لَسْتُ فِي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ

اللوحة للفنانة سعاد مردم بك

لِقَاءٌ
هَذِهِ الأَرْضُ لَيْسَتْ سِوَى خُدْعَةٍ،
لَنْ أُخْبِرَكَ بِذَلِكَ الآنَ،
ذَاتَ مَسَاءٍ،
سَوْفَ تَكْتَشِفُ، بِنَفْسِكَ، ذَلِكَ
لَكِنَّ المَسَافَةَ بَيْنَنَا – وَقْتَئِذٍ
لَنْ تَسْمَحَ سِوَى بِالحَسْرَةِ
كُلُّ مَا أَرْجُوهُ،
أَنْ تَنْجَحَ فِي اسْتِصْلاَحِ حَسْرَتِكَ
لِتَنْبُتَ شِعْرًا وَكِتَابَةً مُبْتَكَرَةً
نَمْلَأُ بِهَا الوَقْتَ،
حِينَ نَلْتَقِي.

كَهَانَةٌ
الكَهَنَةُ يَحْتَفِظُونَ بِسِرِّ التَّحْنِيطِ،
لَيْسَ لِقَدَاسَةِ المَوْتِ دَخْلٌ
بِلاَ أَيِّ شَكٍّ،
وَلاَ لِخُصُوصِيَّةِ المُومْيَاوَاتِ،
إِنَّهُ سِرُّ الصَّنْعَةِ
وَمَصْدَرُ التَّبْجِيلِ.
هَلْ عَرِفْتَ الآنَ
لِمَاذَا أَهْدَرُوا دَمَكَ؟

وَحْدَكَ
إِذَنْ، فَأَنْتَ الآنَ وَحْدَكَ
عَارِيًا كَقَبْضَةٍ
لاَ شَيْءَ أَمَامَكَ
لاَ شَيْءَ… سِوَى فِكْرَةٍ
رَاوَدَتْكَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً
تَصَالَحْتُمَا الآنَ عَلَى أَنْ تَحْتَرِمَ كُهُولَتَكَ
لَكِنَّهَا مَا زَالَتْ تَسْبِقُكَ بِخُطْوَةٍ
لاَ بَأْسَ،
عَارِيًا أَنْتَ كَقَبْضَةٍ
لاَ شَيْءَ أَمَامَكَ
وَمَا خَلَّفْتَهُ
لاَ يَصْلُحُ لِلْمُقَايَضَةِ.

نَسْخٌ
فِي شِعْرٍي آيَتَاِن مَنْسُوَخَتانِ،
صُغْتُهُمَا قُبَيْلَ اكْتِمَالِ القَمَرِ
بِسِتِّينَ ثَانِيَةً وَنِصْفٍ،
وَنِمْتُ..
ثُمَّ انْتَبَهْتُ..
رُحْتُ أُفَتِّشُ عَنْ ظِلِّهِمَا فِي أَوْرَاقِي
يَا وَيْلَ شِعْرِي..
مَا هَذَا الدَّمُ المُنْسَابُ فِي حَدِيقَتِي؟
مَا كُنْتُ أَقْصِدُ بِالدَّمِ.. سِوَى رَحِيقِ وَرْدَةٍ..

خُورْفَكَانْ
النَّوَارِسُ التِي اسْتَقْبَلَتْنِي
وَطَارَتْ مِنْ فَوْقِ نَافُورَةِ المِيَاهْ
لَمْ تَكُنْ جُمْلَةً شِعْرِيَّةً؛
السَّمَاءُ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً تَمَامًا
وَالشَّوَارِعُ نَظِيفَةٌ،
لَمْ تَكُنْ الإسْكَنْدَرِيَّةَ
لَكِنَّهَا كَانَتْ تَشِي بِذَلِكَ
رُبَّمَا رَائِحَةُ اليُودِ
وَالأُفُقِ المَفْتُوحِ…
إِلاَّ أَنَّ جِبَالاً أَنِيسَةً
كَانَتْ تُخَايِلُ فِي المَسَافَةِ.
 لَمْ تَكُنْ مَدِينَتِي،
لَكِنَّهَا اسْتَقْبَلَتْنِي كَفَاتِحٍ،
أَوْ سَمَحَتْ بِهَذَا الخَيَالِ..
وَمَا الذِي يَحْتَاجُهُ المَرْءُ
سِوَى اسْتِقْبَالٍ يَلِيقُ:
شَارِعٌ فَسِيحٌ صَاعِدٌ إِلَى الدَّهْشَةِ
وَحَفْنَةٌ مِنَ النَّوَارِسِ
تُشْبِهُ الفَرْحَةَ
وَتَصْنَعُ الكَرْنَفَالَ؟
 لاَ يُرِيدُ المَرْءُ مُعْجِزَةً:
أَنْ تَنْطِقَ النَّوَارِسُ بِاسْمِهِ، مَثَلاً….
رَغْمَ أَنِّي سَمِعْتُهَا،
فِي خُورْفَكَانْ.

فِي مَدِيحِ المَوْتِ
أَيُّهَا المَوْتُ،
كُنْ رَشِيقًا
رُبَّمَا تَكُونُ رَقْصَتَنَا الوَحِيدَةَ
وَلَمْ تُمْهِلْنَا الحَيَاةُ فُرْصَةً أُخْرَى.

