شيء بلا طائل

طفولتي الأرجنتينية وكرة القدم (دفتر يوميات)
الأحد 2023/01/01
لوحة: سموقان أسعد

طفولتي الأرجنتينية جعلتني عاشقًا لكرة القدم. مارستها بوتيرة شبه يومية حتى أواخر المراهقة، وعندما أدركت الوعي رأيت أنها، على المستوى الرسمي، مجرّد صفقات مافياوية، وبدأت أبتعد عن ذلك العالم يوم بيّضت وجوه العسكر القتلة في “مونديال” الأرجنتين في السبعينات. بيّضت وجه من قتل ثلاثين ألفًا من مناضلي البلد. واليوم تبيّض وجه نظام يموّل كلّ ما هو مجرم في عالمنا بما في ذلك من اغتال الثورة في سوريا.

أنا مقاطع تام للكرة الرسمية ولا تهمّني سوى تلك التي تُلعب في الحارات.

***

سألني “مع مَن أنت؟” قاصدًا مهزلة قطر النهائية فضحكت وأجبته “أحمل جنسية البلدين لكنني مع كرة أطفال حارات العالم ولن أدعم سواهم”.

***

بالأمس أسعدني خبر:

جرى في مالقة سباق ماراتون نصفي (نصف المسافة) وفازت على الرجال والنساء خلاسية جميلة.

سبق أن أعربت عن حبّي للخلاسيات.

***

تبدأ “الفاشية” بتفصيل صغير، كأن تعتبر نفسك أفضل.

***

في عرف التشكيل الأبيض والأسود ليسا لونين، فالأول يجمع كلّ الألوان والثاني ينبذها جميعًا.

***

على أيّ حال لا بأس من نبش القديم.

***

أنا أبيض وأسود حتى في صوري “الملوّنة”.

***

الأرجنتين كانت دومًا في حضيض ما. والكرة لن تشفع لها.

حتى غيفارا هرب منها ليمارس الثورة!

***

طريف هذا الفيس!

أرسل لي ميت (!) طلب صداقة! (ربما لأنني في عالم آخر).

***

كنا نتشابه في موقع الولادة وأرجنتينية الوالدتين والوالدان من يبرود. درس في الثانوية الصناعية في يبرود، ولأنه كان يراني أرسم اللوحات صار يقلّدني وتابع بقية حياته.

لم تجمعني به صداقة حقيقية بسبب تباين الاهتمامات (الثقافية بخاصة).

رحل منذ سبع. ماريو موصلّي.

***

عاملة الصندوق في مخزن أغذية كبير سألتني: “هل اشتريت ورقة اليانصيب؟”، قلت: “لا، أمران لا أومن بهما: الآلهة والحظ”. ثم أضفت بعد أن فغرت فاهها: “أومن بالعقل وبالعمل”.

لعلّها فكّرت “زبون غريب!”

***

بالأمس، وقبل أن أعانق باسم قال لي مهدّدًا “أنا لا أتابع كأس العالم!”. أضحكني، أجبته “ومن قال لك أنني متابع لقذارات المافيا؟”.

***

لعلّ إسبانيا أكبر منتجي الزيتون في العالم، وعندما ارتأينا احتضان حماتي في بيتنا كان لا بدّ من تدفئته فاخترنا حرّاقًا محافظًا للبيئة يعتمد بذور الزيتون وقودًا.

وهذه السنة عمد أثرياء الحرب إلى مضاعفة أسعار البذور وكل المواد الأساسية، وكأننا نستوردها من أوكرانيا!

المهم، اليوم يأتينا باسم والحفيدة ميّ برفقة نيكول التي قضت أيامًا معهما في إشبيلية وأمرتني “أشعل الحرّاق!”.

لأنني، عندما أكون وحدي، أتصرّف وكأنني في خيمة لاجئ.. وأتحامل.

***

النهاية أمر بسيط. الفظاعة في أن تنتظرها دون أن تفعل شيئًا.

