جماليات الفن من التلقي إلى التأويل

"في التلقي الجمالي" لمحمد الشيكر
الثلاثاء 2022/11/01
لوحة: أحمد عبدالعال

يتملّكنا هذا النزوع الدائم نحو الجميل، إذ كل روح تنشده باعتباره تجليا مباشرا للمطلق، إنه ميل بالعقل وبالوجدان. جميعنا ننبهر بالجمال ونجهل حدود هذا الجمال ولما علينا أن نتغياه أصلا، وهي إشارة إلى التأثير الذي يُمارس علينا داخل الفضاء الاجتماعي والذي تتشكل منه ذاكرتنا الفردية والجماعية.

يجدر بنا أن نميز في البداية بين نوعين من الجمال؛ الجمال الطبيعي والجمال الفني فإذا كان الأول ثابتا؛ مادامت الطبيعة تُكرر نفسها باستمرار، فإن الجمال الثاني وهو الجمال الفني (الجمال الحقيقي حسب هيجل) موسوم بالخلق وبالإبداع. موشوم كذلك باللاثبات في المنجز الفني وفي تلقيه من فرد إلى آخر ومن مجتمع إلى مجتمع.

وبما أننا نتناول المنجز الفني في المجتمع المغربي بخصوصياته، لا بد من الإشارة إلى أنه يُعاني من بعض المشاكل إبداعا وتلقيا؛ لأسباب بعضها يعود في الحقيقة إلى انعدام التربية على تذوق الفن وفلسفته – بالنسبة إلى الفنان المبدع أو المتلقي الناقد الذي يتوسم الحكم الجمالي – وعدم إيلائه أهمية في المجتمع، ونتيجة لهذا الذي سبق ذكره نجد بعض الفنون ارتبطت بنسبة قليلة من الناس، إما لأنها تحتاج إلى دُربة في تلقيها وفهمها، وإما لأنها لا تُحرّك في الإنسان هذا الجانب الانفعالي لسبب من الأسباب، أو لأن الفنان فيها يعيش نوعا من الغربة قاصدا ذلك أم لم يقصد، كما هو الحال في الفن التشكيلي الموسوم بقدر من القطيعة مع الواقع – في نظر المتلقي البسيط -. الموسيقى على سبيل المثال تخرج إلى حدّ ما عن هذه القاعدة ظاهريا، لكن وعلى  الرغم من تلقيها  من لدن عموم الناس، إلا أن مسألة التذوق فيها تبقى متفاوتة، والحال أن ما يميز التذوق الجمالي هو الجانب الذاتي، وإجمالا يمكن القول إن للموسيقى هذه الإمكانية. إمكانية اختراق الذوات، لأنها تنفي المكان والشكل وتُعبّر عن المضمون الروحي عن طريق تمثيل الشعور والعواطف في هيئة أصوات لحنية، فالعمارة على سبيل المثال ”تُشيد أبنيتها الضخمة ذات الأشكال الرمزية عن طريق الإدراك الخارجي، بينما عالم الأصوات – سريع الزوال – يغوصُ إلى أعماق النفس عن طريق الأذن ويوقظ فيها مشاعر التعاطف” (الجميل ونظريات الفنون دراسات في علم الجمال، رمضان بسطاويسي محمد ص177)، والتشكيل بما هو كذلك، يقتضي نظرة سوسيولوجية وإستيطيقية وفلسفية باعتباره منجزا بصريا صامتا يخضع للتأويل من لدن المتلقي.

وإذا كان التشكيل يعيش هذه الغربة والغرابة، فإنه الأوفر حظا في ضمان مساحة للإبداع، وهو إبداع يتجاوز العمل الفني إلى تلقيه لتحل ذات الفنان في ذات المتلقي، فيتولد الحكم الجمالي لدى المتلقي الفنان أو الناقد، باعتباره – الحكم الجمالي – أعلى درجات التلقي، وهنا منتهى العملية الإبداعية من الإبداع إلى تأويل الإبداع.

في السياق نفسه يأتي كتاب: في التلقي الجمالي، لـمحمد الشيكر، من منشورات وزارة الثقافة المغربية، ليُناقش المشكلات التي تُعيق مسألة التلقي الجمالي، عند المتلقي بشكل عام والمتلقي الفنان  2012 والمثقف من الناحية الإستيطيقية، وهو الكتاب الذي نستعيد قراءته لننفتح على آفاق رحبة في التلقي الجمالي.

