المنيّ الأسود

محمد ظاظا

-1-

كان من الصعب الاحتفاظ بالأيدي التي أغمضت أصابعها في يدي. الأيدي التي تصادق على أوراق الإعدام، وتتهادى بطاقات الأعراس، وتوقِّع شيكات البنوك. الأيدي التي تحفر قبوراً، وتقصُّ وتخيط بطون المرضى. الأيدي التي تواظب على كتابة التقارير وقيادة السيارات وذبح الدجاج والبشر والماعز. الأيدي التي يُداسُ عليها بالأقدام والحوافر. الأيدي التي صارت لها سحنة الأقدام والحوافر. الأيدي التي نرفض الآن أن نكون بين ظهرانيها، تصعد الآن على كراسي المشانق، أو (تلحمس) على شاشات هواتفها الذكية كي تأخذنا إلى تلك السجون اليومية، لكننا، أعني أنا وأنتِ سنبقى هناك، في قعر يدينا الخالدتين، بعضاً من تعرّقٍ خفيف في مصافحةٍ عابرة، أو لما يمكن اعتباره قُبلات عبر بلّور سيارة أجرة، كنتِ دائماً ترسلينها لي عند مغادرتكِ لأرصفة الشام، عندها كانت الأيدي تواصل أعمالها الليلية، وترفع القبضات عالياً، كانت تلويحاتها تحرّك الرياح حول كواكب بعيدة، وكان الحب وسادة يلوّنها كُحلكِ العربي!

-2-

المطرُ ذاتُه الذي تساقط علينا في شباط من عام 2002، يتساقط الآن وقد انتهت صلاحيته، المطرُ الذي يقلّد مطراً قديماً في لقطة الإعادة، يقف الآن أمام كاميرا الذكريات وقد نسي حواره، نسي حركته أيضاً. المطر “الكومبارس” صار يحلم بدور البطولة، في فيلم عن حياته المتساقطة، يحلمُ بدورٍ متكلم على شاشة السماء الصامتة. المطر الذي صمّمَهُ فنيو الغرافيك كي يشبه مطر تشرين الثاني من عام 2002، يتساقط الآن وقد صار شخصيةً ثانوية في عرضٍ من تأليفه وإخراجه وتمثيله. صار عادياً بعد أن انتحر كخدعةٍ سينمائية مكشوفة. المطر “الدوبلير” يقف الآن خارج الكادر، ويمرُّ ملوّحاً لعدسة قناص المقابر.

-3-

مؤخراً صرتٌ أُسمّي النوم طاولة، والموت كرسياً، والحب “نوفوتيه” للألبسة المحيرة! إذ ماذا تفعل الأُبهة هنا؟ ماذا يفعل الموتُ العربيد؟ النوم حليفنا المغدور يكابد هذا الجذام، والأصحاب يخرجون من صورهم المعلّقة على الجدران، ليتنزهوا في حدائق الماضي. الحبيبات أيضاً يستدرجن القتَلة إلى مخادعهن. هناك في كواليس المسرح المهجور الرسّامون يستحمون بألوانهم، والأطفال ينامون في كيس صفَنِ الدّبابة. مَثانةُ الجندي تغصُّ بالبارود، وقبطان الرسوم المتحركة يغفو فوق أفخاذ الراقصات. لا مكر يعرف ما يمكرون، ولا كراهية تعرف ما يدبّرون. كل هذا الحب الزؤام؟ إذاً ما الذي نخشاه الآن؟ ولما نقفز هكذا من النوافذ إلى ظهور خيولنا السينمائية، كلما سمعنا كلمة “أكشن”؟ ثمة من لم يجد خيلاً تحت النوافذ ولا بوليس الآداب. ثمة من قطفَتهُ الصدفةُ، وأردَتهُ سهام العيون، فنام فخذاً لفخذ وساقاً لساق، وأصبح يعيش ثماني الأطراف. استحال عناقاً في إثر عناق. ثمة من جعل الخيول تدلفُ إلى مرابضها، ففتكت الظلال بالظلال، وتناهبت نساءٌ سورةَ الرجال.