***

أحبّ الاستماع إلى العلماء في شؤون الكون، وسمعتهم يؤكّدون منذ أيام أن خلق فراغات هائلة في جوف الأرض بإفراغها من النفط والغاز يزيد آثار الزلازل وحركات القشرة الأرضية خرابًا.

حزنت لسكّان ذلك البحر الأزرق. يوم حلمت ببحرٍ أزرق جميل ما بين جنوب الشام وجزيرة اليمن – عُمان .

***

لوحة: سموقان أسعد
لوحة: سموقان أسعد

متابعو الكرة في دولنا المتخلّفة يحتفلون بأهدافهم وكأنها ستحلّ مصائب بلدانهم!

من ألوان الجهالة.

***

لانتزاع البسمة:

قلائل من يحبّون قفاي ومعظمهم يعملون بالطبّ. المهمّ، اليوم كان موعدهم لتأمّل قفاي وغرس أنابيب شتّى به ليستطلعوا حال المصران الغليظ ( الكولون أو القولون بلهجة أخرى). في التحضير قالت الممرّضة التي حقنتني “المخدّر”: ستنام ولن تشعر بشيء. الفريق من الإناث اللطيفات (بعضهنّ جذّاب).. لكن من سيعمل بقفاي ملتحٍ!

رأيت مؤخرتي على الشاشة والمدخل وتلك الأنفاق العجائبية كما يراها المتابعون، ولأن دومًا بين الممرّضات من تعنى بالأسماء الغريبة بحثت عنّي في الإنترنت وقالت “هذا نحات مشهور”، فسألتني زميلتها “من أين؟ ” أجبتها “سوريا”، فالتفت الطبيب وقال “سوري؟ أنا من المغرب!” (اسمه عبدالمنعم، من تطوان).

المهمّ انتهت “العملية” وجلبوا كرسيا مدولبا لأن من المفترض أنني نائم بسبب التخدير، لكنني قمت ومشيت حيث دلّوني وأقنعت الممرضتين المرافقتين بقولي: “تخديركم يماثل كأسين من البيرة، وأنا بهما أستدعي اليقظة!”.

المهمّ: النتائج سليمة تمامًا. لكن المزعج حقًا هو صيام اليوم السابق.

تحيات من قفاي ومن أمامي!

***

سـألني: “ألا تتابع الكرة؟”. أجبته: “طبعًا، كُرَتَين!… اللّتان في خصيتيّ!”

(لمتابعي “مونديال” المافيا).

***

أن يضعوا أمامك حجرًا لا يعني أنك لا تستطيع أن تجعله يحكي.

يكفي أن يكون وأن تعمل.

***

تكرّم صهري الإسباني (المستعرب خوسيه ميغيل بويرتا) بدعوتي ونيكول لحضور عرض خاص لفيلم هو مزيج من الوثائقي والتمثيلي أخرجته إسبانية وعنوانه “بناة الحمراء” واستعانت به كأكبر أخصائي في موضوع قصور الحمراء.. بين آخرين.

ركّزت المخرجة على شخصية ذي الوزارتين لسان الدين بن الخطيب.

شعرت بالسأم وكدت أنام مرتين! لأنني أعرف عن تأريخ القصور أكثر وأدقّ مما طرحته المخرجة.

نسيَت مثلاً أنه كان “بعثيًا” (شاطر بالفساد) وأنه تآمر ليقوم السلطان بطرد ابن خلدون الذي أقام سنة في غرناطة وخشي ابن الخطيب من الطمس.

ولأن نيكول أطيب منّي وتعرف رأيي قالت “قد يعطي بعض المعلومات للإسبان”.

لا نعرف مِن الممثل “العربي” الذي يقوم بدور ابن الخطيب، لكنه من النوع الذي يُعجب النساء.

خرجت بمربح واحد: أحدهم قال لي “أنت تشبهه!”. فخفت ملاحقة النساء.. وهربت!