نحو أفق جمالي

لا غرو في أن التعاطي للجماليات في المغرب لا يرقى إلى المكانة التي راكمها ”المنجز الفلسفي والإبستمولوجي والسيميوطيقي والأدبي والإبداعي، وسواها من المنجزات الفكرية التي أدرك فيها المفكرون والمبدعون والباحثون المغاربة مقامات التألق والتميز والفرادة” (في التلقي الجمالي، محمد الشيكر، ص 9). وتبعا لذلك يبقى الهم الإستيطيقي همّا لم يشغل بال فئة عريضة من الباحثين في هذا المجال، الأمر الذي من شأنه أن يُشكّل فراغا نظريا وفلسفيا، وهو ما ينعكس بالضرورة على الفنان وعلاقته بالمتلقي، وهي علاقة مضطربة نُسجت في ظل الفراغ الذي تمت الإشارة إليه، فاتسمت (العلاقة) بالفوضى واللاتناغم، خاصة وأننا على وقع تحولات قيمية أخلاقية، وهي متغيرات زادت من حدة المشكل، إذ أن القيم الجمالية تأثرت هي الأخرى في ظل تحولات المجتمع، وعلى العموم فالعمل الفني كيف ما كان نوعه لا يوجد من أجل ذاته وإنما يوجد من أجل جمهور يتأمله ويستمتع به، فالممثلون حين يمثلون مسرحية مّا، فإنهم لا يتكلمون فيما بينهم وإنما يتكلمون من أجل الجمهور، ولذلك يقيم العمل الفني كيف ما كان نوعه حوارا مع من يتلقاه، من هنا يمكن اعتبار ”العملية الجمالية هي عملية إبداعية تفاعلية قوامها ثلاث قوى فاعلة في سيرورة خلاقة، وهذه القوى الثلاث هي بالطبع: المُبدع والأثر الإبداعي والمتلقي” (نفسه، ص 9).

من هو الفنان

سؤال قد يبدو في ظاهره ساذجا، لدرجة أن المتلقي العامي قد يعتقد أن بمقدوره الإجابة عنه ، لكن في الأصل نجدها إجابة تتعدى أفق معرفة الإنسان العامي وحتى الفنان نفسه – إن كان فنانا لم يراكم معرفة نظرية – يمكن أن نقول أن الفن هو ظهور تلك الانفعالات التي يختبرها الإنسان إلى الخارج بواسطة الخطوط والألوان والحركات والأصوات والكلمات وسيكون هذا التعريف تجريبيا، ولكن وفق آخر تعاريف سولي فسيكون الفن هو: نتاج بعض المواد الموجودة أو الأفعال العابرة، التي بوسعها ألا تؤمن متعة قوية للمنتج فحسب، بل وتترك انطباعا طيبا لدى عدد من المشاهدين أو المستمعين ليس له علاقة أبدا بالمنافع الشخصية التي يتم الحصول عليها من خلال ذلك”( تولستوي،ص 65)، بهذا المعنى يصبح الفنان بمثابة الوسيط الذي يكشف المجهول من المعلوم، وهي انفعالات معلومة لأن الفنان وحده من له القدرة على إخراجها للوجود، ومجهولة لدى المتلقي إذ يعتبرها أشياء عارضة قد لا يشعر بأبعادها الجمالية، بهذا المعنى يغدو الفنان المبدع ”هو الذات الخلاقة التي تجتمع فيها الموهبة المبدعة والمهارة الفيزيقية المأمولة والرأس المال الفني والتربية الجمالية المطلوبة” (في التلقي الجمالي، محمد الشيكر، ص10)، ومتى فقد الفنان هذه السمات يتنزل من درجة الإبداع الفني إلى درجة التلقي العامي، بذلك يمكن القول أن طبيعة الفن ليست قاصرة على العمل الفني في حد ذاته فحسب، ولكنها مرتبطة أيضا بشخصية الفنان المبدع له، وهي كذلك ذات اتصال وثيق بالمجتمع الذي من أجله قام الفنان  بإبداع وابتكار هذا الفن، بمعنى أيضا تلك العلاقة الوطيدة بين الفن من ناحية وطبيعة النفس الإنسانية من ناحية أخرى، وكذا طبيعة البيئة من النواحي المناخية والفكرية والثقافية والدينية والسياسية الاجتماعية، وما لكل هذه العوامل من أثر بليغ وصدى قوي في نطاق الفن.

تبقى الموهبة عليها مدار كل شيء بالنسبة إلى الفنان، وكل ما يأتي بعدها بمثابة نظم لا يمكن أن يستقيم وأن يشتد إلا إذا توافرت أسباب الموهبة فيه. بهذا الذي سبق يكون الفن وحده الجميل حقا، وجمال الطبيعة أدنى مرتبة من جمال الفن بنفس الدرجة التي تقل بها الطبيعة بصفة عامة عن الروح. لكن حينما نتحدث عن الموهبة، فنحن بشكل أو بآخر نتحدث عن التجربة الذاتية الحرة، المترفعة عن القواعد المعيارية، التي يمكن أن تخلق نوعا من التيه والغبش لدى المتلقي خاصة منه المتلقي البسيط، أمام حرية لا متناهية للفنان. يتساءل صاحب الكتاب هل يصنع المبدع متلقيه المفترض؟ أم أن المتلقي مطالب بأن يصاحب الفنان المبدع في رحلته السحرية إلى التخوم الهاربة وأن يعانق أساليبه الضالعة في الاختلاف، بدءا بالوحشي والفطري وصولا إلى أساليب ”الرديء” وصناعة ”الابتذال الفني”؟

