مختصر الكتب

الجمعة 2021/01/01
لوحة يوسف عبدلكي

لأجل طوباوية عملية

في كتاب “يقظة اليوطوبيا” يلاحظ الباحثان جان لوي لافيل وميشيل ريو سارسي أن التمثيليات السياسية التقليدية تعيش أزمة طويلة الأمد، بسبب عاملين رئيسيين. الأول هو أن ثلاثين سنة من الليبرالية، مع إيمان راسخ بأن قانون السوق يكفي لتعديل المجتمع، أدت إلى تصاعد التفاوت والنزعات القومية. والثاني أن شتى تيارات اليسار انغلقت في تصور جعل من الأحزاب صاحبة الحلول ونسيت أن وجودها مرهون بمن وعدوها بالتحرر والمساواة. فالملاحظ اليوم أن الدعوة إلى التكيف مع التكنولوجيات الحديثة التي تخفي تقليص الإنسان إلى روبوت ينفذ حسب معايير القوى الاقتصادية والمالية التي يصعب تحديدها، وأن السلط الحاكمة تجيب عبر منابر صحافية، وتحليل المجتمعات يبدو غير مجدٍ… فلا يمكن للنخبة المثقفة والحالة تلك أن تكتفي بدور الملاحظ، بل ينبغي أن تعيد التفكير فيما يمكن أن تنهض به لجعل الديمقراطية يوطوبيا فعلية.

  أساليب التوقّي من الجوائحصورة

من الظواهر الحديثة إشارات التحذير من كوراث أيكولوجية، ولكن قيمتها لا تحدّد بالتصديق أو التكذيب، ولا بكون الحكومة ناجحة أو فاشلة، بل تحدد بقدرة الإنذار على إثارة الاهتمام لدى من يتلقّونه. في كتاب “إشارات تحذير” يبين عالم الأنثروبولوجيا فريديريك كيك، استنادا إلى دراسة عن حراس الجوائح في المجتمعات الآسيوية، أن المناطق التي ترسل إشارات تحذير مثل هونغ كونغ وتايوان وسنغافورة، لها علاقات تنافس وتعاون شبيهة بعلاقات الطيور التي تتسابق في التحذير من وجود حيوان أو طير كاسر. وبذلك أوجدت شكلا جديدا من أشكال التضامن الشامل والعدالة الاجتماعية. ويقترح الكاتب أن نعود إلى ليفي ستروس وأموتز زاهافي وأنّا تسينغ لفهم الظاهرة، وأن نعود أيضا إلى تاريخ الأزمات الصحية الكبرى منذ عشرين عاما، وحتى إلى بعض الروايات والأفلام والمعارض لكونها تساعدنا على توقّي الجوائح قبل وقوعها.

الأرض وتحولات الإنسان  

عندما نعكف على دراسة تاريخ الإنسانية، عادة ما نتوقف عند الأعلام الكبار والحركات الديمغرافية والسياسية والتكنولوجية، ولكننا نغفل عن الأرض رغم أنها أثّرت وتؤثّر في مصيرنا. منذ البدايات، حدّدت البيئة نوعنا، فالقوى الأيكولوجية كانت وراء تطور الإنسان في أفريقيا الشرقية، والتغيرات المناخية دفعته إلى التحول من الترحال إلى الزراعة، وتكْتونيّات الصفائح سمحت باستقرار بعض المدن/الدول من اليونان إلى روما على الضفاف الشمالية للمتوسط، وحتى في عصرنا هذا يقتفي سلوك الناخبين الأميركان سرير بحر قديم. “أصول” للأميركي لويس دارتنيل رحلة عجيبة إلى ماضي كوكبنا يجمع بين العلوم والتاريخ، ويحثنا على وضع تصور بديل لمستقبل الإنسانية.

