أحزان صغيرة

لا أحد يعنِيه عيدُ مولدك
ولا أظنُّ أن أحدهم سيَنحني
ليلتقط تُفَّاحة عمرك المقضومة والمرميَّة على الأرض
تأكلك الحياة بقسوة ويعاملك الوقت بحِياد
ليعود إلى عادته السيئة
ويمضي سريعاً
نادل المقهى لن يضيف قطعة سكر إلى قهوتك
رغم أن تبَرُّم شفتيك يعني أنَّ اليوم أكثر مرارة من الذي قبله
القهوة ستكون دون ملامح كباقي الوجوه التي تجلس على الكراسِي حولك
وحياتك التي منحتها كل قِواك وعزيمتك
ستعدو أمامك على انعكاس النوافذ كفريسة سهلة
لم تكن شيئاً تلك الحياة
ولم تكن أنت فيها
سوى مسيح مصلُوب على كُرسيٍّ في مقهى
لا بأس بالموت إذن
لا بأس به إذا جاء لطيفا كقبلة مسروقة بين عاشقين في بداية الحب
أو ناعما كالعذوبة في كلام امراة تقرأ الشِّعر
خفية عن والديها
أقول كلمة الموت بصوتٍ خافت وبرِقَّة
كمن يسُدُّ ثغرة في قلب مكسور
لا بأس به إذن
إذا جاء جافاًّ، قاسيّاً، حادّاً كما هو
فقد خطَّط لهذه اللحظة منذ سنوات
سيجعل ساقيك تتوقَّفان عن الرَّكض
شفتاك ستنفرجان قليلا
كمحاولة يائسة لالتقاط نفسٍ أخير
رأسك كأنه خُرافة قديمة على صحن معبد
أما اسمك الذي لم يدع لِّله أحد
سيبقى منسِيّا في الجيوب مثل بطاقات الترام،
حين يأتي
سيأتي كسولاً يسبقه الضَّوء ويتبعه الضَّوء
بينما كشبح مُخيف يتلحَّف الظلال
يبدأ معك حوارا لن تفهم منه شيئا
حينها، أرهِ الدموع المُسنَّنة في عينيك
أره وحشتك وخَوفك وأخبره عن البيوت التي سكنتها دون جدران،
أره خُطواتك التي داستها الطّرقات
وأخبره عن الغابة التي أصبحت بحراً
حين احتضرت الأشجَار
عن البحر الذي أصبح مدينة
حين صنعت فأسك الأولى
وعن المدينة التي أعلنت منع التجوال
حين تعلَّمت السباحة
كنت تبكي وأنت تحلُم
وكنت تحلُم وأنت تبكي
وكانوا يُجرجرون ظلالك على زجاج مطحُون
كانوا مثل المرايا يأكلون وجهك
ومثل الغروب يسرقون شموسك
ومن شِدَّة الخفوت
لم يدعونك تظهر أبدا
أخبره
أنَّك لم تكن سوى أحزان صغيرة تتكلَّم
وحين كبُرت اكتفيت بالصَّمت
إشارة على العصيان
أنت أيضا كنت تُخطِّط لهذه اللحظة منذ سنوات
لا بأس به إذن إذا جاء
ولا بأس إذا مضى
وإذا بهدوء انصرف كعادته
تاركاً لك وحشة الطريق
والأيام التي حاولوا ملء فراغِها بك
لا بأس أن تنهزم أمامه لمرة أخيرة
فأنت تدرك جيدا
أنَّ الموت لا ينهزم أبدا لأجل أحزانٍ صغيرة.
شاعرة من المغرب