ما هو العمل الفني

كتب

ما الذي يجعل عملا مّا فنيا؟ ثم هل هناك معايير محددة يختص بها العمل الفني عمّا عاداه من الأعمال الأخرى؟

السؤال عن أصل العمل الفني حسب هايدغر ”هو سؤال عن مرجع جوهري، والعمل ينبع وفقا للتصور العادي من نشاط الفنان وعن طريق نشاطه، ولكن عن طريق أيّ شيء وكيف يستطيع الفنان أن يكون عليه؟ إنه يكون كذلك عن طريق العمل الفني، وإذا كان العمل الفني يُثني على الفنان، فذلك يعني أن العمل الفني هو الذي يجعله يبرز بوصفه فنانا، الفنان هو أصل العمل الفني، والعمل الفني هو أصل الفنان. لا وجود لأحدهما دون الآخر” (أَصل العمل الفني، هيدغر، ص58). والعمل الفني بما هو كذلك – منتوج جميل يمتلك مرجعيته الذاتية وشعريته الخاصة – يشترط مُتلقيا لأن العمل الفني كيف ما كان نوعه لا يمكن أن يقوم دون متلقّ، فحقا هناك من يعتبره – المتلقي – مشاركا في العملية الإبداعية، ولا يمكن أن يكتمل نظم الإبداع إلا بوجوده وجوبا، وفي هذا الصدد يعتبر: مارسيل دوشامب المشاهدين ”هم الذين يصنعون من اللوحات لوحات” (في التلقي الجمالي، محمد الشيكر، ص 14) فما هو المتلقي وكيف يرتقي إلى درجة المشاركة في العملية الإبداعية؟

المتلقي سواء أكان متلقياً عامياً أو متلقياً متذوقاً أو متلقياً متذوقاً ناقداً، حضوره هو بمثابة المرآة التي تعكس وجه العمل الفني ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال التخلي عنه أو تجاوزه لأنه هو الآخر فنان، كما هو الحال في تأويل العمل الفني في التشكيل على سبيل المثال، إنه صيرورة من إبداع إلى إبداع آخر، ”إنه بلا ريب الطرف المُرسل إليه في كل سيرورة إبداعية، يحيط المنتوج الفني باهتمامه ويستقبله حسيا ووجدانيا وذهنيا، ولا ينتظر منه أن يتلذذ بالعمل الفني وأن يستمتع فيزيقيا وروحيا بقيمة الجمال فحسب بل أن يساهم أيضا، عبر معايشته للإبداعات الفنية، في بناء عوالمها الجمالية وتوليد قيمها الإستيطيقية. فالرؤية ليست فحسب فعلا بصريا محدودا بل هي أيضا رؤيا جوانية تستكشف وتستلهم وتفيض بالمعاني والدلالات (نفسه، ص14).

جماليات التلقي الجمالي

سبق وأشرنا إلى أن العمل الفني لا يكتمل إلا بوجود متلق لهذا الفن، واعتبر بهذا المعنى مشاركا في العملية الإبداعية، لأننا هنا لا نقصد أيّ متلقّ وإنما المتلقي المتذوق. وبالتالي كل عمل فني هو كذلك لأنه مشروط بمتلق، عموما ومتذوق قادر على التذوق والتأويل، لذلك يُشترط في العمل الفني متلق مؤول، قادر على ممارسة الحكم الجمالي، ليضمن للعمل الفني صيرورته الإبداعية.

”ولئن كان التلقي يطرح إشكالا في كثير من وجوه الإبداع وأنحاء التعبير والخلق الجمالي الإنساني، فإنه بالتأكيد يطرح إشكالات مضاعفة حينما يتعلق الأمر بالتلقي التشكيلي أو بصورة خاصة بتلقي الجمال في الفن التشكيلي” (نفسه – ص 20). لماذا التشكيل تحديدا؟ لسبب بسيط هو أن التشكيل هو المجال الفني الذي يكتنفه غموض في الفهم  بين عامة الناس، حتى أنه ارتبط بالمحراب في الكثير من الأحيان، وكأنه شيء مقدس أو سماوي، والفنان التشكيلي يعيش نوعا من الغربة والاغتراب بين جموع البشر، إذ لا نخفي أن الفنان التشكيلي يختلف في بعض التفاصيل التي شخّصها التحليل النفسي حينما اعتبر الفنان مريض نفسي شأنه شأن المريض العُصابي، بمعنى أنه يعيش نوعا من القلق المجهول لدى الإنسان العامي معلوم لدى الفنان، أي قدرته على وصف ما تعيشه ذاته من قلق داخلي يُشهره في لوحته أو في موسيقاه….، ولئن كان الفنان بهذا المعنى فإنه لا يوحي بالقطيعة مع المجتمع في شيء، خاصة وأن هذا العمل (الفني) لا يبقى مسجونا في محرابه وإنما يعلن للمتلقي لتبدأ عملية التذوق فالتأويل.