عواقب التفاوت المدرسيصورة    

“هل يمكن أن تنقذ المدرسة الديمقراطية” عنوان كتاب جديد لفرنسوا دوبي الأستاذ المحاضر بجامعة بوردو، وماري دورو بيلا الأستاذة المحاضرة بمعهد العلوم السياسية بباريس، يعالجان فيه ما أفرزته المدرسة الفرنسية منذ الستينات، ويبيّنان أن النتائج دون المؤمّل، فلئن حدّت المدرسة الجماهيرية من التفاوت المدرسي إلا أنها حوّرت نمط إنتاج ذلك التفاوت، بفرز المنتصرين من المهزومين، تماما كالدبلومات التي عمقت الهوّة، بين شهائد مربحة، وأخرى لا تجدي نفعا. كما بيّنا أن جمهرة التعليم جعلت من الذين حازوا أعلى الشهائد يلتزمون بالقيم الديمقراطية والليبرالية، فيما فقد من هم دونهم الثقة في تلك القيم، فامتنعوا أو اختاروا القوى الشعبوية أو التسلطية. أي أن جمهرة التعليم كانت مناسِبة للمنتصرين، وأقل من ذلك بكثير للمنهزمين، بيد أن التفاوت المدرسي ليس مظلمة فقط، لأن آثاره تهدد التماسك الاجتماعي وحتى الديمقراطية، ومن ثَمّ لا يمكن أن يكون تساوي الفرص مثال العدالة الوحيد.

الاعتراف بالآخر

“الاعتراف” كتاب مرجعي لعالم الاجتماع الألماني أكسيل هونيت، المدير الحالي لمدرسة فرانكفورت، ومصطلح أساسي لهويتنا السياسية والثقافية، لأنه يشمل متطلبات كثيرة كالاحترام المتبادل بين أفراد مجموعة متعاونة، وضمان اعتراف غير مشروط بتميز الآخر، وتقديم شهادات اعتبار للأقليات الثقافية في إطار “سياسة الاعتراف”. يكشف هونيت عن التأثير الذي خلقته الأوضاع السوسيوثقافية في بلدان كثيرة بدءا بفرنسا وبريطانيا وألمانيا، على الموقف من الاعتراف، رغم أن لكل بلد تصوره الخاص للاعتراف. ففي فرنسا مثلا ولّد الجهد الخاص لبلوغ وضع اجتماعي أو وجود اجتماعي مضمون خوفا من فقدان الذات، بينما تدفع الحاجة إلى تأييد مجتمعي الفردَ البريطاني إلى ممارسة مراقبة أخلاقية على نفسه. أما في الفضاء الجرماني فحاجة الفرد للدخول في علاقة اعتراف متبادل تفتح إمكانية تقرير المصير. ما يؤكد أن التباين في الدلالات مردّه إلى الخصائص القومية للظرف الذي ظهر فيه الاعتراف.

 كيف ندافع عن الكائن الحيّصورة

إن نسيج الأحياء يتفتت من حولنا، ويضعف آفاقنا الممكنة. ورغم أننا واعون بذلك فإن إحساسا بالعجز يهمين علينا. لماذا؟ لأننا نسيء الدفاع عمّا لا نفهمه جيّدا. فنحن نتصور العالم الحيّ مثل كاتدرائية تلتهمها النيران، ولكن نسيج الحيّ، هذه المغامرة التي تروي كل أنواع المحيط الحيوي، ليس تراثا جامدا وهشّا، بل هو قوة دينامية للتجدد والخلق المستمر، فهو ليس كاتدرائية مشتعلة بل نارٌ تنطفئ. في كتاب “إذكاء جمر الكائن الحيّ” يقول باتيست موريزو أستاذ الفلسفة بجامعة إيكس مرسيليا، إن فهم الكائن الحيّ بهذه الكيفية تجعل المفارقات التي تربطنا به مرئية، فهو ليس في حاجة إلينا، بل في حاجة إلى أن ندافع عنه. هانَ بفعل إساءاتنا ولكنه يظل أقوى منا، ولسنا نحن من صنعه، بل هو الذي صنعنا، والدفاع عنه لا يكون كإعادة بناء كنيسة مدمرة، بل بإذكاء شعلته.