-4-

هذي السماء المعلّقة منذ عام 2011 كانت بالضبط هكذا، هاجرتها تماماً هكذا. لا تلوي على شيء. تركتُها على “حطّةِ يديكِ”! سماءٌ دمشقية مفرطةٌ في وحلها الأزرق، ناعمةً كوَبَرِ إوزة، وممشوقةٌ وموثوقةٌ إلى جبينها المرمري المعرّق. فيحاءُ ومجدولة كجُبنةٍ مُسمسَمة. مشكولةٌ في مزهرية كعنقِ وردةٍ في أصيصٍ من الأرز. هذه السماء – اللحظة، السماءُ المرقطة كقِطِّة حلاّقٍ شاميّ، تركتُها وعدتُ، فلم أجدها، لا في صباحات الديكة، ولا في نساءٍ عبرنها بكعوبٍ مكسورة. هذي السماء وقعت على ساكنيها! أيتها السماءُ النحيلةُ كهلال “مئذنة العروس” هل رأيتِ روحاً تتبخّرُ لا كأرواحِ البشر؟ هل سمعتِ مطرباً يغني في ساحات الإعدام؟ وهل قرأتِ خبراً عن شاعرٍ أكل أظافره المقصوصة كي يصبح قلبه مخالبَ للنساء؟

– نديمي يضع لي الفاليوم في أحواض أسماك الزينة، ونديمتي تنثر رملاً ملوناً فوق رأسي فتغشى العيون. الندّل يصبّون لنا ويبتسمون، أيديهم ترفع أطباق الحزن عن الطاولات، وظهورهم تنحني فوق موائد الوحشة. وجهي قشبٌ، ولساني مملّحٌ بكلام السهارى، وقيثارتي تقطّعت شرايينها من قوة عزفي عليها. الحاضرات يدخّن الماريجوانا، والحاضرون يجلخون سكاكينهم لتقشير أجسادهن الدائخة. حنجرتي غرقى بالشتائم، وعيناي تسبحان في بركة وجهي. من هنا أو من هناك تندلع خيانات ويتهامس غرباء. سجادة مرسوم عليها طاووس تدوسه أحذيتهم المدببة، وطائر النوم يسيلُ في كؤوس من ضباب. تنأى روحي عن رفوف الكتب، ويسقط صوتي في بئر عميقة.

– أواه أيها الأطفال المشاكسون هل ستتذكرونني وأنا أصعد نحو سريركم العالي، ولا أصل؟

-5-

نعيش على ضوء احتراقنا، نلمس ونقبّل أطفالنا في العتمة. نأكلُ ونشربُ ونصرخُ، نستحم ونتضاجع. نتضاجع ونستحم في العتمة. نرتجف في قلب الظلام البارد، نحتسي ملح أصابعنا، ونأكل العتمة بالشوكة والسكين. لا وجوه لنا ولا لأحبابنا، لا مرايا نسرّح عليها شعورَنا البيضاء. منذ سنوات ونحن نعيش كالعميان في حليب العتمة. الضوء هنا فكرة. مجرد فكرة. أطفالنا كبروا وسافروا ولم نرَ وجوههم. أعداؤنا الطيبون أيضاً كبروا ولم نرهم. سمعنا شتائمهم في الظلام دون أن نحدّق في عيونهم، فعيونهم وعيوننا كانت طوال الوقت تلمع في العتمة كعيون الضواري.

صوَرُنا في الماء تنقرها العصافير، صوَرُنا الضاحكة المتضاحكة، كدتُ لا أعرفنا ونحن نتهادى فوق عضلات النهر. نهر الصور الإلكترونية صارت تحرّكه أيدينا جميعاً. نهر النصوص ومقاطع الفيديو. نهر الشاشات المتدفق من ينابيع العدم. للمرة الأولى يخترع الإنسان نهراً نبعُه هو ذاته مصبُه.