متى توهّم الفنان أن عمله هذا بعيد عن الإدراك وليس في متناول المتلقي – وكأن عمله هذا بمثابة الحرز المهيب الذي لا يقتضي الفهم والإدراك – إلا واتسعت الهوة بينه وبين المتلقي خصوصا البسيط منه، ليصبح هذا العمل غامضا لا ينفع المتلقي في شيء، وبدل أن يلعب الفن دور الوسيط بلغة برغسون، يُصيب الإنسان بنوع من التشظي، والحال أن الأثر الفني حسب سارتر ”لا يوجد إلا حينما نراه”، وهذه حجة على الفنان، لأنه يردم فجوة التلقي، فمتى ”ضاقت دائرة التلقي إلا وضاقت دائرة الأثر الجمالي ونضبت من دون شك مجموع إمكاناته التأويلية وفُيوض معانيه”.(نفسه – ص21).

لا يمكن للفعل التأويلي أن يتحصل في عمل فني لا يخرج إلى العموم، فحينما ينعدم التلقي الجمالي ينتفي التأويل، لأن هذا الأخير مثله مثل حصان طروادة لا يترك شيئا على هيأته وإنما يستغوره مبدعا مسالك أخرى وهذا التعدد في القراءات والتأويلات هو ما يزيد العمل الفني جمالا وبهاء.

في مفهوم التلقي

ينقلنا مفهوم التلقي من استقبال الفن، من طرف المتلقي إلى مشكلة هذا التلقي، والتي تتشكل معالمها في فهم وتأويل هذا العمل من طرف المتلقي المتذوق أو المؤول، الذي يُضفي على العمل إبداعا ما بدوره، وهذا يبقى حاضرا وبقوة في مجال التشكيل، الذي يصيب المتلقي العامي بنوع من العمى أو الغموض الذي يجعله منبهرا لا بالألوان والأشكال بقدر ما ينبهر بالغموض والاستسلام. يتساءل صاحب الكتاب؛ حول هل بالإمكان ربط التذوق بالممارسات الثقافية وبالأطر السوسيولوجية لبناء الجمال الفني أم بمحدداته السيميوطيقية والإستيطيقية والشعرية الهرمينوطيقية؟

إن تناولنا لمسألة التلقي الجمالي تضعنا أمام زاويتن أساسيتين في فعل التلقي؛ الأولى زاوية إستيطيقية والثانية سوسيولوجية، هذه الأخيرة تتعلق بالظروف الاجتماعية التي طبعت هذا الفن دون غيره، من خلال السياق العام لنشأة وتلقي العمل الفني. هنا تحل شعرية المتلقي محل شعرية التلقي، والطابع الاستهلاكي محل الحضور الميتافيزيقي، أي الظروف التي نشأ بها الفرد المتلقي واختلاف أنماط هذا التلقي هو ما ينعكس على تذوقه، وما يريد من هذا العمل، بمعنى أننا قد نشاهد العمل الفني بشكل جماعي ونتلقاه كذلك، لكن لكل واحد منا تذوقه الخاص، إذ لا يمكن أن نفصل التلقي عن السياقات النفسية والاجتماعية والتاريخية، ”فالأثر التشكيلي لن يعتبر أثرا جماليا إلا بمقدار ما يشكله ضمن انتظارات معينة وفي أفق تلق مخصوص. كما أن العالم الجمالي للأثر ليس عالما محايثا له، بل هو لصيق بمن يتذوقه ويستكشفه ويؤوله. فالأثر ليس موندا أو عالما مكتفيا بذاته على حد تعبير ليبنز، بل تتحدد مداراته ورهاناته من خلال الاعتراف به في الفضاء العمومي أو استعماله الجماعي عندما يقرر المتلقي أن يواجهه أو يستعد لذلك (نفسه- ص23).