التغير المناخي ليس مشغلا جديدًا

منذ أواسط القرن العشرين، ناقشت المجتمعات الغربية التغيير المناخي، أسبابه وآثاره على التوازنات الأيكولوجية والاجتماعية والسياسية، ولكن دون اهتام بثنائي أكسيد الكربون ولا بالاحتباس الحراري، إذ كان الرأي السائد أن قطع الغابات سيغير الأمطار ودرجات الحرارة والفصول. بيد أن هذه المسألة شغلت الإنسان قبل ذلك التاريخ، كالغزاة الإسبان في العالم الجديد، والثوار الفرنسيين غداة 1789، وكذلك العلماء والخطباء السياسيين، قبل أن يقْفوَ أثرَهم الإمبرياليون الأوروبيون في آسيا وأفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. في كتاب “ثورات السماء، تاريخ للتغير المناخي ما بين القرنين الخامس عشر والعشرين” يروي المؤرخان جان باتيست فريسّوز وفابيان لوشي لأول مرة مخاوف وآمال المجتمعات التي كانت تفكر في التقلبات المناخية وتستبق حدوثها، ويبينان أن تلك القضايا كانت في صميم الجدل الدائر حول الاستعمار والرب والدولة والطبيعة والرأسمالية، جدلٌ تولدت عنه بعض المفاهيم المفاتيح للسياسات والعلوم البيئية المعاصرة.

العودة إلى البرية عودة إلى الأصلصورة

“لا يوجد منظر قبيح ما دام في وضعه الطبيعي”، ذلك رأي الرحالة الأميركي جون موير (1838 – 1914) الذي دوّنه في كتابه “المحافظة على البرية” أو “المحافظة على العزلة” في الترجمة الفرنسية، وهو عبارة عن دفاع عن التفرد بالطبيعة، لأن تأمل الطبيعة والالتحام بها والتمتع بجمالها لا يكون إلا في وضع انفراد وعزلة. والمعروف أن هذا الكاتب، الذي جاب مناطق كثيرة من الولايات المتحدة على قدميه، كان أسس جمعية “سييرا كلاب” التي تعدّ من أهم جمعيات الدفاع عن البيئة في أميركا حتى اليوم. فقد كان يدعو إلى ترك البيئة كما هي بدل تحويرها وتحويلها، بدل استثمارها بشكل سيء، بعد أن لاحظ أن آلاف البشر المرهقين من إيقاع الحياة في المدن ووسائلها العصرية والإفراط في التمدّن بدؤوا يفهمون أن اللجوء إلى الجبال والغابات إنما هو عودة إلى الأصل، كما يعود المرء إلى بيته، وأن الوضع البري ضرورة.

 رواية ترحل بنا إلى تاريخ الفلسفة

بعد “كانط، أنت لم تعد تدري ما تفعل” و”ديكارت لأيام الشكّ”، صدرت للكاتبة الفرنسية ماري روبير رواية فلسفية بعنوان “رحلة بينيلوبي” التي ترجمت إلى أكثر من خمس عشرة لغة رغم استبعادها من الجوائز. وكان الدافع إلى كتابتها تقريب الفلسفة من عامة القراء، لأنهم يتهيبونها في شكلها المعتاد. وقد جعلت بطلة روايتها بينيلوبي، ولكن ليست زوجة أوليس التي كانت تنقض غزلها أنكاثا في انتظار عودة زوجها أوليس، بل هي ساردة لم تعد تعرف ما يحدث لها حين بلغت سن الثلاثين، بعد أن قضت عشر سنين من حياتها مع فيكتور، فقد استبدت بها أسئلة وجودية: من أكون؟ إلى أين أمضي؟ أيّ معنى أعطيه لخياراتي؟ فقررت ترك عملها وصديقها والرحيل إلى اليونان، وإلى جزيرة إيتاكا تحديدا، هناك حيث انتظرت بينيلوبي أوليس. ولكنها لم تكن رحلة في المكان، بقدر ما كانت رحلة في أعماقها، عبر تاريخ الفلسفة.