-6-

كبرنا هنا كأعشابٍ ضارّة. لم نعرف يوماً ما يسمى بالوصول. حياتنا جُلّها قضيناها على قارعات الطرق وعلى مفارق الصحراء، أو النوم وقوفاً في ساحات الإعدام. كنا معصوبي الأعين، نجثو على رُكبنا النازفة تحت أمطارٍ حامضية، كانت البنادق توجَّهُ بإيعازات صارمة نحو رؤوسنا الساهمة، وكانت أيدينا موثوقة بقيود بلاستيكية، لكن من فرط حظِّنا أخطأنا الرصاص. الرصاص الرحيم ذاب حباً قبل أن يستقرَ في قلوبنا، ورغم إعادة التصويب مراتٍ ومرات، كانت البنادق يُغمى عليها كلما شاهدتنا قبالة فوهات سبطاناتها. كنا نسمع صوت أزيز الطلقات وهي تحفُّ بأصداغنا لكن دونما جدوى. كانت البنادق تذوي كورودٍ في أيادي القتَلة، وكان الرصاص يخرج من حجرات بيوت النار على هيئة أزهار توليب. كانت تلك الزهرات ترتطم برؤوسنا، ثم تعود لتغمدَ في مزهريات من خزف صدورنا. كان الطغاة ينبهرون من رشاقتنا ونحن نقبض على الرصاص بكفوفنا العارية. كنا نقفز كحرّاس المرمى لنصدَّ الطلقات عن جباه أحبتنا، ثم نرتمي على أرضية الملعب بحركة بهلوانية. كنا هكذا نمتلك لياقةً خرافية. كانت القنابل تطهو لنا قدور طعامنا، أما الصواريخ فكنا نستقلها للوصول في الوقت المحدد إلى حفلات دار الأوبرا وعروض السينما. كانت أطباقنا المفضّلة سلطة (السي فور) مع الجبنة وشرائح الديناميت مع البراصيا. كانت مرايانا الصباحية شفرات السواطير، وكنا ننامُ داخل جنازير الدبابات، ونطربُ لأصوات أحزمةٍ ناسفة تنفجر بنا كزجاجات الشمبانيا. كنا يومياً نغتسل برغوتها الحليبية، فتسيل على وجوهنا وأجسامنا كالمنيّ الأسود.

كانت تلك الشمبانيا نهاراً وليلاً تندلق في حلوقنا، وكان الحبُ يوزّعُ علينا أرغفةً ساخنة. يرميها في الهواء نحو أفواهنا، ومن فرط نضجها، أو يمكن  من فرط جوعنا كنا نشبع من الرائحة. كانت الحياة سهلة ومَمجوجة إلى هذا الحد، وكانت كلمة السر نطلبها فقط في نوبات الحراسة وعند حالات الطوارئ، وكان الحب مربياً صارماً يتمنع ويعطي حسب التفاف حبال المشانق حول رقابنا كربطات أعناق حريرية. مرةً تفقدنا كل هذا فصاح الحبُ فينا: “قف…كلمة السر؟” فقلنا: سوريا!

-7-

لا يخالج الصباح هنا سوى أصواتِ دجاجاتٍ يستصرخن على ميزان بائع الفروج. عواء سياراتِ إسعاف بعيدة، فالسلام يهطل من النوافذ والجدران، أُصيخُ السمعَ أكثر لألتقط لغط المكان، فتنفر أصواتُ أنفاس مياهٍ تتسلق المواسير، وأسمع فحيح أفاعٍ تتناوب على تغيير وضعيات الحب. الأصوات الأُخرى مجرد زقزقة لعصافير تتفشّى على الأشجار كأمراضٍ سارية، أما البجع المتجمد في بحيرات الوحل، فلم يتبق منه سوى سيمفونية الخراب.

قالت إوزة على منقل الفحم في مطعم على “أتوستراد المزة”: نعرف مذاق الصراخ. نوباته المفاجئة، ونعرف طريقة تعريفه بنفسه أمام الحفل الكريم. نعرف نحنحته أمام الباب، وجلوسه الطويل أمام الكتب. ونعرف في ما نعرف تلك اللحظات التي تسبق نهوضه من على سجادة الصلوات. نعرفه، نعرف لحمه المتورم من صعود السلالم العالية، ومكوثه الهادئ أمام ألبوم العائلة. نعرفه جيداً، الصراخ الذي كان قبيلة من الضواري المجهولة، الصراخ المرقط كفهد مروّض في سيرك. نعرفه حين قفز في ظلام المشهد، وتحت لسعات السياط، وبلقمة واحدة التهم سائسه.

