"كريستال أفريقي" لهيثم حسين.. أكثر من مغامرة روائيّة

الأحد 2025/06/01
لوحة: حسين جمعان

يرتكب الروائي هيثم حسين في روايته "كريستال أفريقي"، الصادرة عن “دار عرب” في لندن،  أكثر من مغامرة، أحدها الرواية نفسها بذهابها إلى مناطق لم تعبر إليها الرواية إلا نادراً، فما بالنا بتقصير رواياتنا الصادرة بالعربية.

يغامر حسين برزمة من الموضوعات الحسّاسة واللافتة، التشويق والإثارة كفيلان بتمريرها بسلاسة، سيلهث القارئ وراء الأموال المنهوبة، يتقصّى مصيرها ويتتبع حركتها من حدث إلى حدث، تشدّه إليها دراماتيكيتها في نشدان أبطالها الكبار والصغار السلطة بحثاً عن المال في دروب الهلاك، تبدأ في بلداننا؛ بلدان الشرق الأوسط، ثم أكثر ما تتركز في بلدان أفريقيا القارة السوداء، وتنتهي في أوروبا السعيدة، عبر كواليس الفساد المتشابهة والخطرة، فالموت بالمرصاد.

كتب

عامل التشويق ليس للتشويق فقط، وإنما في الاطلاع على مسالك الفساد، آلياته، أساليبه، مكامنه، تتبدى بأعمق وأجلى صوره المتنوعة، الشرهة والبذيئة، في شراء عملاء وتجنيد حكومات وسلطات وجنرالات وقادة خانعين لسلطان دكتاتوريات رثة. ليس في هذا العالم الموبوء ما يشذ عن هذا المنطق، حتى في بلدان الحكومات الديمقراطية، هناك مسارب إلى قلب الرأسماليات الجشعة، وهناك متنفذون ورجال أعمال في الخطوط الخلفية يمكن التعامل معها، بلغة واحدة، لغة المال والجريمة والجنس، لديها غرفها السوداء التي تفوق قتامة أفريقيا التعيسة بمرتزقتها المسلحين بالقتل والاغتصاب، وإذا كان هناك قانون في أوروبا، لكنه في الواجهة، بينما هناك لاقانون تسري مفاعيله في الخلفية، يتم من خلاله التعاون والتفاهم بين أنواع وتنويعات الجريمة المنحطة والشرهة، يُشترون بثمن باهظ لا يزيد عن حفنة من ملايين الدولارات، فهم لا يقنعون بالقليل، طالما الغنيمة كبيرة جداً.

يغوص في هذا المستنقع مغامر كردي يحلم بالتقاعد المريح في منتجعات أوروبا، لا يخفي سعيه نحو ثروة العمر من الأموال المهرّبة بعد سقوط صدام حسين، يأخذ على عاتقه، إيصال مليار دولار إلى أوروبا ليجري غسيلها في بنوكها، يعرف المفاتيح المختلفة إلى مراكز القوى الفاعلة، إذ لكلّ مركز منها مفتاح، ومثلما هو مقدام هو متطير، رجل حقيقي ليس على نمط جيمس بوند، متخيّل ذو قدرات متخيلة، يقتحم الأخطار بقلب قوي وخائر، يتغلب على مخاوفه بتحمل خيباته المتوالية، والنهوض من كساح الهزيمة، والتجرؤ على إعادة الكرّة تلو الكرّة.

يكاد في كل خطوة يلاقي حتفه ليس تمثيلاً وإنما حقيقة، فالموت مزروع في كل مكان يقصده. ينجو من الألغام، يخرج من وكر إلى وكر، تحت قبضة العسكر وحصار الدبابات، وما كان أهونها بالمقارنة مع كوابيس الرعب، تبددها  الآمال بالمليار دولار، وإن من فرط ما سيدفع من رشاوى ووعود بعمولات وتقاسم الدولارات الهائلة لدى كل دولة، لن يبقى منها شيء، طالما أنها في تسرب مستمر، وقد لا تصل إلى مثواها الأخير في بنوك أوروبا… لكن لن يُعرف حتى اللحظات الأخيرة من نهاية المغامرة القسرية مصير المليار دولار، فهي ما زالت في مكان ما، أو في اللامكان من مآلاتها المجهولة، تنتقل من جحر إلى جحر تحت الحراسات المشددة بالأسلحة الثقيلة، فالعسكر لا يتورّعون عن القيام بمجازر وانقلابات في سبيل حيازتها كمكافأة على حيازة السلطة المطلقة.

رواية فضيحة، جريئة ممتعة ومثيرة، لا تحاكي الخيال ولا روايات الغرب، تجري على أرضية واقعية صلبة، وتخصنا نحن، إنها ثرواتنا في البداية والنهاية تسلب منا، رواية كاشفة، محاولة تفتقد إليها ليس الروايات الكردية التي تتدفق بجدارة إلى أسواق الكتاب ومعارض الكتب، وإنما أيضا الروايات العربية.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.