أهلا‭ ‬بكم‭ ‬إلى عالم الرواية الممل

الجمعة 2016/04/01
لوحة: نذير نبعة

ثمة شيء لا يغري بمطالعة رواية عربية معاصرة، أو التوقف عن مطالعتها بعد عدد من الصفحات. من الصعب توصيف هذا الشيء ولكن يمكن القول إن الكثير من الروايات العربية المعاصرة تبدو وكأنها في وادٍ آخر. الطريف في هذه المفارقة هو أنك ما تقرأ رواية إلا لكي تذهب بك إلى وادٍ آخر، ولكنه وادٍ غير الوادي الذي تأخذك إليه روايتنا العربية المعاصرة.

يمكن أن تسحرك الرواية وتعيش في أجوائها. تغوص في أعماق الشخصيات وتتحول المشاهد الوصفية النصية إلى صور في مخيلتك. عندما تشاهد فيلما مقتبسا عن رواية سبق وأن طالعتها، قد تعاني من الصدمة عندما تجد أن كاتب السيناريو رسم صورة مغايرة لتلك التي في عقلك عن الرواية أو أن الشخص المسؤول عن الكاستينغ، أي اختيار الممثلين الذي يقاربون في أوصافهم وأصواتهم شخصيات الرواية، لم يوفق – على الأقل من وجهة نظرك. إلى هذه الدرجة يمكن أن ننغمس في العمل الروائي المبدع.

يذهب البعض في وصف الرواية وقدرتها على التأثير مقارنة ببقية الأجناس الأدبية إلى حد القول بأنها أرفع ما يمكن أن يقدمه الإبداع. والرواية هي المؤسس في الكثير من الأحيان للفنون البصرية المتحركة من سينما ودراما تلفزيونية ومسرح. وهي بالتأكيد ليست قصة طويلة.

أين العيب إذن في الأعمال الروائية العربية المعاصرة بما يجعلها منفّرة أو على الأقل غير جذّابة؟

لعل النقاد هم الأقدر على وصف الإشكالية الروائية العربية المعاصرة. ولكن للقارئ الحق أيضا في أن يقول ماذا يجعله يهرب من الأعمال التي يتمّ نشرها هذه الأيام. وأنا قارئ.

لنضع جانبا السقطات اللغوية والنّحوية والأسلوب في الكتابة. هذه قضايا تعاني منها الكتابة العربية عموما، من المقال الصحفي إلى خطب الزعماء ونصوص الشعراء. حجم الركاكة في الكتلة النصية العربية المتداولة في مختلف وسائل النشر والإعلام والأدب شيء استثنائي.

تبدو الرواية العربية المعاصرة أسيرة قضايا محددة. يبدو عالمها وكأن عقارب الساعة فيه توقفت عند زمن معين، زمن الوعظ والإلقاء أكثر منه زمن الوصف والغور في الشخصيات. الغاية من السرد تبدو وكأنها بعيدة عن بناء مشهدية الرواية وشخصياتها، بل هي تقارب موقفا نفسيا للكاتب الروائي عادة ما يصبه في عدد قليل من الصفحات ويترك الباقي وكأنه تكرار أو حشو لا معنى له.

هذا موضوع خطير لأنه يضيّع الهدف من الرواية كلها. عندما أصدر الروائي الألماني بيرنهارد شلينك روايته “القارئ” عام 1995 مثلا، كان أول سؤال طرح عليه: ماذا تريد أن تضيف إلى قصص وحكايات الهولوكوست المتداولة؟ من حق الروائي أن يكتب ما يشاء، ولكن عليه أن يفكر عميقا في المتلقّي وإن كان مهتما بالأصل بهذه القضية أو تلك أو إذا كان ما سيقدمه ينتمي إلى صنف التكرار. هل تريد أن تكتب رواية لتوصف بأنك روائي أم لكي يقرأ الناس روايتك؟

المجال الحيوي للروائي العربي أيضا محدود. البيئة الاجتماعية العربية تبدو وكأنها تخنق نفسها بنفسها. على الروائي (أو الروائية) أن يضيف الصفحات عن الدين أو الجنس أو غيره من المحظورات كنوع من التوابل لضمان الاهتمام. عمّاذا يكتب الروائي العربي إذا لم يكتب عن الدين والسياسة والجنس؟

الترجمة بدورها كانت عقبة أمام تقدم فن الرواية العربية بعد الانطلاقة الكبيرة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. الروائيون العرب الأوائل قرأوا ما كتب الروائيون الغربيون مترجما وقاموا بمحاكاته من بيئتهم الثرية. قاهرة نجيب محفوظ كانت غنية بالتفاصيل، السياسية والاجتماعية والعبثية ممّا يوفر له ما يوصّفه في رواياته القريبة نفسيا من روح الرواية الغربية. ولعل هذا ما سهّل وصولها إلى القارئ الغربي. بساطة القرية المصرية وتعقد منظومة قيمها في آن كانتا أيضا مادة ثرية ليحيى حقي في الأربعينات ليكتب شيئا يذكّر بتحولات القرى والأرياف في أوروبا في مواجهة التطور الحضاري والتبدلات الاجتماعية.

الروائي اليوم لا يزال يقرأ الروايات الغربية المترجمة من أوائل القرن العشرين، وصار من النادر أن نجد من يقوم بترجمة الروايات الغربية، أو العالمية عموما، إلى العربية. الرواية جنس أدبي متطور مثلها مثل كل الفنون المرتبطة بالإبداع. من دون تلاقح مع الثقافات والتجارب الأخرى، سنبقى ندور حول أنفسنا. ليس من قبيل المصادفة أن الروائيين العرب المعاصرين ممن استقطبوا الأضواء بأعمال روائية مؤخرا، هم من القلّة التي تتقن اللغة الإنكليزية والتي تتيح لهم الفرصة لقراءة ما يكتبه الآخرون.

الرواية المملة والسطحية التي نهرب منها اليوم هي التعبير الحيّ عن أزمة الثقافة ومجتمعاتنا. دعونا لا نلقي بالكثير من اللوم على الروائيين.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.