-8-

هنا تموت الجهات، فلا شرق ولا شمال، والأيام لها اسم واحد، فإما سبت كلها أو أربعاء. منذ سنوات وهذه حالنا هنا. كنا نحلمُ بثلاثاء واحد نضمه إلى صدورنا يوم الخميس، أو أحدٍ دلوع نربيه في حظيرة الاثنين. كان الجنوب هنا قصائد، فلم نعد نقصده إلا شمالاً، وكان الغرب نوعاً من الكائنات الأليفة، لولا أنه كلما سِرنا إليه صار شرقاً أو شمالا. هكذا صرنا بلا أيام ولا وجهات، وصار الواحد منا فخاً لغيره. صارت وجوهنا صحوناً في مطاعم السادة، وأصبحت أيدينا ملاعق لاحتساء “شوربة” الدموع. من تفقّدنا وجدَنا، ومن انتبه لذهابنا أثناء انهماكه في الحديث عنا، عرِفَ أننا تبخّرنا كعُرسٍ شعبيّ سُجِّله المحتفلون على جهاز فيديو قديم. لم يعد هناك من يصلحه أو يبيعه، أو كشريط كاسيت كنا في غابر طفولتنا نوثّقُ بشريطه المغناطيسي الرفيع قدمي ديكٍ بلدي، كان ذلك ريثما نفي هذا النذر ونولَم للضيوف. شريط كاسيت نكرّهُ الآن منذ التسعينات على أنغام أغنية يقول مطلعها: “قيس جن وبهوى ليلى شقي”!.

-9-

سيعمُّ السلام قريباً فوق رؤوس الجميع، الخونة والقوادين، عشاق كرة القدم ورواد الفن التشكيلي، الجزارين ومنسقي الورود. اطمئنوا، فالسلام سيعم بطريقة كاسحة ماحقة، وهذه المرة سيعم بقوة مثلما تختلط أنابيب الصرف الصحي مع أنابيب المياه العذبة، وكما تتشابك أسلاك الهاتف بأسلاك الكهرباء. صدقوني السلام سيعم فجأةً كنوبات الصرع، أو مثل ذبحةٍ قلبية. سيعم مثل سكتة بيضاء مستديرة، أو كمرور سيارة الجنازة ظهراً في “شارع بغداد”. أصلاً طبيعي أن يعم السلام مثلما عمّت الجثث، ومثلما تفاقم الطلب على المهدِّئات وحبوب منع الحمل، فالسلام سيعم كالعادة كأسطوانات الغاز فوق أكتاف النساء اللواتي مات أزواجهن في الحرب، ومثل عربات “الجنارك” أول فواكه الشام، بل مثل الكلاب الضالة والبعوض الذي شبع من لحومنا المتروكة في العراء.

أما قلتُ لكم إن السلام قادم وبقوة وسيعم علينا بالتساوي؟ نحتاج فقط إلى من “يعقص” له مزلاج الباب الخلفي المفضي إلى ساحات الإعدام!

-10-

تمطر على المسرح الذي احترق للتو. تمطر على أوفيليا تضاجع شبح والد هاملت. ذهبتْ إلى دير، ثم غفتْ في النهر فوق أكاليل البنفسج. تمطرُ كمن يغتسلُ بالضوء والغبار في غابة الموسيقى. تمطر حديقةً إثر حديقة! كان المسرح وقتها نباتاً للكيف، نهرّبه مع زجاجات النبيذ الحلو في جيوب معاطفنا المتهرّئة، وكانت كارمن وحدها من يتصاعد البخار من كعبيها مع كل رقصة فلامنكو تخطوها نحو ثيراننا المتأهبة. ثوراً أزرقَ كان قلبي وهو ينهض ثم يرتمي في إثر خطواتها الميلودية.