***

أخيرًا وصلني فيديو حوّله لي الصديق اليبرودي معن هزّي حول “مسابقة القراءة”! أجبته بما يلي:

أضحكتني! أولاً، لا ذنب للطفلة في سخف طرح المسابقة (المعرفة ليست مسابقة) ولا في سخف الأسئلة الأخيرة. ثانياً اختيار الأم (المحجّبة) أن تردّد الطفلة ما تسمعه في الوسط الذي تعيش فيه وتخطب حول “السيرة النبوية”! وهي مصنع للكذب، ليس ذنب الطفلة. ثالثًا: بدت لي مسابقة للخطابة! ما علّقته في صفحتي جواب لاستهجان أن يقرأ الطفل.

***

غرب الأطلسي صراع بين مومياء العادة السياسية (على وزن السرّية) وأحمق فاشي اعتاد الفساد.

يا لفقر الولايات المتحدة الأميركية!

***

دون مبالغة، أحيانًا، عندما أسمع اسمي.. أتلفّت حولي لأرى مَن المقصود!

***

وجدت منذ أيام في صندوق قابع في زاوية لم ألتفت إليها منذ سنوات رسمًا خزفيًا أنجزته منذ عشر سنوات. أهملته لأنه يتكوّن من بلاطات تسع ويبلغ مجموعاً 120 سم ب 70 سم. المهم جمعته اليوم وعندما أردت نقله لم أستطع، والمرا ليست في وضع يسمح لها مساعدتي. سأنتظر أن يأتي “جودو” ما إلى بيتي.

أما أين سأعلّقه فلا أدري.

لم أنتظر. اتصلت يوم أمس بمساعدتي “مار” (بيتها يبعد 15 مترًا عن بيتي) لتساعدني برفع لوحة الخزف. جلبت والدها احتياطًا، لكننا لم نحتجه. استغربا أن أجمع اللوحة بعد عشر سنين من صنعها، ولاحظ والدها أن بعض البلاطات مكسورة فأوضحت له “بعض أنواع السيراميك لا تحتمل المرور بالفرن ثانية، ثم أن المتاحف مليئة بالآثار المرمّمة. تبقى النيّة”.

***

استلم الاشتراكيون الحكم في إسبانيا منذ أربعين سنة ومجموع مدة حكمهم للبلاد تزيد عن فترات حكم اليمين وريث الطاغية فرانكو. لكن علينا دوما أن ننتظر من الاشتراكيين تطورًا أصفه بتعبيرنا “شويّ شويّ”.

فجر اليوم أزالوا رفات المجرم كيبو دي ليانو من أكثر كنائس إشبيلية شهرة: “لا ماكارينا” (زرتها منذ شهرين وخرجت بقرف يكفيني لسنين). كان دي ليانو هذا اليد اليمنى لفرانكو في أندلسيا بعد انقلابهم على الجمهورية وكان مسؤولاً عن إعدام 45 ألف إنسان، بينهم فيديريكو غارثيا لوركا.

باختصار، نتيجة مطالبة ذوي الضحايا منذ عقود رضخ الاشتراكيون (بعد 40 سنة!) لإزالة المقابر الفخرية للمجرمين. بقي أن يمنعوا، أسوة بألمانيا، أي تنظيم فرانكوي ما زال مرخّصًا.

لكن.. “شويّ شويّ” كما كنت أقول.

***

نشر الزميل أسعد عرابي مقالاً جيدًا حول أهمية أن يكتب التشكيلي عن تجربته. يسترجع بالمقال بعض من فعل في ما يسمّى العالم العربي، وبالتأكيد الأمثلة السورية قليلة (غابت عنه كتاباتي )، لكنني فكّرت: “الغالبية لا تكتب، صحيح… ولا تقرأ!”

***

العالم المسيحي احتفل بالأمس بعيد جميع القدّيسين، واختصارًا يُسمّى هنا “يوم الموتى”.

***

زارنا إسبانيّ يبادلنا الودّ بعد ثلاثين سنة من غيابنا عن نواحي مدريد. تصافحنا وسألته: “هل صادفت كثيرًا من الموتى في الطريق؟” فأجابني: “الغالبية موتى أحياء”.

نتفاهم.

***

اعذروني، لكن التمنّي يتلاشى عندما يُنطق به.

في كل المناسبات..

يذكّرني بالترحّم على من لم ترحمه الحياة.

بلا طائل.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.