بهذا المعنى الذي سبق ذكره، يصبح فعل التلقي خاضعا للتداول العام في الفضاء العمومي، فبمقدار الاهتمام بالفن وتلقيه في الفضاء العمومي يتصعد التلقي الفردي والجماعي في مراقي الجمال والعكس بالعكس، هنا يلزمنا الوقوف عند تصور العالم السيميولوجي البراغي موكاروفسكي الذي قابل في الأثر الفني ما بين الجهاز الجمالي والموضوع الجمالي، على اعتبار أن الأول يكتسي طابعا ماديا ينتهي حالما ينتهي العمل، والثاني الذي يستند على الأساس المادي التاريخ والثقافة، الذي يضمن حق المشاركة في التجربة الإستيطيقية. نجد رولان بارت قد ”وضع الأثر الفني في صدارة اهتماماته الأدبية والسيميولوجية”، وتعتبر مقالته الشهيرة ”الفن كواقعة سيميولوجية” إيذانا برفع الحيف عن المتلقي، و جعله مكونا إبيستمولوجيا لا غنى عنه في المعرفة الجمالية.. خصص جون بول سارتر الجزء الثالث من كتابه الشهير ما الأدب؟ لمشكلة التلقي حيث اعتبر في سياقات متعددة 1 ما الكتابة، 2 لماذا نكتب؟ لمن نكتب؟ أن العملية الإبداعية تقتضي فعل القراءة بوصفه فعلا ملازما لها على نحو جدلي” (نفسه،  ص24). لذلك نجد موريس بلانشو يضع المبدع والمتلقي في مقام واحد أمام الإبداع الفني، بل لا ينكشف العمل الفني إلا في اللحظة التي يحضر فيها المتلقي، لأن هذا الأخير لا يتلقى العمل الفني بشكل عفوي فهناك قواعد قد تتأسس على المعرفة العلمية أو قواعد تتحصل بفعل الوجود التفاعلي داخل المجتمع، من خلال التربية والعادات والتقاليد، تسهم في توجيه هذا المتلقي، بالإضافة إلى المتذوق الناقد الذي يسهم في تفعيل دلالة العمل الفني.

من التذوق إلى الحكم الجمالي

لوحة: أحمد عبدالعال
لوحة: أحمد عبدالعال

إن أول خطوة في مجال التذوق الفني هي ألاّ نكتفي بالنظرة العابرة للعين، بل يجب أن نعيش في الأشياء التي نلاحظها ونشاهدها أمامنا ذلك لأن كثيرا من التصوير ما قد يكون مجرد صورة فوتوغرافية ملونة، كما يمكن أن يكون الأمر كذلك في حالة أخرى. ويكون من الأهمية بمكان، أن يشاهد التصوير معبرا عن أسلوب الفنان والطابع الخاص به في طريقة التخطيط والتلوين وقدرته على إبراز ملاحظاته الخاصة، وما يريد التعبير عنه في الأشياء من أمور تتعلق بهذه الأشياء، بحيث نشعر في الصورة أو اللوحة بذاتية الفنان وعمق نظره الخاص بموضوعية العمل الفني، وعلى ذلك يكون مستوى التذوق بحسب قدرة المشاهد على استيعاب كل هذه الجوانب فيما يلاحظه في مختلف نواحي العمل الفني، لكن فهم العمل الفني وخاصة منه التشكيل تحوم حوله مجموعة من الصعوبات وقد نجد هذا التيه حاضرا في لوحة الرسام البلجيكي روني ماغريت (الشرط الإنساني)، التي ذيلها بتعليق طريف ”ينبه فيه كل من يشاهد لوحته إلى أنه سيجد نفسه فيها أمام نافذة داخل غرفة، وفوق النافذة تطالعه لوحة أخرى تمثل، بالضبط، جزءا من المشهد الطبيعي الذي تحجبه هذه اللوحة، فالشجرة الماثلة في اللوحة تحجب الشجرة التي خلفها في الخارج بحيث أن الشجرة التي تطالعه من داخل الغرفة هي عينها في الخارج” (نفسه، ص: 39)، يشير صاحب الكتاب إلى أن ما قاله روني ماغريت يمثل في نظره وضعية المتلقي التشكيلي، بحيث يجد نفسه مسيّجا بمجموعة من الأسئلة المؤرقة من قبيل كيف نتلقى المنجز الفني؟ وكيف ننفذ إلى حقيقته ونمسك بدلالاته المنفلتة؟ هل ينبغي تذوقه من جهة مفعولاته الحسية والوجدانية أم يتعين العمل على تفسيره وتمثله على وجهة النظر العقلي؟

يستحضر مؤلف الكتاب وجهتا نظر في علاقة العمل الفني والمتلقي، فبينما يذهب بعض الباحثين إلى التأكيد على أن المنجز التشكيلي يُعطى للمتلقي في هيأة نص أي كمجال حيوي وكفتن ضرورية لا بد من التواصل مع عناصرها ومكوناتها، وبتعبير آخر كمنتوج أو مادة إبداعية دينامية لها مقاصد مأمولة قابلة للقراءة والتحليل والتركيب والمعايرة والتذوق والنقد الجمالي، يؤكد آخرون على أن هذا النص التشكيلي يتعين مقاربته في كليته على الطريقة الجشطالتية، أي كنص وكسرد بصري مفتوح على القراءة الكاملة لكافة مكونات النص البصري الكلية والفرعية والجزئية (نفسه، ص 40).