-11-

حول رأسي تحوم بعوضات الضجر، وفوقه تحلِّق طائرة بلا طيار، تصوّرني ثم تبتعد، وتعود لتتابعني من الصالة إلى المطبخ فغرفة الجلوس. طائرة مسيّرة لا مخيّرة، طائرة بحجم إوزة ترفرف بعينيّ 4 k، ثم تصوّب نحوي سبطانة ليزرية وتصوّرني! تخبرني الطائرة: الحياة ليست أكثر من شخص خرج من بيته على عجل. خرج كي يشتري علبة تبغ ويعود على الفور، ثم إنه لم يعد! باغتته الصدفة، ولم تتعرف على مفاتيحِه حتى أقفالُ بيتِه. هكذا بسرعة هبطَ ثم، لم يصعد، أو صعد، ثم نسي أين وكيف يهتدي إلى بيته؟ كان يظنها مجرد دقائق خاطفة ويعود إلى إبريق الشاي على موقد الغاز، وإلى التلفزيون يبثُّ آهاته على فيلم بورنو، إلى صحون العشاء وزعها على طاولة طعامه الواطئة، لكنه لم يعد. ربما عاد طيفه وسأل عنه، أو ربما عاد صندله البسيط الذي عادةً ما يستخدمه للمشاوير القريبة. لسببٍ ما لم يعد، غالبَهُ نعاسٌ طويل، أو داهمَهُ خاطرٌ فظل خارجاً يبحث إلى الأبد عن علبة تبغه “الحمراء الطويلة”. كانت صورَه على الجدران تدخّن عنه، وكان صوتَه ينادي عليه، وملابسه المعلّقة في الخزانة كانت تتقمصُ مشيته، وتقلّدُ رتابة وقوفه أمام المرآة. المرآة التي أطالت النظر إلى ظلِّه وهو يحلِقُ عنه لحيتَهُ المُرسَلة. حتى سريره حافظ على شكل الشراشف التي ترك فوقها مقاسَ حرارة جسمه. نومه الذي كان يطفو في انتظاره:

مردداً: “مكالمات لم يردّ عليها”!.

قديماً كان قد حبّرَ صفحات جرائد وقصائد وكتبَ مسرحياتٍ وأفلام. العُمرُ طرفة يا صديقي الساهم أمام شاشة الحروف! كان له أصدقاء كثر، لكنهم جميعاً قفزوا من النوافذ حين عرفوا أنه يعني ما يقول. فرّوا منه أو شتموه، أو دُهِشوا من تناحته العجيبة، من عناده وهو يحلم بنهاراتٍ أقل ضجيجاً، وبأشجارٍ ترافقه كخادماتٍ لصيقاتٍ لظِلهِ الأخير. هو من كان يقدّمُ لهم الورود والأغاني بصوتِه المذبوح، ويفتُّ لهم الخبز في حليب طفولتهم الشريرة. لم يشعر كم “مفتاح صول” زرعوا في ظهره الموسيقي، ولما يقوموا عن سورة مائدته العامرة. ربما قتلوه في مخيلتهم، أو ربما تركوه وقالوا: دعوه يحلم أكثر، فيموت وهو يحلم بأنه مات في أحلامه!

-12-

أحتاج وقتاً لحياكة شالٍ من أجنحة الفراشات، وقبعةٍ من مناقير العصافير. أجل، أحتاج وقتاً ريثما أنقّح جريدة السماء من نجومٍ فائضة، وأنخّل نظرات الناس عن نظراتي. أحتاج وقتاً كي أتخلصَ من فضلاتِ الورود في مزهرياتِ الرأس، ومن طعم القُبلات في مساماتي. أحتاج وقتاً كافياً كي أعيد الأغنيات إلى أشرطة الكاسيت، والفساتين إلى أجسام النساء، وأحتاج وقتاً كي أتبخّر من سيجارتي كمارد مصباح. يالني من محتاجٍ حقيقي إلى تنظيف الضوء، وغسل الظلام بمبيّضات الأفراح، وكل يوم، وكل ساعة، وكل لحظة، أنا محتاجٌ إلى تدليك جسد الصراخ وجلخ حناجره المتورمة من السكوت عن كل هذا البهتان.

كاتب من سوريا

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.