حضارة آيلة إلى الزوالصورة

فابيان شايدلر هو كاتب ألماني درس الفلسفة والتاريخ والمسرح، صدر له بعد “خاووس، عصر الثورات الجديد”، كتابٌ هام بعنوان “نهاية الميغا- آلة” حاز إعجاب جان زيغلر وفاندانا سيفا ونعوم تشومسكي الذين جعلوا من قراءته ضرورة حتمية. يقدم الكاتب بأسلوب بديع مفتاحا لفهم الكوارث المناخية والأيكولوجية والوبائية والاقتصادية المعاصرة. وفي رأيه أن من الخطأ اتهام “سابينس”، هذا الإنسان اللامبالي والمخطئ على الدوام، فتاريخنا اجتماعي، هو تاريخ بنى الهيمنة التي ظهرت قبل خمسة آلاف عام، وتعززت منذ خمسة قرون من الرأسمالية، بشكل مدمّر للكرة الأرضية ومستقبل البشرية، بالميغا – آلة. ولكن تلك القوى وتلك الآلة الرهيبة يمكن هزّها وتعطيل عملها، فالبدائل في رأي الكاتب موجودة، ولكن ماذا ينبغي لتغيير السبيل وترك وجهة انتحارية؟ الجواب في هذا الكتاب الممتع، لأن من يعرف تاريخه، يمكن أن يحوّل مجراه.

نهاية عالم مشترك

منذ بضع سنوات، ما انفك الغضب يتصاعد، والشعوب ترفض سلطة حكامها، حيث تكاثرت الاحتجاجات والتمردات والإضرابات وعمليات التنديد والتحدّي التي زادتها المواقع الاجتماعية حدّة. كيف وصلت الأمور إلى هذا الحدّ؟ في كتاب “عصر الفرد المستبد” يؤكد إريك سادان، وهو من أبرز المفكرين في العالم الرقمي وتشعباته السياسية والحضارية، أن أسباب التمرد مرتبطة بانحرافات الليبرالية التي تمّ تقديمها كمثال سياسي أوحد، كتزايد التفاوت وتدهور ظروف العمل وتراجع الخدمات العامة وانتشار الفضائح السياسية. ولكن العنف الذي يتسم به ذلك التمرد غير مسبوق، لأنه يتبدى كتعبير عن نموذج جديد هو الفرد المستبد. هذا النوع من الفرد ظهر بظهور التقدم التكنولوجي الحديث، والإنترنت والسمارتفون والتحولات الناجمة عن الثورة الرقمية، التي توهم بأن العالم بات تحت أقدامنا، وأن صوتنا يساوي صوت العالم كله. المفارقة أن الأزمات الاقتصادية تعزز الانطباع بأن الفرد مسلوب، ولكن التكنولوجيا توهمه بأنه قويّ لا يقهر.

 الفنون كوسيلة لدراسة الأديانصورة

“هل يمكن الحديث عن الديانات في المدرسة” لإيزابيل سان مارتان صدر قبل مقتل الأستاذ الفرنسي الذي عرض رسوم الكاريكاتير، ولكنه يحمل في طياته أسئلة ما بعد المأساة، وهي الأسئلة التي تعود للظهور إثر كل حادث إرهابي منذ مطلع الألفية، وتتجلى في خطب السياسيين الذين يختلفون حول مفهوم العلمانية وسبل تطبيقه دون الإساءة إلى الأقليات. وبصرف النظر عن الجدل حول تدريس الحقائق الدينية، يقترح الكاتب قراءة في التقدم الحاصل في مسار الإصلاحات المتتالية للبرامج. ما هي “الحقائق الدينية” وما وجه العلمانية في مناقشتها في الفصل؟ كيف نحترم مبدأ الحياد دون تفادي الموضوع؟ إذا كان التاريخ غالبًا في المقدمة، فإن ثمة دعوة هنا إلى مقاربة تقوم على الفنون، لكونها تسمح بولوج عالم رموز الأديان، بشكل يسمح بإحلالها في الراهن، وتهذيب حساسية النظر.

مقالات ذات صلة

إضافة تعليق جديد

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.