بهذا المعنى يصبح العمل الفني نصا سرديا بصريا، لا تكفي فيه الحواس والمهارة، دون فلسفة فن بأبعادها الجمالية التي تمكن المتلقي من تذوق العمل الفني، ولكي يرتقي هذا المتلقي إلى درجة الحكم والتأويل يكون عليه لزاما الجمع في التلقي ما بين الفعل(العقل) والانفعال (الإحساس).

لا يتحصل التذوق خارج العمل الفني، أي أن كل تذوق فني هو مرتبط بالعمل الذي يتلقاه، هنا نستبدل مفهوم التذوق بالأثر الفني، بمعنى حضور المتعة الجمالية، وعليه يمكن التسليم بقاعدة لا وجود للمتعة الجمالية ”خارج العمل الفني، بل هي متعة موجودة داخله” (نفسه –  ص 41).

بالرجوع إلى التذوق نجده يعود في دلالته الحسية إلى قوة منبثة، أي منتشرة في العصب المفروش على جرم اللسان تُدرك به الطعوم، وتمتد هذه الدلالة لتصف حالة وجدانية شبيهة بحالة السكر الذي يطرأ على العاشق بعد تذوق شراب العشق” (نفسه، ص 42)، والتذوق يحضر فيه نوع من تجاوز الاختلاف، أو لنقل تذويب للفروق المفترضة ما بين المتذوِّق من جهة والمتذوَّق، وهذا التوحد هو ما يخلق التذوق. كما أن مفهوم الذوق يشير إلى ملكة الحكم على الجميل وإلى القدرة على التمتع بجمال الفن وتذوقه، وهو في نهاية المطاف اتحاد بين الرائي والمرئي، أو على حد بول فاليري الذوق يتشكل في مقابل مظاهر مختلفة من النفور، إنه وحدة توحد المدرك بالعمل المدرك، حتى وإن بالغنا في التنصيص على الخلفية الفلسفية، وما يراكمه المتذوق من مهارات، تمكنه من الفهم والتفسير والتأويل إلا أن الحلقة الأهم في هذه العملية هي الذات، إذ أن هذه الأخيرة هي التي بمقدورها بناء الحكم الإستيطيقي، بمعنى ألاّ ينشد أيّ منفعة في حكمه الجمالي، ”كما أن المتلقي يُترجم عبر حكمه الذوقي خبرته الجمالية ويفصح عن اللذة التي يستشعرها إزاء موضوع جميل، من غير أن يتأسس مع ذلك على مفهوم مخصوص على عكس حكمنا مثلا على الفعل الخير” (نفسه، ص 43).

التذوق الجمالي، هو فعل يستند على لذة ذاتية، بإمكانها أن تكتسي طابع الكونية، وهي كونية بالقوة لا بالفعل. يرى ديفيد هيوم أن ”الجمال ليس خاصية ملازمة للأشياء ذاتها، بل يوجد فحسب في فكر من يتأمله، وكل فكر يتمثل جمالا مختلفا”، بهذا المعنى يمكن اعتبار مسألة تذوق الجمال رهينة بالمجتمع، فالتنشئة على تذوق الفن بألوانه وأشكاله، هي ما تخلق في الإنسان درجة مّا من الحكم، على اعتبار هذا الأخير  هو ”القدرة على التفكير في ما هو خاص بوصفه يندرج ضمن ما هو كلي وعام، وإذا كان ما هو كلي (القاعدة العامة أو المبدأ الشمولي) معطى، فإن ملكة الحكم التي يستغرق فيه العام الخاص تكون ملكة محددة، لكن حين لا يعطينا سوى الخاص الذي لا نعرف قاعدته الكلية فإن ملكة الحكم تغدو حينئذ ملكة تأملية، وحين تفكر الذات في ما هو خاص، فهي تصدر حكما عليه أيّ تخلع محمولا على موضوع ما، على نحو يغدو فيه المحمول أو الخاصة الحملية محددين للموضوع” (نفسه، ص44).

لقد حدد إيمانويل كانط شروط الحكم بالجميل، من حيث الكيف والكم والجهة والعلاقة، فالأول (الكيف) حدد الجميل بأنه ما يسرنا بغير أن يترتب على سرورنا به منفعة أو لذة حسية، ومن هنا يختلف الجميل عمّا يسبّب اللذة أو ما يرضي الحاجة الجسمانية، أما من حيث الكم يعرف الجميل بأنه ما يسرنا بطريقة كلية وبغير استخدام أيّ تصورات عقلية، فوصف للشيء بأنه جميل لا يستند على أدلة عقلية وبراهين منطقية ومن ثم فسرورنا وبهجتنا بالجميل لا ترجع إلى دوافع شخصية وأسباب خاصة وهو ما يفترض اشتراك الجميع في الاعتراف بقيمته الجمالية، ومن حيث الجهة يرى إيمانويل كانط أنه يتصف بأنه حكم ضروري أي عكسه مستحيل، لما للإنسانية من نزوع كوني نحو الجمال، أما من حيث العلاقة فالجميل يتصف بكونه يوحي بالغائية بغير أن يتعلق بغاية واحدة ووحيدة.

