعت ثمنها من عمري ذاته، الذي كان يسيل تحت لهب شمعة الأمل

يا الله لا أريد أن يكون خلودك مبنيا على هذا الجزء المقصوف من حلمي ومن عمري ومن أظافر وعيي.

//////////////////

الحياة التي..

الحياة التي أحملها معي

الحياة التي اتخذت هيئة جسمي

الحياة التي أصعد بها على الرصيف خوفا من العربات المسرعة

الحياة التي أغطيها بواق شفاف

الحياة التي يدق المطر على سقفها بقوة

الحياة التي أصبح بيني وبينها حائط زجاجي

أنظر اليها اليوم كوديعة، بعد أن كانت، بالأمس القريب، عضوا من أعضائي

كنت أدور بها فى حقيبة ظهري، وأضعها بجانبي على كرسي المقهى، وربما أنساها

كانت شفافة بالقدر الذي يسمح لي بنسيانها.