أَيُّهَا المَوْتُ،
كُنْ شَفِيفًا
رُبَّمَا رَأَيْنَا فِي ظِلِّكَ
كُلَّ مَا لَمْ تُرِنَا الحَيَاةُ،
مَرَّةً،
فَتَكُونُ أَنْتَ الحَيَاةَ،
لاَ عَلَيْكَ مِنْ اسْمِكَ
فَكَمْ مِنْ صَخْرَةٍ أَرَقَّ مِنَ قَلْبٍ.

أَيُّهَا المَوْتُ
كُنْ طَيِّبًا،
لاَ تَتَمَهَّلْ،
كُلُّ نَظْرَةٍ زَائِدَةٍ
صَدْعٌ فِي القَلْبِ،
كُلُّ لَمْسَةٍ، ثُقْبٌ لاَ يَزُولْ.

أَيُّهَا المَوْتُ
لاَ تَسْمَعْ لَهُمْ، قُمْ بِوَاجِبِكَ
لاَ تَكْتَرِثْ بِنَا،
نَحْنُ أَبْنَاؤُكَ المَنْذُورُونَ لَكَ
فَكُنْ أَبَانَا بِحَقٍّ،
حَقِّقْ أَحْلاَمَنَا وَعُدْ
ضُمَّنَا بِصِدْقٍ كَمَا يَنْبَغِي لِأَبٍ.

أَيُّهَا المَوْتُ
كُنْ رَشِيقًا
فَقَدْ حَرَمَتْنَا الحَيَاةُ مِنْ رَقْصَةٍ تَلِيقُ،
فَلاَ تَبْخَلْ بِهَا.
…..
يَا صَدِيقِي، أَعْرِفُ أَنَّكَ حَزِينٌ
وَرُبَّمَا اخْتِمَارُ الحُزْنِ فِي قَلْبِكَ
أَوْرَثَكَ الغَضَبْ
لَكِنْ، لاَ تَنْتَظِرْ مِنْهُمْ أَنْ يُحِبُّوكَ.
…..
تَعْرٍفُ أَنَّنَا بِلاَ عُقُولٍ،
مُجَرَّدَ آلاَتٍ تَجْتَرُّ الصُّوَرَ وَالأَفْكَارَ
أَضَاعَنَا أَجْدَادُنَا، وَنَحْنُ أَضَعْنَاهُمْ
وَبِتْنَا بِلاَ أَبٍ وَلاَ جَدٍّ
نُمْعِنُ فِي صُنْعِ نَسْلٍ
نَبْصُقُ أَفْكَارَنَا فِي نَسْغِهِ
نَسْقِيهَا، نُظَلِّلُهَا، نُنَسِّقُهَا، نَضْبِطُ نُمُوَّهَا، وَنَعْبُدُهَا
ثُمَّ نَقْتُلُ مِنْ أَجْلِهَا،
نَقْتُلُ وَنَقْتُلُ وَنَقْتُلُ
وَنَقْتُلُ وَنَقْتُلُ وَنَقْتُلُ وَنَقْتُلُ وَنَقْتُلُ وَنَقْتُلُ وَنَقْتُلُ
وَنَشْعُرُ أَنَّنَا أَنْجَزْنَا المُهِمَّةَ،
ثُمَّ نَلْعَنُكَ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ:
يَا حَاصِدَ الأَرْوَاحِ، يَا جَالِبَ الأَحْزَانِ،
يَا مُفَرِّقَ الجَمَاعَاتِ يَا صَانِعَ الجُثَثِ، يَا مُشَتِّتَ الأَحْبَابِ، يَا مُقَطِّعَ نِيَاطِ القُلُوبِ، يَا وَحْشُ، يَا مُجْرِمُ، يَا سَافِكَ الدِّمَاءِ، يَا مُيَتِّمَ الأَطْفَالِ، يَا صَانِعَ الثَّكَالَى وَالأَيَامَى وَاليَتَامَى،
يَا قَاتِلُ.
…..
مَنْ قَالَ إِنَّ المَوْتَ وَحْشٌ لَهُ نَابَانِ يَمْتَصَّانِ رَحِيقَ الحَيَاةِ مِنْ أَجْسَادِنَا،
وَجَنَاحَانِ أَسْوَدَانِ مِنْ رَمَاٍد يَلْتَقِطَانِ النَّسْغَ مِنْ رَحِمِ الحَيَاةْ؟
مَنْ قَالَ إِنَّ المَوْتَ وَحْشٌ؟
مَنْ قَالَ إِنَّ المَوْتَ جَامِعُ جُثَثٍ، يَهْوَى التَّجَوُّلَ فِي المَقَاِبرْ؟
مَنْ -فِي الأَصْلِ- قَالَ إِنَّ المَوْتَ قَاتِلْ؟

المَوْتُ لاَ يَقْتُلُنَا،
المَوْتُ الرَّحِيمُ
يَسْتَقْبِلُ أَرْوَاحَنَا بَعْدَ أَنْ ضَاقَتْ بِهَا الحَيَاةْ.

يَا صَدِيقِي،
كُلُّنَا نَحْمِلُ ذَنْبَكْ،
وَأَنْتَ الوَحِيدُ الذِي لاَ تُعَاقِبُنَا بِذَنْبٍ،
أَيُّهَا المَوْتُ العَظِيمُ
يَا جَامِعَ الأَرْوَاحِ مِنْ فَسَادِ الأَمْكِنَةِ،
كَمَا يَجْمَعِ الأَزْهَارَ طِفْلٌ عَاشِقٌ.

شاعر من مصر مقيم في الإمارات

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.