إن الحكم الذوقي في نهاية المطاف تحكمه الحساسية، وليس العقل. هذا السكن المجهول هو ما يضفي عليه طابع الإبداع، وهو سر إذا ما كُشف زال سحره، فيظهر للمتلقي في شكل عمل فني، وإذا كان المنجز الفني لا يخضع للمنطق، فهو عبارة عن تجربة شعورية أو لا شعورية، فكيف لنا أن نحكم عليها بغير الإحساس والخاطرة؟

وكجواب عن هذا السؤال يقف كانط موقفا ”نقديا من وثوقية المنزع العقلاني من جهة، ومن ريبة المنزع النسبي من جهة أخرى، فضد العقلانية يعلن كانط رفضه ربط الحكم الجمالي بمفاهيم قبلية ومقتضيات عقلية، وضد الاختبارية، يرفض اعتبار الجميل محض إحساس” (نفسه – ص 48)، وهو بهذا يجعل الحكم الجمالي يعيش بين النسبية في مقابل الإطلاق، والذاتية والكونية، إنه البين بين، لأنه في النهاية يرتبط بالعين الناظرة في العمل الفني.

في نقد الإستطيقا الكانطية

يقوم الحكم الكانطي كما سبق وأشرنا إلى ذلك على تمثل الجميل كغائية دون غاية، إنه حكم يرتبط بالسياق السوسيوثقافي، ويرتبط بتحسين وضعية معينة كالانتساب إلى وضع راق، فكلما تعرض الفرد إلى تربية فنية في البيت والمدرسة تولد لديه الحكم، هنا بالذات يصبح المتحكم في بلورة الحكم هو المجتمع، الذي يستمده الفرد من المعيش اليومي (التقاليد، العادات)، أو ما يسميه بورديو بالإستطيقا الشعبية” فإذا كان كانط يرسم خطا فاصلا بين ما يروق وما يفيد، وبين الحكم المعرفي والحكم الذوقي، وإذا كان أيضا يسمو بالجميل عن كل وازع وظيفي وبراغماتي، فإن الطبقات الاجتماعية التي تنتظر حسب بورديو من كل صورة أن تضطلع بوظيفة ما، “حتى وإن كانت وظيفة العلامة فهي تكشف في سائر أحكامها عن الإحالة الصريحة إلى معايير الأخلاق أو إلى قواعد التوافق” (نفسه، ص51)، وتبعا لذلك نجد المتلقي العامي – الذي تحكمه صورة واقعية براغماتية، في علاقته بالفن – ينزع إلى الأعمال التي تلائم حاجاته وأهواءه، بشكل لا يخرج عن العالم المرئي، وكل الأشياء التي تعرض في الفن وهي مغيبة عن حدود إدراكه، نجده يعارضها باسم الدين والعادات والأخلاق، أو يعتبرها شيئا عبثيا وفقط لا غاية ترتجى منه.

طبعا هذه العلاقة بين المتلقي العامي والفن، هي في الصميم تعبر عن إستيطيقا شعبية التي لا يقوم فيها التلقي على فكرة التجرد في الحكم ولا على التذوق الفني الخالص، وإنما هي عبارة عن محاكاة للواقع المعيش وفقط، بمعنى أن المتلقي البسيط يثيره الفن الذي يسقطه على موضوع ملموس ومعيش لا غير، وهو تذوق شعبي، عاجز عن ”إدراك مقامات التميز، لأنه مشدود إلى ما هو أمبريقي وحسي محكوم بإملاءات أخلاقية، ولكن ما تفعله الإستيطيقا الكانطية هو أن كل ذوق فني سيظل ذوقا مشروطا ولا يرقى إلى الذوق الفني الخاص، ببساطة لأنه لا وجود لذوق كوني خاص بل هناك أذواق فنية بصيغة الجمع أي تفضيلات تكشف بصورة عملية عن اختلاف محتوم”، وقد ميز بير بورديو بين إستطيقا فلسفية وأخرى شعبية، هذه الأخيرة تشكل مجالا رحبا للمتلقي العامي أو البسيط، (نفسه، ص 52)، فهل يمكن تهذيب الذوق المتوحش؟

من المؤكد أن الفن وخاصة منه الرسم استشعر أهمية التواصل مع المتلقي من خلال تمكنه من ولوج الفضاءات الخاصة بعرض الأعمال الفنية، وأيضا بتنويع طرق عرضها حتى يستطيع المتلقي الكوني – بعيدا عن الحدود الجغرافية والدينية والعرقية – أن يحظى بمشاهدة أو قراءة العمل الفني وهذا كله راجع إلى الحرية التي عرفها عصر النهضة، إذ استطاع الفرد أن يتخلص من سلطة الإكلروس ومن سلطته الرمزية على علم الأيقونات.

وهو الأمر الذي عاشه المغاربة في ستينات القرن الماضي من خلال عرض الأعمال الفنية في الفضاء العمومي، وبالتالي تمكين المتلقي الشعبي أو العامي من معاينة العمل الفني عن كثب ومن أجل ”جعل الفن أكثر شعبية وأيضا من أجل جعل الشارع يستعيد عيده المفقود” (نفسه، ص55). لكن وبالرغم من إيصال العمل الفني إلى المتلقي وتمكينه منه في الفضاءات العمومية، يبقى هناك مشكل يرتبط بغياب التربية على الفن، هو ما يجعلنا في صلب مشكل قد لا ينفع النقد في تجاوزه، لأنه – مجتمع – يعاني من أزمة في الذوق الجمعي، الأمر الذي يحول دون تشكيل ذاكرة جمالية مرجعية لدى المتلقي خاصة في التشكيل. لتجد الإستطيقا نفسها أمام باب موصد، لأننا في المجتمع المعاصر نعيش على وقع متغيرات مست بدورها مفهوم العمل الفني، فلم تعد الإستطيقا الفلسفية تستجيب لمتطلبات الواقع، وقد وقف مؤلف الكتاب عند مارسيل دوشامب الذي وضع – زمن الانعطافة الدادائية – الإستطيقا الكانطية موضع مساءلة:

  • أولا: فيما يتعلق بالتمييز الكانطي بين الفني والتقني أو المنجز  والمعطى.
  • ثانيا: فيما يتصل بالعمل الفني الذي لم يعد موضوع لذة يستشعرها المتلقي بل موضوع إثارة وصخب واستنكار.
  • ثالثا: فيما يتصل بمفهوم الجمال الذي فقد هالته القدسية وبريقه الكوني ليصبح مواضعة واصطلاحا ليس إلا.
  • رابعا: فيما يتعلق بمفهوم الفن ذاته والذي يقترن بالسمو والتجرد والتعالي بل أضحى يشمل أيضا الفن الوحشي والمقزز والمنفر والخارج على التعاقدات والنافر حتى. خامسا: فيما يتعلق بشخص الفنان الذي غدا اليوم فنانا يرسم بحرية كبيرة ويفرض جمالياته الخاصة.
  • سادسا: فيما يتصل بالقيمة الفنية التي لم تعد تكمن في الموضوع الفني بل الآثار والمفعولات والوضعيات المحيطة بالإنتاج الفني وبالتالي لم يعد الأمر يتعلق بماهية لا زمانية بل بحالة ظهور أو تمظهر زماني بل محدود بالزمن (نفسه، ص 59).

لقد  وُجهت سهام النقد إلى الإستطيقا الفلسفية، بما هي ميتافيزيقا الفن، من جهة ومن جهة ثانية لأن أغلب الإستطيقا الفلسفية لم تتناول الفن لأسباب فنية صرفة، بل حضر الفن فيها – الفلسفة – كنسق فلسفي عام، كما هو الحال في فلسفة ”شوبنهاور ونيتشه وهيدغر بدورهم لم ينصرفوا لمسألة الفن إلا لبواعث فلسفية أكثر منها فنية أو إستيطيقية وهو الأمر الذي يجعلنا في كل مرة نقارن بين مكانة التلقي الجمالي في الوعي الجمعي مقارنة  بالتلقي الأدبي.

يمكن القول إن العمل الفني لا يُقدم رسائل، لأن الفنان حينما يضع نصب عينيه رسالة ما، يحصر الفن زمانيا ومكانيا، وبالتالي نحكم على العمل بالزوال. إن الفن لا يقدم أي شيء أي أنه يقدم كل شيء. لأن ربط العمل الفني برسالة ما يُصبح خاضعا للحكم الأخلاقي وليس للحكم الجمالي، ولأنه كذلك؛ يبقى في حاجة للتأويل، وبهذا الأخير يستطيع المتلقي أن يشارك الفنان في العملية الإبداعية التي تُخرج المنجز الفني إلى حيز الوجود.

مراجع:

الجميل ونظريات الفنون دراسات في علم الجمال، رمضان بسطاويسي محمد كتاب الرياض العدد الخامس والعشرون-يناير-فبراير 1996. ما هو الفن؟، ترجمة محمد عبدو النجاري، ليف تولستوي دار الحصاد، الطبعة الأولى 1991. أَصل العمل الفني، مارتن هايدغر، ترجمة أبوالعيد دودو، منشورات الجميل الطبعة الأولى2003.

 

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.